جوائز الآغا خان للفن المعماري

أطلق الآغا خان جوائزه للفن المعماري سنة 1977. والآغا خان هو الإمام أو الرئيس الروحي للطائفة الإسماعيلية، بقصد إبراز دور الثقافة الإسلامية، وبخاصة في فن العمارة، في العالم. وسلك في ذلك خطة تقضي بالبحث عن المشاريع المعمارية البارزة والمميزة التي جرى تنفيذها والتي اعتمدت العمارة الإسلامية التقليدية أساساً لها وأدخلت عليها التطبيقات والتقنيات الحديثة، مواداً وتناسقاً مع البيئة والمحيط وتجاوباً مع حاجات المجتمعات الإسلامية. وإلى جانب ذلك خُصصت جوائز للبارزين من المعماريين المسلمين الذين ظهروا في عصرنا الحاضر والذين قرنوا الحداثة مع التراث وابتعدوا عن التغريب والفن التجريدي، أو الفن من أجل الفن.

من هنا كرّمت اللجنة مهندسين معماريين بارزين ومنحتهم جوائز سخية بينهم المصري
حسن فتحي والعراقي رفعت الجادرجي.

تشرف على اختيار الفائزين من معماريين ومشاريع منفذة لجنة يرئسها الآغا خان، وتبلغ الجائزة نصف مليون دولار، وهي الأعلى في العالم. وتعطى الجائزة على دورات مرة كل ثلاث سنوات. وقد أُكملت حتى الآن ثماني دورات منذ سنة 1977 بعد أن درست اللجنة خلال هذه المدة سبعة آلاف مشروع واختارت من اختارتهم بين مهندس معماري ومشروع معماري منفذ.

شملت الجوائز البلدان العربية التالية:
مصر وتونس والمغرب وسوريا والمملكة العربية السعودية واليمن. ومن أبرز المشاريع التي حظيت بهذه الجوائز:

المغرب

مُنحت الجائزة للمدينة الساحلية أصيلة التي أسسها الفينيقيون.  وعندما احتلها البرتغاليون أقاموا حولها حائطاً دفاعياً ظل قائماً حتى اليوم. والمدينة هي اليوم مصيفاً ومرفأً ومركزاً ثقافياً. وكانت مجموعة من المعماريين المغاربة عرفت باسم مؤسسة المحيط الثقافية، بينهم محمد بنعيسى ومحمد ملحي قد بدأت قبل خمس عشرة سنة إعادة تأهيل المدينة بالاشتراك مع عدد من المثقفين المغاربة. وشمل عملهم تأهيل السور الدفاعي الذي بناه البرتغاليون وقصراً يعود إلى مطلع القرن العشرين. فنقلوا مراكز النشاط التجاري إلى قرب السور وأعادوا تبليط الأزقة والطرقات وكلفوا عدداً من الفنانين المحليين بتزيين حائط السور الداخلي. كما عملت مؤسسة المحيط الثقافية على تحديث شبكات المياه والمجارير والمباني العامة والجوامع والبيوت. وقد وجدت اللجنة المشرفة على جوائز الآغا خان للفن المعماري "أن عدداً قليلاً من أبناء هذه المدينة المغربية قد أخذ على عاتقه تنفيذ عمل جبار بإمكانيات محدودة، إنما بنظرة تفاؤلية وتصميم لرفع مستوى مدينتهم المادي والثقافي. وقد أثبتت هذه المجموعة بما تمتعت به من مهارة وعزم أن تحرك همة أهل أصيلة لإعادة الحياة الحيوية لمدينتهم". وقد منحت هذه الجائزة خلال الدورة الرابعة (1987-1989).

المملكة العربية السعودية

حصدت المملكة ثلاث جوائز في ثلاث دورات، الأولى في الدورة الرابعة (1987-1989) لتأهيل جامع الكرنيش في جدة؛ والثانية في الدورة السادسة (1993-1995) لإعادة تأهيل وسط المدينة القديمة في الرياض والجامع الكبير؛ والثالثة في الدورة السابعة (1996-1998) لتأهيل قصر الطويق.

بُني جامع الكرنيش المواجه
للبحر الأحمر على النمط الإسلامي التقليدي، وعملت بلدية جدة ووزارة الأوقاف على تحديثه مع المحافظة على معالمه التراثية. أما الجامع الكبير في الرياض ومحيطه من الساحات العامة والأبواب القديمة والأبراج والشوارع والحائط القديم والأسواق وقصر الحاكم ودوائر الشرطة ومبنى البلدية، والواقعة كلها في وسط مدينة الرياض، فقد أعدت لها سلطات الرياض المحلية خطة تأهيل أشرف عليها المهندس المعماري الأردني راسم بدران الذي اعتمد أولاً على المحافظة على الطابع الفني النَجدي المحلي وانطلق منه في عمله التحديثي مستعيناً بالتقنيات الحديثة، فأجرى تحويراً جعل الجامع نقطة التركيز بدل أن يظل منفصلاً عن محيطه. فحول محيط الجامع إلى حديقة كبيرة زرعها بأشجار النخيل ليخفف من قساوة أشعة الشمس الحارقة ووزع في الحديقة مقاعد من الغرانيت ونافورات الماء. 

المشروع الثالث الفائز بالجائزة كان قصر الطويق في الرياض، وهو قصر تستعمله الدولة في احتفالاتها الرسمية والثقافية. وهو يقوم على مساحة كبيرة يحيط به حائط دائري طوله 800 متر بعلو 12 متراً وسماكة بين 7 و 13 متراً. وأنشئت بين القصر والحائط الدائري مساحات واسعة شملت حدائق عامة وملاعب وزرعت خيم للحفلات وأقيمت قاعات متعددة الخدمات ومقاه ومطاعم. وفي نظرة سريعة لما جرى تنفيذه يشاهد المرء نموذجين معماريين متزاوجين هما القصر والخيم وكأنهما يذكران بواحة خضراء عامرة ضمن محيط رملي صحراوي شاسع. والخيم هذه بيضاء مصنوعة من الألياف ومكسوة بالتفلون تغلفها جدران زجاجية.

تونس

فازت تونس بجائزتين، الاولى في دورة 1990-1992 والثانية في دورة 1993-1995. شملت الأولى مشروع صيانة
مدينة القيروان والثانية إعادة تأهيل محلة الحفصية في مدينة تونس.

تعد القيروان أكثر المدن قدسية بين المدن الإسلامية في المغرب العربي، وهي واحدة من أقدم المدن الإٍِسلامية. وقد أصابها على مر الزمن ما أصاب سواها من المدن فغزت بيوتها التراثية عائلات فقيرة حولتها إلى مساكن موقتة وأهملت إصلاحها لضيق أيديها، فهرمت المباني وكادت تنهار وتتحول إلى ركام. وتعود هذه المباني باكثرها إلى القرنين التاسع والعاشر ميلادي.

أشرفت لجنة صيانة مدينة القيروان على المشروع الطموح لإعادة تأهيل الجزء القديم فرممت جوامعه السبعة وأسواقه الثلاث وخانه الوحيد وأبوابه القديمة وخزان الماء وأضافت مدرسة للصم والعميان ومركزاً للمساعدات الاجتماعية وآخراً للمصابين بداء السكر ومتحفاً للفن الشعبي، وكذلك رممت في وقت لاحق الساحات العامة والشوارع وبعض البيوت المأهولة. وقد وجدت لجنة الآغا خان في هذا المشروع التأهيلي مثالاً يمكن أن تحذو حذوه المدن العربية والإسلامية التاريخية عن طريق إعادة الحياة النابضة لمجمعات قديمة وتحديثها بإدخال التقنيات المعمارية الحديثة على عمارات أهملت أجيالاً من دون أن تفقد الكثير من جمالها وخصائصها.

أما محلة الحفصية في تونس العاصمة والقائمة في الجزء الشرقي من المدينة القديمة فقد أشرفت على ترميمها وتأهيلها بلدية تونس و"مؤسسة صيانة واستعادة تأهيل المدينة" في تونس وقامت بالتنفيذ "لجنة التأهيل والتحديث" التونسية.

سكنت هذه المحلة حتى مطلع الستينات من القرن العشرين عائلات ميسورة. ولما انتقلت هذه الأسر إلى مناطق جديدة أصاب المحلة انحطاط وتلف. وسنة 1967 تأسست مؤسسة "صيانة واستعادة تأهيل المدينة" وعمدت إلى وضع خطة متكاملة لإحياء المنطقة وتحسين أحوال قاطنيها الجدد من الفقراء. وأكملت هذه المؤسسة الجزء الأول من عملها عام 1997 وفازت بجائزة الآغا خان عام 1993. غير ان الأعمال استمرت بعد ذلك فأنشئت شبكة جديدة للمياه والمجاري وعُبّدت الطرق وأهلت منازل ومكاتب ومحال تجارية وبنيت منازل جديدة على الطراز التقليدي بحيث لا يتعدى ارتفاع المنزل أكثر من طبقتين وفي وسطه فسحة خضراء داخلية. كما استعملت في البناء التصاميم القديمة من شوارع نصف مغطاة ومشربيات تحمي النوافذ.

سوريا

فازت سوريا بجائزة الآغا خان في الدورة الخامسة 1990-1992 لنظام البناء الحجري الذي اتبعته في منطقة درعا. وكان الأخوة مهنا: المعماريان رئيف وزياد والمهندس المدني رفيع قد وضعوا دراسات مفصلة لهذا النظام الذي أشرفت عليه وزارة الثقافة السورية وتم تنفيذه عام 1999.

اختار الإخوة مهنا البناء المؤلف من طبقة واحدة أو طبقتين في المناطق الريفية بدل المباني المرتفعة واعتمدوا على النظام السوري التقليدي في استعمال الحجر بدل الخرسانة المسلحة. فقد رأوا أن الحجر متوفر بكثرة والأرض شاسعة في الريف وأن كلفة البناء ستكون أقل بكثير باعتماد النظام الحجري بدل الخرسانة، فضلاً عن أن البناء الحجري يضفي جمالاً على محيطه تعجز الخرسانة عن تحقيقه.

وهكذا بنى الإخوة مهنا أربع مدارس في منطقة درعا بكلفة بلغت ثلث ما كانت ستكلفه هذه المدارس في ما لو بنيت بالخرسانة المسلحة. وقد نفّذ هذا المشروع باعتماد التقنيات الحديثة وخصوصاً الكمبيوتر الذي سهل عملية الاستعانة بعمال غير مهرة أو نصف مهرة بدل من اللجوء إلى المهرة الذين يكلفون أضعاف أضعاف هؤلاء. وقد وجدت لجنة جوائز الآغا خان أن "النظام الحجري قوي التصميم زهيد الكلفة يشجع الاعتماد على الموارد المحلية مما يمكن تطبيقه في جميع أنواع البناء في المناطق الريفية".

مصر

فازت حديقة الصغار الثقافية في
القاهرة بجائزة الآغا خان في دورة 1990-1992. وهي حديقة أنشئت في منطقة الست زينب الفقيرة القائمة في وسط القاهرة قرب
جامع ابن طولون. أقيمت الحديقة على هكتار من أرض خضراء تنمو فيها شجيرات وشجر نخيل. وتضم الحديقة الآن مكتبة عامة واستديوهات ومجمعات للكمبيوتر والألعاب الالكترونية وملاعب ونافورات ماء ومسارح يسورها كلها حائط قليل الارتفاع يحازي شارعاً تسكنه عائلات عديدة وفيه محلات تجارية ومكتبة عامة ومصلى وساحة كبيرة. وقد وجدت لجنة الجوائز أن إدخال هذه الحديقة ضمن محيط مديني يعج بالحياة قد أسهم في خلق تكامل بين بيئتين، واحدة حديثة وأخرى تقليدية وجعلت سكان المنطقة السكنية القديمة يفخرون بهذه الفسحة الخضراء المتطورة في وسط شوارعها.

اليمن

فاز اليمن بجائزتين، الأولى في الدروة السادسة 1993-1995 والثانية في الدورة التاسعة 2002-2004. منحت لجنة الآغا خان للفن المعماري جائزته لمدينة
صنعاء "لمشروع صيانة والحفاظ على المدينة القديمة" الذي تم تنفيذه عام 1987 وأشرفت عليه أكثر من جهة عالمية بينها اليونسكو.

تأسست مدينة صنعاء منذ أكثر من ألفي سنة وظلت طوال قرون عديدة تشغل مركزاً تجارياً مهماً، كما كانت في وقت من الأوقات مركز الخلافة وهي اليوم عاصمة
اليمن. أما منازلها فكانت على مر الزمن مرتفعة أكثر من طبقة واحدة، وبعضها وصل إلى تسع طبقات. وكانت الطبقة الأولى تبنى عادة من الحجر والطبقات الأخرى من الآجر. وعندما بدأ النمو السكاني يكثر ويتوسع تمددت المدينة وأصبح الخطر بأن يهجر السكان المدينة القديمة واقعاً، عمدت حكومة اليمن سنة 1984 إلى إنشاء جهاز خاص للحفاظ على الوسط القديم وإعادة إعماره. وفي وقت لاحق وسّعت الدولة نطاق عمل هذا الجهاز ليشمل اليمن بأكمله. وقد أتمت الجهات المختصة الآن إعادة تأهيل حوالى خمسين بالمئة من شوارع وأزقة المدينة القديمة وأنشأت شبكات صرف ومياه جديدة وأعادت بناء حائط المدينة الطيني. وكذلك أعيد ترميم المنازل القديمة التي بنيت بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر.

وقد وجدت لجنة الجوائز أن "هذا المشروع قد أنقذ صنعاء، خصوصاً صنعاء القديمة".

أما الجائزة الثانية فكانت من نصيب جامع العباس قرب أصناف في اليمن الذي بني قبل 800 سنة على أنقاض هيكل قديم وفي مكان اعتبر مقدساً منذ القدم. وللجامع شكل مربع على غرار الكعبة في
مكة المكرمة.

يقوم الجامع على مرتفع يبعد أربعين كيلومتراً عن صنعاء وهو يعود إلى أواخر زمن السلالة السليحيدية. وتشير كتابات على حائط داخلي أن السلطان موسى بن محمد الفاني قد بنى الجامع سنة 519 هـ، كما تشير كتابات أخرى أن الذي أشرف على البناء كان محمد بن عبد الفتاح بن أرحب. وقد حمل الجامع اسم العباس نسبة إلى رجل فاضل دفن داخله.

الأقسام السفلى من الجامع مبنية بالحجر والباقي بالآجر. وللجامع سقف مسطح تحمله ستة أعمدة، أربعة منها من الحجارة. وقد ظل السقف سالماً طيلة هذه العهود رغم ما أصاب واجهات الجامع الخارجية من تلف، وهو مزين بالرسوم والكتابات المذهبة.

بدأ التلف يصيب السقف في الثمانيات من القرن الماضي. فلجأت الحكومة اليمنية إلى اليونسكو طلباً للمساعدة، فجرى تفكيك السقف وأرسل إلى المتحف الوطني حيث أشرف معماريون أجانب ومحليون على ترميمه على مدى ثلاث سنوات وأعيد إلى مكانه الأصلي بعد أن دعّم بأعمدة جديدة مخبأة لا تظهر للعيان.

استعاد الجامع الآن رونقه القديم ووجدت لجنة الآغا خان أن التقنية التي استنبطت واستخدمت في ترميم السقف يمكن الآن تقليدها وتطبيقها في أماكن أخرى.