قلعة صلاح الدين

تُعدّ قلعة صلاح الدّين النّموذج البارز للعمارة الحربية الأيّوبية. أقامها صلاح الدين الأيّوبي عندما تولّى أمور مصر سنة 1711م، وأمر بتأسيسها على مشرفٍ صخريٍّ فوق سطح المقطّم؛ تطلّ على السّهل الحالي، بين الفسطاط والقاهرة. ولا شكّ أن الهدف كان أن تُستَخدم القلعة كقاعدةٍ عسكريةٍ وكمقرٍّ ملكيّ.

بدأ العمل في القلعة بإشراف "الطّواشي قراقوش" حيث شرع بإقامة الجدران الحجرية والأبراج التي تحيط بالتل، ثم قام العُمّال بنحت الصّخر ليكون خندقًا اصطناعيًا يفصل التلّة الصّخرية عن الجبل، زيادة في المنعة. وبُنيَت أسوار القلعة بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع عشرة أمتار. وهناك أبراج نصف دائرية صغيرة بين كل مائة مترٍ. وتضمّ هذه الأبراج غرفًا داخليةً يستطيع الجنود منها توجيه نيرانهم ضدّ كل هجومٍ. وتتّصل هذه الأبراج ببعضها البعض بواسطة متاريس واستحكاماتٍ محميّةٍ بصفوفٍ مسنّنةٍ وممرّاتٍ داخليّةٍ تمتدّ على طول القلعة بطول 2100م.

تحتوي هذه الممرّات على غرفٍ صغيرةٍ بين كل عشرة أمتارٍ، مع فتحاتٍ تسمح بدخول الضّوء، إضافةً إلى إمكانية إطلاق السّهام على الأعداء. وهناك برجان، هُما بُرج الرّملة وبُرج الحداد لضرب أيّ مُعتدٍ يأتي من طريق القاهرة. 

للقلعة ثلاثة مداخل: المدخل الرئيسيّ، وهو باب المدرج على الجانب الشمالي الغربي وهو الأقرب إلى القاهرة. وتقود إليه طريق صاعدة يصل بينها درجات دائرية. المدخلان الآخران هما بابا القرافة ويتّصلان بأرض المدافن؛ وحُفر داخل القلعة بئر يوسف بعمق 87م في الحجر الجيري الصّلب حتى مستوى العين، ليمدّها بالماء اللازم للشّرب. ويُعتبر البئر تحفةً هندسيّةً.

لم يسكن صلاح الدين الأيّوبي القلعة لإنشغاله في حروبه مع الإفرنج في سوريا وفلسطين؛ وقام أخوه ونائبه الملك العادل بإتمام بناء القلعة، وتقوية وتوسيع استحكامها. كما بنى مجموعةً من الأبنية الحصينة المربّعة الشكل بارتفاع 25 مترًا وعرض 30 مترًا حول محيط القلعة. اتّخذ الكامل بعده هذه الأبنية مقرًا للسّلطنة، وبدأ في إقامة القصور الملكية في الرّبع الجنوبي من القلعة. وأقام في الوسط مبنى القاعة الكبرى للحكومة أو الإيوان. واستمرّت القلعة المكان الرّسمي لإقامة حكّام مصر حتّى نهاية القرن التاسع عشر.

من الطِّرَز المعمارية الموجودة في القلعة، قصر أبلق الذي تنتصب جدرانه في قلب حضائر حديثةٍ وعليها تكسيات رخامية ورسوم فسيفسائية. وهذا القصر من إنشاء السّلطان الناصر قلاوون؛ وكان قد اتخذه مقرًا للحكم. وفي وسط الإيوان نصب العرش، وكان من العاج والأبنوس.

في مسجد النّاصر، من الداخل نجد أعمدةً متباينة الشكل بسبب كونها مأخوذة من آثار تمثّل حقبًا تاريخيةً مختلفة. فهناك أعمدة رومانية وكورنثية وإغريقية وفرعونية وقبطية وإسلامية، حتّى يكاد أن يكون هذا المسجد مجمعًا لكلّ صنوف الأعمدة. ويتوسط الصحن قبة منتفخة الجوانب بينما قُسِّمت النوافذ الجصية إلى مربعاتٍ صغيرةٍ. وتظهر القمم البصلية الشكل المكسوة بالقاشاني تأثيرًا فارسيًّا بحتًا، متأثّرًا بالعمارة المغولية.

هذه الزّخارف والمزخرفات كانت وراء انتشار الشّائعات حول اللّعنة التي أصابت القاهرة في عهد النّاصر، لأنّ القاشاني الذي كُسيت به قبّة المسجد البصلية الشكل كانت هديةً من ملكٍ مغوليٍّ وصنعت بأيدٍ وثنيةٍ في الهند ووفق ذوقٍ وثنيٍ، ممّا جلب عليه اللّعنة كالحرائق والفِتَن.

جدران القصر تزيّنها النقوش الشرقية التي تماثل الطّراز العثماني. وهناك قاعة الساعات التي تُعتبر أجمل ما في القصر، حيث عمّدت قاعات القصر من الخشب وزُيّنت بألواح الجص الملوّن والمُزخرف. وفي هذا القصر قاعة الإستقبالات التي شهدت مقتل قادة المماليك في الحادثة الشّهيرة.

أمّا مسجد محمد علي، فهو أروعَ إضافةٍ نفّذها محمد علي باشا في العهد العُثماني لإعادة الحياة للقلعة. والمسجد بالغ الفخامة والجمال. أُقيم في موضعٍ فريدٍ في أعلى مرتفعٍ في القلعة، مشرفًا على القاهرة. ويتميّز بتوازنٍ نادرٍ بمئذنتيه الرّشيقتين اللتين تحصران بينهما تصاعدًا عن القباب، ينتهي بالقبّة الرئيسية. والمئذنتان رفيعتان على الطّراز العثماني، ترتفع كلّ منهما 84 مترًا. وتحت القبة يقوم بيت صلاة المسجد الفسيح الأنيق ذو الجدران العلية بقمرياتها ذات الزجاج الملوّن والدعامات الملبّسة بالمرمر. وإلى جانب هذه الدعامات التي تحمل المنصّة الرئيسية، يزدان المسجد بأعمدته الرّخامية الرشيقة التي تحمل السّقف والقباب الصّغرى. والمسجد منار بثريّا ضخمة في الوسط، ثم إطار واسع من القناديل، تحيط بكلٍّ منها كرة بلّور. منبر المسجد آية في الجمال برغم زخارفه الباروكيّة المُسرفة. ويزيد في جمال المسجد ساعة القلعة المعروضة في مواجهة المدخل، وهي هديةٌ من لويس فيليب، ملك فرنسا، إلى الوالي محمّد علي باشا.



قلاوون
محمد علي