سياسة الجمهورية العربية المتحدة في ميدان التجارة الخارجية

د. حسن عباس زكي

وزير الاقتصاد التنفيذي في الاقليم المصري

نشر اللقاء في تموز / يوليو 1961 ، العدد التاسع ، الرائد العربي

 

وجهت مجلة الرائد العربي للدكتور حسن عباس زكي ، وزير الاقتصاد التنفيذي في الاقليم المصري  ، عدداً من الأسئلة حول السياسة التي تنتهجها الجمهورية العربية المتحدة في ميدان التجارة الخارجية والاجراءات التي تنظم العلاقة التجارية بين الجمهورية العربية المتحدة وسائر الاقطار العربية ، وكان هذا الحوار :

 

ما هي النتائج التي حققتها السياسة التي تتبعها الجمهورية العربية المتحدة في حقل التجارة الخارجية ؟ .

قبل ان نتعرف على النتائج التي حققتها سياسة الجمورية العربية المتحدة في ميدان التجارة الخارجية ، يتعين ان نستعرض الأسس التي تستند اليها هذه السياسة في الوقت الحاضر . فالواقع ان سياستنا التجارية  كانت قبل الثورة تسير بطريقة مرتجلة . وظواهر هذا الارتجال تتلخص في ان العجز في الميزان التجاري بلغ سنة 1952 ما مجموعه 77 مليون جنيهاً ، وهو أعلى رقم وصل اليه هذا العجز في تاريخنا الاقتصادي . وكانت نسبة كبيرة من حصيلة العملات الاجنبية تنفق على استيراد السلع الاستهلاكية والكمالية وفي أغراض السياحة الخارجية . وكان على حكومة الثورة ان تواجه هذا الارتجال والاسراف في تجارتنا الخارجية ، فانتهجت سياسة سليمة واضحت معالمها في الاسس الوطيدة التي هدفت الى احكام السيطرة على قطاع القطن وتنويع الصادرات وتشجيعها وتخصيص حصة من الانتاج الزراعي للتصدير وفتح اسواق جديدة امام الحاصلات والمنتجات المحلية وتوفير السلع التموينية والتوسع في استيراد السلع الانتاجية غير المتوفرة محلياً والمواد الخام اللازمة للصناعة ومنع استيراد السلع التي لها مثيل في الانتاج المحلي والحد من استيراد السلع الكمالية وغير الضرورية . وفي سبيل تحقيق هذه الاهداف الرئيسة اتخذت حكومة الثورة الخطوات التالية :

 

اولاً ، وضع سياسة قطنية تكفل ضمان سعر ادنى للمنتج والغاء المبادلات والعمليات الثلاثية والغاء ضريبة التصدير على كل أصناف القطن فيما عدا الأشموني والتدرج في تخفيض الخصم على الاقطان المصدرة بعملات حرة وتشجيع الاستهلاك المحلي للاقطان وتنظيم اتحاد مصدري القطن واصدار تشريع خاص بتنظيم تجارة الداخل .

 

ثانياً ، التوسع في عقد اتفاقات التجارة والدفع مع مختلف الدول الاجنبية وبغير تمييز بين كتلة واخرى . وبمعنى آخر فاننا نلتزم في سياستنا الاقتصادية بمبادىء الحياد الايجابي التي ندين بها .

 

ثالثاً ، اباحة التصدير بحيث يصبح هو الأصل والمنع هو الاستثناء ، ومنع الاحتكارات وتنظيم عملية التصدير وتشديد الرقابة لضمان سمعة صادراتنا في الاسواق الخارجية ، واتباع الطرق الحديثة في التوضيب والتغليف والتعبئة ومساندة السلع التي تلاقي منافسة غير مشروعة في الاسواق المستوردة .

 

رابعاً ، التوسع في الاستيراد من البلدان التي تربطنا بها اتفاقات دفع بالعملة المصرية ، ومراعاة الميزان التجاري وميزان المدفوعات بيننا وبين مختلف الدول عند الترخيص بالاستيراد ، واعطاء الأولوية للسلع الانتاجية والمواد الخام اللازمة للصناعة ، والحرص على توفير السلع الاستهلاكية والتموينية الضرورية وتوزيع ارصدة حصيلتنا من العملات الاجنبية طبقاً لاحتياجات خطوات التنمية الاقتصادية ، واعطاء الأولوية في الاستيراد لأفضل الاسعار .

 

خامساً ، منع الاتجار بالعملة منعاً باتاً بحيث يلزم كل مصدر بأن يورد حصيلة صادراته من العملات الحرة الى البنك المركزي ، وتيسير الحصول على العملات الاجنبية لجميع المستوردين بسعر موحد .

 

عنيت الحكومة ، حرصاً منها على تنفيذ هذه المبادئ من الناحية العملية ، و بعد تنظيم شؤون القطن ، بتعزيز الشركات شبه الحكومية والتوسع في التمثيل التجاري وانشاء مجالس لتسويق أهم المحاصيل الزراعية كالارز والبصل والفول السوداني والبطاطس ورقابة اسعارها . كما أنشأت الهيئة العامة لتنمية الصادرات وتشجيع فتح مجالات التسويق لصادراتنا وازالة العقبات التي تعترض سبيلها والدعاية لها وارشاد المصدرين.

 

كان من نتيجة كل هذه الجهود مجتمعة ان زادت قيمة صادرات الاقليم المصري من 150.2 مليون جنيه مصري خلال عام 1952 الى 160.5 مليون جنيه عام 1959 والى 197.8 جنيه عام 1960. كذلك تنوعت صادراتنا وتعددت اسواقها وأصبحت تضم مجموعة كبيرة من المنتجات الزراعية والصناعية أهمها القطن الخام ، الغزل والمنسوجات القطنية ، الارز ، البصل، ، البطاطس والخضر والفاكهة ، السكر ، الجلود الخام والمدبوغة ، الفول السوداني ، عسل السكر ، كتان وقنب خام ، فوسفات الجير الطبيعي ، منغنيز ، ملح الطعام ، أصناف الوقود، الاحذية ، الاثاث ، الخشب ، المنسوجات الحريرية الصناعية ، الاسمنت ، كسب بذرة القطن ، إطارات داخلية وخارجية ، اجهزة تكييف الهواء .

 

اما الواردات فبلغت 226.9 مليون جينه في سنة 1952 وهبطت قليلاً سنة 1959 اذ بلغت 222.2 مليون جنيه ، ثم عادت فارتفعت عام 1960 وبلغت 232.4 مليون جنيه .واذا كانت هذه الواردات قد زادت فان ما يجدر ملاحظته ان أنواعها قد تغيرت عن ذي قبل وأصبح معظمها من السلع الانتاجية والسلع الرئيسة والخامات اللازمة للصناعة ، بالاضافة الى المواد التموينية . وبتنا نلاحظ ان هنالك اكتفاء ذاتياً في كثير من الصناعات المحلية .

 

واصلت الحكومة عنايتها بقطاع التجارة الخارجية وحظي بما يستحقه من أهمية في خطة التنمية الاقتصادية التي تهدف الى زيادة نسبة الصادرات في السنة الاولى من الخطة بحوالى 7.2 بالمئة عن سنة الاساس (1959 – 1960 ) وفي السنة الخامسة والاخيرة من الخطة بحوالى 35.4 بالمئة . كما انه من المقدر ان يزيد اجمالي الواردات في السنة الاولى من الخطة بنسبة 22.5 بالمئة عن سنة الأساس على ان تأخذ هذه النسبة في الانخفاض تدريجياً حتى تقل عن 6.2 بالمئة في السنة الخامسة من الخطة ، وذلك بفضل ارتفاع الانتاج المحلي .

 

ما هي الاجراءات التي اتخذت لتنشيط التبادل التجاري بين الجمهورية العربية المتحدة وبين الدول العربية ، وما مدى تطور التبادل التجاري بينها ؟ .

تنظم اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت العلاقات التجارية بين الجمهورية العربية المتحدة وبعض دول الجامعة العربية . وقد وافق مجلس جامعة الدول العربية على هذه الاتفاقية في 7 ايلول / سبتمبر 1953 . وبمقتضاها أعفيت بعض المنتجات الزراعية والحيوانية من رسوم الاستيراد الجمركية ، اذا كان منشاؤها احد بلدان الاطراف المتعاقدة ، وهي تشمل على سبيل المثال الحيوانات الحية واللحوم والمواد الخام والمنتجات الخام من أصل حيواني والنباتات والحبوب والاحجار . وقضت الاتفاقية بمعاملة المنتجات الصناعية العربية التي تكون من منشأ احدى الدول العربية معاملة تفضيلية في ما يتعلق برسوم الاستيراد الجمركية فتخضع لتعرفة مخفضة بنسبة 25 بالمئة عن التعرفة العادية والمطبقة في البلد المستورد مثل الاسمنت والأسمدة ومصنوعات الجلد وغزل القطن والمنسوجات القطنية والصيني وافران الطبخ وغيرها ، ويخضع البعض الآخر لتعرفة مخفضة بنسبة 50 بالمئة مثل الزجاج والمصنوعات الزجاجية والمصنوعات الصوفية والبصل والثوم المجفف والاسفلت والغاز والنسيج من الياف الجوت وغيرها .

 

الى جانب ذلك ، وافقت الدول العربية في اجتماعات المجلس الاقتصادي لدول الجامعة العربية على اخراج السوق العربية المشتركة الى حيز التنفيذ  وذلك بغرض جعل الدول العربية منطقة اقتصادية واحدة في مواجهة التكتلات الاجنبية . كما وافقت هذه الدول على العمل بقدر المستطاع على الغاء اجازات الاستيراد والتصدير والقيود الادارية بغية تحرير التبادل التجاري بين دول الجامعة العربية وتنميته . وقد اقامت الجمهورية العربية المتحدة مؤخراً معارض وانشأت مراكز تجارية في بعض البلدان العربية مثل السّعودية وليبيا والسودان والعراق لتعريف هذه البلدان بمنتوجاتها كافة ، من زراعية وصناعية وخلافها . ثم ان الاقليم المصري مرتبط باتفاقات تجارية ودفع ثنائية مع كل من العراق ولبنان والسّعودية وليبيا والسودان وتونس والمغرب والاردن مما يعزز التبادل التجاري بين الاقليم المصري وكل من هذه البلدان . وكانت لهذه الاتفاقات والجهود المبذولة نتائجها الباهرة اذ بلغ حجم التبادل التجاري بين مجموعة الدول العربية والاقليم المصري 24527 الف جنيه في عام 1958 وارتفع الى 25172 الف جنيه عام 1960 . أما أهم السلع التي يصدرها الاقليم المصري الى الدول العربية فهي : الارز ، البصل والبطاطس والسكر،  الاسمنت ، الاسفلت ، الأقمشة القطنية ، منسوجات الحرير الصناعي ، الاحذية ، والكتب . وأما السلع التي يستوردها من هذه الدول فهي : الحيوانات الحية والفاكهة والكيروسين والزيوت والمازوت والديزل والسولار والزيوت البترولية وزيت الزيتون والحبوب الزيتية وغيرها .

 

ما هو الوضع التجاري بين لبنان والجمهورية العربية المتحدة ؟ .

ينظم التبادل التجاري بين الاقليم المصري ولبنان اتفاقان للتجارة والدفع معقودين في 27 حزيران / يونيو 1956 وينصان على شرط الدولة الأكثر رعاية واعفاء بعض السلع المنتجة في البلدين من الرسوم الجمركية إعفاء كاملاً وتخفيض الرسوم الجمركية على بعض السلع في حدود 25 بالمئة ، والبعض الآخر في حدود 50 بالمئة ، كما تتم المدفوعات بالجنيهات المصرية في حساب لبنان غير المقيم . ويرتبط البلدان ، الى جانب ذلك، بانفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة الترانزيت لدول الجامعة العربية التي تعطي مزايا عديدة للسلع المتبادلة بين البلدين . وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ولبنان 2777 الف جنيه في سنة 1958 وارتفع الى 3203 الف جنيه في سنة 1959 وتراجع الى 2243 الف جنيه في سنة 1960 .