الأضرحة والأتربة

يقصد بالضريح مدفن سلطان أو أمير أو رجل صالح أو أي إنسان آخر له مكانة تدعو إلى تخليد ذكراه.

تعلو بناء الضريح عادة قبة تختلف عن قباب الأبنية الدينية والمدنية الأخرى. وقد كانت في
العراق مخروطيّة الشكل ابتداء من القرن الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي وحتى العصر العثماني.

لا تأخذ الأضرحة بطبيعة الحال شكلاً واحداً وإن كان دورها الوظيفي واحداً، بل تختلف باختلاف الزمان والمكان، إضافة إلى اختلاف أهمية صاحب الضريح. فهناك البسيط المنفرد البناء المتواضع المواد، المكوّن من غرفة واحدة مقببة مربعة تضم التربة وحدها. وقد يقام الضريح قريبا من مدرسة أو ملاصقا لها أو لحقا بجامع، أو يكون هو النواة لمسجد فخم المظهر متعدد المآذن محاطاً بالبرك والجنائن والأشجار. وقد غالى سلاطين الهند بالإنفاق على الأضرحة وزخرفتها وعرفت بالروضات. ولم يعرف تاريخ العمارة حتى الآن ضريحا أموياً أو عباسياً واحداً، وربما يكون ذلك إلى أن الأمويين كانوا يقتدون بالحديث القائل: "خير القبور الدوارس".

بدأ الاهتمام الفعلي للعمارة الإسلامية في إنشاء هذا النسق من المباني في مرحلة متأخرة نسبيّاً من عمر الدولة الإسلامية. وقد لقيت الأضرحة والترب والمقامات اهتماماً كبيراً في العصر السلجوقي، حيث ابتكر
السلاجقة إنشاء مبنى معماري خاص فوق القبر يتكون من بهو تقوم عليه قبة فوق القبر. وقد تنوعت أشكالها حيث بنيت على شكل أبراج أسطوانية، أو ذات أضلاع وواجهات، أو على شكل عمائر ذات قباب. وكانت التقاليد المعمارية الشائعة في العمارة الإسلامية في هذا الصدد هي عملية وجود الضريح في حرم الجامع.

وفي العصر الأيوبي كثر إنجاز هذه المباني، ولكن المماليك زادوا من انتشارها وطوروا في طرزها فازداد ارتباط الضريح ببناء المدرسة والجامع، وانتشرت عملية دمج قبة التربة مع المصلى، والجمع بين التربة والمسجد.

أخذ بعض الترب نظاماً مستقلاً في تشكيلها المعماري، حيث بنيت حسب تخطيط خاص. فنجد لها جبهة حجرية ضخمة وجميلة، وذات بوابة مرتفعة، تزينها المقرنصات، وتتألف غالبا من قاعتين إحداهما للضريح والأخرى للمصلى، مسقوفتين بقباب مرتفعة وجميلة. وكانت غرفة الضريح المركز الهام للزخرفة بكل أنواعها وأشكالها.

اتخذت الترب طابعاً مميزاً لها في فن العمار الإسلامي. فهي مربعة البناء غالبا، ومن فوقها قبة وفي بعض الأحيان تتوحد القبة مع القاعدة المربعة. وغالباً ما تتصل القبة بالقاعدة. وتجدر الإشارة إلى أن القبة قد غدت من أبرز عناصر العمارة الإسلامية في الأضرحة والترب خاصة، حتى لا يكاد يخلو ضريح أو تربة أو مشهد من قبة تعلوه. وابتكر المعماري المسلم أشكالاً متنوعة من القباب تدل على عظمة ومهارة هندسية بارعة متميزة. ولجأ الفنان المسلم إلى زخرفتها بأشكال هندسية ونباتية متنوعة معتمداً على عنصر التكرار والتوازن الذي يحدث أثراً زخرفياً جمالياً. كما كان للخط العربي بأنواعه المختلفة الدور الكبير في الزخرفة وبشكل متميز.