الاحداث الاقتصادية : عرض وتحليل

1 – ملاحظات أولية حول الاجراءات الاقتصادية الاخيرة في العربية المتحدة

 

 نشر هذا العرض والتحليل في ايلول /  سبتمبر ، العدد الحادي عشر ، الرائد العربي

القرارات والاجراءات الاخيرة المتخذة في الجمهورية العربية المتحدة ( راجع الملحق ادناه ) وأهمها قرارات تأميم المصارف وشركات التأمين ورفع ضريبة الدخل الى تسعين بالمئة على الدخل الذي يتجاوز عشرة الآف جينه مصري ، ووضع حد أعلى لحصة الفرد الواحد في المؤسسات والشركات ، ومنح العمال 25 بالمئة من الارباح الصافية العائدة للمؤسسات التي يعملون فيها ، هذه القرارات سيكون لها أثر كبير في نمو البلاد الاقتصادية . وقد يكون من السابق لاوانه ان نحلل الاتجاه تحليلاً علمياً ، على اعتبار ان المرحلة الانتقالية التي تجتازها الجمهورية العربية المتحدة لم تكتمل بعد . فمن المرجح ان تصدر قرارات جديدة متممة للقرارات السابقة . على ان ذلك لا يمنعنا من التلميح الى بعض النقاط الاساسية التي تثيرها الخطوات الاقتصادية المعلنة .

 

تهدف القرارات الى غايتين رئيستين :

1 – رفع معدل النمو الاقتصادي

2  - الحد من التفاوت في توزيع الثروات والمداخيل .

 

إن رفع معدل النمو ، كما هو معلوم ، يتطلب زيادة في نسبة الاستثمار. وتشمل هذه النسبة:

1 – مجموع استثمار القطاع الخاص .

2 – مجموع استثمار القطاع العام .

 

فما هو التأثير المرجح للقرارات المعلنة على مجموع الاستثمار الكلي ونسبته من الدخل ؟ ويمكننا تلخيص هذا التأثير كما يلي :

1 – الحد من موارد ومجالات الاستثمار للقطاع الخاص لمصلحة القطاع العام ، أي تخفيض الاستثمار الخاص وزيادة الاستثمار العام .

2 – امكانية ارتفاع نسبة الاستهلاك ارتفاعاً محدوداً نتيجة لتوزيع الدخل في صالح الطبقات الفقيرة من دون اتخاذ اجراءات حكومية لامتصاص الارتفاع في مداخيل هذه الطبقات عن طريق الضرائب .

 

قد يصعب التنبؤ بمفعول هذين العاملين في نسبة الدخل المستثمر في المدى القريب . غير ان هدف القرارات هو رفع نسبة الدخل ، وبالتالي يجوز الافتراض ان السياسة الاقتصادية والاجتماعية من جميع نواحيها ستعمل على تحقيق هذه الغاية .

 

تجدر الاشارة هنا الى عامل مهم في التخطيط الاقتصادي يكمن في كفاءة الاجهزة التي تقوم بعملية الاستثمار. وهي قضية كثر الجدل والتساؤل حولها واختلفت فيها الاراء حول اي من القطاعين ، الخاص او العام ، أكثر كفاءة في ادارة موارد الامة وتطويرها . هنا ايضاً يصعب الحكم مسبقاً على ما ستكون عليه الحالة في الجمهورية العربية المتحدة ، إذ يعتمد تقرير هذه القضية على امكانية خلق جهاز حكومي فعال . غير ان هناك بعض القضايا التي تبرز نتيجة لعملية التأميم ، والتي يتوقف مدى نجاح الدولة في ادارة المؤسسات المؤممة ، في معاجتها والسبل التي ستتبعها وصولاً الى الهدف المنشود . أهم هذه القضايا هي قضية الرقابة وايجاد الاداريين من ذوي الخبرة والكفاءة ، فضلاً عن مشكلة الاجور وتوزيع الارباح وتنظيم الاسواق للمنتجات المتشابهة ومشاكل الاوضاع المالية للمؤسسات المؤممة .

 

اما بالنسبة للغاية الثانية من هذه التشريعات ، وهي الحد من التفاوت في توزيع الثروات والمداخيل ، فان القرارات قطعت شوطاً بعيداً في هذا المضمار . لكن القيمة العملية لهذا الاجراء تعتمد اساساً على مدى انماء الدخل القومي ، وإلا كان نصيب الطبقات المحدودة الدخل من هذا التوزيع ضئيلاً جداً .

 

هذه الملاحظات حول نتائج الاجراءات الاخيرة المتخذة في الجمهورية العربية المتحدة نوردها هنا على الصعيد الاقتصادي البحت ، علماً منا بأن هذه الاجراءات تستدعي اولاً مزيداً من الدراسة والبحث ، وثانياً مزيداً من الانتظار لما يرجح ان يتبعها من اجراءات اخرى كي تصبح الصورة على أثرها أكثر استكمالاً ، ويصبح الوضع أكثر وضوحاً من مختلف جوانبه ، الاقتصادية وغير الاقتصادية .

 

2 – ردود على بعض حجج خصوم مقررات القاهرة الاخيرة

شهدت الجمهورية العربية المتحدة خلال هذا الشهر أياماً تاريخية كانت بمثابة نقطة تحول في مصيرها الاجتماعي والاقتصادي ، ومنطلقاً جديداً في عالم الاشتراكية التي أرادت ان تعتنقها وان تصوغ تفاصيلها وترسم مخططاتها وتهيء جولاتها ومراحلها وفق الواقع المحلي ، وحسب حاجة شعبها . من هذه الاجراءات:

تأميم المصارف وشركات التأمين .

تأميم عدد من الشركات المساهمة الكبرى .

إشراك العمال في الارباح بنسبة 25 بالمئة .

خفض ساعات العمل من ثماني ساعات الى سبع ساعات .

خفض الحد الادنى للملكية الزراعية في الاقليم المصري من 200 فدان الى 100 فدان .

مقررات اخرى عديدة منفصلة اتخذت هذه القواعد الخمس اساساً ومنطلقاً لتعيد المؤسسات تنظيم وضعها على اساسها . ومن المتوقع ان تصدر مستقبلاً مقررات تفصيلية اخرى تأتي مكملة للمقررات الاولى وتكون معدلة لها بعد ان يمر وقت على التجربة او بعد ان تتوضح بعض المسائل التي لا يمكن ان ترد وان تظهر الا بعد فترة من التمعن وتقليب الرأي .

 

رافقت هذه المقررات حملة دعائية منظمة ، أخذت طريقها بواسطة الصحف والاذاعة والتلفزة . وكانت كلها تحاول ان تقدم لعامة الشعب مضمون القرارات وروحها باسلوب مبسط يدخل الى الفهم العادي وتبشره بغد آمل بأن ما اتخذ من قرارات تصب في مصلحته ، وعلى امل ان يستقبلها بترحاب ويتعاون مع السلطات على تطبيقها . فقد أصبح الآن سيد اقتصاده وسيجني الخير والسعادة من ثروات أعيد توزيعها وفرص أصبحت تصب في مصلحته .

 

قامت حملة معاكسة ومنظمة . فالجهات الرأسمالية والمراجع الاستعمارية نشطت بصورة سرية وعلنية في اقليمي الجمهورية وخارجهما ، لاسيما في الاقطار العربية المحيطة ، لتصوير ما حدث وكأنه كارثة على الشعوب . وكانت هذه المراجع تخشى ان تتضخم الموجة المنطلقة من القاهرة لتجد لها اصداء في الاقطار العربية كافة وتهدد ، بالتالي ، مصالحها ، إن عاجلاً ام آجلاً . وانضمت المراجع الصهيونية الى هذه المراجع المعادية الآن لمصر وأخذت زمام المبادرة والقيادة او لتهيء لها اسباب البروز على الصعيد العالمي . ورغهم ما قدمته الدعاية الصهيونية من حجج ان الجمهورية العربية المتحدة باتت تسخر الاقتصاد لخدمة طموحاتها السياسية ، بدلاً من تسخير السياسة لخدمة الاقتصاد ورفع مستوى الشعب  المصري والشعوب العربية المؤيدة لمصر . وحاولت ان تبرز هذه المقررات وكأنها تهدف الى غاية واحدة هي زيادة الاستعدادات الحربية وتقوية الجيش من اجل غايات عدوانية ، او كأنها تبغي الانتقال من مرحلة التخلص من الاستعمار الى مرحلة جديدة تتمثل ببسط نفوذ الجمهورية العربية على الاقطار الاخرى المحيطة بها . ولا يخفى ما يمكن ان يكون لهذه الحملة من صدى في بعض الاوساط وكيف يمكنها ان تنجح في اثارة المخاوف وفي شد ازر الانعزاليين واعوان الاستعمار والصهيونية في العالم . ومضت الحملة قائلة ان هذا المجهود الحربي لا يكتفي بتلقي المساعدات من الخارج ، أي من الكتلة الشرقية ، بل لا مندوحة لها من الاستعانة بموارد البلاد الداخلية للحصول على اليد العاملة في المشاريع العسكرية وعلى الامدادات والمؤن وعلى المطارات والمعدات الصغيرة . وهذا يعني ، بما غذته وقوته الدعاية المعادية ، ان الاجراءات المتخذة في الجمهورية العربية تهدف الى تحويل الموارد الداخلية من صناعية وزراعية وحتى تعليمية ، الى المجهود الحربي والتهيئة للحرب ضد اسرائيل . وهكذا قدمت اسرائيل وحلفاؤها ما سمي بالتصحيح الاقتصادي وكأنه جزء من الاستعداد الحربي المصري – السوري المشترك ضد الدولة العبرية .

 

الرد على هذه الحجج والاكاذيب ليس بالعسير . فيكفي ان نرى ان حكومات كل الدول المتقدمة والمتخلفة والمتطورة تبذل في الوقت الحاضر مجهوداً حربياً كبيراً بينما تريد شعوبها التخلص من هذا المجهود وما قد يجلب لها من مصائب . فهنالك حرص على مستوى الحكومات ومؤيديها من قوى رجعية واستعمارية وصهيونية ورأسمالية للابقاء على حالة التوتر في العالم ، ظناً منها ان هذا التوتر سيصب بالمحصلة في مصلحتها .

 

تقول المعلومات الاحصائية التي تقدمها المراجع الرسمية في الجمهورية العربية المتحدة ان الدخل القومي في مصر قد زاد خلال السنوات العشر الماضية بمعدل 75 بالمئة ، وان هذه الزيادة كانت بمعدل 51 بالمئة خلال السنوات الواقعة بين 1956 و 1959 . وتتوقع المصادر ذاتها ان يتضاعف الدخل القومي خلال السنوات العشر القادمة . وتقول ايضاً ان الاقليم المصري قد أعاد استثمار عشرة بالمئة من دخله القومي . وكي يضاعف هذا الدخل في السنوات العشر المقبلة ، عليه ان يعيد استثمار 20 بالمئة من هذا الدخل . لكن مهمة الدول التقدمية لا تقتصر على الاتاحة في المجال للثروات ان تزيد وان تتضاعف ، بل ان مهمة حكوماتها هي ان يتم توزيع عادل لهذه الثروة يطال كافة افراد الشعب وان لا تنحصر الثروة في فئة قليلة من الرأسماليين واصحاب المصالح .

 

من هنا رأت سلطات الجمهورية العربية المتحدة ان أفضل وسيلة وأقصرها لبلوغ هذا الهدف هي في زيادة عدد " المالكين " بدلاً من الابقاء على عددهم محصوراً بأقلية ، كما هو الحال الآن . ثم انها استهدفت من خفض ساعات العمل تشغيل عدد اكبر من العمال ، بحيث يرتفع عدد المتقاضين للاجور المحددة . وبهاتين الطريقتين يمكن التوصل الى تهيئة الفرصة امام هذا العدد الجديد من المالكين الصغار والعمال كي يدخروا قسماً من مداخيلهم ، وان يتمكنوا بالتالي من استثمار مدخراتهم في المشاريع الانتاجية . وهذه هي الطريقة الخليقة بامداد الادخار والاستثمار بمبالغ تصل الى عشرين بالمئة من الدخل القومي . وفي هذا رد على الحجة الثانية التي يوردها خصوم المقررات الجديدة ، التي يقولون فيها انهم كانوا يفضلون ان تكتفي الحكومة بزيادة الضرائب على المالكين الحاليين والشركات العاملة والرأسماليين بدل تأميم الشركات او جزء منها .

 

صحيح ان الضرائب من شأنها ان تغذي خزينة الدولة وتمكنها من الاستمرار في اقامة برامج الضمانات الاجتماعية والمشاريع الانشائية الكبرى والطموحة ، ولكن انعدام وجود ادخار وطني من شأنه ان يعوق قيام الدولة بنفسها بالمشاريع الانتاجية والاستهلاكية ويؤدي ، بالتالي ، الى نشؤ نظام جديد ، هو رأسمالية الدولة . وهذا ما لا تريده حكومة الجمهورية العربية المتحدة . فهي تبغي رفع عدد المالكين واصحاب الاسهم ، وان تشرك الشعب بكل اطيافه في المشاريع المفيدة والرابحة . وفي هذا رد على الحجة الثالثة التي يوردها خصوم المقررات الجديدة ، وهي الحجة التقليدية التي تتحدث عن انعدام الحافز الفردي وعن انحدار النظام نحو الفوضى او ميله الى الشيوعية او الى غير ذلك من المسميات.

 

إن ما توخته مقررات القاهرة الاخيرة هو المضي بخطوات أكبر في سبيل مضاعفة الدخل القومي خلال السنوات العشر القادمة ، وإعادة توزيع الثروات على عدد أكبر من افراد الشعب ، وكف يد الاستغلال الاقتصادي وكبح جماح الرأسماليين وإقصاؤهم عن التحكم في مقدرات البلد . إن خطر هؤلاء يستفحل عندما تتضخم ثرواتهم ويتمكنون من بسط نفوذهم على البلاد ومن ثم يحولون السياسة في الجمهورية من طريق التقدمية الاشتراكية والتعاونية الى صفوف الاستعمار والرأسمالية الشجعة والرجعية ، مستعينين على ذلك بالفساد وافساد الضمائر والرشوة والتفسخ الداخلي ، وهي آفات تعود الى العهود الاستعمارية الماضية التي ما برحت مستشرية في الدوائر العامة والخاصة ، والتي تسعى سلطات الجمهورية العربية المتحدة لابادتها والتخلص منها الى غير رجعة .

 

ملحق

قرارات جديدة لتحقيق المجتمع الاشتراكي في العربية المتحدة

تتوالى القرارات والاجراءات المتخذة في الجمهورية العربية المتحدة والهادفة الى توسيع ملكية القطاع العام والتخفيف من سيطرة رأس المال الخاص والاستثمارات الفردية . وقد طالت هذه القرارات ، في المدة الاخيرة، بعض المصالح والقطاعات الجديدة . فبعد القرار القاضي بتأميم تجارة القطن والغاء بورصة العقود في الاسكندرية ، أشارت الانباء الى القرارات الاربعة القاضية ب :

1 – نقل ملكية شركة بواخر البوستة الخديوية الى الدولة وضم كل شركات الملاحة في هيئة حكومية واحدة .

2 – نقل ملكية اربع منشآت لكبس القطن الى الدولة وضمها في مؤسسة واحدة تحمل اسم " المؤسسة العامة لكبس القطن " وتكون تابعة لمؤسسة مصر.

3 – تنظيم اعمال الوكالات التجارية وقصرها على الشركات الحكومية والشركات التابعة للمؤسسات العامة التي تساهم الحكومة بأكثر من 25 بالمئة من رأسمالها .

4 – تعديل بعض أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات ، بحيث تصبح متمشية مع نظام الاستيراد الجديد.

 

أشارت الانباء ايضاً الى الاجراءات التي بدئ بوضعها موضع التنفيذ لتأميم التجارة الخارجية في أغلب مستوياتها وفروعها . وأشارت الانباء ، في نفس الوقت ، الى ان 20 شركة من الشركات الموضوعة تحت الحراسة العامة ستباع من المؤسسات الاقتصادية ومؤسسة مصر ومؤسسة نصر والبنك التجاري ، والى ان قرارات اتخذت لمصادرة اموال وممتلكات بعض كبار الاثرياء . وقد وصفت الصحف القاهرية هذه القرارات بانها " مهمة ومتممة للقرارات الاقتصادية الكبيرة التي اصدرتها الدولة بقصد استكمال بناء المجتمع الاشتراكي على أسس قوية  والقضاء على كل احتكار او استغلال او اضرار بالصالح القومي " .

 

و أشارت القرارات والمقدمات التابعة لها الى ان شركة بواخر البوستة الخديوية قد استمرت في القيام باعمال تتنافى مع المصلحة العامة والصالح القومي وتدل على اتجاه خاص يلحق الضرر بمرفق النقل البحري وبمصلحة موظفيها وعمالها . أما منشآت كبس القطن فانها " رغم احتكارها لهذه الصناعة ، ورغم ارباحها الطائلة ، لم تهتم بتجديد الآتها ومخازنها لملافاة عيوب التخزين مما أضر بسمعة أقطاننا في الخارج " .

 

 

وصدرت في وقت لاحق القرارات الجمهورية التالية التي تنظم النشاطات الاقتصادية والتي ينتظر ان يكون لها أثر كبير على الحياة الاقتصادية في الجمهورية العربية المتحدة :

1 – قرار يقضي بأن يكون لعمال كل شركة مساهمة او مؤسسة عامة في اقليمي الجمهورية حق في 25 بالمئة من الارباح الصافية ، الى جانب الاجرة ، على ان توزع حصة  العمل بالنسب التالية :

- 10 بالمئة عند توزيع الارباح على المساهمين .

- 5 بالمئة تخصص للخدمات الاجتماعية العامة والاسكان .

- 10 بالمئة تخصص لخدمات اجتماعية مركزية .

2 – قرار يقضي بأن تصل ضريبة الدخل التصاعدية الى 90 بالمئة اذا تجاوز الدخل 10 الآف جينه مصري في السنة . على ان يطبق هذا القرار في الاقليم المصري وحده .

3 – قرار يقضي بتأميم جميع البنوك وشركات التأمين العاملة في اقليمي الجمهورية العربية المتحدة . ويبلغ عدد المؤسسات التي يشملها هذا القرار 73 مؤسسة في الاقليم المصري و 23 مؤسسة في الاقليم السوري .