مسجد ومدرسة أبو بكر مزهر

يقع هذا المسجد بحارة برجوان بحي الجمالية بمصر. أنشأه فى سنة 884 هـ 1479/ 80م أبو بكر مزهر الذي تلقى علومه بمصر حتى نبغ فيها وحصل على إجازة التدريس والإفتاء، وصار من أفاضل العلماء، وقد ولي عدة وظائف سامية، كان آخرها ولايته لديوان الإنشاء فى أيام الملك الأشرف قايتباى.

يعتبر هذا المسجد من النماذج الرائعة للمساجد التى أنشئت فى عصر الملك الأشرف قايتباى، إذ تتمثل فيه وفى نظرائه من المساجد التى أنشئت فى هذه الحقبة من الزمن، مثل مسجد قجماس الأسحاقى ومسجد أزبك اليوسفى، براعة التخطيط وجمال التناسب، ودقة الصناعات المختلفة ووفرتها وبلوغها شأواً عظيما من الإتقان. كل هذه ناطقة وواضحة فى منبره وشبابيكه وأبوابه، كما فى وزرته الرخامية الجميلة وأرضياته البديعة. ولهذا المسجد وجهتان، يقع المدخل الرئيس بالواجهة الشرقية منهما، ويمتاز بزخارفه الجميلة المحفورة فى الرخام والحجر، وببابه المغشى بالنحاس المزخرف بأشكال هندسية. ويعلو هذا المدخل المنارة وهي مكوّنة من ثلاث دورات. وهى كمثيلاتها المعاصرة حافلة بالزخارف والمقرنصات. وبالواجهة القبلية باب يوصل إلى دورة المياه وإلى السبيل والكُتّاب الملحقين بالمسجد. ويؤدي المدخل الرئيس إلى ردهة صغيرة على يسارها شباك مفتوح على إيوان القبلة وعلى يمينها طرقة إلى الصحن. وقد بُني هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد. فهو يتكون من صحن مسقوف يحيط به أربعة إيوانات: إيوان القبلة والإيوان المقابل له ينفتح كل منهما على الصحن بثلاثة عقود محمولة على عمودين من الرخام، والإيوانان الجانبيان ينفتح كل منهما بعقد واحد.

فرشت أرض الصحن وأرضية الإيوانات بالرخام الملون بتقاسيم هندسية جميلة. ويحيط بجدار إيوان القبلة وزرة مرتفعة من الرخام الملون يتوسطها محراب رخامي جميل يقوم إلى يمينه منبر خشبى دقيق الصنع، تعلوها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون. وقد سجل الصانع الذي قام بأعمال الزخرفة والنقوش فى المسجد اسمه فى وسط عقد الشباك المجاور للمحراب بأن كتب : عمل عبد القادر النقاش. وهذه ظاهرة نادرة الوجود، إذ أننا نشاهد عادة ضمن الكتابات الموجودة بالمساجد الأثرية اسم المنشئ سواء أكان ملكاً أو أميراً، وفي الغالب الأعم نجهل اسم المهندس الذي قام بوضع تصميم المسجد أو الصانع الذى ساهم فى نقشه وزخرفته. ولا تقل أسقف المسجد عن غيرها من أجزائه المختلفة روعة وجمالا، فهى مصنوعة من الخشب على شكل مربعات وطبال منقوشة بزخارف دقيقة مموهة بالذهب.