القصور الأموية في القدس

قامت القصور الأموية وفق مبدأ موحد وشكل معماري متماثل، بحيث يمكن القول إن النسق المعماري الفني الذي اتبعه الأمويون هو واحد في كثير من تفاصيله. فالقصر الأموي يمتلك التفاصيل نفسها التي تبدأ من السور المحيط بالمبنى ثم الصحن الداخلي الذي تشرف عليه أروقة تعقبها غرف في طبقة واحدة أو طبقتين. ويتخذ السور الخارجي طابع التحصين بعيداً عن الفتحات والزخارف. ومع ذلك، فإن الأبراج لم تكن ضرورية لوظيفة الدفاع والتحصين. فالبلد كانت آمنة والسكان كانوا موالين وأنصاراً.

الفن المعماري الأموي هو الفن الذي انسجم أولاً مع التقاليد والمناخ ومع ضرورات الوظيفة وشروطها، وكان بهاء للفن والزخرفة مما نراه واضحا في الآثار المكتشفة في مناطق هذه القصور. ففي القصور الثلاثة في القدس التي بناها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أو قصور ابنه الخليفة
الوليد بن عبد الملك، نجد أن كلا منها تحيط به جدران خارجية ذات أبراج دائرية في الزوايا وأبراج نصف دائرية في منتصف كل ضلع..

وقد كشفت التنقيبات عن أجزاء من هذه الأسوار المتهدمة تصل إلى ارتفاع أربعة أمتار. ولوحظ أن الأسوار يفصلها عن الحرم شارع عرضه 430 سم، كان مبلطا ببلاط صقيل بأبعاد 25×35 سم و60×70سم. وآثار هذه القصور الثلاثة تدل على وجود أحدها جنوب سور الحرم والثاني غربه. وما هو جنوب الحرم قصر كبير أبعاده 48×96م، وله باب من جهة الشرق وآخر من الغرب. وفي الوسط فناء محاط بأروقة وراءها غرف واسعة يبلغ طولها 17م أو 20م. ولقد عُثر في هذا الموقع على أعمدة وتيجان ومشبكات وقطع من الدرابزين، كما عثر على زخارف ملونة في الجناح الغربي.. أما المبنى الآخر فهو أصغر مساحة، ولكنه يشابهه في المخطط. والمبنى الثالث أيضا مشابه في مواد إنشائه وطرازه وفسيفسائه للبناءين السابقين.

أما قصر الخربة الذي بناه الوليد بن عبد الملك، فهو بناء مساحته 73×67م، تقوم فيه زوايا وأبراج مستديرة، وله في الوسط من الناحية الشرقية باب ضخم يحيط به برجان من الجانبين. ويمتاز هذا الباب بقبته المربعة التي يقوم في كل من جانبيها نصف برج. وكانت القبة مفتوحة من الأعلى وحولها طنف إكليلي مزخرف.

كانت الأقسام غير المنحوتة من القبة مغطاة بالفسيفساء بلون أخضر وأزرق وأحمر وذهبي وفضي. وينتهي دهليز المدخل بالفناء المحاط بغرف منفتح بعضها على بعض. وثمة قاعة كانت مزينة بتيجان مرمرية عثر على بعضها، ويلي ذك البهو العظيم ذو الأجنحة الثلاثة، وهو مربع ضلعه 20م، ولقد كسيت جدرانه إلى ارتفاع مترين وأرضه بالمرمر. وفي أعلى الجدران كانت الفسيفساء الزجاجية الهندسية والنباتية المحورة. والبهو كان مسقوفاً بالقرميد المائل. ويجاور البهو خمس حجرات فرشت بالفسيفساء الحجرية بلون أسود وأبيض أو أحمر فاتح وأحمر قاتم أو أصفر مع البني.

ولا يختلف قصر المفجر الذي بناه هشام بن عبد الملك عن باقي القصور الأموية في مخططه وأبعاده. فهو شبه مربع وضلعه 64.50م والضلع الشرقي 61.25م. وفي أركانه الأربعة أبراج دائرية مدعّمة. وفي منتصف الجدار الشمالي والغربي أبراج نصف دائرية. وفي الجنوب برج رباعي يضم محراباً ولعله كان مئذنة. والقصر الداخل على صحن واسع مساحته 28×29م. ويحيط بالصحن أروقة سفلى فوقها شرفات الطبقة العليا. وأرض الصحن مبلطة ببلاط أسود وتحته مصارف للمياه حسنة التنظيم.

امتاز هذا القصر بزخارفه الفسيفسائية المهمة جداً، والمؤلفة من مكعبات حجرية ملونة تشكل صوراً تشبيهية أو زخرفية رائعة التصميم والتنفيذ. ومن أهم هذه الألواح الفسيفسائية قطعة كبيرة تفرش قاعة الاستقبال مؤلفة من دائرة على بساط من البلاطات الفسيفسائية. ويتصل بهذه الصورة الكبيرة عدد من الصور المجزأة، الأمر الذي يجعل المشهد شديد الزينة رائع الجمال. ومن أروع أنماط الفسيفساء الأرضية، الزخارف الهندسية التي تعتبر من أروع الآثار الإسلامية والتي كان لها تأثيرها في الفن الحديث التجريدي والبصري. وهذه القطعة هي أضخم قطعة فسيفسائية عرفت حتى ذلك الوقت.

توجد في حمام القصر وفي غرفة الاستراحة تحديداً، صورة تشبيهية رائعة التكوين مؤلفة من شجرة تفاح أو نارنج مع نباتات إضافية على طرفي الشجرة، حيث تختلط هذه النباتات من اليمين بصورة أسد ينتفض على غزال هلع، بينما يبدو في الجهة اليسرى غزالان هادئان ينعمان بقضم أوراق النباتات. وتمتاز الشجرة بواقعيتها إذ روعي فيها اختلاف مقاييس الفروع والأغصان الطبيعي، وأُخذت الألوان الواقعية بعين الاعتبار، كما التفت فروع الشجرة وأغصانها بشكل واقعي صرف.

كانت المنحوتات الحجرية لرجال ونساء كاملة أو نصفية موجودة في الداخل المسقوف بقبوات، تعتمد على دعائم الأقواس الجانبية. وكانت تقوم بين دعائم هذه الأقواس تماثيل لأشخاص ذكور كانوا يحملون رباطا من أوراق الخرشوف فوق صف من الخراف الجاثمة مع امتداد الدائرة. ويتألف عنق القبة من اثني عشر تجويفاً محرابياً يقف في كل منها تمثال ذكر أو أنثى متتاليين. وقد بدت هذه التماثيل مدهونة بألوان جذابة. وتضم واجهة المدخل محرابين عثر في أحدهما على تمثال يعتقد أنه للخليفة هشام بن عبد الملك، وذلك بمقارنته مع تمثال هشام في قصر الحير الغربي. وثمة تماثيل كانت تملأ المحاريب القائمة على جدران القاعة. وهذه التماثيل أحد أوجه أهمية قصر المفجر. وعموما كانت هذه التماثيل تبتعد عن التشبيه وتزدان بالألوان، رغم أنها تألفت من أشكال إنسانية ورؤوس بشرية وطيور وخيول، وهي منحوتة من الحجر الجصي.

أما طراز البيوت في العهد الأموي، فكان يتألف من فناء مستطيل على جوانبه أروقة من الأعمدة، وأرضه من الحجارة أو الرخام، ممره مرصوف بالحجارة أو الحصى على أشكال هندسية منتظمة. وفي الفناء نافورة يحيط بها حديقة صغيرة فيها بعض الأزهار، تظللها أشجار البرتقال والليمون. وعلى جانب الفناء يقوم الإيوان، وهو عبارة عن صالة رصّعت بالرخام والبلاط الملون، واستعملت قاعة للاستقبال وقت الحر. وتقوم قبالة الباب كوة مقفلة مزخرفة بالأعمدة الرخامية.

كانت قصور الأغنياء مكوّنة من طبقتين أحياناً. وعلى يمين ويسار الصالات أبواب تكسوها ستور كثيفة تؤدي إلى الصالات والحجرات. وكانت أرض الإيوان تكسى بالسجاد الثمين، بينما سقوف الدار مزدانة بنقوش مطلية بالذهب.



الأمويون