قبة الصخرة

تُعتَبر قبة الصخرة من أقدم المُنشآت العربية الإسلامية ويمتاز بناؤها بطابعه المعماري الفريد وغناه الكبير. وهي آية معمارية خارقة. ويحار المؤرّخون في تحديد الوظيفة الأساسية لهذه المُنشأة المُتميّزة.. فهل كانت مُجرّد مسجدٍ لإقامة الصّلاة أم أن إنشاءها كان لمضاهاة المباني المسيحية الجميلة التي كانت موجودة حينذاك، سواء في هذه المنطقة أو حتى في بيزنطة ؟

تعتقد الأغلبية أن قبة الصخرة كانت مسجدًا منذ بداية إنشائها في القدس وكان الحَرَم الشريف هو صحن هذا المسجد. ويستدلّ أصحاب هذا الرأي على ذلك من خلال العثور على محرابٍ قديمٍ في مبنى قبّة الصخرة، أبعاده 1.37م×0.67م، وكذلك وجود عناصر مسجديةٍ أخرى، مثل منبر برهان الدّين في الحرم ومحراب قبة السلسلة والمآذن المُستقلّة.

أشرف على تصميم قبة الصخرة وتنفيذها رجاء بن حيرة الكِنديّ ويزيد بن سلام، وجاء تصميم قبة الصخرة فريدًا من نوعه في تاريخ العمارة الإسلامية.


كانت قبة الصخرة على أيام عبد الملك بن مروان بناءً من ثمانية أضلاعٍ تعلوه قبةٌ خشبيةٌ قطرها 2.44م، ذات رقبة عالية فيها نوافذ عددها 16 نافذة. وكانت القبّة التي ترتفع ذروتها عن الأرض 35.30م، مؤلّفة من سطحين مُستقلٌ كلّ منهما عن الآخر، يُؤدّي إلى الفراغ باب صغير، ولقد غُطّيَ السطح الداخلي للقبة بغطاءٍ خشبيٍ مُثبّت بمسامير، وهو يحمل الزخارف العربية التي تُرى من الداخل. أمّا القبة الخارجية فمغطاة بالخشب المُصفّح بالحديد (الآن بالألمنيوم) يعلوه جامور برونزي ارتفاعه 4.10م، يعود صنعه إلى العام 1187م بعد تحرير القدس من الصّليبيين.

ولعلّه كان هدف بناء سطحين للقبة تخفيف الحمولة على الركائز والأعمدة وخلق عازلٍ هوائيٍ يحمي داخل القبة من تحولات الطقس. أمّا غلافها المُصفّح بالنحاس المُذهّب أو القصدير أو الألمنيوم فيساعد على الحماية من الأمطار والشمس. وتُعتَبَر هذه القبة الخشبية الأولى في تاريخ العمارة الإسلامية. ولقد سقطت هذه القبة عام 1015م، وأعيد إنشاء القبة الحالية عام 1021م وجرى تجديد تصفيحها.

ترتكز القبة على اثني عشر عمودًا وأربع عضادات متناوبةٍ، أي بمعدّل ثلاثة أعمدةٍ بين كلّ عضادتين.. وتُشكّل هذه الحوامل الممشوقة دائرةً تحيط بالصخرة المقدسة. ويحيط بهذه الدائرة مثمن طول ضلعه 20.60م، وهو مؤلف من جدرانٍ ارتفاعها 9.50م وسمكها 1.30م. ويعلو الجدران تصوينة بارتفاع 2.60م. وبين المثمن والدائرة يقوم مثمن من الدعائم تعلوها أقواس دائرية عددها 24 قوسًا تحملها 8 دعائم و16 عمودًا.

لِمَسجد قبة الصخرة أربعة أبوابٍ: الباب الشرقي ويقع تجاه قبة السلسلة ويُسمّى باب النبي داوود؛ والباب الغربي ويقابل باب القطانين واسمه باب الجنة؛ والباب الجنوبي القبلي يقابل المسجد الأقصى؛ والباب الشّمالي.

تعود هذه الأبواب الأربعة إلى عهد السلطان سليمان وهي من الخشب المُصفّح. وفي أيام المقدسي كانت الأبواب من الخشب المُزخرف المنقوش وكانت هدية من والدة الخليفة المُقتدر بالله. ويتقدّم الأبواب الأربعة من الخارج واقيةٌ على شكل رواقٍ بعرض 9م وعمق 2.8م، يعلوها في الوسط قنطرة قطرها 2.5م. 

ومن أقدم العناصر المعمارية في قبّة الصخرة المحراب الصغير القائم تحت الصّخرة ويبلغ ارتفاعه 1.37م وعرضه 0.76م.

قامت الزخرفة العربية الإسلامية بأداء الدّور الجمالي والتزييني في المبنى العربي الإسلامي. وقد امتازت هذه الزخرفة بمميّزاتٍ خاصةٍ أعطتها صبغتها الخاصة التي تختلف من خلالها عن الفنون التي سادت لدى الشعوب والحضارات والفنون الأخرى، بدءًا من تحاشي تصوير البشر التي يعتقد الكثيرون أنّ للدِّين موقفًا تجاه هذا الأمر.. وصولاً إلى تجنّب المنحوتات المجسّمة للمخلوق البشري أو الحيواني ومشاهد العري والفحش ودلالاتها. هذه الأمور حدَت بالفن الزّخرفي العربي الإسلامي للإتّجاه نحو التجريد وتحوير الأشكال والأشياء.

يعلو قبة الصخرة جامور برونزي بارتفاع 1.60م مؤلف من ثلاث كراتٍ، الوسطى هي أكبرها حجمًا. يعتمد الجامور على قاعدةٍ نصف كرويةٍ كما يعلوه هلال. وهذا الجامور مصنوعٌ من عهد القائد صلاح الدين الأيّوبي.

القبة مُحزّزة بفواصل من ألواح الألمنيوم الأصفر وعددها خمسون لوحًا. وفي الترميم يجري استبدال الألمنيوم بالرّصاص، على أن غلافها القديم كان من النحاس المُذهّب.

تُعتَبَر الزخرفة الداخلية لِقِبّة الصخرة أجمل ما قدمته عبقرية الفنان الصّانع المُبدع، وهي مؤلّفة من أشرطةٍ تتجمع ضمنها الزّخارف الذهبية على أرضيةٍ معتّمةٍ زرقاء، وثمّة حلقة عليا كاملة من الكتابات القرآنية بالخط الثلث تشمل الآيتين 255 و256 من سورة البقرة. أمّا الحلقة السُّفلى فتتضمّن تعريفًا لمُنشىء القبة، وهو السّلطان صلاح الدين الأيوبي. ولقد تمّ تنفيذ هذه الرّسوم النّافرة بالألوان.