خليل سالم
نشر هذا المقال في كانون الثاني / يناير 1961 ، العدد الثالث ، الرائد العربي
عقد لبنان منذ عام 1952 اتفاقيات تجارية مع أكثر البلدان التي يتعامل معها تجارياً ، وذلك لتحقيق غرضين :
1 – تنشيط صادرات لبنان
2 – تخفيض العجز الكبير والمتزايد في ميزانه التجاري
بين هذه الاتفاقيات :
أ – معاهدة صداقة وتجارة وملاحة تنص على تبادل معاملة الامة الأكثر رعاية .
ب – معاهدة كوتا تجارية تحدد كميات البضائع المتفق على السماح باصدار إجازات إستيراد او تصدير وتعديلها .
ج – معاهدة تجارية مرفقة بها معاهدات مدفوعات .
د – معاهدات تجارية مرفقة بمعاهدات تعاون إقتصادي وفني .
ه – معاهدات تبادل معاملة الامة المفضلة .
وقد برهن إختبارنا في تطبيق هذه المعاهدات على اننا حققنا نجاحاً ضئيلاً ، بمعنى محدود ، بالنسبة الى الهدف الاول ، وفشلنا كلياً بالنسبة الى الهدف الثاني .
الاتفاقيات
الاتفاقيات مع الدول العربية
- اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم الترانزيت بين الدول العربية .
تربط هذه الاتفاقية مجموع الدول العربية وتهدف الى تنمية التجارة وتوثيق التعاون الاقتصادي في ما بينها . ومن أجل ذلك نصت على منح الافضلية للبضائع المتبادلة ، وكذلك لتحويل رؤوس الاموال . وأهم بنود في هذه الاتفاقية هي :
أ- إعفاء قسم كبير من المنتجات الزراعية والمنتجات الحيوانية من الرسوم الجمركية .
ب – تخفيض التعرفة على قسم كبير من المنتجات الصناعية بمعدل 25 بالمئة من التعرفة العادية .
ج – منح الافضلية بالنسبة الى معاملات إصدار إجازات الاستيراد والتصدير .
د – تبادل جميع التسهيلات اللازمة لشؤون الترانزيت وفقاً للانظمة السارية المفعول .
المعاهدات التجارية الثنائية مع الدول العربية .
دخل لبنان ، بالاضافة الى إنضمامه الى اتفاقية التبادل التجاري والترانزيت بين الدول العربية ، في معاهدات تجارية ثنائية مع عدد من هذه الدول هي : اتفاق إنتقالي عقد مع سوريا في 5 اذار/ مارس 1953 ، ثم عدل ومدد مفعوله ؛ إتفاقية تجارية مع الاردن في 27 آب / اغسطس 1952 ؛ اتفاقية تجارية مع ملحق لتنظيم الدفع في العراق وقعت في 10 شباط / فبراير 1951 ولم تصدق بعد ؛ اتفاقية تجارية ومدفوعات مع مصر وقعت في 2 ايلول / سبتمبر 1952 .
جميع هذه الاتفاقيات ، مع فوارق بسيطة ، هي اتفاقيات للمعاملة بالافضلية وتنص ايضاً على مثل هذا التعامل بالنسبة الى الضرائب الجمركية واصدار اجازات التصدير والاستيراد ، حيث لا تكون هنالك اتفاقية ثنائية تنص على تعادل الميزان التجاري بين الطرفين المتعاقدين . والهدف الاساس من عقدها ، على ما يبدو ، هو تحرير التجارة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الاطراف المتعاقدة .
الاتفاقية مع سوريا
عقب حل الوحدة الجمركية بين لبنان وسوريا عام 1950 جرت مفاوضات انتهت عام 1953 الى عقد اتفاق انتقالي نص على كيفية تنظيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين . وقد مدد في ما بعد ، بعد إدخال بعض التعديلات عليه . ونص هذا الاتفاق على إعفاء كثير من المنتجات الزراعية والحيوانية ذات المنشأ السوري او اللبناني من الضريبة الجمركية ، وعلى تحديد تعرفة موحدة فرضت على هذه البضائع عندما تستورد من الخارج . ونص ايضاً على إعفاء بعض المنتجات الصناعية ذات المنشأ اللبناني او السوري وحدد لها تعرفة موحدة عند استيرادها من سوق أخرى ، كما نص على تخفيض التعرفة الى 50 بالمئة من التعرفة العادية بالنسبة الى بعض المنتجات الصناعية الاخرى . وفي قائمة رابعة وأخيرة شملت منتجات مختلفة ، نص الاتفاق على ان تطبق التعرفة العادية عليها . وبالاضافة الى ذلك ، فقد نص الاتفاق على تسهيلات لتجارة الترانزيت وعلى منح اعفاءات على البضائع العابرة بالنسبة لكل الضرائب ، ما عدا الرسوم الصحية والرسوم المستحقة عن القيام بالمعاملات الرسمية الضرورية .
الاتفاقية مع الاردن
تتناول هذه الاتفاقية البضائع المتبادلة وتجارة الترنزيت والنقل وتنص على تبادل المعاملة بالافضلية بالنسبة لذلك على الوجه التالي :
1 – إعفاء عدد كبير من المنتجات الزراعية والصناعية من الضريبة الجمركية ومن اجازة الاستيراد المسبقة .
2 – تحديد بعض المنتجات الحيوانية والزراعية التي يمكن حظر الاتجار بها في ظروف خاصة ولمدد معينة ، ثم تسمية المنتجات التي لا يتناولها الاعفاء المذكور اعلاه .
3 – تخفيض التعرفة الجمركية بالنسبة لبعض المنتجات الصناعية الى ثلث التعرفة العادية وتحديد المنتجات الصناعية التي تطبق بالنسبة لها التعرفة العادية .
4 – وقد نصت على جميع التسهيلات لتجارة الترانزيت عبر اراضي الفريقين والنقل المتعلق بذلك .
الاتفاقية مع مصر
نصت هذه الاتفاقية ، كالاتفاقية مع الاردن ، على تبادل المعاملة بالافضلية بالنسبة للبضائع وتجارة الترانزيت والنقل . فهي تحوي اربع قوائم تعدد :
1 – المنتجات الزراعية والمواد الخام التي تعفيها من الضريبة الجمركية .
2 – المنتجات الصناعية التي تمنحها تخفيضاً على الضريبة بنسبة 50 بالمئة من التعرفة العادية .
3 – المنتجات الصناعية التي تمنحها تخفيضاً بنسبة 25 بالمئة .
4 – منتجات التجميع assembly plants التي تمنحها تخفيضاً بنسبة 20 بالمئة فقط .
أرفقت بهذه الاتفاقية ، اتفاقية مدفوعات تنظم طريقة الدفع وتحدد المعاملات التي تشملها هذه الاتفاقية .
2 – الاتفاقيات مع الدول ذات الاتجار الحكومي
جميع هذه الاتفاقيات متشابهة أساساً . فهي ، بالاضافة الى انها تنص على تنظيم الاتجار بالبضائع والخدمات على طرق معينة ، قد نصت ايضاً على تمويل هذه التجارة .
عقدت اولى هذه الاتفاقيات مع تشكوسلوفاكيا في 12 تموز / يوليو 1952 ثم عدلت في 11 تشرين الثاني / نوفمبر 1954 . وتلتها اتفاقية شبيهة بها مع يوغسلافيا في 28 تموز / يوليو 1953 واخرى مع المانيا الشرقية في 14 كانون الاول / ديسمبر 1953 وعدلت في 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1955 . وتلتها اتفاقية مشابهة مع الاتحاد السوفياتي في 30 نيسان / ابريل 1954 وبولندا في 4 كانون الثاني / يناير 1956 ومع رومانيا في 6 كانون الثاني / يناير 1956 .
أهم خصائص هذه الاتفاقيات :
1 – تحوي قوائم بالمنتجات المقترح تبادلها بالنسبة الى لبنان : البرتقال والليمون الحامض والموز وزيت الزيتون والتنباك الخ .اما بالنسبة للبلدان المذكور اعلاه : الماكنات والتراكتورات والسيارات والاسمدة والبرسلان والكريستال والورق ومواد البناء الخ .
2 – تنص على حد أدنى لقيمة البضائع التي تشتريها من لبنان البلدان التالية :
روسيا عشرة ملايين ليرة لبنانية في العام ، تشكوسلوفاكيا ثمانية ملايين ليرة لبنانية ، المانيا الشرقية خمسة ملايين ليرة لبنانية ، بولندا ستمئة وخمسين الف دولار لشراء الحمضيات والبرتقال اللبناني
3 – تنص على تبادل معاملة الدولة الأكثر رعاية بالنسبة الى الضرائب والمعاملات الجمركية واجازات الاستيراد والتصدير والملاحة والترانزيت . وقد استثنيت من ذلك ، الامتيازات التي يمنحها لبنان الى الدول العربية ، كما استثنيت الامتيازات التي تمنحها الدولة المتعاقدة الى جاراتها من الدول ذات نظم الاتجار الحكومي .
4 – يضمن لبنان لهذه الدول حق استخدام منطقة بيروت الحرة ، كما تضمن هي ، من جهتها ، منح التسهيلات اللازمة للبضائع اللبنانية العابرة لاراضيها .
5 – تفتح حسابات التصفية clearing التي تسدد بواسطتها حسابات البضائع والخدمات المتبادلة بين الطرفين ، كما تحدد مبلغ الاستيدان والاقراض credit and debit التي يسمح بها في هذه الحسابات .
6 – خلافاً لجميع الاتفاقيات الاخرى ، تهدف هذه الاتفاقيات الى توازن التجارة بين البلدين المتعاقدين ، بالنص على تساوي قيمة الصادرات وقيمة المستوردات ضمن حدود معينة . ولبلوغ هذه الغاية تتطلب هذه الاتفاقيات تسديد حساب التجارة الجارية بواسطة حساب مركزي يحدد مدى الاستيدان والاقراض الذي يسمح به ضمن مهلة 6 اشهر او 12 شهراً .
7 – لا تضمن هذه الاتفاقيات ان تبلغ التجارة الفعلية الحد الادنى المعين . وهكذا ، يبقى مدى التجارة متوقفاً على عوامل عديدة أهمها سياسة السلطات المختصة في البلدان ذات الاتجار الحكومي ، فضلاً عن الاسعار النسبية ونشاط التجار اللبنانيين .
طبيعة حسابات المقاصة clearing هذه :
جميع هذه الحسابات هي من النوع المركزي centralized . فالاتفاقات تنص على تمويل التجارة بواسطة حساب مفتوح لدى المصرف المركزي للدولة المتعاقدة . ويسدد المستوردون ما يتوجب عليهم في بنك لبناني بالعملة المحلية ويقبض المصدرون بعملتهم الوطنية ايضاً .
تشمل العمليات المحددة في هذه الاتفاقيات مدفوعات البضائع المتبادلة ومصاريف الانتقال ومصاريف البعثات التجارية والبعثات الدبلوماسية والقنصلية ومدفوعات الضمان الاجتماعي والتقاعد . وتنص اتفاقيتا تشكوسلوفاكيا والمانيا الشرقية ، بالاضافة الى ذلك ، استعمال قسم معين من حاصلات صادراتها الى لبنان لشراء بضائع لبنانية ويدخل ثمنها في المدفوعات المتوجبة ضمن حسابات التصفية . وهكذا ، تشمل هاتان الاتفاقيتان ، ضمن حدود معينة ، عمليات إعادة التصدير والترانزيت التي تجري بواسطة منطقة بيروت الحرة .
تنص كل هذه الاتفاقيات على تحديد مبلغ الاستدانة . فاذا تعدى المبلغ هذه الحدود بصورة ثابتة ، عمدت الدولتان المتعاقدتان الى التفاوض لاتخاذ الاجراءات اللازمة لاعادة التوازن .
لا تنص أي من هذه الاتفاقيات على تسديد الفائض منها بذهب او عملات قابلة للتحويل . وكل فائض في الحساب يبقى عند انتهاء مدة الاتفاقية ، يصار الى تصفيته بواسطة بضائع وضمن مهلة 6 اشهر . إنما اذا تعذر ذلك على الدولة المستدينة ، فيجب تسديد الحساب بعملة قابلة للتحويل .
3 – الاتفاقيات الاخرى
الاتفاقيات المتبقية هي المعقودة مع الارجنتين والبرازيل وفرنسا وايطاليا . الاتفاقيتان الاوليتان الموقعتان في نيسان / ابريل 1954 واذار / مارس 1955 بالتتالي ، هما مجرد اتفاقيات تبادل معاملات الامة الاكثر رعاية بالنسبة الى التجارة والملاحة . إنها تتناول التعرفة والمعاملات الجمركية وحقوق المعتمدين القنصليين ومعاملة ممثلي اصحاب الاعمال والملاحة . وتستثنى من ذلك الامتيازات الممنوحة لاعضاء الجامعة العربية والدول المجاورة والداخلة معها في وحدات جمركية .
إتفاقيتا فرنسا وايطاليا هما اتفاقيات كوتا تنص ، بالاضافة الى تبادل معاملة الدولة الاكثر رعاية ، على تعاون اقتصادي ومساعدات فنية . فالنصوص المتعلقة بالكوتا تحدد قيمة او كمية بضائع معينة تتعهد الدولة المتعاقدة ان تنمح من اجلها إجازات تصدير او استيراد . أما النصوص المتعلقة بالمساعدة الفنية فهي تحصر نوع المساعدة بطريقة بيع معدات على الحساب واشتراك الرساميل في انشاء مؤسسات صناعية وزراعية في لبنان وتقديم مساعدات فنية . ولا تحدد أي من هاتين الاتفاقيتين إجراءات ما لتأمين توازن الحساب التجاري بين لبنان والبلد المتعاقد الآخر . فهي لا تتضمن نصوصاً تدعو الى احلال التوازن في التجارة بين الطرفين . إن الهدف الرئيس من عقد هاتين الاتفاقيتين بالنسبة الى لبنان هو ، على ما يبدو ، تنشيط صادرات لبنان الى هاتين السوقين بازالة بعض العراقيل التي قد تنجم عن فرض بعض القيود على الكميات المصدرة من بضائع معينة .
الأهمية الاقتصادية والتجارية لهذه الاتفاقيات
أكثر هذه الاتفاقيات لم تتجاوز مدة العمل بها أكثر من اربعة او خمسة أعوام . لذلك يصعب الحكم على نتائجها وتأثيرها على الاقتصاد اللبناني وتجارته الخارجية . أكثر ما يمكن الوصول اليه هو تسجيل بعض النتائج والتأثيرات المرجح تحقيقها إستناداً الى نصوص الاتفاقيات والى الاختبار العملي الذي لم يزل محدوداً على مستوى التطبيق الفعلي .
1 – إن أكثر اتفاقيات لبنان التجارية هي من نوع تبادل معاملة الدولة الاكثر رعاية . فهي تضع المقياس للمعاملات الذي سيمنح الى أي دولة ثالثة ، أي معاملة هذا الطرف الثالث ضمن الشروط القائمة مع الطرف الثاني . إن هذا الارتباط لا يعني ، في الحقيقة ، أكثر من تعهد يمنح للدول المعاقدة بعدم اتخاذ اجراءات تمييزية بحقها . غير ان سياسة لبنان الجمركية ليست تمييزية الا نظرياً . انها تنص على نوعين من التعرفة لكل صنف من البضاعة : تعرفة عادية تمثل الحد الادنى الذي تمنح للدولة الاكثر رعاية ، وأخرى قصوى تبلغ ضعف التعرفة العادية . وهذه التعرفة تحدد بقانون وتعدل حسبما تقتضيه السياسة الاقتصادية . كما ان التعرفة القصوى تطبق تمشياً مع هذه السياسة . وحتى الان لم تطبق هذه التعرفة إلا بالنسبة الى بعض البضائع اليابانية ، لذلك يمكننا اعتبار سياسة لبنان الجمركية غير تميزية فعلياً . وعلى هذا الاساس يمكن القول بان دخول لبنان في اتفاقيات تبادل معاملة الدولة الاكثر رعاية ، وارتباطه بما ينطوي عليه الامتناع عن اتخاذ اجراءات تمييزية بحق الدول المتعاقد معها ، لا يؤثر في سياسة لبنان الجمركية . كذلك ، من جهة اخرى ، لا تنص اي من الاتفاقيات المعقودة على تحديد مستوى التعرفة العادية . وهكذا يحتفظ لبنان لنفسه بحق زيادة هذه التعرفة حسبما ، وعندما ، تقتضيه مصلحته .
أما من الناحية الايجابية ، فإن هذه الفئة من الاتفاقيات لم تسجل اي ربح جديد او زيادة في ربح كان حاصلاً من انتساب لبنان الى الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية Gatt . فقد أمنت له ، كونها معاهدات ثنائية، معاملة الدولة الاكثر رعاية . ومنحته ، إضافة الى ذلك ، حق اتخاذ الاجراءات اللازمة لانماء اقتصاده او للحصول على امتيازات جمركية لمنتجاته الزراعية المهمة .
2 – بالنسبة للتعاقد مع البلدان ذات الاتجار الحكومي ، حيث تقوم الدولة او منظمة تابعة لها ، بتحديد البضائع التي تشترى نوعاً وكمية ومصدراً ، كما تقرر بكل ما يتعلق بعمليات الشراء . لذلك يفقد منح صادرات لبنان من قبل هذه البلدان معاملة الدولة الاكثر رعاية كل قيمة . إن السبب بسيط وواضح . فقرار الدولة بالشراء لا يتعلق بالتعرفة او المعاملات الجمركية او اي أمر آخر يحدد مصدر المشتريات وكميتها . وعلى الرغم من ان الاتفاقيات المعقودة مع البلدان ذات الاتجار الحكومي تنص على وعد بشراء بضائع لبنانية تبلغ قيمتها حداً معيناً ضمن مدة محددة ، فان التبادل التجاري بين لبنان وبينها لم يبلغ الحد المراد الا مرة واحدة وذلك مع رومانيا عام 1957 . لذلك لم تسجل تجارة لبنان مع هذه البلدان توازناً بالميزان التجاري ، الامر الذي يعني فشل محاولة تحقيق توازن هذا الميزان الذي تنص عليه ضمناً كل الاتفاقيات .
ومن ناحية اخرى ، نصت هذه الاتفاقيات على ان العجز الذي لا يمكن تغطيته بالبضائع ضمن المهلة المحددة يجب ان يسدد بعملة قابلة للتحويل . كما نصت كذلك على ان يشمل حساب التصفية المشتروات من منطقة بيروت الحرة . وبذلك يكون الفائض الذي تجنيه هذه الدول من تجارتها مع لبنان يعود اليها اما ببضائع من المنطقة الحرة او بالعملات الصعبة .
هذه الاتفاقيات هي الوحيدة بين اتفاقيات لبنان التي تجري بموجبها التبادلات التجارية بينه وبين بلدان الاتجار الحكومي . وبما ان كمية التجارة مع هذه البلدان ضئيلة نسبياً ، فان تجارة لبنان تبقى عملياً ذات طابع متعدد الاطراف multilateral . هذا ، بالاضافة الى ان هذه الاتفاقيات وجميع اتفاقيات لبنان تشمل تجارة الترانزيت والاتجار المثلث . لذلك لا ينتظر ان يحصل اي تبديل جوهري على وضع التجارة او مداها نتيجة تطبيق هذه الاتفاقيات الثنائية .
3 – بالنسبة الى الاتفاقيات ذات المعاملة المفضلة ، فهذه معقودة جميعها مع الدول العربية . إنها تنص على تعاون اقتصادي وثيق وتهدف الى تذليل بعض العقبات التي تحد من اتساع الاسواق بالنسبة الى المنتجات الوطنية . غير ان التطبيق العملي لهذه الاتفاقيات دل بوضوح على ان نصوصها لم ترع بشكل مرضٍ . فالسياسات الوطنية والمحلية، على ما يظهر ، غالباً ما تتعارض وتحمل الحكومات على ابطال مفعولها بواسطة اجراءات ادارية . وكون لبنان بلد خدمات ووسيطاً تجارياً ويملك مؤسسات متقدمة النمو ، فمن مصلحته تطبيق نصوص هذه الاتفاقيات تطبيقاً صحيحاً كي يضمن ربحاً قيماً . أما ، وكما هو الوضع الان ، فهذا الربح قد تقلص الى حد كبير بسبب فشل الحكومات المعنية بتطبيق مواد الاتفاقيات تطبيقاً حسناً .
حظي لبنان ، بشكل مستمر ودائم ، بنوع من الترتيبات التجارية او الاقتصادية مع هذه البلدان . وكون اقتصاديات هذه البلدان والاقتصاد اللبناني متكاملين من عدة نواح ، يجعل التعاون الاقتصادي بينها ذا فائدة متبادلة مهمة . اما البحث في ما اذا كانت الاتفاقيات الحالية ، اذا طبقت تطبيقاً سليماً ، تخدم الهدف ام لا ، فذلك يجب تناوله على اساس ما يمكن عمله ضمن الوضع الحالي ، الاقتصادي وغير الاقتصادي . ولا بد من الاعتراف ان هذه الاتفاقيات ، من دون شك ، تقدماً مهماً ، بالنسبة الى الاوضاع التي سبقت اقامت الترتيبات الحالية مباشرة .
تأثير هذه الاتفاقيات في تجارة لبنان
لا تعطي الاحصاءات التجارية ( راجع الملاحق 1 – 4 ) اي دليل واضح على ان اي تغير مهم قد طرأ على تجارة لبنان بالنسبة الى نمطها pattern ومداها وتركيبها نتيجة تطبيق الاتفاقيات المعقودة . وتعكس التجارة القائمة ، وفقاً لهذه الاتفاقيات ، نمواً مطرداً ، كما ان اتجاهاً مماثلاً يعكسه القسم المتبقي من التجارة ، وهو الذي يجري بدون اتفاقيات . لذلك ، ونظراً لان هذا الاتجاه التصاعدي لا يتعلق حصراً بالتجارة التي تجري وفقاً لاتفاقيات ، فإنه لا يمكن ان ينسب الى تطبيق هذه الاتفاقات .
ثم ان مدة التطبيق أقصر مما يمكن الاعتماد عليه للحكم على كون هذا الاتجاه التصاعدي في التجارة يتحقق وفقاً لهذه الاتفاقيات هو اقوى منه في التجارة بدون اتفاقيات . وفي ما عدا التجارة مع البلدان ذات الاتجاه الحكومي ، لا تبين الاحصائيات اي تغيير يمكن نسبه الى تطبيق الاتفاقيات المذكورة . وحتى بالنسبة الى التجارة مع البلدان ذات الاتجار الحكومي ، لا يوجد أي دليل كاف لربط الازدياد في التجارة بتطبيق المعاهدات . وتشير الاحصاءات الى ان صادرات لبنان الى الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا قد ازدادت كثيراً عام 1955 عقب تطبيق الاتفاقيات معها . كما انها تشير الى ازدياد مماثل عامي 1954 و 1955 مع عدد من الدول ذات الاتجار الحكومي التي لم تكن قد عقدت وقتذاك اتفاقيات تجارية مع لبنان . لذلك يمكن الشك في ان زيادة التجارة مع الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا عام 1955 جاء نتيجة تطبيق الاتفاقيات معها ، ويجب ان ترد ، ولو جزئياً ، الى عوامل أخرى . ويجب الاشارة هنا الى انه بدأ من انتهاء عام 1959 اصبح الاتجاه في التجارة مع بلدان الاتجار الحكومي كاتجاه باقي التجارة تقريباً .
هناك فارق وحيد ومهم بالنسبة الى لبنان يتعلق بنوعية صادراته الى هذه البلدان ، ذلك ان الحمضيات والتفاح كانا يشكلان القسم الاكبر من هذه الصادرات . وهكذا ، فان ازديادها يعني ، أكثر من أي شيء آخر ، زيادة مبيعات لبنان من التفاح والحمضيات بشكل عام ، خصوصاً وانهما من اهم صادرات لبنان رغم ما يواجهانهما من صعوبات جدية في التسويق . لذلك ، يمكن القول ، ان اتفاقيات لبنان مع هذه الدول تستند في أهميتها ، ليس الى مقدار التجارة انما الى قدرتها على تنشيط مبيعات لبنان من الحمضيات والتفاح . إلا أن هذه الاتفاقيات قد سهلت ، من ناحية ثانية ، استيراد لبنان لبعض منتجات النسيج من هذه البلدان . فتكاليف هذه البضائع ، تسليم بيروت ، تعادل ، وفي بعض الاحيان ، او تقل عن ثمن المواد الخام التي تدخل في صنعها ، مما أدى الى استيراد هذه البضائع بكميات كبيرة ، وبالتالي الى إغراق السوق المحلية وتدهور وضع تسويق الانتاج الوطني الاغلى ثمناً .
إن ميزان لبنان التجاري مع هذه البلدان في عجز لا يقل أهمية عن العجز الحاصل في الميزان التجاري مع أكثر الدول التي يتعامل لبنان معها . وعندما نأخذ بعين الاعتبار كون تبادل الخدمات وانتقال الرساميل بين لبنان وهذه الدول ضئيلاً جداً ، وربما غير قائمين ، يتبين لنا ان العجز في ميزان المدفوعات مع هذه الدول أضخم نسبياً مما هو عليه مع أكثر الدول الاخرى .
يقودنا هذا البحث المتقدم الى الاستنتاج بان اتفاقيات التجارة لم تأت بالفائدة المرجوة بالنسبة الى تشجيع صادرات لبنان من البضائع ، او تخفيضها ، او حتى الحد من زيادة العجز في الميزان التجاري . فبقدر ما يشكل هذان الامران ، التشجيع والحد ، هدفاً قصد به مصلحة بلدنا ، فان الاتفاقيات هذه قد فشلت واصبحت السياسة التي اتبعت في عقدها سياسة فاشلة . والنجاح الوحيد الذي يسجل لهذه الاتفاقيات انها ، كما بينا سابقاً، رفعت من تصدير التفاح والحمضيات ، الامر الذي يمكن اعتباره ذا أهمية محدودة بالنسبة الى تجارة لبنان العامة واقتصاده . إن سياسة الاتفاقيات ليست الطريقة المثلى او الكافية لمعالجة مشكلة كمشكلة صعوبة تسويق صادراتنا الزراعية . إنها تغفل الاسباب الحقيقية ومعالجتها والعائدة الى ضعف التسويق ووسائله شبه البدائية ، إضافة الى سعر الليرة اللبنانية غير الملائم للصادرات . فقد ارتفع سعر الليرة في السنوات القليلة الماضية نتيجة لتدفق رؤوس الاموال الاجنبية الى لبنان مما ادى ، مع ارتفاع بعض تكاليف الانتاج ، الى ارتفاع كبيرفي اسعار صادرات لبنان على العموم . إن سياسة لبنان التجارية أغفلت هذه العوامل ولم تواجهها مما انعكس على الصادرات بشكل عام .
بيَنا سابقاً كيف ان جميع هذه الاتفاقيات ، ما عدا الاتفاقيات مع الدول ذات الاتجار الحكومي ، تترك مصير التجارة بين أيدي التجار واصحاب الاعمال . فهي ، اذن ، كسائر الاتفاقيات التجارية تؤمن تسهيل الاتجار فقط ولا تضمن تنشيطه او توسيع نطاقه . وهكذا راينا كيف ان الطاقات الفعلية الهادفة الى توسيع نطاق التجارة وتنشيطها انحصرت في نشاط التجار انفسهم وفي مجهود مبعوثي الحكومة التجاريين والاقتصاديين والقائمين على عمليات التوضيب وكافة عمليات التسويق . ومهما كانت الاتفاقية صالحة ، ومهما وفرت من التسهيلات والامتيازات فهي لا تتعدى امكانيات غير فاعلة وترك امر استثمارها والاستفادة منها الى الافراد والمؤسسات المعنية . أما بالنسبة الى الاتفاقيات المعقودة مع دول الاتجار الحكومي ، حيث الاتجار تعاقدي ومحدد في صلب الاتفاقيات ، فالشاري والمتعاقد واحداً . فهل استثمرنا جدياً هذه النواحي في اتفاقياتنا ؟ . لقد بحثنا ، اعلاه ، بالتفصيل كيف اننا لم نفعل ذلك . ثم ان تعديل الاتفاقيات ، مهما تعددت ، ليس الجواب على فشل هذه الاتفاقيات في تحقيق الغاية التي من أجلها عقدت . والجواب على تساءلنا الاساسي يكمن ، اكثر ما يكمن ، في تحسين وتطوير طرق استثمارنا للتسهيلات او للطاقة الدافعة التي تؤمنها هذه الاتفاقيات .
ملحق
صادرات لبنان ضمن الاتفاقية التجارية ( باستثناء تجارة الذهب )
الاف الليرات اللبنانية
1959 | 1958 | 1957 | 1956 | 1955 | 1954 | 1953 | 1952 | 1951 | |
78914 |
65323 | 74213 | 77742 | 61588 | 55212 | 51426 | 45889 | 51588 | مجموع الصادرات |
159.0 | 121.6 | 149.6 | 156.6 | 124.1 | 111.2 | 100 | 100 | 1951-53 = |
الارقام القياسية |
139000 | 100903 | 133944 | 120029 | 107979 | 91981 | 86465 | 77590 |
89593 |
المجموع الكلي للصادرت |
مجموع الصادرات خارج |
|||||||||
60086 | 35580 | 58731 | 52287 | 46391 | 36769 | 35039 | 31701 | 38005 |
الاتفاقيات التجارية |
172.9 | 101.9 | 167.9 | 149.8 | 132.9 | 105.3 | 100 | 100 |
1951 – 53 = |
الارقام القياسية |
تجارة لبنان مع البلدان ذات الاتجاه الحكومي الاف الليرات اللبنانية |
|||||||||
1959 | 1958 | 1957 | 1956 | 1955 | 1954 | 1953 | 1952 | 1951 | |
28991 |
21465 | 24820 | 22634 | 15971 | 10440 | 6906 | 9731 | 7663 | مجموع الواردات |
257.9 | 265.0 | 306.4 | 279.4 | 197.2 | 128.9 | 100 | 100 | 1951 -53= | الارقام القياسية |
42905 | 32197 | 37230 | 23950 | 23955 | 15660 | 10360 | 14596 | 11495 |
مجموع الواردات معدلة باسعار النقد الحر |
9046 | 9394 | 11614 | 9128 | 8303 | 2332 | 2062 | 2250 | 2966 | مجموع الصادرات |
372.9 | 387.2 | 478.7 | 376.3 | 342.3 | 96.1 | 100 | 100 | 1951 – 53 = |
الارقام القياسية |
32859 | 22802 | 25616 | 24822 | 15651 | 13228 | 8298 | 12346 | 8529 |
الميزان |
واردات لبنان ضمن الاتفاقيات التجارية ( باستثنائ تجارة الذهب ) الالاف الليرات اللبنانية |
|||||||||
1959 | 1958 | 1957 | 1956 | 1955 | 1954 | 1953 | 1952 | 1951 | |
248946 | 217193 | 279504 | 276029 | 231827 | 216222 | 187594 | 149581 | 150513 | مجموع الواردات |
152.8 | 122.6 | 171.9 | 169.8 | 142.6 | 122.0 | 100 | 100 | 1951- 53 = | الارقام القياسية |
700000 |
466461 | 550869 | 519582 | 478562 | 371256 | 316389 | 304922 | 298742 |
مجموع الواردات ضمن الاتفاقية وخارجها |
451054 | 249268 | 241265 | 243553 | 246735 | 155024 | 128795 | 155341 | 148229 |
مجموع الواردات خارج الاتفاقية التجارية |
313.0 | 173.0 | 188.3 | 169.0 | 171.2 | 107.6 | 100 | 100 | 1951 – 53 = |
الارقام القياسية |