الخليج العربي ومستقبله الاقتصادي

احمد عبد الوهاب الرفاعي

المدير العام لغرفة التجارة والصناعة في بيروت

نشر هذا المقال في شباط / فبراير 1961 ، العدد الرابع ، الرائد العربي

من المتفق عليه ان العناصر الاسياسية للتقدم الاقتصادي في بلدان العالم اربعة هي : العنصر البشري ، الموارد الطبيعية ، مصادر التمويل ، التقدم التكنولوجي . ومن المسلم به ، ايضاً ، انه عندما تتفاعل هذه العناصر بعضها مع بعض تعطي خير نتيجة لبناء أفضل مستقبل . والخليج العربي الذي يسعى لتأمين مستقبل اقتصادي أفضل ، تتوفرفيه العناصر المشار اليها بنسب متفاوتة . وفي سعيه لبلوغ هذا الهدف لا يسع الخليج العربي إلا ان يرعى هذه العناصر وينميها ويركزها تركيزاً تكنولوجياً لتعطي عطاء كاملاً وتحقق ، بالتالي ، أهدافها .

العنصر البشري

العنصر البشري متوفر في الخليج العربي . وقد سبق ان أعطى في الماضي البرهان الحي على مقدرته في العطاء وبرهن في الحقول التجارية عن نشاط وتفوق . ولما كان عصرنا الحالي عصر تقدم ، لذلك وجب تنمية العنصر البشري عن طريق العلم والتقنية الحديثة ، بحيث تتوفر له العناصر الفكرية اللازمة لابتداع الوسائل البديلة لتحل محل الموارد الاقتصادية التقليدية ، والتي قد تنضب مع الزمن ، ولتنمية الوسائل المتوفرة ، وان كان بعضها ما زال غير مستخرج .

فالعلم المتطور من شأنه ان ينمي خصائص الشعب لتصبح هذه الخصائص بدورها من أهم العوامل المتوجب استخدامها في عملية انماء الموارد الاقتصادية . وهذه الخصائص ، عندما تنمو في ضوء العلم تصبح مؤهلة للتغلب على الصعاب وتذليل العقبات التي قد تعترض سير عملية التقدم والوصول الى الاهداف الاقتصادية المتوخاة . وقد سبق لاخواننا في الخليج العربي ان برهنوا على مقدرة فائقة في رعاية تجارتهم المتأصلة في الهند وباكستان ، نظراً للنشاط الذي كانوا يبذلونه آنذاك من أجل التغلب على الصعاب التي كانت تقف حائلاً امام توسع اعمالهم التجارية . والتقدم العلمي الحديث يجعلنا نؤمن بأن أبناء الخليج العربي على استعداد لاستيعاب المزيد من العلم والتنظيم وحسن الادارة . وان اندفاعهم المتصل اتصالاً وثيقاً بماضيهم من شأنه ان يضعهم في مرتبة الشعوب المتقدمة اقتصادياً وعلمياً . فالعنصر البشري المتوفر في الخليج العربي أحوج ما يكون الى توجيه علمي سليم لكي يرتقي ويعطي . ويحتاج ايضاً الى الرعاية الحكومية الخيرة كي ينمو ويزدهر . إن مؤهلات هذا العنصر البشري متوفرة ولا يمكن ان تبرز وتنمو ما لم ترعاها المؤسسات الحكومية الناشطة حالياً لتنهض بالبلاد ، ولتصبح متجاوبة مع العلم الحديث المتطور .

الموارد الطبيعية

تلعب الموارد الطبيعية دوراً بارزاً في تنمية الاقتصاد وتغذية عناصره . وهي موجودة في الخليج. وليس من الضروري ان تكون متوفرة كلها في كل مكان . إنما توفرها كلياً او جزئياً يختلف باختلاف البلدان . ففي الخليج العربي نرى ان المورد الرئيس المتوفر هو النفط . وهذا المورد بات ، في الوقت الحاضر ، يشكل بحد ذاته ، قوة دافعة لاقتصاد الخليج العربي وتطوره وتشعبه ، لما فيه خير الشعب . فالمشاريع الاقتصادية المرجو تحقيقها لن ترى النور ما لم تؤمن لها أسباب النمو المتواصل . ويستطيع المراقب ان يلمس اليوم ان مستقبل الخليج العربي الاقتصادي ينبيء بالازدهار ، لأن اكتشاف النفط ساعد في تدفق الاموال ، التي لولاها اما أمكن ان تتوفراسباب تحقيق المشاريع الاقتصادية الكبرى ، وتسخير الموارد الطبيعية الدفينة لمصلحة هذه المشاريع . ولهذه الاسباب أصبح بالامكان ان يرتاح ابناء الخليج العربي لحاضرهم ومستقبلهم اعتماداً على العائدات المالية التي تدفعها الشركات البترولية العالمية .

نود ، بهذه المناسبة أن نشير الى أهمية الثروة البترولية في حياة الشعوب . فالمنافع المباشرة تعتمد على عوامل متعددة تحتاج الى دراسة وافية . إنما اهم هذه العوامل هي التالية :

- كميات الانتاج

- اسعار البترول

- معادلات توزيع الارباح بين الشركات والحكومات المعنية .

فالكمية ، من جهتها ، متوفرة في الخليج العربي . ومن المعتقد ان نفط الشرق الاسط ، بما فيه نفط الخليج ، لن ينضب قبل قرن من الزمن . فهناك ، اذن ، فرصة معقولة كي يستمر النفط مصدراً كبيراً للثروة ، التي من شأنها ان تسهم مساهمة فعالة في تحقيق المشاريع الاقتصادية وتنمية الايدي العاملة ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي العام . أما أسعار البترول فهي اليوم موضع أخذ ورد بين شركات البترول وحكومات الدول المنتجة للبترول . ومهما كانت النتائج ، فليس من المنتظر ان تنخفض نسبة عائدات الحكومات العربية لأن هذا الانخفاض لن يكون من مصلحة الشركات المستثمرة . أما معادلات التوزيع فتستند ، بصورة عامة ، الى قاعدة المناصفة في توزيع الارباح .

إن منافع البترول قد اقتصرت حتى اليوم على الارباح التي تجنى . لكن من المعلوم ان البترول لا يشكل فقط مادة وقود ، بل هو مادة أولية لكثير من الصناعات البتروكيماوية ، الى جانب كونه عنصراً مهماً من عناصر التصنيع ، أعني بذلك انه عنصر القوة المحركة . ثم ان اثر البترول يعتمد ايضاً على مدى تصنيعه في المستقبل في منطقة الخليج ذاتها .

ستظل للبترول أهميته كسلعة اقتصادية الى ان يتم اكتشاف مادة بديلة رخيصة يمكن استخدامها بدلاً من الطاقة المحركة التي تؤمنها حاليا الثروة البترولية . كما تبقى للبترول الاهمية ذاتها الى ان تنضب هذه الثروة الطبيعية ، وتصبح الضرورة ماسة الى ايجاد موارد بديلة . وهذا لن يحدث في المستقبل القريب .

أعتقد ان الدول العربية المنتجة للنفط لم تفكر قط بطرح هذا السؤال : ماذا يجب عمله بعد نفاذ الثروة البترولية ؟ . فالتفكير الرزين والمستقبلي يفرض ان تستفيد الدول المنتجة حالياً من ثروتها الطبيعية هذه الى أقصى حدود الاستفادة ، شرط ان توظف العائدات النفطية في مشاريع اقتصادية طموحة من شأنها ، عندما تبدأ بالعطاء ، ان تسد الفراغ الذي قد يحصل بعد ان تستنزف ثروة النفط وينضب معينها ، وان كان من المعتقد ان نفط الشرق الاوسط لن ينضب معينه قبل قرن من الزمن ، كما سبق ان أشرنا .

 

مصادر التمويل

تعتبر المصادر التمويلية لتنمية اقتصاديات الخليج العربي عنصراً مهماً . وبالاشارة الى ما سبق ان أثبتناه ، يمكن التأكيد بأن مصادر التمويل متوفرة . والضرورة التي تحتم اعداد البلاد الى مرحلة ما بعد نضوب الثروة البترولية او زوال أهميتها تقضي بأن تستخدم عائدات البترول في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. وان الوقت المناسب هو الوقت الحاضر بالذات ، لأن الشعوب لن ترتاح الى غدها ما لم تؤمن الموارد الدائمة التي تنقذها من آفات المرض والجهل والفقر . وهذا الانقاذ ، بالذات ، يحتم وجود مشاريع اقتصادية مدروسة ومنفذة بدقة وبنظرة مستقبلية من شأنها ان توفرالعمل للمواطنين تمهيداً لرفع مستواهم الصحي والفكري والاقتصادي. إن زمن تحكم فئة بمقدرات البلد ،أي بلد كان ، قد ولى وبات الشعب في الوقت الحاضر يطمح بمستقبل أفضل . وهو مقتنع بأن هذا المستقبل لن يتوفر الا عن طريق رفع المستوى الاقتصادي العام ، الذي هو، في المحصلة النهائية ، مستوى كل فرد عامل منتج . لذلك يتطلع الشعب في الخليج العربي الى ذلك المستقل ، حيث تتفاعل فيه جهوده مع الامكانيات الطبيعية لينال افضل نصيب من افضل انتاج . من هنا كانت الضرورة ان توظف الاموال التي تتوفر من عائدات النفط في المشاريع الاقتصادية والانمائية المدروسة والخيرة.

نؤكد من جديد ان مصادر التمويل متوفرة في الخليج العربي . وكل ما تحتاج اليه هو ان تكون الادارات الحكومية الواعية راغبة في ان توظف هذه الاموال حيث يجب ان توظف . ولا سبيل الا القول بأن توظيف الاموال يمهد السبل امام قيام حركة واسعة لتدريب المدراء والفنيين والعلماء والعمال ولادخال وسائل العلم الحديث والاستفادة منها لما فيه الخير العام . فتصنيع البلاد عن طريق تنمية ثروتها الدفينة ، واعداد الانسان العامل والمنتج ، هي وسيلة مهمة لزيادة الانتاج وخلق مفاهيم جديد وتأهيل الناس للدخول في عالم جديد من البحبوحة المادية والفكرية والاطمئنان الى غد أفضل .

التقدم التكنولوجي

نود ان نؤكد ، بادىء ذي بدأ ، ان التقدم التكنولوجي لا تملكه دولة من الدول وحدها ولا تحتكره فئة من الفئات . انه مشترك بين جميع الشعوب ، ولهذه الشعوب حق الاستفادة منه والسير في ركابه . فهذا التقدم التكنولوجي المتجسد بالاختراعات الحديثة المستخدمة من أجل تحسين الاوضاع الاقتصادية وتنمية النهضات العامة ، هو ملك لكل الشعوب . ومن حق هذه الشعوب ان تستفيد من هذا التقدم وما انتجه ، لما فيه خيرها العام . وعندما تكون مصادر التمويل متوفرة يصبح من السهل ان يستورد الخليج العربي احدث الاختراعات من ماكينات وسواها من آليات لتستخدم بالبحوث واستخراج الثروات الدفينة وتنمية موارد الثروة وزيادة معدلات الانتاج ورفع مستواه كمية ونوعاً .

واخيراً نشير الى ان التقدم التكنولوجي في العالم من حقه ان يوزع في كل الدول التي تتوفر فيها الموارد الطبيعية ومصادر التمويل الكفيلة بتأمين الاستفادة من هذه الموارد عن طريق استخدام الوسائل الحديثة التي تمكن الفكر البشري الحديت من ابتداعها .

الخلاصة

إن الامكانيات الاقتصادية والبشرية والفكرية والمالية والطبيعية المتوفرة في الخليج العربي ، اذا ما توفرت لها امكانات التقدم التكنولوجي ، توحي بمستقبل زاهر لكل بلدان الخليج . وكلنا أمل بأن السلطات المسؤولة في هذه البلدان سوف تعمل على تأمين شروط تفاعل هذه الامكانات لتؤمن لبلدان الخليج العربي وشعوبها سيراً متواصلاً نحو مستقبل أفضل يرتفع فيه الشعب الى مستوى الشعوب المتقدمة .