طريق الحرير

كانت التجارة البرية بين البحر المتوسط وشرقي اسيا رائجة في العصر الهليني ، لكنها تأخرت قليلا في القرن الاول ميلادي. على ان استقرار أمور الامبراطورية الرومانية في شرقي حوض المتوسط اعاد الى التجارة سابق عزها. وقيام الدولة الفرثية والخصومة التي كانت بين ملوكها واباطرة روما لم تنمع القوافل التجارية المحملة حريرا من الشرق ان تجتاز بلادها الواسعة لتبيع حمولتها في المدن الساحلية الشرقية للبحر الابيض المتوسط، بحيث زادت كمية التجارة الشرقية الرومانية في القرنين الاول والثاني للميلاد زيادة كبيرة عن تجارة العصر الهليني.

يرجع الفضل الى تجار فرثية في فتح طريق الحرير عبر تركستان واحتكار التجارة في هذا الصنف. وقد كان هؤلاء التجار قديرين دقيقين منظمين ، فبنوا طرقا مكنتهم من نقل متاجرهم في ملركبات بدل نقلها على ظهور الدواب.

كان الحرير المادة الصينية الرئيسة في الاتجار مع العالم الروماني ، اذ كان تسعة اعشار ما يستورده هذا العالم من الصين. وكان الحرير الخام وخيوطه والقماش الحيري تنقله التجار الى موانىء سورية حيث يعالج بألاصبغة المختلفة صالحا للاستعمال. اما السلع الاخرى التي كانت تأتي من الصين فشملت الفراء والحديد ونباتات عقارية.

اما العالم الروماني فكان يبعث بمنتوجاته هو الاخر ، الى الصين والى الهند. وطريق الحرير هذه كانت نهايتها الغربية مدن سورية والعراق. وفي العراق كانت لها ثلاثة مراكز : سلوقية والمائن ( كتسيفون ) وفولوغسياس في الجنوب. وكانت طريق الحرير تبدأ في سلوقية على نهر دجلة او من المدائن، وخاصة من هذه التي أنشأها الملوك الفرثيون. وكانت الطريق تمر ، بعد الدائن ، بجبال زغروس الى اكبتانا (همذان ) ومرو وبكثرا (بلخ) وسمرقند وكشغر ، ثم تجتاز الطريق الى بلاد سريس وسكاي وهم قبائل شبه بدوية. وهذه البلاد تسمى اليوم تركستان. وهنا كان سوق الحرير. لكن الطريق كانت تكمل بعد ذلك متجهة نحو "هسيان – فو " ، وهي يلاد الحرير ، مارة بحوض تاريم .

الحد الفاصل في هذه الطريق الطويلة ، أي المكان الذي يلتقي فيه التاجر الصيني والتاجر الفرثي من دون ان يحاول احدهما اجتيازه الى بلاد الاخر، هذا الحد الفاصل كان يقع عند مكان يسمى " برج الحجر " ( وقد اتفق على انه طاشكرغان ) ، بين كاشر وسمرقند . هناك كان التجار الصينيون ينتظرون الفرثيين ، فيضعون ما معهم من حرير خام او غزولات او أقمشة على ضفة النهر ويأتي الاخرون يحملون الحجارة الكريمة والكهرمان والرجان. ولم يتبادل التجار كلمة واحدة ، ولكن يختار كلُ ما يريد ويضع مقابله قيمته ثم ينسحب ، حاملا معه بضاعته الجديدة.

رغم المحافظة الشديدة واليقظة التي كانت تبذل للاحتفاظ بهذه الطريق سرا للجماعات المعنية بها – كل من جهته- فقد تمكن رجلان من اجتياز الحدود المألوفة . الاول كان من الصين اسمه " كان ينغ " الذي انتدبه احد القواد الصينيين ليجمع له من المعلومات ما قد ييسر له افتتاح بلاد الفرثيين. فقد تمكن هذا من الحصول على معلومات دقيقة دونها في تقريره. فذكر مناطق البريد ومراكزه والمسافات والأجواء والمنتوجات والمعادن. ووصل سوريا وقال عن أهلها أنهم أمينون في معاملتهم. ونقل ما وصل إليه عن السفر البحري إلى الهند، بطريق البحر الأحمر. وقد قام بسياحته في أواخر القرن الأول للميلاد.

أما الثاني فهو ميس تتيانوس وهو تاجر ثري سوري، اراد أن يتعرف إلى طريق الحرير هذه، فأرسل حوالى سنة 100م بعثة من الرجال المدربين للتعرف إلى الطريق من برج الحجر في البامير إلى هسيان- فو في الصين. فقامت البعثة بذلك وقطعت المسافة في سبعة أشهر، ورسمت لها خريطة وتركت وصفاً مسهباً.

لكن طريق الحرير ظلت وقفاً على التجار الذين تملك دولتهم إيران. لذلك حافظ عليها الساسانيون بعد الفرثيين، وكانت محاولة الاستيلاء عليها بسبب خصومة عنيفة بين البيزنطيين خلفاء الرومان والساسانيين خلفاء الفرثيين.

على أن بعض الحرير الصيني كان ينقل إلى الهند ومن هناك يحمل إلى العالم الروماني بطريق
البحر الأحمر أو الخليج العربي.

هاتان هما الطريقان الرئيسيان بين البحر المتوسط والشرق. أما الطريق الشمالية من آسيا الصغرى إلى بحر قزوين فالصين، فقد كانت قليلة الاستعمال.