مسجد ومدرسة السلطان الغوري وقبته

يقع هذا المسجد عند تلاقي شارع المعز لدين الله، بشارع الأزهر في القاهرة. وإلى جانب مدخل القبة، يقوم سبيل يعلوه كتاب، ويقع خلفها خانقاه ومقعد؛ وإلى جوارها ثلاثة منازل تجتمع كلّها في وجهةٍ واحدةٍ متّصلةٍ، تشرف على شارع الأزهر. أنشأ هذه المجموعة من المباني الملك الأشرف قانصوه الغورى، فى سنة 909/ 910 هـ 1503/ 1504م. وكان الغوري فى الأصل أحد مماليك الأشرف قايتباي. وقد استمر فى خدمته إلى أن أعتقه وصار يتقلّب فى عدّة وظائف إلى أن بلغ أسماها فى أيّام الملك الأشرف، جان بلاط. وفى سنة 906 هـ/ 1501م وُلّي ملك مصر واستمرّ حكمه لها إلى سنة 922 هـ/ 1516م، حيث قُتِل فى شهر رجب من العام ذاته، فى معركة مرج دابق، مع السّلطان سليم العُثماني.

كان الغوري شغوفًا بالعمارة، فأنشأ الكثير من المباني الدّينية والخيريّة. ولم يكن اهتمامه بالعمارة قاصرًا على المُنشآت التي أقامها، بل تعدّاها إلى ترميم وإصلاح وتجديد كثير من الآثار التّي شيّدها أسلافه؛ واقتدى به الأمراء، فشيّدوا الكثير من المباني التي مازالت باقية إلى الآن، تنطق جميعها بازدهار العمارة والفنون فى عصره ازدهارًا عظيمًا. وأعظم ما تركه الغوري من منشآتٍ، هي تلك المجموعة الأثرية التي نصفها الآن والتي تُعتبر بحقّ من أبدع ما خلّفه لنا سلاطين دولة المماليك الجراكسة. فقد عني بها الغوري عنايةً فائقةً وبالغ فى تجميلها وزخرفتها لكي تزهو على مثيلاتها المنشأة فى عصر قايتباي.

لهذا المسجد ثلاث وجهات أهمّها الوجهة الشرقية التي تشرف على شارع المعز لدين الله؛ وبوسطها المدخل الرّئيس وبأسفلها دكاكين، وفتح بها ثلاثة صفوف من الشّبابيك، يعلوها طراز مكتوب به بالخطّ المملوكي آية قرآنية ثم إسم الغوري وألقابه وأدعية له. وتتوّجها شرفات مورقة حلّيت أوجهها بزخارف محفورة فى الحجر. وصَدرُ المدخل مُحلّى بتلابيس من الرّخام الأبيض والأسود، وتُغطّيه طاقية من المقرنص الجميل، وكُسيَ مصراعَا بابه بالنُّحاس المُزخرف. وبطرف هذه الوجهة من الجهة القبلية، تقوم منارةٌ ضخمةٌ مربّعة القطاع، لها دورتان تتكوّن من مقرنصاتٍ منوّعةٍ وتنتهي من أعلى بحطة مربّعة، تعلوها خمسة رؤوس. ويؤدّي الباب الرّئيس الذي يتوصّل إليه ببضع درجات إلى دركاتٍ مربّعةٍ، أرضيتها من الرّخام المُلوّن الدّقيق، وسقفها من الخشب المنقوش بزخارف مذهّبة.

شُيِّد هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو يتكوّن من صحنٍ يُحيط به أربعة إيواناتٍ. اثنان منها كبيران، وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له؛ وأمّا الآخران، وهما الجانبيان، فصغيران. ويحيط بجدرانها وزرةٌ من الرّخام الملوّن، تنتهي من أعلى بطرازٍ رُخاميٍّ مكتوب به بالخط الكوفيّ المزهر آيات قرآنية وتاريخ الفراغ من أعمال البناء سنة 909هـ . وفوق عقود الإيوانات الأربعة، طراز مكتوب بالخطّ المملوكيّ آيات قرآنية يعلوه إزار من المقرنصات الجميلة. ويتوسّط صدر إيوان القبلة محراب من الرّخام المُلوّن وبجواره منبر خشبيّ دقيق الصّنع. وأرض المسجد مفروشة بالرّخام الملوّن بتقاسيم بديعة. وتقوم دكّة المبلغ على كابولين خشبيين في مؤخّرة الإيوان الغربي، وفي مواجهة المحراب مكتوب عليها إسم الغوري وألقابه وأدعية له.

تقع وجهة قُبّة المسجد فى مواجهة وُجهة البناء وبها المدخل بزخارفه ومقرنصاته وتلابيسه الرّخامية المماثلة لمدخل المسجد؛ كما وأن بها صفّين من الشّبابيك داخل صففٍ، السّفلية منها معتّبة بمزرّرات من الرّخام الأبيض والأسود، والعلوية على هيئة شبابيك قندلية. وتنتهي الوجهة بشرفاتٍ مورّقةٍ مُحلاّة الأوجه بزخارف محفورة في الحجر. ويبرز من هذه الوجهة، بنهايتها البحرية، سبيل له ثلاث فتحات كبيرة وأرضية من أجمل الأرضيّات الرّخامية، يعلوها كتاب مفتوح من كلّ جانبٍ من جوانبه الثّلاثة بعقدين محمولين على عمودٍ فى الوسط ويغطّيها رفراف من الخشب، محمول على كوابيل خشبيّة ويتوصل إلى المدخل ببضع درجات؛ وهو يؤدّي إلى ردهةٍ مربّعةٍ، سقفها منقوش وأرضيتها من الرّخام المُلّون كنظيرتها بالمسجد. وعلى يمينها، باب يؤدي إلى القبة التي لم يبق منها سوى حوائط مربعها الحافلة بالزخارف والكتابات المحفورة فى الحجر، وأركانها ذات المقرنصات المتعدّدة الحطّات.

أمّا القبة نفسها فغير موجودة، إذ هُدِمَت في أيّام الغوري مرّتين لخللها، وأعيد بناؤها ثمّ هُدمَت مرّةً أخرى وأقيمت من الخشب حوالي سنة 1881م، إلى أن هُدِمَت وحلّ محلّها السّقف الخشبيّ الموجود الآن.