الحرم المكي

كان الحَرَم المكي في زمن الرّسول على حدود المطاف قبل التّوسعات السعودية وهي حدوده القديمة. فلمّا كثر سواد المسلمين، زاد فيه عمر وعثمان شيئًا ممّا اشترياه من الدُور التي كانت حوله وزاد فيه عبد اللّه بن الزبير عندما بنى الكعبة وأقام ما كان تهدّم منه. وكذلك زاد فيه الوليد بن عبد الملك

ولمّا حجّ الخليفة محمّد المهدي سنة 160هـ ورأى أنّ البيت ليس في وسط المسجد اشترى كثيرًا من البيوت خصوصًا في الجهة الشرقية القبلية وأضافها إلى المسجد، وأدخل إليه كثيرًا من الأزورارات التي كانت فيه وكانت في ملكية الغير ثم أتى من بعده ابنه الهادي فأكمل ما نقص في مدّة والده.

كانت دار الندوة عامرةً بالحرم تجاه الكعبة في مكّة المُكرمة من الجهة الشمالية الغربية، وكان ينزل بها الخلفاء والأمراء في حجّهم في صدر الإسلام، ولكنّها أُهمِلَ أمرها في منتصف القرن الثالث الهجري فأخذ يُهدَم بناؤها. فكتب في ذلك إلى الخليفة المُعتضد العباسي فأمر بها فهُدِمَت في سنة إحدى وثمانين ومائتين وجُعِلَت مسجدًا وفيها قبلة إلى الكعبة، ثم بُني له قبة عالية. ولما تسلّم الأمير كلدي أمير إمارة مكّة في سنة 957هـ هدم دار الندوة وبنى المقام مُربّعًا ذا طبقتين: الأولى للإمام والمُصلّين، والثانية للمؤذّنين والمبلّغين، وهو على هذا الشكل إلى الآن.

أمّا الرواق الشرقي فكان قد احترق سنة 802هـ فأمر الملك الناصر فرج بن برقوق، ملك مصر، بتعمير ما خرّب منه ووضع بدل الأعمدة الرّخام التى احترقت أعمدة من الحجر الشمسي.

وفي سنة 979هـ مال الرواق الشرقي من الحرم ميلاً محسوسًا فأمر السلطان سليم الثاني بأن يرسل المعماريون والمهندسون والصناع من جميع الأصقاع لعمارته فأنزلوا سقفه جميعه وأساطينه كلّها وهدموا محيطه وبنوه على التربيع الحالي وأقاموا أعمدة الرّخام بين أساطين حجرية متناسبة الوضع وبنوا عليها قبابًا بدل السّقوف التي كانت تطحنهم يد الرّطوبة. ولما تولى السلطان مرادخان أمر بتتميم العمارة على الوجه الذي نراه الآن وليس لِمَن بعده من السلاطين بهذا الحرم إلاّ عمارات ترميمية أو تكميلية. 

الحرم من داخله على شكل مُربعٍ، يميل في وسطه إلى الزّاوية الجنوبية للكعبة المُكرمة. وطول ضلع الحرم المُقابل للحطيم، وهو الذي فيه باب الزّيادة، مائة وأربعة وستون مترًا. وطول الضّلع الذي يقابله، وهو الذي فيه باب الصفا، مائة وستة وستون مترًا. وضلعه الذي فيه باب السلام مائة متر وثمانية، والذي يقابله وهو الذي فيه باب إبراهيم، مائة وتسعة أمتار. فيكون مسطّحه من الداخل سبعة عشر ألف وتسعمائة واثنين من الأمتار المربعة. أمّا من الخارج فمتوسّط طوله مائة واثنان وتسعون مترًا وعرضه مائة واثنان وثلاثون مترًا. ويحيط بالحرم من داخله أربعة أروقة فيها ثلاث مائة وأحد عشر عمودًا يتخلّلها مائتان وأربع وأربعون أسطوانةٍ من الحجر الشّمسي الأحمر، تقوم عليها قباب على محيط المسجد. وعلى بعض هذه العُمُد كتابة محفورة.

أبواب الحرم ثمانية في الجهة الشّمالية وهي: باب الذّريبة وباب المدرسة وباب المحكمة وباب الزيادة وبجواره إلى الغرب باب القطبي وباب الباسطية وباب الزمامية. ثم باب عمرو بن العاص ويليه من الجانب الغربي أوّلها باب العمرة وباب ابراهيم ثم باب الحزور. ويليه من الجهة الجنوبية سبعة أبواب: أوّلها باب أُم هاني وباب العجلة (ويُسمّونه باب التكية) وباب الرحمة (أو المجاهدية) وباب أجياد (أو السنبلة) وباب الصفا وباب بني مخزوم ثم باب بازان. ويلي ذلك من الجهة الشرقية أربعة أبوابٍ: وهي باب بني هاشم (أو باب علي) وباب العباس (أو باب الجنائن) وباب النّبي وباب السلام وهو الذي يدخل منه إلى الحرم عند طواف القدوم. ومجموع هذه الأبواب اثنا وعشرون بابًا.

وفي المسجد ست مناراتٍ: الأولى منارة باب العمرة وهي من أعمال الخليفة المنصور العباسي في عمارته للمسجد، سنة مائة وثلاثين ومنارة باب السلام ومنارة باب علي ومنارة الحزورة وهي من أعمال المهدي العباسي في عمارته للمسجد سنة مائة وثماني وستين، ومنارة باب الزيادة وهي من أعمال المُعتضد العباسي سنة مائتين وأربع وثمانين، ومنارة السلطان قايتباي.

وعلى حدود المطاف أربع سقائف قامت على أعمدةٍ من الرّخام. فالشمالية منها مصلى الإمام الحنفي، والغربية للإمام المالكي، والجنوبية للإمام الحنبلي. أمّا الإمام الشّافعي فيُصلّي في مقام ابراهيم أو في المطاف ممّا يلي الكعبة مباشرة. 

للحرم صحن كبير غير مسقوف تقطعه مماش محجورة، وما بينها أرض زلط من دون الفولة يسمّونها الحصباء. وأوّل مَن حَصَبَ أرضية الحرم عمر. والكعبة في وسط صحن المسجد بمَيلٍ إلى الجنوب. ويليها من الشّرق مقام إبراهيم وفي جنوبه الشرقي قبة زمزم، بناها أبو جعفر المنصور في سنة مائة وخمسة وأربعين وفرش أرضها بالرخام. أمّا الشبكة التي على فوهتها فأمر بعملها السلطان أحمد العثماني. وفي شرقي زمزم إلى الشمال باب شيبة وهي باكية كبيرة قامت وسط الحرم في حدود المطاف على عمودين من البناء المكسو بالرّخام. وفي شمال المقام المنبر، وهو من الرخام، غايةً في حُسن الصناعة أهداه إلى الحرم السلطان سليمان القانوني ومكتوب على بابه بالخط الذهبي الجميل: "إنّه من سليمان وإنه بسم اللّه الرحمن الرحيم". وأول مَن وَضَع المنبر بالمسجد الشريف معاوية بن أبي سفيان حين قدومه إلى مكة حاجًا. ثم أهدى الرّشيد سنة مائة وسبعين هجرية منبرًا من خشبٍ جميلٍ من صناعة مصر لمناسبة حجّه. وفي خلافة الواثق أُضيِفَت إليه ثلاثة منابر.