جامع السلطان حسن

من أجمل العمائر الإسلامية المملوكية ذلك الجامع الفخم الذي يقوم في سفح قلعة الجبل في مدينة القاهرة بمصر. وهو الذي شيده السلطان المملوكي الناصر حسن بن الناصر محمد. بدأت عمارته سنة 1356م واكتملت سنة 1363م.

يعتبر هذا الجامع نموذجاً للمظهر الجليل والمساحة الهائلة والتصميم العجيب والحدود المترامية، ففيه قبة عظيمة وأبواب فخمة وإيوانات عالية وزخارف دقيقة على النحو الذي يجعله من أكمل العمائر الإسلامية وقدوة في فن العمارة.

يبلغ طول هذا الجامع 150م وعرضه 68م وارتفاعه عند الباب 37.70مترا وتصميمه كان على غرار المدارس الدينية المذهبية السنية. وكان المسجد على شكل صليب قوامه صحن حوله أربعة إيوانات وفي زواياه مساكن للطلبة والشيوخ.

يعجب القادم إلى هذا المسجد بحيطانه العالية الفخمة والإفريز الذي يتوجها وزخارفه المعمارية التي تشبه خلايا النحل والتي تخدع الناظر فتبدو الجدران أعلى من الحقيقة. أما الشاهد فيرى في واجهات الجامع تجاويف في الحيطان عمودية طولية وقد هيئت النوافذ على ثمان طبقات. أما المدخل الرئيس فهو من الجهة البحرية، وله فتحة كبيرة تعلوها المقرنصات. وينفذ منه الداخل إلى المدرسة الصغيرة المشيدة في إحدى زوايا المسجد، وهي ثلاثة إيوانات وصحن فوقه القبة. أما صحن المسجد فطول كل من ضلعيه 32م و 34م، وفي وسطه حوض كبير للوضوء فوقه قبة كبيرة محمولة على ثمانية أعمدة من الرخام. على جوانب الصحن أربعة إيوانات، سقف كل منها يبدأ بعقد مدبب جليل المنظر. وأكبرها إيوان القبلة في الجهة الجنوبية الشرقية.

إيوان القبلة أغنى وأعظم دقة في الزخرفة، بحيث يكون جامع السلطان حسن من العمائر الإسلامية النادرة التي تجمع دقة الزخرفة وجمالها وقوة البناء وعظمته. وجدران هذا الإيوان مكسوة بالرخام والأحجار الملونة، وعليها شريط من الكتابة الكوفية الجميلة التي تقوم على أرضية من الفروع والزخارف النباتية في الجص. ونص هذه الكتابة آيات قرآنية من سورة الفتح.

المنبر من الرخام الأبيض له باب من الخشب المصفح بالنحاس في زخارف من أشكال متعددة الأضلاع ومرتبة في أوضاع نجمية على النمط الذي اشتهر في العصر المملوكي. أما المحراب المجوف فتزينه قطع من النقوش الذهبية والرخام المطعم، ويحف به عمودان من الرخام في كل جانب من جانبيه. وبين تيجان الأعمدة وشريط الكتابة مستطيل فيه عقد المحراب فيزيده ظهورا. وفي هذا الإيوان دكة من الرخام تقوم على ثلاث دعائم بينها ثمانية أعمدة. وفي حائط القبلة بابان يوصلان إلى القاعدة ذات القبة العظيمة التي أعدت كمدفن للسلطان. ويحيط بالقاعة سكون وظلام يبعثان الرهبة والخشوع وهي مربعة الشكل طول ضلعها 21م، والحيطان مكسوة بالرخام إلى ارتفاع 8م.

فوق الكسوة الرخامية شريط من الخشب عليه كتابة تاريخية بالخط النسخي. وفي وسط القاعة مقصورة من خشب تضم تابوتا من الرخام.

كان للبابين الموصلين إلى القاعة كسوة من النحاس المغلف بالذهب والفضة، ولا يزال أحد هذين البابين يدل بكسوته على ما وصل إليه الفنانون المسلمون حينذاك من مهارة وإتقان في صناعة المعادن وزخرفتها بالرسوم المطبعة بالذهب والفضة.

للجامع مأذنتان في الجانب القبلي الشرقي ويبلغ ارتفاع الكبيرة 81.60م، وكانت نية السلطان بناء أربع مآذن ولكن سقوط الثالثة أوقف العمل على مئذنتين فقط. وترجع عظمة هذا المسجد إلى توافق أجزائه والاتزان والتآلف فيما بينها، على نحو تتجلى فيه عبقرية الفنان المسلم.