د. يوسف حلباوي: مدير التحليل الاقتصادي في وزارة التخطيط السورية
نشر المقال في ايلول / سبتمبر 1962 ، العدد الثالث والعشرون ، الرائد العربي
تحتل المقومات الاقتصادية الرئيسة وتفاعلاتها وتأثيراتها على التطور الاقتصادي لمجتمع ما مكاناً مرموقاً في الدراسات الاقتصادية الحديثة ، وبصورة خاصة في دراسة وتحليل الدخل الوطني . فقد أصبح اعتماد الباحث الاقتصادي على حسابات الدخل كلياً يركن اليها :
1 – في تحليل الاوضاع الاقتصادية وتبيان تطورها .
2 – في قياس مدى تقدم هذا الاقتصاد ومعدلات نموه الزمنية .
اهتمت الجمهورية العربية السورية بدراسة دخلها الوطني منذ سنة 1946 . إلا انها لم تجر دراسات جدية في هذا المضمار الا في سنة 1956 ، عندما قامت مديرية الاحصاء السورية بدراسة الدخل الوطني لتلك السنة ، متبعة في ذلك طريقة المصدر الصناعي وعممته في ما بعد على السنوات اللاحقة او السابقة حتى حصلت ، حتى يومنا هذا ، على جقيقة دخل الجمهورية العربية السورية خلال الاعوام 1953 الى 1962 . ووصولاً الى ارقام الدخل ، قسّم الاقتصاد السوري الى القطاعات التالية ، وذلك باتباع التصنيف النموذجي للصناعات المقترحة من قبل لجنة خبراء الامم المتحدة مع بعض التعديل:
1 – الزراعة والاحراج والصيد البحري والمائي والبري .
2 – الصناعة ، بما في ذلك الصناعات اليدوية والاستخراجية .
3 – التجارة ، بما في ذلك تجارة المفرق والجملة والتجارة الخارجية والداخلية ووكالات الشركات الخ..
4 – المالية والتأمين والخدمات العقارية .
5 – النقل والمواصلات ، بما في ذلك النقل البري والبحري والنهري والبترول عبر خطوط الانابيب .
6 – البناء والتشييد . ويقصد بالتشييد استصلاح الأراضي وحفر الآبار ومد الأقنية والجسور والطرقات .
7 – الايجارات .
8 – القطاع الحكومي ويشمل كافة الخدمات التي تؤديها الادارات العامة ، بما في ذلك الدخل المتحصل لافراد الجيش والقوات المسلحة .
9 – الخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والترويحية الخ ..
10 – قطاع العالم الخارجي . فقد افترض ان الدخل الصافي للسوريين لقاء نشاطهم وتوظيف أموالهم خارج الجمهورية العربية السورية يعادل الدخل العائد لغير المقيمين من عملهم او توظيف رساميلهم داخل هذا البلد .
ولتقدير قيمة الدخل الوطني المتحصل في كل من هذه القطاعات ، عمد الى احتساب قيمة الانتناج الاجمالية في كل قطاع ثم طرح منها تكاليف الانتاج من المواد الاولية والمحروقات والطاقة الكهربائية الخ.. غير ان هذه الطريقة لم تطبق على قطاع الخدمات الحكومية نظراً لتعذر تقدير قيمة سوقية للناتج الحكومي . لذلك استخدمت طريقة الانصبة الموزعة بالرجوع الى تحديد نصيب كل هيئة حكومية في توليد الدخل الوطني عن طريق انفاقها . وقد أدت الحسابات الجارية بحسب هذا الأسلوب الى تقدير صافي الدخل الوطني (1) كالتالي :
جدول رقم 1
تطور الدخل الوطني في مختلف قطاعاته
بملايين الليرات السورية باسعار 1956
القطاع 1953 1954 1955 1956 1957 1958 1959 1960 1961
الزراعة 824 927 636 936 1067 702 721 636 805
الصاعة 227 246 264 267 288 304 315 341 352
بناء وتشييد 60 80 95 98 75 90 79 113 120
ايجارات 116 122 130 137 144 155 163 170 178
نقل ومواصلات 129 142 139 137 124 130 136 140 131
خدمات 130 146 156 159 162 172 176 184 200
تجاري 270 349 319 375 386 335 317 354 336
مالي 22 37 41 44 48 46 45 45 32
حكومي عام 114 127 140 150 157 168 178 182 203
الدخل العام 1892 2176 1920 2303 2451 2102 2130 2169 2357
المتتبع لارقام هذا الجدول الاجمالية والتفصيلية يتبين له ما يلي :
1 – خضوع الدخل الوطني الى تقلبات سنوية عنيفة.
المتتبع لارقام الدخل الاجمالية بين سنة 1953 وسنة 1961 يلاحظ ان الرقم الاجمالي تقلب تقلباً بيناً في خلال هذه الفترة ، بحيث زاد في بعض الاعوام بمعدل يجاوز 19 بالمئة وهبط في سنين اخرى بنسبة تقارب هذا الرقم بالنسبة للعام الذي سبقه .
جدول رقم 2
تطور الرقم الاجمالي للدخل الوطني
بملايين الليرات السورية باسعار 1956
معدل الزيادة معدل النقص
العام الدخل الوطني المبلغ % السنوية
1953 1892 --- ---------
1954 2176 284 + % 15.0 +
1955 1920 256 - % 11.8 –
1956 2303 383 + % 19.9 +
1957 2451 148 + % 6.4 +
1958 2102 349 - % 14.2 –
1959 2130 28 + % 1.3 +
1960 2169 39 + % 1.8 +
1961 2357 188 + % 8.7 +
ينتج من هذا التذبذب نتائج خطيرة ، أهمها ان معدل زيادة الدخل الوطني السوري هو في بعض السنين اما معدلاً سلبياً واما معدلاً لا يجاوز معدل تزايد السكان واما معدلاً بطيئاً لا يشكل الا رقماً متواضعاً لا يعتد به . فاذا قارنا الدخل الوطني المتولد في سنة 1961 الى دخل سنة 1956 ، المعتبر عادة كسنة أساس ، نرى ان الدخل الوطني لم يزد الا بنسبة 2.3 بالمئة فقط ، وهي نسبة ضئيلة جداً لا تجاوز قطعاً معدل زيادة عدد السكان في خلال هذه الفترة . وكذلك اذا قارنا الدخل الوطني الناتج في سنة 1961 بدخل سنة 1953 لرأينا ان الدخل قد ارتفع في خلال هذه الفترة من 1892 مليون ليرة سورية الى 2357 مليون ليرة سورية ، أي بزيادة قدرها 465 مليون ليرة سورية او ما يعادل 3.1 بالمئة كزيادة سنوية . وحتى اذا قارنا دخل سنة 1961 الى متوسط الدخل المتشكل في الاعوام الثلاثة 1956 و 1957 و 1958 المعتبر انه يمثل معدلاً وسطياً للدخل الوطني السوري في تقلباته المختلفة ، لوجدنا ان دخل سنة 1961 لا يزيد الا بمقدار 72 مليون ليرة سورية ، أي بزيادة قدرها 3.2 بالمئة فقط . ويتبين لنا من كل ذلك انه من الصعب الحكم حكماً قطعياً على تطور الدخل الوطني السوري وتحديد تزايده السنوي بمعدل وسطي عام يمكن الركون اليه للمقارنة مع تزايد السنين الاخرى والخروج من تلك المقارنة بنتيجة تؤشر الى ان التزايد كان طبيعياً ، او يفوق او ينقص عن المعدل العادي .
2 – أهمية الدخل المتولد من القطاع الزراعي بالنسبة الى مجموع الدخل .
يعود السبب الأول والرئيس لهذه التقلبات الى خضوع الدخل السوري خضوعاً كبيراً للدخل الزراعي الذي يشكل الرقم الأكبر في تكوين الدخل الاجمالي . ففي الفترة الواقعة بين 1953 و 1961 تراوحت نسبة مساهمة هذا القطاع بين 43.5 بالمئة و 29.3 بالمئة ، وان هذه النسبة في كلتا السنتين لم يزد عنها اي رقم توصلت اليه القطاعات المختلفة الاخرى . ومن المعروف ان الدخل الزراعي السوري متقلب سنوياً ، وانه يخضع لتقلبات الانتاج الزراعي بين سنة واخرى بفعل عوامل طبيعية يصعب التحكم بها . وهو يزداد تارة الى الضعف وينقص تارة احرى الى النصف عن معدله في السنة السابقة . ومن المعلوم ايضاً ان الانتاج الزراعي يدخل ايضاً في حساب دخل القطاعات الاخرى ، خاصة بالقطاع التجاري وقطاع النقل والمواصلات ، وبالتالي فانه يؤثر تأثيراً كبيراً غير مباشر على الدخل المتولد في هذه القطاعات .
3 – أهمية مساهمة القطاع الخاص في تشكيل الدخل الوطني السوري .
لا تمكننا الطريقة التي اتبعت في احتساب الدخل الوطني السوري ، وهي طريقة المصدر الصناعي ، من تقدير مساهمة كل من القطاع الخاص والقطاع العام بصورة دقيقة ، خاصة وان هذه الحسابات قد بنيت ، كما سبق ان ذكرنا ، على أساس قطاعي ضم كل منها المؤسسات الخاصة والمؤسسات التجارية او الصناعية او الخدمات الحكومية . غير اننا نعلم ان استثمارات الاعمال الزراعية والتجارية وادارتها تعود بنسب كثيرة وكبيرة جداً الى القطاع الخاص ولا تتدخل الدولة الا في قسم من قطاعات التشييد والمال والمواصلات والخدمات ، ونحن نرى، كما يبدو في الجدول رقم 3 ، ان مساهمة هذه القطاعات الاخيرة هي ضعيفة بالنسبة الى القطاعات الاولى .
هذه هي الخصائص الثلاث الرئيسة للدخل الوطني في سوريا . غير ان المتتبع لأهم تطورات مساهمة مختلف القطاعات في تشكيل هذا الدخل يتبين له بوضوح ان اتجاهين رئيسين يسيطران على هيكل هذا الدخل ويهيمنان على تطوره . وهذان الاتجاهان هما :
1 – زيادة مساهمة القطاع الصناعي وقطاعات الخدمات .
2 – الاتجاه نحو تخفيف حدة تقلبات الدخل السوري .
وبالفعل ، يدلنا تطور الدخل الصناعي ودخول الخدمات ان هذين العنصرين في تزايد مستمر ، وان تزايد نسب مساهمتهما تفوق كثيراً نسب تزايد قطاع الزراعة ومساهمته في تشكيل الدخل العام .
جدول رقم 3
نسبة مساهمة القطاعات الى مجموع الدخل الوطني
1953 1954 1955 1956 1957 1958 1959 1960 1961
الزراعة 43.5 41.7 33.2 40.7 43.5 33.4 33.8 29.3 34.1
الصناعة 12.0 11.3 13.8 11.6 11.8 14.5 14.8 15.7 14.9
بناء وتشييد 3.2 3.7 4.9 4.3 3.1 4.3 3.7 5.4 5.1
ايجارات 6.1 5.6 6.8 5.9 5.9 7.4 7.6 7.8 7.6
نقل ومواصلات 6.8 6.5 7.2 5.9 5.1 6.2 6.4 6.5 5.6
خدمات 6.9 6.7 8.1 6.9 6.6 8.2 8.3 8.5 8.5
تجاري 14.3 16.0 16.6 16.3 15.7 15.8 14.9 16.3 14.2
مالي 1.2 1.7 2.1 1.9 1.9 2.2 2.1 2.1 1.4
حكومي عام 6.0 5.8 7.3 6.5 6.4 8.0 8.4 8.4 8.6
--------------------------------------------------------------------------------
الدخل العام 100 100 100 100 100 100 100 100 100
4 – تطور مساهمة القطاعات الزراعية والصناعية والخدمات
جدول رقم 4
التطور بملايين الليرات السورية باسعار سنة 1956
القطاع 1953 1956 1961
المبلغ النسبة % المبلغ النسبة % المبلغ النسبة %
الزراعة 824 43.5 936 40.6 805 34.2
الصناعة والبناء 287 15.2 365 15.9 472 20.0
الخدمات 781 41.3 1002 43.5 1080 45.8
فالزراعة التي اشتركت في تكوين الدخل الوطني بمبلغ 824 مليون ليرة سورية وبنسبة 43.5 بالمئة في سنة 1953 زادت مساهمتها في سنة 1956 الى 936 مليون ليرة سورية ، لكن نسبة هذه الزيادة تدنت الى 40.6 بالمئة نسبة الى المجموع ، وتدنت مرة ثانية الى 34.2 بالمئة في سنة 1961 . اما الصناعة والبناء قد تطورت تطوراً معاكساً ، إذ ارتفعت مساهمتها ارتفاعاً بيناً بين الاعوام 1953 و 1956 و 1961 ، فزادت على التوالي من 287 الى 365 الى 472 مليون ليرة سورية ، وارتفعت نسبة هذه المساهمة بالنسبة الى المجموع من 15.2 الى 15.9 فالى 20 بالمئة. وكذلك حال الدخول المتولدة في مختلف قطاعات الخدمات التي أصبحت تشكل 45.8 بالمئة بالنسبة الى المجموع في سنة 1961 ، بينما لم تكن تشكل في سنة 1956 سوى 43.5 بالمئة وفي سنة 1953 نسبة 41.3 بالمئة .
تجدر الاشارة ، رغم هذه الزيادات ، الى ان القطاع الزراعي قد استمر القطاع الرئيس والاول في تكوين الدخل الوطني الاجمالي ، وظلت مساهمته أهم المساهمات والمساعدات . غير ان زيادة دخول القطاعات الصناعية والخدمات ساعدت في تخفيف حدة تقلبات الدخل السوري وهيأت له أسساً أكثر ثباتاً . ويظهر هذا الاتجاه في تتبع تطور مجموع الدخول المتولدة في مختلف القطاعات مطروحاً منها دخل القطاع الزراعي
5 – تطور مجموع مساهمة القطاعات في تشكيل الدخل الوطني من دون القطاع الزراعي .
جدول رقم 5
التطور بملايين الليرات السورية باسعار سنة 1956
السنة الدخل الوطني بدون دخل الزراعة التطور السنوي
المبلغ النسبة %
1953 1068 ----- -------
1954 1249 + 181 + 16.9
1955 1284 + 35 + 2.8
1956 1367 + 83 + 6.5
1957 1384 + 17 + 1.2
1958 1400 + 16 + 1.2
1959 1409 + 9 + 0.6
1960 1533 + 124 + 8.8
1961 1552 + 19 + 1.2
يتبين من كل ذلك ان الاقتصاد السوري حقق في الفترة الواقعة بين 1953 و 1961 نمواً حسناً وانه كان بالامكان تحقيق معدل نمو أعظم لولا تقلب الانتاج الزراعي واضاعته لجزء كبير من هذا النمو . واضافة الى ذلك ، فان هيكل الاقتصاد السوري قد مر أثناء هذه الفترة بتغير ملحوظ أدى الى التخفيف من تقلبات هذا الدخل، والى ارساء قواعده على أسس أكثر متانة وثباتاً .
يستخلص من هذين الاتجاهين ، ومن نتائجهما ، ان كل عملية تنمية في الجمهورية العربية السورية يجب ان تسعى الى :
1 – التأثير على الانتاج الزراعي والتركيز عليه وجعله اكثر ثباتاً مما هو عليه الآن .
2 – تقوية القطاعات الاخرى والعمل على زيادة مساهمتها في تشكيل الدخل الوطني. فهذان هما السبيلان الوحيدان المؤديان الى تحقيق أكبر قسط ممكن من الاستقرار للاقتصاد السوري ولدخله ولتهيئة العناصر الكيلة بنموه نمواً متزايدا .
__________________________
(1) يراد بعبارة الدخل الوطني التي استعملت في هذا المقال الدخل الصافي ، أي الناتج الوطني حسب كلفة الانتاج .