مدير المالية العام في لبنان يقول للرائد : الموازنة المالية لعام 1962 موازنة إنتاج وعمل

 ستعيد الحكومة النظر باوضاع النظام الضرائبي 

نشر هذا الحديث في كانون الثاني / يناير 1962 ، العدد الخامس عشر ، الرائد العربي 

 

تمر الاوضاع المالية والمصرفية في لبنان بمفارقات جديدة في طليعتها الاعمال الجارية في سبيل انشاء مصرف مركزي وطني واحداث تنظيم جديد لاعمال المصارف واختصاصاتها . ورافق هذه الاحداث انجاز مشروع موازنة سنة 1962 ، تمهيداً لعرضه على مجلس النواب للمصادقة عليه بعد مناقشته وتعديله . وبهذه المناسبة قام مندوب الرائد العربي في بيروت بطرح بعض الاسئلة على الاستاذ اندريه تويني ، مدير عام وزارة المالية اللبنانية ، واجاب عليها بما يلي :  

 

سبق لكم ان توليتم المديرية العامة لوزارة المالية لفترات عديدة ومتباعدة ، هل لكم ان تحدثونا عن التطور الذي طرأ على هذه الوزارة واعمالها في نطاق مهامها وتنظيماتها الادارية ؟ . 

كانت وزارة المالية اللبنانية تكتفي في عهد الانتداب الفرنسي بجباية الضرائب ودفع النفقات التي ارصدت لها الاعتمادات اللازمة في الموازنة اللبنانية . وكانت هذه النفقات نفقات ادارية بسيطة لا تتضمن الا القليل من النفقات الانشائية التي كانت تتولى أمرها المفوضية العليا ، بينما المهام الاساسية التي تضطلع بها عادة وزارات المالية ، كالنقد والسياسة النقدية والسياسة المالية العامة والتشريع الضريبي وسواه ، فان كل هذه الامور كانت في يد المفوضية العليا الفرنسية ، تفرضها على الادارة اللبنانية من دون ان تأخذ رأيها في أكثر الاحيان . وما ان استقلت البلاد حتى وجدت وزارة المالية نفسها أمام مسؤوليات جسيمة لم تكن مهيئة لمواجهتها . وكان همي وهم معاوني منذ ذلك الوقت اعادة تنظيم وزارة المالية على اسس حديثة لكي تتجاوب اجهزتها مع حاجات البلاد الجديدة . ويمكنني القول اننا أدركنا اليوم المرحلة الاخيرة من التنظيم . وستتحقق هذه المرحلة بواستطين : اولاً، بزيادة الملاكات ، وقد طلبت ذلك من المسؤولين عن الاصلاح الاداري ومن مجلس الخدمة المدنية ؛ وثانياً ، بواسطة معهد الادارة العامة الذي سيتولى بعد الآن تخريج ما نحتاج اليه من موظفين اخصائيين في الحقول التي سيعملون فيها . علماً أننا لم ننتظر قيام هذا المعهد لتدريب موظفي وزارة المالية ، بل أنشأنا في سنة 1952 معهداً للادارة والمال ، تخرج منه حتى اليوم ما يزيد عن مئتي موظف يعمل أكثرهم في مختلف دوائر وزارة المالية . كذلك قمنا باصلاحات عادية شملت سير الالة الادارية واختصار المعاملات وادخال العنصر الآلي في تأدية العمل الاداري ، كما حصل في صندوق مصلحة السيارات وفي مصلحة الواردات  حيث تقوم الالآت بتنظيم جداول الضرائب المباشرة . 

 

كيف تطورت الاسس التي يجري بموجبها اليوم اعداد الميزانية اللبنانية ؟ . وهل تتوقعون تطوراً جديداً في السنوات المقبلة؟ . 

تمكنت وزارة المال من ادخال تحسينات عديدة على سياسة الموازنة . وقد حقق  هذه الجهد تحسينات في موازنة سنة 1961 . وها هو يحقق تحسينات اخرى في موازنة 1962 . فمن جهة اولى تميزت موازنة 1962 ، الى حد بعيد ، بمبدأ وحدة الموازنة ، أي توحيد الموازنة العامة والموازنات الملحقة ، فثبتت نفقات الدولة ووارداتها في صك واحد . وبذلك تمكنت وزارة المالية من تحقيق وحدة جذرية في مشروع موازنة عام 1962 بين الموازنة العامة والموازنات الملحقة بعد ان عرضنا جميع هذه الموازنات في كتاب واحد وفي مشروع قانون موحد ، تطبق نصوصه على جميعها . وهكذا برزت امكانات الدولة المالية واعباؤها بشكل واضح وسريع . وتأمل هذه الوزارة ان تتمكن في المستقبل من ازالة الشخصية المالية للموازنات الملحقة وتذويب اعتماداتها في صلب الموازنة العامة . 

 

عمدت وزارة المالية ، من جهة اخرى ، الى تضمين مشروع قانون الموازنة نصوصاً تجيز للحكومة ان تنقل ارصدة الاعتمادات الافرادية المفتوحة خارج الموازنة ، بعد احصائها وقطع حساباتها ، الى الاجزاء المختصة من الموازنة العامة . ولا بد من التأكيد في موضوع الاعتمادات التي درج سابقاً على فتحها خارج الموازنة ، بأن وزارة المالية عازمة عزماً أكيداً ونهائياً على عدم الاجازة بعد الآن بفتح أي اعتماد خارج الموازنة ، وذلك من اجل تجميع حجم النفقات وتبيان الاعباء الحقيقية المترتبة على الدولة . 

 

ولأول مرة في تاريخ الموازنة تضبط اعتمادات الجزء الرابع من الموازنة المخصصة لنفقات البرامج الانشائية الطويلة الامد . وقد بلغت ارقام اعتمادات هذا الجزء 50200000 ليرة لبنانية ، مما جعل من الموازنة اللبنانية موازنة انتاج وعمل . ولم تغفل الحكومة في الموازنة الجديدة توجيه الانفاق ناحية الحقول الانتاجية والانشائية ، فخصصت لها نسبة كبيرة في باب النفقات العامة لم يسبق ان خصصت لها من قبل . فقد ارتفعت هذه الاعتمادات من 56 مليون ليرة لبنانية في موازنة 1961 ( 18.26 % من المجمزع العام ) الى 133 مليون ليرة لبنانية في موازنة 1962 ( 32.54 % من المجموع العام ) . ولا يزال لدى وزارة المالية عدد من الاقتراحات والاصلاحات التي تنوي ادخالها على الموازنة في المستقبل ، كي يأتي الاصلاح في الحقل المالي كاملاً وشاملاً. غير انه لا يتسنى تحقيق هذه الاصلاحات الا بعد ادخال التعديلات التي تقتضيها على قانون المحاسبة العامة ، مع العلم ان الوزارة تجهد في الوقت الحاضرفي اعداد هذه التعديلات التي ستحال قريباً الى السلطة التشريعية . 

 

ما رأيكم في النظام الضريبي المطبق حالياً في لبنان ؟ . وما هي المشاكل التي تواجه هذا النظام في نطاق التوزيع والجباية والادارة ؟ .

تنوي الحكومة اللبنانية اعادة النظر في النظام الضريبي برمته وفقاً للأسس التالية :  

1 – في ما يتعلق بضريبة الدخل : اعادة النظر في كل الاعفاءات ودرسها وفقاً لمقتضيات البلاد الاقتصادية وتكييف معدلات الضريبة ، على ان يؤخذ بالاعتبار حجم المداخيل وأوضاع المكلفين الاجتماعية . 

2 – في ما يتعلق بضريبة الاملاك المبنية : تطبيق مبدأ التصاعدية عليها انسجاماً مع مبادىء العدالة الضريبية، على ان تكون هذه التصاعدية معتدلة لئلا تمس حركة العمران التي ما زالت البلاد بحاجة اليها بسبب تزايد عدد السكان من جهة ، والتطور الاجتماعي من جهة اخرى ، مع تكييف الاعفاءات والمعدلات لترغيب الناس في تعمير المناطق المفتقرة الى العمران وتشجيع بناء المساكن الشعبية المعدة لسكن الطبقات ذات الدخل المحدود . وقد أعدت وزارة المال مشروع قانون بهذا المعنى ، سيصار الى درسه قريباً في مجلس الوزراء ليصار الى احالته على السلطة التشريعية . 

3 – في ما يتعلق برسم الانتقال : اعادة النظر في المعدلات القائمة ، تحقيقاً للعدالة الضريبية والاجتماعية . 

4 – في ما يتعلق بالضرائب غير المباشرة : تحتاج انظمتها الى تعديل جذري ، جملة وتفصيلاً ، لتحديد معدلاتها وتطبيق مبدأ التصاعدية على بعضها ، حتى تصبح أكثر انطباقاً مع الواقع العملي. 

تعتزم وزارة المال ، من اجل اصلاح النظام الضريبي واقامة تشريع ضريبي عادل متطور وتهيئة المواطن اللبناني لتفهم الضريبة بمعناها الصحيح ، اتخاذ سلسلة من الاجراءات والخطوات تتعلق بتعزيز الجهاز العامل في دوائر الضريبة بموظفين جدد يتميزون بالنزاهة والاختصاص العلمي ، وادخال العنصر الآلي على اساليب العمل الاداري ، واقامة رقابة دائمة على اعمال موظفي الضرائب منعاً للمخالفة والمغايرة وحرصاً على أموال الدولة . 

 

الى أين وصلت خطوات انشاء المصرف المركزي ؟ . 

باشرت وزارة المال القيام بالدراسات اللازمة لانشاء المصرف المركزي الذي سيخلف مؤسسة الاصدار الحالية ( مصرف سوريا ولبنان ) اعتباراً من اول نيسان / ابريل 1964 . ويتطلب هذا العمل اموراً كثيرة منها ، اولاً، وضع التشريع اللازم الذي يجب ان يشمل النقد والتسليف واعمال المصارف ، من دون المساس بقانون سرية المصارف ، واعداد الموظفين الصالحين للعمل في المصرف المركزي وتحديد شروط انتقال الصلاحيات من مؤسسة الاصدار الحالية الى المصرف الجديد . ولا شك ان هذه الامور تتطلب الدرس الدقيق والوقت الطويل . وقد عهدنا بالأمر الى موظف سابق في وزارة المالية سيجري تعينه باشراف وموافقة الوزارة للاشراف على تنفيذ العمل بمعاونة خبراء تابعين للمنظمة المالية الدولية او خبراء آخرين . وقد جرى وضع خطة متكاملة ترمي الى تهيئة الوسائل اللازمة كي يتمكن المصرف المركزي من الاضطلاع بمسؤولياته تدريجاً قبل اول نيسان / ابريل 1964 ، حتى اذا حل الموعد المذكور كان المصرف مستعداً بكل أجهزته وأقسامه لممارسة عمله بشكل جيد .