الكويت تواجه متطلبات المرحلة الاقتصادية الجديدة

عبد الكريم الخليل

نشر المقال في تموز / يوليو 1961 ، العدد التاسع ، الرائد العربي

 

خطوتان بارزتان إتخذتهما دولة الكويت احتلتا مركز الرأس من الهرم الذي بدئ بتشييده في الاشهر القليلة الماضية هما : اصدار النقد الكويتي المستقل والبدء بالتعامل به منذ نيسان / ابريل الماضي ، واستقدام بعثة البنك الدولي لوضع تخطيط شامل لسياسة اقتصادية ومالية وادارية واجتماعية . فقد أدركت حكومة الكويت انها لا تستطيع ان تعتمد على ثروتها النفطية وحدها ، وان تترك القطاعات الاقتصادية الاخرى من دون عناية وتنظيم وتنمية . لذلك قامت بانشاء البنك التجاري الكويتي وشركة التأمين الكويتية ( وهاتان المؤسستان لم تشرعا بالعمل بعد ) ، بالاضافة الى انشاء البنك الاهلي وبنك الخليج وبنك الائتمان . ومن المنتظر انشاء شركة لاعادة التأمين تشترك في رأس مالها شركات التأمين المحلية الخاصة والحكومة معاً .

 

ومن الملاحظ ان الكويت قد بدأت منذ مدة ولوج ميدان التعاون الاقتصادي مع جميع الدول وخاصة العربية منها ، فانضمت مؤخراً الى المجلس الاقتصادي للدول العربية ، في الوقت الذي إنضمت فيه الى بعض المنظمات التابعة للامم المتحدة . وقد ظهرت ثمار التعاون الاقتصادي مع الدول العربية في القروض التي عقدتها الكويت مع بلدية بيروت وحكومة الاردن ، ومساهمة الكويت في المؤسسة المالية العربية للانماء الاقتصادي برأسمال قدره خمسة ملايين جنيه ، ومساهمتها في شركة ناقلات النفط العربية التي تم الاتفاق على ان يكون مركزها الرئيسي في الكويت ، ذلك بالاضافة الى ما أعلن عن التعاون بين العراق والكويت عن طريق توظيف رؤوس أموال كويتية في العراق ، وتسهيل تنقل الكويتيين ، وانشاء تجارة ترانزيت عن طريق العراق الى الكويت . وجاءت الانباء الاخيرة تشير الى البدء بانشاء بعض المشاريع الانتاجية المحلية مثل مصنع لانتاج الكلورين الذي سيفيض عن حاجات الكويت ، ومصنع لانتاج الالمنيوم الذي سيبدأ انتاجه في مطلع سنة 1963 بما لا يقل عن 50 الف طن سنوياً ، بالاضافة الى تأسيس شركة الكيماويات البترولية الكويتية التي ستستخدم الغاز الطبيعي المنتج من ابار البترول المحلية .

 

إن كل هذه الخطوات التي إتخذت في ميداني العلاقات الاقتصادية والتنمية الاقتصادية ، والتي توجت بإصدار النقد الكويتي المستقل وبوضع التخطيط الاقتصادي – الاجتماعي – الاداري الشامل ، كان قد سبقها نهضة عمرانية نتجت عن استخدام الحكومة الكويتية لقسم من عائدات البترول في تنفيذ مجموعة كبيرة من مشاريع الاشغال العامة بإنشاء المدارس وإقامة المباني والوحدات السكنية وتوسيع شبكة المواصلات الخ .. . وقد أدت هذا الخطوات بالكويت لدخول مرحلة جديدة من مراحل التقدم الاقتصادي والاجتماعي ، هذه المرحلة التي سيتم فيها بناء اللبنة الاساسية في تشييد صرح الاقتصاد الكويتي على أسس ثابتة .

 

غير ان هذه المرحلة الجديدة التي تمر فيها الكويت ليست معبدة كلها بالزهور . فهي تواجه صعوبات كبيرة يجب تذليلها حتى يتمكن الاقتصاد الكويتي من الانطلاق في مراحل تالية . ولا بد من الاشارة هنا الى ان بعض الجهات المسؤولة وخبراء التنمية في الكويت يتوقعون الا تستطيع بعض المؤسسات التي أشرنا اليها مزاولة نشاطها وأعمالها بصورة كاملة وعلى وجه تام بسبب النقص في الخبراء والاخصائيين الاقتصاديين والضعف النسبي في الكفاءات الاقتصادية والادارية ، رغم الجهود المبذولة لتنمية الاطارات العلمية والاختصاصية عن طريق ايفاد البعثات للتدرب في الخارج والتي ما زالت في مراحلها الاولى وضئيلة العدد اذا ما قيست بحاجة البلاد المتصاعدة .

 

من العراقيل التي تواجهها المرحلة الجديدة ما ينتج عن توسع الكويت في ميدان التجارة الخارجية توسعاً عاد بأرباح طائلة على المشتغلين بالتجارة . وان إقامة صناعات وطنية في الوقت الحاضر يعني ، بالنسبة لفئة التجار ، القضاء على فرص الربح السريع المتاحة لهم . والصناعة ، من جهتها ، ستحتاج الى بعض الحماية الجمركية والضريبية ، خاصة وان الضرائب الجمركية ضئيلة جداً لا تكفل الحماية للصناعة الناشئة ، بالاضافة الى ضآلة حجم السوق الكويتية وانعدام امكانية التصدير او صعوبته الى الاسواق العربية التي يتمتع أغلبها بتشريعات جمركية وتجارة شرسة قاسية .

 

من المؤكد ان كل هذه العقبات لا يمكنها ان تقف في وجه تطور المشاريع الانمائية اذا ما عمل على حلها باتباع الوسائل التالية :

 

اولاً ، زيادة الاستعانة بالخبراء العرب ، والاجانب عند الضرورة ، ريثما يكتمل نمو الجهاز المدرب في الكويت . وهذا التكامل لن يتم الا بالسخاء على البعثات وبزيادة عددها وتوجيهها توجيهاً علمياً صحيحاً . وتحقيق هذه الزيادة وهذا التوجيه مرهون بالتوسع في مراحل التعليم ، لا سيما مرحلة التعليم الثانوي في فرعيه المهني والفني .

ثانياً ، وضع خطة شاملة يتعاون فيها القطاعان الحكومي والخاص لإقامة بعض المشاريع الصناعية التي تسد حاجات الكويت الداخلية وتؤمن ربحاً للافراد المساهمين .

ثالثاً ، توسيع التبادل التجاري مع البلاد العربية والعمل على تذليل العقبات التي تقف حائلاً امام تصريف المنتجات الكويتية ، بما يعود بالخير على جميع الاطراف .

رابعاً ، إعتماد سياسة التكامل الاقتصادي مع البلاد العربية في حقل انشاء الصناعات الجديدة ، خاصة الصناعات البترولية ، للتقليل من مضار المنافسة الاجنبية ، في حال حصولها ، وضمان الربح لجميع الاطراف .

 

إن تذليل هذه العراقيل التي تكلمنا عنها أمر ممكن وسهل اذا جرت معالجتها على ضوء دراسات علمية وافية، ووضعت لها الحلول المناسبة في الوقت المناسب ، بشكل تراعى معه معطيات الاقتصاد الكويتي ومتطلبات المرحلة الاقتصادية – الاجتماعية التي تمر فيها البلاد .