المسجد الأمـوي

يُعتَبر المسجد الأموي الكبير بدمشق ثورةً على البساطة والتّقشف الذي كان سائدًا في المعمار الإسلامي. ويمكن القول إنّ هذا المسجد كان انطلاقةً جديدةً في فن العمارة الإسلامية والزّخرفة والتزيين.

من الثّابت أنّ هذا المسجد قد شُيِّد في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وقد بدأ البناء في عام 705م واستمرّ حتى غاية 715م. ويُقال إنّ اثني عشر ألف عاملٍ اشتغلوا في البناء وإن الوليد أنفق على البناء مائة قنطار ذهبٍ.

وفي العودة إلى تاريخ البقعة التي أُنشئ عليها المسجد، نجد أنّها كانت معبدًا للإله "حدد"، إله المطر والعاصفة والخصب عند السوريين القدماء، ثم كانت معبدًا للإله جوبيتير الدّمشقي ثم كنيسة النّبي يحيى أو القديس يوحنا المعمدان. وبهذا تكون البقعة شاهدة على حضارةٍ إنسانيةٍ عبر آلاف السّنين وعلى تمازجٍ وتفاعلٍ بين الإنسان وحضارته وثقافته ومعتقداته، تتطوّر من خلالها الرّؤية الكلية للوجود، بدءًا من مطلع الألف الأوّل قبل الميلاد عندما أقام الآراميون معبدًا للإله "حدد" وصولاً إلى اللّحظة التي بدأ إنشاء المسجد الأموي فيها. وكانت هذه البقعة مكانًا مشتركًا لإقامة الشعائر الدّينية المسيحية والإسلامية منذ العام 635م عندما فتح المسلمون دمشق.

جاء بناء المسجد الأموي مُحقّقًا للفن والروعة في البناء والهندسة، ورغم محاولات تقليده لم يحصل بناء على نسقه، بل ظلّ قدوةً للمعمارييّن على مدى قرونٍ عدة.

يبدو الجامع مستطيلاً بطول 157م وعرض 97م. يتكوّن قسمه الشمالي من صحنٍ مكشوفٍ تبرز فيه قبتان بعمد وتيجان خلابة وبركة لها من الجانبين عمودان كأنّها سراجان لإنارة الصّحن. ويؤدي الصحن إلى ثلاثة أبواب تصله بجهات المدينة الشرقية والغربية والشمالية ويحيط به من الداخل رواق مسقوف قائم على عمد وعضائد تحمل طبقتين من العقود الكبيرة والصغيرة مفتوحة إلى أعلى الصّحن.

أما المُصلى فيتربع في القسم الجنوبي من المسجد ويتكوّن من قاعةٍ مستطيلةٍ مكونةٍ من ثلاثة أروقةٍ ينتظمها صفّان من الأعمدة تحمل السّقف. ويقطع الأروقة الثلاثة، من الشّمال إلى الجنوب، رواق قاطع بالغ الإرتفاع يحمل في وسطه قبّة النسر الشمخة. وأطلق العرب على المُصلى إسم النّسر رمزًا للقبّة والرواق القاطع جسمه والأروقة عن يمينه وشماله جناحاه. وسقوف المصلى سناميّة الشكل، سطحها مصفح بالرصاص. وفي الجزء الجنوبي للمصلى باب رابع يكمل اتّصال المدينة بالجامع من الجهات الأربع. ويُذكَر أن بابًا آخرًا كان في هذا الجدار، له ثلاث فتحاتٍ ويفضي إلى المعبد القديم. وكان يصل الجامع بالخضراء مقرُّ معاوية وخلفاء بني أمية، وقد سُدّ بعدَ الحريق.

يحتلّ المحراب الرّئيسي إحدى فتحات هذا الباب حيث يتوضع إلى جانب محراب الخطابة. وهناك محاريب أخرى يتّجه نحوها الإمام والمصلّون، وتزيد عدد النوافذ في المصلى عن المائة. وكانت مصنوعة من الجص المُعشّق بالزجاج الملوّن تنبسط عليها الزّخارف الناعمة، تتسلّل منها الأشعة ملونة في منتهى الرّوعة والجمال. ومركز المسجد الأموي كلّه في تلك القبة العظيمة التّي تفرض هيمنتها على المكان، قبة النسر التي اعتقد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وهو يبني المسجد أنّها سوف تحمل لنا الكثير من صفاته.

تحت القبة توجد لوحة رائعة من الفسيفساء تكاد تضجّ بالحياة، وهي تصوّر أشجار الشّام ومغانيها. والمسجد الأمويّ كلّه متحف مفتوح لأجمل لوحات الفسيفساء في العالم.

مِن أعلى المسجد تطلّ مآذن الأموي الثلاث الباقيات، وهي ثلاثة أبراج شاهقات، تتوسط الأولى الجدار الشمالي وهي مئذنة العروس والإثنتان الأخريان بُنيتا في زاويتي المُصلى الشرقية والغربية، فوق اثنين من أبراج المعبد القديمة، وقد عُرِفَت بإسم مئذنة عيسى. والجدير ذكره أنّ المآذن الثلاث بُنيت في عهد الوليد وتمّ تجديدها في العصور اللاحقة. وهذه المآذن أوّلها وأجملها مئذنة "قايتباي" نسبةً للسلطان المملوكي الذي أعاد بناءها.

تتوزّع الجامع شرقًا وغربًا قاعات أربع سُمّيت بالمشاهد وأُطلِقَ عليها أسماء الخلفاء الرّاشدين الأربعة واستعملت للتّدريس وخزن الكتب والإجتماعات.

في المسجد الأموي كلّ شيءٍ يقبل القسمة على أربعة: جدار القبلة عرضه 136م، وعدد النوافذ من الشرق والغرب 40 نافذة، وأبوابه أربعة، ومحاريبه أربعة، وعدد أعمدته 52 عمودًا، ارتفاع كل واحدٍ فيها 8م، ووزنه 8 أطنان. أمّا الثريات المتدلّية من السقف فهي تشكيلة من كل عصور التاريخ، بعضها مملوكي وبعضها عثماني ولكن أكثرها من النّحاس الشامي المطروق. السّجاجيد أيضًا مُتنوعة المصدر، وهي جميعها أصلية المنشأ، وتحمل تواقيع مَن قاموا بإنتاجها. في وسط المسجد تقريبًا يوجد مقام النّبي يحيى أو يوحنا المعمدان. وتقول الأساطير المتوارثة من قِبَل بناء الأموي إنّ رأسه مدفون في هذا المكان.


وفي الخلف، توجد مقصورة للنساء بنقوشها الخشبية البديعة، فيها كانت تجلس "حفصة" بنت عمر، و"خولة" بنت الأزور لتُعلّما النساء في الشام أمور الدين. وأمامه توجد المقصورة التّي كان يجلس فيها السّلطان.