الشيخ جابر الاحمد الصباح يقول :

 

الكويت على استعداد لتمويل المشاريع العربية الانتاجية

التكتل الاقتصادي العربي يحد من اخطار السوق الاوروبية المشتركة

أجرت اللقاء الآنسة فردوس المأمون

نشر اللقاء في تموز / يوليو 1961 ، العدد التاسع ، الرائد العربي

 

بذلت الحكومة الكويتية جهداً كبيراً لوضع أسس برنامج عام للتقدم العلمي والنمو الاقتصادي ولجمع رؤوس الاموال ولتجنيد حماس الشعب ووطنيته ، وذلك بإشراكه عن طواعية في حملات مقاومة الانجراف ، وصيانة التربية ، ومقاومة الامراض الاجتماعية ، في اعمال عديدة من شأنها ان ترتفع بالشعب الى مستوى لائق بين الشعوب . وقد شرعت الحكومة في تطبيق برنامجها هذا ، فأنجزت في الميادين الاقتصادية والعلمية انجازات كبرى ، ووجهت الجانب الاكبر من جهدها الى ميدان الاقتصاد والكفايات ، وجندت مختلف المواهب للقفز بانتاجها واقتصادها الى المركز اللائق بنهضتها السائرة ، وبالمستقبل الكبير الذي تتوق اليه .

 

واليوم ، نجد الحكومة جاهدة في وضع التصاميم والمشاريع المالية والتجارية ، على أحدث النظم ، التي تعود على المواطنين بالخير العميم والفائدة الكبرى . ولنترك المجال لسعادة رئيس دائرة المالية والاقتصاد الشيخ جابر الاحمد الصباح يحدثنا باسهاب عما تود الدائرة القيام به في هذا المجال .

سألت الشيخ جابر :

 

ما هي المشاريع الجديدة التي تزمع دائرة المالية والاقتصاد تنفيذها او تبنيها بما يعود أثره على المواطنين؟.

لدينا ، في الواقع ، الكثير من المشاريع ، منها ما هو في طور الدراسة والاعداد ، والآخر في دور التأسيس . من هذه المشروعات : مشروع البتروكيماويات والالمنيوم والحديد الصلب ومشروع شركة الفنادق ومشروع النقل الداخلي والمطاحن الخ.. وبالطبع ، فان جل هذه المشاريع ذات فائدة كبيرة على الاقتصاد الوطني ، بما سينعكس أثره على حياة المواطنين وتحسين الخدمات المقدمة لهم .

 

هل من مشاريع حديثة تنوون القيام بها لتحقيق التكامل الاقتصادي والمالي والتجاري في هذا القطر الشقيق؟ .

إقتصادنا في الكويت غير موجه ، انما هو متروك لنشاط الافراد . وبالطبع ، فان اتباع مثل هذه السياسة قد تؤدي الى بعثرة الجهود والاموال ، ان لم يكن هناك خطة تنسيقية . ونحن الآن بصدد وضع مثل هذه الخطة على ضوء الخبرة التي نكتسبها من المؤتمرات الاقليمية والعالمية ، وعلى ضوء تقارير بعثة البنك الدولي للانشاء والتعمير ، علماً بأن دائرة المالية الاقتصادية غالباً ما تتدخل في النواحي الاقتصادية والمالية لتكملة النقص في القطاع الاهلي ، خاصة في المشاريع التي تتطلب خبرة فنية غيرة متوفرة ، او رؤوس أموال ضخمة او مشاريع بحجم القطاع الاهلي عن تبنيها لقلة عوائدها او لعلو مخاطرها ، رغم أهميتها للاقتصاد الوطني . وما انشاء شركة البترول الوطنية وشركة الصناعات الوطنية والمشاريع الاخرى التي ندرسها في الوقت الحاضر،  وسنعلق عليها في ما بعد ، إلا تأكيداً لذلك .

 

أما من الناحية المالية ، فان إحجام بنوكنا التجارية عن التسليف العقاري والصناعي والزراعي قد شجعنا على انشاء بنك الائتمان الذي سيتولى القيام بتلك المهمة مقابل فوائد بسيطة لتكملة النقص في تلك النواحي . وعلى الصيد التجاري ، فقد أنشأنا مؤخراً جهازاً تجارياً للاضطلاع بهذه المهمة . ومن المؤمل ان تبرز آثاره في حقل التجارة قريباً .

 

هل هناك بعثات كويتية تتدرب على كل مراحل صناعة البترول للاستغناء عن الفنيين الاجانب في المستقبل؟.

 

بالطبع . فكل دولة لديها مشاريع للتنمية الاقتصادية يجب ان تهيء مسبقاً العدد الكافي من الخبراء من أبنائها في شتى فروع المعرفة . وقد اعتمدنا على سياسة ايفاد البعثات الى الخارج لانشاء الكوادر القادرة على تحمل المسؤولية كاملة في المستقبل . وسنسابر على ايفاد البعثات طالما دعت الحاجة الى ذلك .

 

اما بصدد البترول ، فلدينا ما لا يقل عن 16 طالباً في الولايات المتحدة وانكلترا يتخصصون في هذا الفرع الحيوي في حياتنا الاقتصادية الحالية والمستقبلية . وقد تخرج حتى الآن خمسة طلاب يشغلون حالياً مناصب حساسة في صناعة النفط .

 

ما هي الجهود التي تبذلها دائرتكم لتشجيع الجانب الدراسي العلمي في مدارسكم لتكثر في المستقبل الايدي الفنية ، وانجاز ما تصبو اليه البلاد من مشاريع التصنيع .

تقوم هذه الدائرة ، بالتعاون مع دائرة المعارف ، بتهيئة أكبر عدد ممكن من الطلاب لتعليمهم المهن الفنية المتنوعة والتي تتماشى مع سياسة التصنيع التي تنتهجها الحكومة الآن .

 

هل لنا ان نعلم ما هو مدى التعاون الاقتصادي بين الكويت والبلاد العربية ؟ وكيف يمكن توسيع هذا التعاون ؟ وما هي اقتراحاتكم لتقوية هذه العلاقات الاقتصادية .

 

وصل التعاون الاقتصادي بين الكويت والبلاد العربية الى المدى الذي يسر كل عربي . ونظرة واحدة الى احصائيات التجارة ، يتبين لنا مدى ازدياد الصادرات السنوية المتنامية من البلدان العربية الى سوق الكويت. هذا ، عدا عن المعاملات التفضيلية التي تلقاها تلك المنتجات ، حيث لا قيود اداري ولا رسوم باهظة ، مع فتح المجال للمؤسسات والشركات العربية بتعاطي الاعمال التجارية من دون قيود او ضريبة رغم استفادة هذه المؤسسات والشركات الكاملة من الخدمات والتسهيلات المتوفرة للكويتي نفسه . كما ان الحكومة الكويتية قد وافقت على ان تصبح عضواً كاملاً وفعالاً في المجلس الاقتصادي للجامعة العربية ، وأعطيت التعليمات لوفودنا بتبني كل مشروع عربي يعود بالخير على الامة العربية . وما اشتراكنا مؤخراً في مؤسسة الانماء العربية بخمسة ملايين جنيه استرليني ، ومساهمتنا بكل من شركة الطيران العربية العالمية ومشروع الناقلات بنسبة كبيرة من رأس المال ، إلا تحقيقاً لما نهدف اليه من خير للامة العربية .

 

ويسعدني ان أشير الى ان الحكومة الكويتية لم تتقاعد مطلقاً ، كلما استدعت الحاجة في أي بلد عربي ، عن تمويل مشاريع هذه البلدان الانتاجية ، كما حدث مع كل من الاردن ولبنان . ويمكن توسيع نطاق هذا التعاون داخل نطاق الجامعة العربية بتبني المشاريع التي نقدمها لمصلحة المجموعة العربية . أما اقترحاتي لتعزيز هذه العلاقات فهي ان تعمل كل دولة عربية باخلاص على تنفيذ الاتفاقيات المعقودة او التي ستعقد مستقبلاً في ما بينها ، كاتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتجارة الترانزيت وحرية انتقال رؤوس الاموال ، مع الحد ما أمكن من القيود المحلية التي تفرض على المؤسسات العربية .

 

هل تفكر حكومة الكويت في إقامة تمثيل دبلوماسي واقتصادي مع الدول العربية ؟ .

نعم . وسيرسل بعض الكويتيين الى الخارج للتدرب على أعمال التمثيل الخارجي . 

 

ما رأيكم في السوق العربية المشتركة ، ولماذا لا تسرع الحكومات العربية في اقامتها أسوة بالسوق الاوروبية المشتركة؟ .

نظراً لخطورة قيام السوق الاوروبية المشتركة على الاقتصاد العربي ، ونظراً لسير العالم نحو التكتلات الاقتصادية ، ونظراً الى ان نسبة مهمة من صادرات الدول العربية تتمثل في مواد خام،  فان اسواقنا ستتعرض لمنافسة شديدة لما تصدره دول السوق الاوروبية والمناطق المرتبطة بها . كل هذه الاعتبارات تستوجب ايجاد تكتل اقتصادي عربي ، مهما كان نوعه ، سواء أكان سوقاً عربية مشتركة أم اتفاقيات اخرى تخدم الهدف نفسه .

اما من ناحية الاسراع في انشاء السوق من قبل الدول العربية ، فقد سبق ان أدرج الموضوع في جدول اعمال المجلس الاقتصادي العربي ، وأبدت كل دولة عربية رأيها فيه . وبصدد موقف الكويت ، فاننا نحتاج الى بعض الوقت لدراسة المشروع دراسة تفصيلية . ونأمل ان نتقدم برأينا في دورة المجلس المقبلة بما لا يخرج عن رأي المجموعة العربية .

ما رأيكم في الشركة العربية للناقلات التي أقرها المجلس الاقتصادي العربي والتي سيكون مقرها الكويت؟ .

يكفي ان الكويت قد وقعت على اتفاقية انشائها . انما الموضوع يحتاج الى دراسة علمية مفصلة . والامانة العامة ستتولى، على ما أعتقد ، القيام بتلك المهمة .

 

نود كلمة عن اقتصاديات الكويت وتطورها بعد البترول .

يرتبط الاقتصاد الكويتي ارتباطاً وثيقاً بالبترول وعائداته . إذ ان اثناء الحرب العالمية الثانية وفي السنوات التي أعقبت الحرب ، كان نشاطنا الاقتصادي ،عامة ، محدوداً بحدود الدخل . وكان هذا الدخل يومئذ يسير سيراً متئداً من دون تقلبات . فايرادات الدولة سنة 1938 لم تزد عن المليون روبية ، نصفها تقريباً من الرسوم الجمركية . غير ان الايرادات ما لبثت ان ازدادت تدريجياً . وكان الباعث على هذه الزيادة الملحوظة البدء في انتاج النفط الذي استمرت ايراداته في نمو مطرد ، بحيث بلغ في عام 1957 قرابة مئة وعشرة ملايين جنيه استرليني.

 

لا شك ان تزايد عائدات النفط ، سنة بعد أخرى ، كان من أهم العوامل التي أدت الى استقرار ورواج الحالة الاقتصادية في البلاد وارتفاع الدخل الوطني فيها . ولا غرابة في ذلك ، إذ أن الانفاق الاهلي في الكويت يعتمد اعتماداً كبيراً على الانفاق الحكومي . فبسط يد الحكومة او غلها في الانفاق ، له أثر بالغ في زيادة الرواج الاقتصادي او تقلصه . وتوضيحاً لهذه الحقيقة ، نجد ان  الايرادات خلال سنة 1954 ، نسبة الى سنة 1953 ، قد بلغت 115 % ، ونسبة المصروفات لتلك السنة بلغت 109 % . أما في السنة المالية 1959 فبلغت المصاريف العامة 354 % بالنسبة الى سنة 1953 . وفي نظرة واحدة الى احصائيات التجارة نرى ان قيمة البضائع المستوردة بلغت سنة 1959 ما مجموعه 1037430562 روبية . وهي تفوق بقيمتها ما تستورده البلدان التي يبلغ سكانها عشرات الملايين . ورغبة من الحكومة في تعدد مصادر الدخل الوطني ومحاولتها عدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل لئلا يتحكم في الحالة الاقتصادية بنتيجة تغير اسعاره او انتاجه ، واهتمامها الجدي بالمحافظة على المستوى المعيشي للشعب ، رأت الحكومة التدخل ما أمكن ، وبأن تأخذ بسياسة التوجيه لتنمية موارد البلاد وتشجيع الاستثمار الصناعي ، مما حملها على الاستعانة ببعثة من خبراء البنك الدولي لوضع أسس التخطيط في كل القطاعات . كما إتجهنا ايضاً الى وضع التشريعات وسن القوانين التجارية اللازمة لدفع الاقتصاد وتنميته ، فاستحدثت المرافق والدوائر التي تنظم المعاملات التجارية والصناعية ومتطلباتها . كما اتجهنا كذلك الى تشجيع النقد والائتمان ، إذ انه حتى سنة 1951 ، لم يكن في البلاد سوى بنك واحد . أما الآن فقد أصبح لدينا في الكويت اربعة بنوك أهلية وبنك حكومي برأسمال يبلغ المائة مليون . وما ازدياد عدد البنوك العاملة في هذا البلد ، سوى دليل على ازدهار الحركة الاقتصادية والتجارية .

 

وفي الوقت نفسه ، فقد تولينا إصدار نقد كويتي وتثبيته على دعائم ثابتة بتأسيس صندوق نقد احتياطي وتمويله بشكل يكفل تعويض قيمة النقد عند الاستبدال . وتتكون موجودات هذا الصندوق من مسكوكات وسبائك ذهبية لا تقل عن 50 % من موجوداته ، إضافة الى عملات اجنبية قابلة للتحويل الى ذهب كالدولار والفرنك السويسري ، ومن اذونات خزينة وسندات تتوفر كلها بشروط معينة .

 

وختم الشيخ جابرهذا اللقاء بقوله : هذه نبذة مختصرة عن التطور الاقتصادي في الكويت بعد ظهور النفط . ونحن نأمل ان تكون مشاريعنا المقبلة وتطورنا الاقتصادي خير متحدث عما وصلت اليه البلاد والى ما تصبو اليه مستقبلاً .