الياس الفرزلي
نشر المقال في حزيران / يونيو 1961 ، العدد الثامن ، الرائد العربي
تنتهي في هذا التاريخ بالذات مدة الحماية الموقتة التي نالتها صناعة النسيج بعد الازمة الحادة الني برزت منذ حوالى نصف عام ، والتي انتهت بفرض رسوم جديدة على الانسجة المستوردة ، الى ان تنتهي الجهات المختصة في وزارة الاقتصاد الوطني من وضع دراستها حول الموضوع . وكانت ازمة النسيج قد نشأت بسبب تهديد الصناعيين بالتوقف عن الانتاج وصرف العمال ما لم تؤمن لهم الدولة الحماية التي يطلبونها ، يقابل ذلك تهديد التجار بالاضراب ايضاً اذا عمدت الدولة الى فرض رسوم جديدة على السلع المستوردة . وترتدي هذه الازمة المزمنة طابعين ، الاول موقت والثاني دائم .
طابع الازمة الدائم
الطابع الدائم هو ان صناعة اللبنانيين تنقصها الامور التالية لتتمكن من مجاراة الصناعات العالمية :
أ- المواد الاولية
القطن الخام غير موجود في لبنان ، وكذلك الصوف وسائر المواد الاصطناعية التي يصنع منها الحرير الاصطناعي او الكتان .
ب- السوق المحلية
هذه السوق لا تتسع للتصريف الضخم الذي يسمح بالانتاج الضخم ، الأمر الذي يؤمن تدني الاسعار وجودة البضاعة ، وفقاً للقوانيين الاقتصادية المعروفة . هذا ، بالاضافة الى ان الاسواق المجاورة مقفلة في وجه الانتاج اللبناني . وضخامة حجم الانتاج تؤدي الى تأمين احتياجات الصناعة بتكاليف أقل بالنسبة للوحدة المنتجة . فلو كان لدينا عشرة مهندسين متخصصين لنوع من الخيط في مصنع ينتج عشرين مليون متر نسيج، فان وجودهم لا يكلف بقدر ما يكلف عشرة من أمثالهم في مصنع لا ينتج الا مليون متر فقط . وهكذا ، كلما قلة نسبة الانتاج تزايدة الكلفة .
ج- التقاليد الصناعية المفقودة
اسباب غياب ما يمكن تسميته بالتقاليد الصناعية كون لبنان بلد تجاري اولاً وآخراً . وهو لم ينفتح على الصناعة الا في المدة الاخيرة ، أي منذ 15 الى 20 عاماً . وعقلية اللبناني تدفعه للاهتمام بالربح السريع وينقصها الصبر والتصميم والتخطيط للمدى الطويل بسبب الاوضاع السياسية وما يشوبها من قلق دائم ، ومركزه الجغرافي واعرافه الاجتماعية . وهنا نعود الى ضيق السوق . فهذا الامر لا يسمح باثقال كاهل الصناعة بتجهيز مختبرات ومدارس تدريب للاستعاضة عن التقاليد الموروثة باستسراع التجهيز الفني لدى العاملين في الحقل الصناعي .
أسباب الازمة الخارجية
أ- البلدان الموجهة اقتصاديا
تعتمد هذه البلدان سياسة اغراقية ، ليس فقط في ما يختص بصناعة النسيج ، بل بكل ما يختص بجميع الصناعات الاخرى . ونعني بذلك انها تلجأ الى تخفيض اسعار السلع التي تنتجها تخفيضاً مصطنعاً لا تبرره عناصر العرض والطلب المعمول بها في بلدان اخرى ، ولا اقتصاد البلد الموجه اصلاً ، بل هو اقتصاد حر .
ليس الآن مجال الخوض في تحليل اسباب هذه السياسة التي يعرف منها الكثير ويجهل منها الكثير ايضاً ، لكننا نكتفي بالتأكد من وجود هذه السياسة بغية عدم بنائنا للفكرة على أسس غير علمية . وقد لا نتمكن من حصر مقدار هذه السياسة الاغراقية بالضبط وبالارقام ، لكن يمكن الجزم بأن هذه الاسعار غير معقولة ولا تبررها ظروف الانتاج الطبيعية الحسنة . ولنعطي مثلاً على ذلك . فمن المعروف ان سعر القطن الخام المعد للغزل والنسيج يخضع لسعر عالمي تقرره البورصات العالمية . وهذا السعر لا يمكن ان يختلف كثيراً عن سعر كلفته بسبب قوانين العرض والطلب . كما ان سعر الكلفة في البلدان غير الموجه اقتصادها لا يختلف عنه كثيراً في البلدان الموجهة اقتصادياً ، نظراً للحدود التي تفرضها طبيعة انتاج المواد الاولية . فاذا وجدنا ان البلدان الموجهة اقتصادياً تصدر نسيجاً مصنوعاً من هذا القطن الخام الذي نتحدث عنه ومطبوعاً بألوان عديدة بأسعار ادنى من اسعار القطن الخام والداخل في هذا النسيج بنسبة 50 % ، لا يسعنا الا الاقرار بأن الاسعار المعمول بها غير طبيعية ، ولو لم يكن بمقدورنا واستطاعتنا تحديد تدخل الدولة في هذه الاسعار بأرقام دقيقة .
ب- البلدان غير الموجهة اقتصادياً
يزاحم انتاج هذه البلدان الانتاج الوطني مزاحمة قوية ، ولكن ليس بقوة البلدان الاخرى حيث الاقتصاد موجهاً. الا ان بعض البلدان غير الموجهة يقوم ، من وقت الى آخر ، بتنشيط حركة التصدير باعطاء منح للمصدرين او اعفاء من الرسوم وما الى ذلك من الوسائل التي تشجع على المزاحمة .
ج- البلدان المجاورة
يزاحم انتاج الجمهورية العربية المتحدة الانتاج اللبناني لأن القطن الخام يتوفر لمصانعها بأسعار أدنى بكثير مما يتوفر للمصانع اللبنانية . وقد يبلغ هذا الفرق احياناً الخمسين بالمئة . وفي الجمهورية العربية المتحدة صندوق لتشجيع مصدري القطن المنسوج يمول عن طريق فرض رسم على مصدري القطن الخام يتراوح بين 25 و 40 بالمئة . وهكذا يكون الحافز للتصنيع مزدوجاً بحيث توضع عراقيل في وجه مصدري القطن الخام لحملهم على بيعه من مصنعي القطن المنسوج في بلادهم ، الأمر الذي يجعل سعر القطن الخام الذي يشتريه لبنان من الجمهورية العربية مرتفعاً . وعلى المستورد اللبناني ، اضافة الى هذا السعر ، ان يدفع اجور الشحن والرسوم . ويمثل استيراد لبنان من قطن الجمهورية العربية حوالى 80 بالمئة من احتياجاته . ويستفيد مصدر النسيج بمبلغ من المال يساعده في تخفيض اسعاره ومزاحمة انتاج الاخرين . وفي الوقت التي تتمتع به السلع المستوردة من البلاد العربية باعفاءات من الرسوم الجمركية بنسبة 25 بالمئة ، فان السلع اللبنانية لا تتمتع في الجمهورية العربية المتحدة باعفاءات مقابلة بسبب السياسة الاقتصادية التي تتبعها الجمهورية والداعية الى الحد من الاستيراد بقدر المستطاع وعدم السماح باجازات استيراد من الخارج .
خلاف الصناعيين والتجار
من هنا نشأ الخلاف الكبير بين الصناعيين والتجار حول هذه النقطة بالضبط . فقد حاول الصناعيون فرض الاصناف التي ينتجونها على السوق المحلية لحمايتهم من سيل الانتاج الاجنبي ومقاومة التجار لهذه المحاولة ، نظراً لاحتياجهم الى تشكيلة من الاصناف واسعة لارضاء اذواق مختلف زبائنهم من لبنانيين واجانب ، من أغنياء ومتوسطي حال وفقراء ، من سكان البلدان العربية والاوروبية والاميركية الذين يقطنون في لبنان، وبسبب الفارق الكبير في الارباح التي يجنيها التجار من بيع البضائع المستوردة من الخارج ، بينما ارباحهم من الانتاج المحلي ضئيل ومحدود. والواقع ان الحكومة اللبنانية ، رغبة منها في حماية صناعة النسيج الوطنية ومحافظة على حقوق العمال الذين يبلغ عددهم في معامل الغزل والنسيج والصناعات المتفرعة عنها كالصباغ وغيره 15 الف عامل ، قد عمدت المرة تلو المرة الى زيادة الرسوم الجمركية على النسيج القطني المستورد من الخارج . وكانت في كل مرة تجد نفسها تحت ضغط ازمة المصانع وعمالها تضطر الى رفع الرسوم من دون دراسة كافية للموضوع ، أملاً باجراء هذه الدراسة في المستقبل وايجاد الحلول الجذرية والنهائية لهذه المعضلة .
كانت العلاجات التي تأتي بها الدولة غير كافية ، او على الأقل غير منطبقة تمام الانطباق على العلة التي لم تكن الدولة قد توصلت الى تشخيصها بالضبط نظرًا لعدم تكريس الجهاز اللازم والوقت المطلوب لحل هذه المشكلة . من هنا نشأ إستياء التجار وقسم من المستهلكين من مطالب الصناعيين ، على اعتبار ان العودة للمطالبة بالحماية بين حين وآخر ، والتهديد بالاضراب او باستحكام الازمة ، هي أمور مفتعلة من هؤلاء الصناعيين للحصول على حماية لا يستحقونها.
حالة الصناعة الوطنية
سبق لمصانع النسيج الوطني ان تأسست على اساس تصريف انتاجها في اسواق البلدان العربية عامة وفي سوريا ولبنان خاصة . وكانت هذه المصانع تؤمن ، ايام الحرب العالمية الثانية الى حد بعيد ، حاجة لبنان وسوريا من الانسجة . لكن ضيق هذه الاسواق والمضاربة القادمة من الخارج اضطرها للبقاء على اوضاعها السابقة من دون العمل على توسيع اسواقها او الانفتاح على مجالات انتاجية جديدة ومتطورة . ولكي لا تتراجع اوضاعها لجأت الى تحويل انتاجها من الاصناف الشعبية القليلة العدد والتي كانت تعتمد عليها ، الى أصناف عديدة قد تبلغ المئة ، بغية الوصول الى جميع الطبقات وارضاء جميع الاذواق ، وعمدت الى التوسع الافقي في محاولة لانتاج الغزول ، أي ان يصنع كل معمل كل ما يحتاج اليه بدل ان يتخصص البعض بالغزول والبعض الاخر بالنسوج . وقد أضعفت هذه المحاولة امكانية المصانع في الصمود في وجه المعامل الاجنبية التي تتخصص بجنس او بجنسين من النسيج فتتمكن من اتقانه الى درجة كبيرة ، وتتمكن كذلك من توفير مبالغ طائلة من حيث المصاريف العامة .
يرد الصناعيون على ذلك قائلين بان الحماية التي منحت للصناعة الوطنية لم تكن متناسبة مع درجة حاجتها الى هذه الحماية بادىء ذي بدء . وهذا ما جعل الازمة تبقى على ما هي عليه وبقي الصناعيون يصرون على مطالبهم ، الى ان اعطيت الحماية وافترض ان تكون موقتة وكلفت مصلحة الصناعة في وزارة الاقتصاد ان تقوم خلال ستة اشهر بدراسة الموضوع دراسة معمقة وان تخلص الى حلول نهائية لمعضلة النسيج ويعاد النظر بكل التعديلات التعرفية التي سبق ان صدرت .
أهمية صناعة النسيج
لا تزال صناعة النسيج ، رغم كل العوائق الاساسية لنموها وتطورها التي أشرنا اليها ، الصناعة الاولى في لبنان . ويجب اعتبارها دائماً الصناعة ، إن لم تكن الاساسية ، فعلى الاقل بين الصناعات الاساسية . فانتاجها يمثل حاجة اساسية من حاجات الشعب ، ولا يجوز في اي حال من الاحوال ان تنقرض لاسباب تبدو بديهية للغاية ، كتلبية الضرورة ايام الحرب وتشغيل العمال وتعزيز الدخل الوطني . ويبد من هنا ان الموضوع يتعدى الناحية الاقتصادية الى الناحية الاجتماعية والانسانية . كما ان المحافظة على هذه الصناعة ستسمح لها في المستقبل ، اذا تبدلت الظروف وانفتحت مجالات اوسع أمامها ، ان تكون خميرة تطوير الصناعة الوطنية بحيث تتمكن من ان تفتح امام الاجيال القادمة مجال العيش والعمل .
ابان احتدام الازمة دعم التجار وجهة نظرهم بعروض قدمتها شركات اجنبية لادارة مصانع الغزل والنسيج وتعهدها باعطاء اصحابها نسبة من الارباح ، شرط ان يتخلى هؤلاء عن مصانعهم وان يقدموا كشفاً بسعر الكلفة . واتجهت النية ، بعض الوقت ، الى الاخذ بهذه النظرية على اعتبار ان الصناعيين ، بتمنعهم عن كشف سعر الكلفة واطلاع الجهات الرسمية عليها ، إنما يخبؤون ارقاماً ليس في مصلحتهم الكشف عنها .
اتجهت النية بعد الدراسات الاخيرة الى انه قد لا يكون لبقاء المصانع اي جدوى اقتصادية في الوقت الحاضر، لكن بقائها ضروري على المدى البعيد . فلبنان يحتاج الى التصنيع وزيادة الانتاج بغية تخفيف العجز في ميزانه التجاري وزيادة دخله الوطني .
ولا بد هنا من الاشارة الى تقرير بعثة " ارفيد " ومحاضرة الاب لوبريه التي اشار فيها الى هذه النقاط وبين بوضوح ان لبنان امام فرصة يجب عليه ان يغتنمها قبل فوات الاوان ويعمد الى زيادة انتاجه في الحقلين الزراعي والصناعي وعدم الارتكاز على قطاع الخدمات لتغطية ميزانه الاقتصادي . فالاتكال على الخدمات التي يؤديها لبنان للخارج ، من سياحة وتجارة واموال مهاجرين دون غيرها من اسباب الثروة الحقيقية والدائمة ، يجعل اقتصاده واهي الاسس وتحت رحمة الازمات السياسية والاجتماعية والدولية .
انتاج المنسوجات في المعامل اللبنانية
الصنف الوزن ( بالكيلو ) القيمة ( بالليرة اللبنانية )
المنسوجات الصوفية 116000 1160000.00
المنسوجات الحريرية 492000 3936000.00
المنسوجات القطنية 2397000 11985000.00
المجموع 3005000 17081000.00
استيراد الاقمشة الجوبية
السنة الوزن ( كيلوغرام ) القيمة ( ليرة لبنانية )
1957 822797 2217601.00
1958 575465 1660708.00
1959 1116991 3218320.00
الرسم الجمركي المفروض على النسج الجوبية ( كيلو صافي ) : 225 ق.ل.
وزارة الاقتصاد الوطني - مصلحة الصناعة - عام 1959
الصنف الاستيراد التصدير
الكمية كيلو القيمة ل.ل الكمية كيلو القيمة ل.ل.
منسوجات الحرير
الطبيعي والصناعي 593095 5471268 13188 137394
المنسوجات الصوفية 981827 105970454 3878 857076
المنسوجات القطنية 3194242 22722784 4186 41612
النسج المصنوع من الكتان والقنب 81016 482734 575 5374
نسج قطعاً من شغل السناق 56328 545685 443 5162
المجموع 4906508 39819516 57180 1046618
الألبسة النسائية 29956 1062728 22596 353418
حركة الاستيراد والتصدير للمواد النسيجية والحاجات المصنوعة من هذه المواد
الاستيراد
الصنف 1956 1957 1958 1959
ل.ل طن ل.ل طن ل.ل طن ل.ل
الحرير الطبيعي والصنعي 1910 9535 2643 11756 1495 8432 1833 10537
الصوف والشعر والوبر 3911 21769 4185 24917 2686 17219 5741 25362
القطن 5697 18732 7918 23950 6373 19687 8954 25178
مصنوعات شغل الصنارة 160 3594 202 4763 158 3684 252 6019
التصدير
الحرير الطبيعي والصنعي 61 371 90 471 34 297 33 265
الصوف والشعر والوبر 3047 5557 2852 6540 1520 3440 4051 7458
القطن 3282 5003 4536 5534 3863 4246 2100 2401
مصنوعات شغل الصنارة 35 60 56 885 41 902 82 1372
كميات باقية للاستهلاك المحلي
الحرير الطبيعي والصنعي 1849 9164 2553 11285 1461 8135 1800 10272
الصوف والشعر والوبر 864 16212 1333 18377 1166 13779 1690 17904
القطن 2415 13729 - - - - 2510 15441 6854 22777
اشغال الصنارة 125 3534 146 3878 117 2782 170 4647