الصناعات الريفية في مصر

فردوس المأمون

نشر المقال في شباط / فبراير 1962 ، العدد السادس عشر ، الرائد العربي 

 

تلعب الصناعات الريفية في مصر دوراً مهماً في اقتصاديات البلاد ، ويمثل انتاجها ما نسبته 3 بالمئة من مجموع الانتاج الصناعي العام . وتبلغ قيمة منتجات هذه الصناعات ما يقرب من 25 مليون جينه مصري سنوياً ، كما يبلغ عدد المشتغلين في هذا القطاع الحيوي أكثر من خمسة ملايين . ولما كانت لهذه الصناعات الريفية أهمية خاصة في مرحلة التطور الاقتصادي والاجتماعي في مصر ، فقد رأينا ان نقدم هذا البحث الموجز عن دورها في تشغيل الايدي العاطلة عن العمل ، وعن انواعها  وفئاتها ، وطابعها الشعبي ، ومشاكلها ورعاية الحكومة لها وتمويلها ، وتنشيط دور المرأة في الانتاج وأثر كل ذلك في رفع مستوى معيشة الاسرة الريفية . 

 

ما هي الصناعات الريفية ؟  

يطلق اسم الصناعات الريفية على الحرف والمهن التي يقوم بها اهالي الريف ، إن في منازلهم او في مكان عام يجمعهم بقريتهم ، ويستغلون خامات ريفهم في انتاج منتجات نافعة تسد حاجات المستهلكين وتنعش الريف الذي تعيش فيه الغالبية الكبرى من السكان . والصناعات الريفية انواع ثلاثة :  

1 – الصناعات الغذائية او الزراعية . منها صناعة منتجات الالبان وصناعات تجفيف الفاكهة والخضر وتعبئتها وتسكير الفواكه وتمليح الخضار وجرش العدس وتعبئته وصناعة الفريك وانتاج عسل النحل وغيره . 

2 – الصناعات التطبيقية . تشمل هذه الصناعات التطبيقية صناعة النسيج اليدوي للقطن والصوف والحرير وصناعة السجاد والصناعات الجلدية كالاحذية والحقائب والجلود المزخرة وصناعة النجارة ولعب الاطفال الخشبية وصناعة الفخار والاواني النحاسية وصناعات الخوص والقش والليف وشباك الصيد . والى جانب ذلك، هناك الصناعات اليدوية التي تمارسها النساء مثل الحياكة والتطريز وغيرها . 

3 – الصناعات الكيميائبة البسيطة . وتدخل في هذا الباب صناعة العطور والتقطير والصابون . 

يطلق على بعض الصناعات الريفية اسم الصناعات البيئية ، وهي التي تنشأ في بيئة خاصة وتتميز بطابع خاص. فنرى مثلاً ان خان الخليلي المشهور في القاهرة قد امتاز بانتاج المنتجات اليدوية الدقيقة التي اكتسبت شهرة عالمية مثل التطعيم بالاصداف والنقش على النحاس والتطعيم بالفضة وصناعة الجلود الزخرفية ، حتى بات خان الخليلي مقصد السياح من كل أطراف العالم . 

 

أهم الصناعات الريفية  

عاصر قيام الصناعات الريفية ، نشأة القرية المصرية . فلما تطورت الحضارة وأثارت بأضوائها المدن ، نفذ منها شعاع ضئيل الى القرية فتطور معه الانتاج الصناعي ، وشمل هذا التطور الآلات والأدوات المتعلقة بالعمل الزراعي ، وشمل كذلك صناعة الغذاء والكساء . ثم توسعت هذه الصناعات وانتشرت حتى شملت البيوت وراح الريفيون يمارسونها في الحوانيت والمنازل . وعلى الرغم من تطور الآلات الحديثة وتقدمها وانتشارها وسرعة انتاجها في الصناعة ، فانها لم تستطع ان تقضي على الصناعات الريفية او ان تقف حائلاً دون بقائها وانتشارها. ويعود السبب في ذلك الى عوامل كثيرة ، منها :  

اولاً ، سهولة ممارسة هذه الصناعات ومزاولتها الى جانب العمل الزراعي .

ثانياً ، انها صناعة تسد حاجات المستهلكين من سكان الريف ، كما يرغبها سكان المدن رغبة شديدة ، لما تحمل في صنعها من طابع الذوق الريفي الرائع المميز .

ثالثاً ، انها صناعات لا تتطلب رؤوس اموال كبيرة .

رابعاً ،  معظم هذه الصناعات يعتمد على خامات ريفية . وهذه متوفرة في الريف بكثرة وبأسعار معقولة .

خامساً ، ان هذه الصناعات التي نشطت في الريف تستوعب مئات الريفيين ، رجالاً ونساء وأطفالاً .

بقيت هذه الصناعات الريفية منتشرة ومعممة في اسواق المدن ، ذلك ان كافة منتجات الريف مطبوعة بطابع الفن الشعبي الذي يرغبه سكان الحواضر ويميلون اليه ، نظراً لما يتمتع به الانتاج اليدوي الريفي من مميزات خاصة ، تتجلى في دقة صنعه وروعة زخرفته وبديع نقشه . من هنا ذاعت شهرة الصناعات الريفية الحرفية ، لا في مصر فحسب ، بل في مختلف انحاء العالم . 

 

رعاية الصناعات الريفية  

لا بد من القول ان الصناعات الحرفية الريفية مرت بمشاكل عديدة ، منها بدائية الادوات المستخدمة في انتاجها والمقومات الفنية التي يفتقدها عمالها وصعوبة تسويق انتاجها ، مما جعل من العسير على هذه الصناعات ان تماشي النمو والتطور ، رغم انها تعتبر سبيلاً مهماً لتوفير العملة اللازمة وزيادة حجم الانتاج. 

كانت الصناعات الحديثة الكبيرة ، قبل التخطيط الحالي ، تقوم دوماً على حساب الصناعات الصغيرة التي لم تستكمل كل المقومات الفنية والتسويقية التي تتمتع بها الصناعات الكبيرة والتي تعتمد على الآلات الاوتوماتيكية التي تنتج اضعاف اضعاف ما تنتجه الآلات اليدوية البدائية ، وبعدد ضئيل من العمال ، نسبة الى ما كانت تتطلبه تلك الآلات القديمة . على ان الحكومة في مصر وضعت منذ عام 1952 خطة طموحة لمضاعفة الدخل الوطني في خلال عشر سنوات ووحدت الجهود المبذولة لرفع شأن الصناعات الريفية ، فضمت ادارتها التي سبق ان أنشئت في وزارة التجارة والصناعة الى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تشرف الآن على المراكز الاجتماعية ونشاطها الصناعي الريفي . وأصبحت الآن الصناعات الريفية لا تقتصر على مجرد الصناعات اليدوية ، بل تشمل ايضاً الصناعات الزراعية وبعض الكيمائية البسيطة . ثم ان هذه الصناعات أضحت كذلك ، لا مجرد وسيلة لشغل اوقات الفراغ والتسلية ، بل صناعات أساسية تقوم لخدمة المنتجين في الريف والمستهلكين في انحاء البلاد . كما عملت الحكومة على تنشيط هذه الصناعات الحرفية وتوجيهها فنياً . وأفردت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ادارة جديدة للصناعات الريفية والبيئة تختص بما يلي :  

1 – النهوض بالصناعات الريفية .

2 – انشاء صناعات ريفية وبيئية جديدة .

3 – القيام بدراسات متعلقة بالصناعات الريفية .

4 – تنظيم تمويل الجهات المشتغلة بهذه الصناعات .

5 – المساهمة في تصريف انتاج الصناعات الحرفية والريفية وايجاد أسواق جديدة لها .

6 – الدعاية والترويج للصناعات الريفية ومنتجاتها بمختلف الوسائل .

7 – وضع برامج تدريب متعلقة بهذه الصناعات لاكساب المشتغلين بها خبرات جديدة .

8 – تنظيم الجمعيات التعاونية المشتغلة بهذه الصناعات بصورة تضمن لمشروعاتها النمو والازدهار . 

لم تقف الحكومة في مصر عند هذا الحد فحسب ، بل أدركت ان تمويل الصناعات الريفية عقبة هي من اهم العقبات التي عرقلت نموها ونشاطها ، لذلك أصدرت القانون رقم 167 لسنة 1956 الخاص بانشاء صندوق دعم الصناعات الريفية الملحق بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل . كما وضعت خطة لتنمية