مع رجال الاعمال: غسان تويني يقول في حديث مع الرائد العربي

حركة الاعلان والدعاية في السوق العربية ما زالت بدائية
يجب توحيد المجهود الدعائي – السياحي في الاقطار العربية

نشر اللقاء في حزيران / يونيو 1961 ، العدد الثامن ، الرائد العربي

شؤون الدعاية والاعلان والعلاقات العامة في القطاع الخاص المنشأة على أسس حديثة منظمة ، شيء جديد نسبياً في السوق العربية . والعاملون في هذا الميدان ، بطرق علمية منظمة ، معدودون قلائل . وقد رأت مجلة الرائد العربي ، ان تنشر في هذا العدد مقابلة مع احد كبار العاملين في هذا الحقل الجديد الخصب . إنه الاستاذ غسان تويني ، الرئيس والمدير العام لشركة العلاقات العامة ومركزها الرئيس في بيروت . ومن المعروف ان الاستاذ تويني نائب سابق في مجلس النواب اللبناني ورئيس شركة التعاونية الصحفية ، مالك صحيفة النهار ورئيس تحريرها . وكان معنا له هذا اللقاء .

من المعروف انكم من كبار العاملين في ميدان الصحافة في هذا البلد . وبحكم عملكم هذا ، ثم بحكم عملكم كرئيس ومدير لشركة العلاقات العامة ، فانتم على اتصال مباشر بحركة الدعاية والاعلان في السوق العربية. فهل لكم ان تحدثونا عن مدى نشاط حركة الدعاية والاعلان في السوق العربية وكيفية تنظيمها .

لا تزال حركة الاعلان والدعاية في السوق العربية في مرحلة يؤسفني ان أصفها بالبدائية ، نسبة الى ما هي عليه في الاسواق العالمية . ولا تتجلى بدائية الدعاية والاعلان في العالم العربي في الوسائل والاساليب المتبعة ، بقدر ما تتجلى في مفهوم المعلنين وتقديرهم لاهمية الاعلان ، وتوسلهم له واقبالهم عليه .غير ان ما يدفع الى التفاؤل ان الاقبال متزايد والتحسس الاعلاني الى ارتفاع والنتائج المترتبة على حملات الدعاية متزايدة كذلك ، فضلاً عن تزايد الوسائط الاعلانية وفي طليعتها الاذاعة التجارية والتلفزيون التجاري . واذا كنا نأمل الكثير من النتائج ، فاننا ، مع الاسف ، نأمل أكثر من ضغط المنتجين غير العرب على وكلائهم في العالم العربي من اجل تطوير الاعلان . ذلك انه حتى وقت قريب ، وربما حتى الآن ، ما زال الوكيل او الموزع في بعض الاقطار العربية في حكم لاحس المبرد ، اذ انه كثيراً ما يحتفظ لنفسه ، ويضم الى ارباحه ، بعض موازانات الاعلان المدفوعة أصلاً من الشركة الخارجية التي يمثلها ، وفي ظنه انه يحقق وفراً ، في حين انه يقلل من امكانية زيادة انتشار بضائعه وبالتالي زيادة ارباحه الحقيقية .

من هنا ان مشكلتنا الكبرى مع المعلن العربي هي الاعلان عن الاعلان والدعاية للدعاية ... أي بتعبير فني ، تطوير الحس الاعلاني بحيث يشعر ان موازنة الدعاية لا تقيد في باب النفقات ، بل في باب التوظيف من اجل زيادة الواردات . وهذا الحس ، بل الايمان بالدعاية والثقة بها ، ليس مشكلة بالنسبة لرجال الاعمال في الخارج بحيث نجد ان موازنتهم الاعلانية توازي على أقل تقدير 10 بالمئة من مجموع موازنة الانتاج ، فضلاً عن ان بعض نصف كلفة بعض السلع هو كلفة الاعلان عنها . ورجال الاعمال في الخارج يقبلون على الاعلان لتنشيط تصريف منتجاتهم وبالتالي زيادة الانتاج بدل ان يعتبروا ان كمية الاعلان متوقفة على حالة السوق ومدى رواج البضائع .

أود ان أضيف كصحفي ادعي ما يدعو الى الاسف في مهنتنا هو اضطرار بعض المعلنين للنظر الى الاعلان نظرة شخصية او سياسية بدل النظرة التجارية المحضة ، بحيث يوزعون موازناتهم الاعلانية تبعاً لاعتبارات خاصة ، بينما من مصلحة الصحافة ان تعتبر محض تجارية ، حتى لا يمهد امام المعلن سبيل استعمال الاعلان فيما بعد كوسيلة للضغط الشخصي او السياسي . والعلاج المهني لهذا الوضع هو ان يستند الاعلان الى دراسة الاسواق ودراسة الوسائط بحيث تعتمد الوسائط الاعلانية الأكثر انتاجاً بالنسبة لكل صنف ولكل سوق . غير ان عدم توفر الاحصائيات الكافية التي يمكن الاعتماد عليها في بعض البلدان العربية يقلل من قيمة هذه الدراسات .

هل تعتقدون ان حركة الدعاية والعلاقات العامة قد أفادت السوق العربية أو انها ستفيدها في المستقبل ، خاصة في المجالات الخارجية ؟ .

أعتقد ان الدعاية والعلاقات العامة لم تؤد بعد فائدة تذكر للسوق العربية في المجالات الخارجية ، باعتبار ان حركة الاعلان عندنا لا تزال ذات اتجاه واحد ، أي الاعلان عن المنتجات الاجنبية في البلاد العربية . والسبب بالطبع هو ان ما ننتجه برسم التصدير ضئيل جداً لا يسمح بتخصيص موازنات اعلانية على المستوى وبالارقام المعتمدة في الوسائط الاعلانية الاوروبية والاميركية . وما يجب ان يدرس هنا ليس الاعلان بحد ذاته ، وبمعزل عن الوضع الاقتصادي العربي العام ، بل مسألة الانتاج العربي والتصدير العربي ، ومن ثم دور الاعلان في تمكين المسؤولين من فتح اسواق خارجية للانتاج العربي الممكن .

أستثني من هذه الدعاية السياحة التي يجب ان تقوم على جهد رسمي ، او بالاحرى حكومي ، وهو جهد لم تبذله حتى الآن سوى الجمهورية العربية المتحدة ، في حين لا يزال عبء هذا الجهد في بلد سياحي كلبنان ، يقع على عاتق المؤسسات الخاصة ، مثل شركة طيران الشرق الاوسط وشركة كازينو لبنان ، بالاضافة الى لجنة مهرجانات بعلبك التي هي مؤسسة شبه رسمية لها موازنة دعائية مصورة .

مرة اخرى أقول : الاعلان يساعد في التصريف وليس هو نتيجة للتصريف .

ألا تعتقدون ان هناك فائدة من تنسيق المجهود الاعلاني ؟ .

أعتقد ان استمرار كل من الدول العربية في مجهود دعائي – سياحي مستقل من شأنه ان يهدر الجهد العربي العام ، وان يقلل من النتائج المرتجاة ، وذلك على صعيدين :

اولاً ، من السهل جداً على السائح القادم الى اي بلد عربي ان يزور كل المراكز السياحية الموجودة في العالم العربي والتي هي بمجموعها أقوى من أي مركز سياحي بمفرده ، وذلك من غير ان يتكبد مزيداً من النفقات ، أكبيرة أكانت ام ضغيرة . فالذي يستجلب لزيارة الاهرام ، مثلاً يسهل عيله زيارة الارز او بعلبك او الاماكن المقدسة . والذين يحجون الى الاماكن المقدسة ، مسيحيين أكانوا ام مسلمين ، لو قيل لهم ان الاهرام او الارز على بعد ساعة او ساعات قليلة من محجتهم لجمعوا الى الرغبة الدينية على رفعتها ، رغبة سياحية يفيد منها المجموع .

ثانياً ، بالنسبة لارتفاع اسعار الدعاية في اوروبا واميركا ، يصعب على بعض البلدان العربية ان تقدم بمفردها على اية دعاية تذكر او تؤثر او تضارب على الدعاية الاسرائيلية مثلاً ، حتى لا نذكر الدعاية الاوروبية . لذلك اذا جمعت الموازنات الدعائية العربية لتشكل منها موازنة ضخمة أمكننا بها ان نبز ما ينفقه سوانا في الحقل السياحي . واذكر على سبيل المثال ، ان اليونان ستنفق هذا العام ثمانية ملايين دولار على الدعاية السياحية . ويقدر ما تنفقه اسرائيل في الدعاية السياحية بمئة مليون دولار سنوياً .

ما هو السبيل الى تحقيق هذا التنسيق ، او التعاون ؟ .

اعتقد انه من الصعب ان ننتظر من الحكومات ان تأخذ المبادرة في هذا الميدان بالنسبة للاعتبارات السياسية المتعلقة بهذا الموضوع . لكنني اعتقد ان الحكومات ستبارك اي مجهود خاص تقوم به شركات السياحة ، والتي لا تزال المنافسة بينها أقل شأناً مما هي عليه المصلحة الجامعة . ويجب ان ننزه التنسيق بين هذه الجهود عن الاعتبارات السياسية ولننظر اليها كما لو كانت مشكلة صحية او غيرها .

بصفتكم أول من باشر عمل العلاقات العامة في القطاع الخاص في لبنان ، هل لديكم ان تحددوا لنا أثر هذا العمل الاختصاصي في السوق المحلية ، ثم العربية فالعالمية ؟ . وما هي حاجات المؤسسات الصناعية والتجارية لخدمة العلاقات العامة ، وأثر هذه العلاقة في تلك الخدمات ؟ .

عندما بدأنا عملنا بالعلاقات العامة في لبنان ، كاد عملنا ان يكون جهداً في سبيل اقناع الناس بضرورة هذا الحقل وافهامهم ما هو . وكان ابعدهم عن الادراك اقربيهم الى المصلحة . وأعتقد أننا قد تخطينا هذه المرحلة الآن ، وان مؤسسات عديدة للعلاقات العامة بدأت تنشأ في أكثر من بلد عربي . ونحن على اتصال ، بنوع خاص ، بمؤسسة يقوم عليها بعض رجال الاعمال السعوديين ، فضلاً عن مكاتب الدعاية في مختلف الاقطار العربية التي أنشأت فروعاً للعلاقات العامة . وأملنا ان تكون المرحلة المقبلة بالنسبة للعلاقات العامة في العالم العربي ، مرحلة انتقال من العمل الداخلي لحساب محليين او أجانب ، الى العمل في الحقول الخارجية لحساب زبائن جدد هم المؤسسات العربية التي نطمح لها بفتح الاسواق العالمية امام منتجاتها وخدماتها .