صناعات البلاد المقدسة

فائق يركات

مدير غرفة تجارة وصناعة القدس

نشر المقال في آب / أغسطس 1961 ، العدد العاشر ، الرائد العربي

 

صناعة البلاد المقدسة عريقة في القدم ، منها ما يعود تاريخه الى عهد السيد المسيح ، ومنها ما يعود الى العهد الصليبي . وقد تركزت هذه الصناعات في مناطق القدس وبيت لحم ورام الله، وانحصرت في سكان هذه المناطق وأصبحت موردهم الرئيس ومصدر دخلهم الاول . فمنذ ولادة السيد المسيح ، وهذه المناطق محط أنظار سكان العالم ومهوى أفئدتهم ، يحجون اليها ويتجمعون فيها من كل حدب وصوب . وكان من الطبيعي ان تكون صناعات البلاد المقدسة مصدراً يتزود منه الحجاج والزوار بالهدايا والعطايا والهبات ويشترون ما تنتجه ارضها من سلع حرفية للذكرى والتبرك . فقامت فيها صناعات حرفية بأكثرها ،  تنتج مختلف السلع الدينية مستعملة خشب اشجار الزيتون المباركة لصنع الصلبان والتماثيل الدينية وغير الدينية كالجمال والحيوانات الاخرى التي تبرز طبيعة حياة هذه المنطقة وسكانها في مختلف العهود التاريخية . كما صنعوا المسابح من بزور الزيتون . ونشأت كذلك في القدس صناعة الحلى والمصاغ الفضي الشرقي الطابع والتي تحمل مختلف الشعارات التاريخية والدينية من صلبان وأساور وعقود وقروط وما الى ذلك . و أدخل  فنان الماني زار المنطقة مع وفد من بلاده في العهد الصليبي  تحسينات على الالآت اليدوية المستعملة في هذه الصناعات ، مما زاد المنتجات دقة واتقاناً . وقامت في بيت لحم صناعة المطرزات اليدوية المصنوعة من الخيوط القصبية والذهبية . وتشمل هذه المطرزات ما يسمى بالمعطف الصليبي والشالات المصنوعة من المخمل والقطيفة وحرير " البروكاد " المقصب . ونشأت في رام الله صناعة المطرزات واشغال الابرة التي تحمل مختلف الرسومات الشرقية والوطنية مصنوعة من الاقمشة الكتانية والقطنية ، وكذلك ازدهرت صناعة الالبسة الوطنية المطرزة والمزركشة .

 

إنتشرت في القدس صناعة الاواني الفخارية المطلية والمزركشة برسومات فنية تاريخية ودينية ووطنية ، كما نشأت في الخليل صناعة مماثلة من الاواني الزجاجية الملونة .

 

ومع ان العامل الديني كان له الأثر الأول الفعال في ظهور هذه الصناعات ونموها وانتشارها في مختلف انحاء العالم ، إلا أنها ما تزال تفتقر الى الدعاية على أسس منظمة حديثة تفتح أمامها المزيد من الاسواق الخارجية وتعينها في ايجاد مجالات استهلاكية واسعة . وقد تأسست قبل ثلاث سنوات في القدس جمعية لهذه الغاية هدفها تشجيع وتطوير وتحسين هذه الصناعات ، الحرفية منها وغير الحرفية ، وايجاد اسواق جديدة لها، وذلك بعد ان تعرضت لفترات حرجة ونكسات نجمت عن نكبة فلسطين ، إذ تعطلت حركة الانتاج وتوقفت المصانع عن العمل وسرح العمال الفنيون طلباً للرزق في الخارج . ومن أهداف الجمعية المسماة جمعية صناعات البلاد المقدسة الحصول على بعثات فنية تدريبية مجانية في المعاهد المهنية العليا لعدد من العمال الذين سبق ان مارسوا هذه الصناعات او الذين لهم ميل لها ، مما سيكون له ابعد الأثر في رفع مستواها وتطويرها وادخال التحسينات اللازمة عليها . كما تسعى الجمعية لادخال الالآت الفنية الحديثة على هذه الصناعة مما يساعد في تخفيض كلفة الانتاج . وقد أبدت وزارة الاقتصاد ومجلس الاعمار استعدادهما لتقديم القروض لأصحاب هذه الصناعات ، ومنح بالفعل بعضهم قروضاً سهلت لهم توسيع انتاجهم وتزويد مصانعهم بلألآت الحديثة اللازمة .

 

أولت السلطات المختصة ايضاً موضوع فتح اسواق جديدة لهذه الصناعات في الخارج عنايتها واهتمامها وبادرت الى الاشتراك في عدد من المعارض الدولية في ايطاليا والمانيا وبريطانيا ، فاشتركت في معرض ميلانو وباري ، كما شاركت بالتعاون مع جمعية صناعات البلاد المقدسة في معرض همبورغ الذي اقيم في ايلول / سبتمبر 1956 .  كذلك شاركت في معرض لندن للصناعات اليدوية ، الذي أقيم في شهر ايلول / سبتمبر سنة 1957 ، كما انها تشترك سنوياً في معرض دمشق الدولي . كما انها اشتركت في معرض بروكسيل الدولي الذي اقيم في أوائل ايار / مايو سنة 1958 . وما من شك ان هذه المعارض تفتح مجالات واسعة وفرصاً طيبة لتعريف الناس في الخارج بصناعاتنا هذه ولايجاد اسواق مناسبة لتصريفها.

 

تنشط السلطات المختصة عندنا في عقد اتفاقيات تجارية مع بعض البلدان الاخرى لرفع القيود الموضوعة على صناعات البلاد المقدسة ومنحها تسهيلات جمركية ، مما سيكون لها أكبر الاثر في زيادة الصادرات الى الخارج . وتشير الاحصاءات الرسمية الحديثة الى ارتفاع محسوس ومستمر ، سنة بعد أخرى ، في كمية الصادرات وقيمتها ، مما يبشر بمستقبل واعد للهذه الصناعات التي يمكنها ان تصبح في يوم قريب من الدعائم الرئيسة للدخل الوطني في الاردن ومصدراً مهماً من مصادر العملة الاجنبية .