الميزان التجاري اللبناني في الميزان

خلاط : العجز يساعد في تخفيض حدة الضغوط التضخمية

الرفاعي : اخطار العجز في لبنان محدودة بسبب تعادل ميزان المدفوعات  

نشر المقال في آب / اغسطس 1962 ، العدد الثاني والعشرون ، الرائد العربي  

ازدادت في الفترة الاخيرة التساؤلات وكثرت الابحاث التي تتناول ميزان المدفوعات اللبناني والعجز المتنامي الذي يطبع الميزان التجاري في الوقت الحاضر الذي تتجه فيه نية الحكومة اللبنانية الى القيام بدراسة شاملة ومعمقة لميزان المدفوعات . وبهذه المناسة قام مندوب " الرائد العربي " بطرح بعض الاسئلة المتعلقة بهذا الامر على كل من الاستاذين : بول خلاط ، استاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية ، وعبد الوهاب الرفاعي ، مدير غرفة التجارة والصناعة في بيروت . وكان حوارنا التالي .

رأي الاستاذ بول خلاط  

ما هي في رأيكم العوامل التي ادت الى حصول هذا العجز الكبير في ميزان لبنان التجاري ، ولماذا يستمر هذا العجز باطراد ؟ . 

تشكل العوامل التالية ، في رأي ، أهم الاسباب المسؤولة عن التزايد المطرد في العجز في ميزان لبنان التجاري:  

1 – الزيادة في عدد السكان بمعدل سنوي يقارب 2.5 بالمئة . 

2 – ارتفاع مستوى المعيشة التي تعكس زيادة في دخل المواطن اللبناني . فقد ارتفع معدل هذا الدخل من حوالى 930 ليرة لبنانية سنة 1952 الى 1265 ليرة لبنانية سنة 1961 ، أي بزيادة تبلغ 36 بالمئة تقريباً . 

3 – الانخفاض الملموس في اسعار القطع الاجنبي ، خاصة في سعر الدولار الاميركي والجينه البريطاني والفرنك الفرنسي . فقد هبط سعر الدولار من حوالى 360 قرشاً لبنانياً عام 1953 الى حوالى 300 قرش عام 1961 . كما هبطت اسعار كل العملات الاجنبية الاخرى بالنسبة نفسها . وهذا الانخفاض في سعر القطع الاجنبي قد أغرى المستهلك اللبناني بزيادة استهلاكه من البضائع الاجنبية . 

4 – الزيادة المطردة في عدد السياح الذين يزورون لبنان . فبحسب التقديرات الرسمية بلغ جملة ما صرفه هؤلاء السياح في لبنان سنة 1961 حوالى 110 ملايين ليرة لبنانية ، مقابل 93 مليون ليرة سنة 1960 و48 مليون ليرة سنة 1958 . ومما لا شك فيه ان زيادة المصروفات هذه قد استلزمت مستوردات اضافية . 

5 – أهمية لبنان المتزايدة كمركز ممتاز لتخزين البضائع الاجنبية وتوزيعها في الشرق الاوسط . فغير اللبناني يجد اليوم في لبنان من البضائع المختلفة ما يفي بحاجاته . وهو ، فضلاً عن ذلك ، يستفيد من الاسعار المنخفضة نسبياً التي يحصل عليها التاجر اللبناني عندما يشتري بالجملة من الخارج ، كما يحصل على شروط دفع ميسرة ، أفضل بكثير من تلك التي يفرضها عادة البائع الاجنبي على زبائنه ، عدا عن انه لا يجد نفسه مجبراً على دفع الثمن بعملة صعبة او نادرة . 

6 – التضييقات النقدية والتجارية في البلدان المجاورة . فقد حملت هذه التضييقات ابناء البلدان المجاورة على المجيء الى لبنان لشراء ما يحتاجون اليه كلما وجدوا الفرصة مؤاتية . 

هل يمكن تحقيق التوازن في الميزان التجاري ، وهل هو من الضروري ؟ . 

ليس من الضروري اقامة التوازن في الميزان التجاري . وقد يؤدي هكذا توازن الى نتائج ضارة نظراً لاوضاع الاقتصاد اللبناني الخاصة وللاخطار التي قد تحصل عند خفض الواردات في بلد كلبنان يعتمد على السياحة وعلى قطاع الخدمات اعتماداً كبيراً . وفضلاً عن ذلك ، فان اقامة التوازن في الميزان التجاري قد لا يكون امراً ممكن التحقيق لصغر مساحة لبنان من جهة ، وللصعوبات الكبيرة التي تعترضنا في انتاج بضائع كافية للتصدير او بضائع بديلة للبضائع المستوردة من جهة اخرى . اما الاتفاقات التجارية فلا فائدة كبرى ترجى منها ما دامت المنتجات المعدة للتصدير تبقى غير كافية .  

رأي الاستاذ عبد الوهاب الرفاعي  

ما هي في رأيكم أهم العوامل التي أدت الى حصول هذا العجز الكبير في ميزان لبنان التجاري وعن التزايد المطرد في هذا العجز ؟ . 

يمكن حصر العوامل التي أدت الى هذا العجز المتزايد في ميزاننا التجاري في نقطتين اثنتين : الاولى ، ان لبنان بلد مستهلك من الدرجة الاولى وحاجة استهلاكه الى السلع والحاجيات المستوردة في تزايد مستمر بفعل ارتفاع القوة الشرائية لدى السكان وزيادة عددهم من جهة ، ولكون لبنان بلد سياحة وخدمات يؤمه الاجانب باعداد كبيرة ومتزايدة وهم ذوو طاقة استهلاكية كبيرة من جهة ثانية . وتتعلق النقطة الثانية بطاقة لبنان على التصدير . فالبرغم من التوسع الكبير الذي حصل في السنوات الاخيرة في ميدان الانتاج الصناعي والزراعي ، وبالرغم من الزيادة الملحوظة في حجم الصادرات اللبنانية الى الخارج ، فان العناصر التي تتألف منها حركة التصدير ما زالت قليلة العدد والاهمية ، اذا ما قيست بالامكانات الانتاجية المتوفؤة في لبنان . فصادراتنا محصورة باكثرها بالفاكهة والحمضيات التي تمثل 25 بالمئة من مجموع ما نصدر ، اضافة الى القليل من المنمتجات الصناعية المحلية . فلو أخذنا ارقام التجارة الخارجية لسنة 1960 ، وهي الاخيرة المتوفرة حالياً ، لتبين لنا انه من مجموع 218 مليون ليرة لبنانية قيمة صادراتنا الى الخارج ، يوجد 75 مليون لير لبنانية قيمة اوراق نقدية واسناد مالية وطوابع بريدية وشيكات مصرفية وما شابه ، دونت مع الصادرات وهي ليست من انتاج لبناني . كذلك نجد ما تزيد قيمته على 12 مليون ليرة تقريباً ثمن ذهب وخلائط ذهب واحجار كريمة وكلها منتجات غير محلية ولم تدخل اجور اليد العاملة المحلية فيها سوى بنسبة بسيطة . وتقديرنا ان اقل من 50 بالمئة من الصادرات اللبنانية هي من انتاج محلي فقط . لذلك نقول ان من واجبنا ان نوسع من ميدان الانتاج اللبناني المصدر الى الخارج لا الاعتماد اعتماداً شبه مطلق على اعادة التصدير ونسميه تصديراً لبنانياً .  

هل يشكل وضع الميزان التجاري الحالي مشكلة بالنسبة للاقتصاد اللبناني ؟ . واذا كان جوابكم بالايجاب ، فما هي هذه المشكلة ومدى تأثيرهاعلى اقتصاد البلاد حالياً وفي المدى الطويل ؟ . 

إن المشكلة التي يكونها العجز في الميزان التجاري لأي بلد هي مشكلة نزيف للثروة الوطنية باتجاه الخارج . وهي بحد ذاتها مشكلة مهمة جداً . اما بالنسبة للبنان فاخطارها محدودة بفضل الموارد المالية الكبيرة التي تأتي الى لبنان عن طريق الخدمات التي يقدمها والتحويلات المالية وحركة الرساميل واموال المغتربين اللبنانيين في الخارج . فهذه الموارد التي تدخل في حساب ميزان المدفوعات تغطي بصورة كافية عجز الميزان التجاري ، بل وتزيد . ولهذا نرى ان ميزان المدفوعات اللبناني لا يزال حتى الآن فائضاً ، كما يتضح من المعلومات الاحصائية المتوفرة . غير ان هذا الفائض ، كما يبدو ، صغير الحجم نسبياً ويخشى ان يتقلص ويتحول الى عجز في المستقبل القريب ، وعندها تحصل المشكلة .  

هل يمكن تحقيق التوازن في الميزان التجاري ، وهل هو ضروري ؟  

ليس من الضروري ان يقوم التوازن في الميزان التجاري اذا كان ميزان المدفوعات متعادلاً او فائضاً .اما كيف يمكن لنا ان نحقق التوازن في الميزان التجاري ، فهذا أمر يتعلق بصورة مباشرة بطاقة الانتاج المحلي . فاذا ما توسع الانتاج وتنوع وارتفعت قيمة الصادرات يمكن عندها ان نقترب من نقطة التعادل . الامر يتلخص اذن في زيادة الصادرات وتوسيع الانتاج واحلال المنتجات المحلية محل المنتجات المستوردة . ثم هناك الاتفاقيات التجارية ودورها . فهذه الاتفاقيات التي تعقد مع البلدان الاجنبية على جانب كبير من الاهمية في تعزيز التجارة الخارجية وتوسيع نطاق الصادرات . وهذا امر ينطبق عل كل بلدان العالم . اما في ما يتعلق بلبنان فان الاتفاقيات التجارية التي عقدتها الحكومة اللبنانية في السنوات العشر الاخيرة ، أسهمت بصورة رئيسة في تصريف عدد من المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية في اسواق البلدان التي عقدت معها هذه الاتفاقيات . وتتميز هذه الاتفاقيات بان اكثرها عقد مع بلدان ذات اقتصاد موجه ، حيث تقوم المؤسسات الرسمية فيها بعمليات الاستيراد والتصدير . فكان فيها الزام او شبه الزام للتنفيذ . وهذه الاتفاقيات هي من نوع الكليرنغ ، التي تفرض التكافؤ في ميزان التبادل بين البلدين المتعاقدين . اما مع البلدان التي تتبع الانظمة التجارية الحرة ، فليس من الممكن عقد مثل هذه الاتفاقيات الالزامية . الا ان العاملين في حقل الاقتصاد الوطني يطالبون الحكومة ان تسعى في اتصالاتها الخرجية لعقد اتفاقيات مع اكبر عدد من البلدان الاجبية ، يكون فيها تكافؤ نسبي ، بحيث يلزم البلد الاجنبي باستيراد منتجات لبنانية بنسبة معينة من قيمة صادرات هذا البلد الى لبنان . 

أما اقتراحاتنا من اجل زيادة صادرات لبنان الى الخارج فيمكننا ان نلخص ابرزها بما يلي :  

على الصعيد الداخلي :  

1 – العمل قبل كل شيء على تعزيز الانتاج الوطني وتنويعه عن طريق انشاء مؤسسات منتجة في كل قطاعات الزراعة والصتاعة والخدمات بمختلف الوسائل . 

2 – الاسراع في وضع نظام للصناعة الوطنية تحدد شروط انشائها وتبين لها طريق سيرها وتضبط مراقبتها وتحميها من المنافسة غير المشروعة . 

3 – اقرار التشريع الخاص بالمقاييس والمواصفات لتصبح منتجاتنا الوطنية أهلاً للثقة في الخارج . 

4 – توسيع ميدان القروض الانمائية لكل قطاعات الانتاج وتأمين الشروط المناسبة لجعل هذه القروض انتاجية ومفيدة للاقتصاد العام . 

5 – درس امكانية تخصيص منح لتصدير المنتجات الوطنية لمساعدتها في غزو الاسواق الخارجية ، على ان يوضع لهذه المنح نظام خاص يحدد شروط الحصول عليها ويحصرها بالمنتجات الجديدة ويحدد مدتها لتبقى موقتة . 

6 – العمل على تحسين وسائل الانتاج واتباع الطرق الحديثة بغية رفع مستوى الانتاجية وتخفيض تكاليف الانتاج ، وبالتالي خض اسعار البيع .  

7 – تخصيص المزيد من العناية للتدريب المهني بغية خلق فئة من العمال المدربين الاخصائيين من ذوي الوعي المهني ، يمكنهم بعد تخرجهم من تحسين طرق عملهم الانتاجي .

 على الصعيد الخارجي :  

1 – العمل على عقد اكبر عدد ممكن من الاتفاقيات التجارية مع البلدان الاجنبية على الاسس التي ذكرناها اعلاه . 

2 – توسيع التمثيل التجاري اللبناني في الخارج بايفاد ملحقين ومستشارين اقتصاديين يلحقون بالسفارات اللبنانية في الخارج ، على ان تعتمد في اختيارهم ، بالاضافة الى شروط التوظيف العادية ، مؤهلات هؤلاء الملحقين العلمية والعملية والخبرة والتجربة في حقول التجارة والصناعة والمال .  

3 – الاشتراك في اكبر عدد من المعارض والاسواق الدولية لتعريف الاجانب بالمنتجات اللبنانية . 

4 – مساهمة الحكومة والهيئات الاقتصادية في المؤتمرات الاقتصادية الدولية . 

5 – ايفاد البعثات الاقتصادية الى الخارج لاجراء الاتصالات المباشرة مع الهيئات المختصة ورجال الاعمال الاجانب ، على ان تضم هذه البعثات خبراء اقتصاديين وارباب عمل وممثلين عن الهيئات الاقتصادية .