الرأسمالية في الشرق الاوسط

 


تأليف البرت ماير

نشر هذا البحث حول الكتاب في تشرين الثاني / نوفمبر 1960 ، الرائد العربي ، العدد الاول

يرى علماء الاقتصاد ان ندرة رأس المال في البلدان المتخلفة اقتصادياً هي العائق الرئيس في نمو هذه البلدان. فالموارد الطبيعية في معظم بلدان الشرق الاوسط تكفي ، لو استغلت استغلالاً كاملاً ، لسد الحاجات المحلية . والايدي العاملة متوفرة ، وقد تكون في بعض الحالات ، فائضة . فلو توفر رأس المال الكافي والذي يتخطى هنا مفهومه النقدي ، وكذلك السلع الانتاجية والمستوى التقني ، لتمكنت البلدان المتخلفة من تطوير اقتصادياتها بشكل يضمن لها تقدماً كبيراً و ان ترفع المستوى المعيشي لسكانها .

بلدان الشرق الاوسط ، بحسب المقاييس الاقتصادية المتعارف عليها ، متخلفة اقتصادياً . ولكن مشكلة هذه البلدان بالنسبة الى رأس المال ليست في عدم توفره ، كما هي الحال في الدول المتخلفة اقتصادياً ، بل في إدارته . فعائدات البترول تسد جزءاً كبيراً من رأس المال الذي تحتاج اليه المنطقة . لكن هذه العائدات تنصب على عدد من هذه البلدان ، بينما تبقى البلدان الاخرى محرومة منها كلياً او تصلها عمولة ضئيلة من المدخول النفطي ، فتبقى بالتالي بحاجة ماسة لرأس المال . فالقضية اذن ، هي في ايجاد وسيلة تمكن جميع بلدان المنطقة من الاستفادة من عائدات البترول في تمويل مشاريعها الانمائية .

تقوم غالبية بلدان الشرق الاوسط حالياً بتنفيذ مشاريع إنمائية طويلة الاجل . فما هو مدى النجاح الذي تلاقيه هذه المشاريع ، وما هي السياسات الاستثمارية المتبعة لتحقيق النهضة الاقتصادية المطلوبة في المنطقة ؟ .

يجيب كتاب " الرأسمالية في الشرق الاوسط " على هذا السؤال . ومؤلف الكتاب ، البرت ماير ، تنقل بين مختلف بلدان الشرق الاوسط لسنوات عديدة كمستشار اقتصادي واداري ، فاستطاع ان يطلع على مشاكل المنطقة الاقتصادية وان يلم بأكثر مشاكلها وان يتعرف على الملابسات السياسية والاجتماعية التي تلعب دوراً أساسياً في تقرير الاتجهات الاقتصادية . وهو تستعرض في كتابه أهم المشاكل المشتركة بين بلدان المنطقة والمشاكل الخاصة لبعض هذه البلدان ، فينتقل من بحث امكانات المنطقة ونسب التقدم فيها ليستخلص عبر لمحة تاريخية مدى نموها الاقتصادي وتطور الرأسمالية في كل بلد ومن ثم ينتقل الى شرح الخطوط الرئيسة لعملية التنمية الاقتصادية المطلوبة ويعرض لبعض الحالات الافرادية ويقترح على الغرب بعض ما يمكن ان يفعله للمساهمة في انماء المنطقة . كل هذا يبحثه المؤلف في ما لا يتجاوز المائة والخمسين صفحة . وكتاب من هذا الحجم لا بد وان يكون البحث فيه عاماً لا يتناول التفصيلات . إلا ان هذا لا يفقد الكتاب كثيراً من قيمته .

ما هي طبيعة السياسة الاستثمارية في الشرق الاوسط ؟ . يقول المؤلف انها تجمع بين الاتجاه السائد في الدول الرأسمالية ، والذي يشدد على حرية الملكية الفردية لرأس المال ، والاتجاه السائد في البلدان الاشتراكية القائل بالملكية العامة لمصادر الانتاج . فالاستثمار في المرافق الاساسية يغلب عليه رأس المال العام ، بحيث يشكل هذا الاستثمار القاعدة التي ينطلق منها الاستثمار الفردي . كما ان جزءاً كبيراً من راس المال العام يمكن استثماره في معالجة الاوضاع الاجتماعية والمؤسسية.

ففي
العراق أنفقت معظم الاموال المخصصة للاعمار في مشاريع الري وفي تحسين المواصلات وفي انشاء المدارس وبناء البيوت العامة وبعض الصناعات الرئيسة . ويعتقد المسؤولون هناك ان الاستثمار الفردي سوف يزدهر بفضل هذه السياسة . وفي تركيا بدأت خطة الانماء بإستثمار رأس المال العام في الصناعات الثقيلة . أما في السنوات الاخيرة ، فقد إتجهت الحكومة نحو المشاريع الاجتماعية والزراعية .

هناك عقبات مهمة تعترض سبيل الاستثمار الفردي والحكومي على السواء . فالخلافات السياسية بين بلدان المنطقة وعدم الاستقرار السياس الداخلي موجودة كلها في هذه البلدان . وهناك نقص في الايدي العاملة الماهرة وضغط ديموغرافي كبير ناتج عن ازدياد عدد السكان ، والاستثمار الفردي يجنح الى التأثر بعوامل اجتماعية تقليدية تحد من نشاطه . لكن بالرغم من هذه العقبات ، فالمنطقة بشكل عام تشهد في هذه الفترة ازدهاراً اقتصادياً ملموساً ، والدخل الفردي يرتفع بنسب عالية تتراوح بين 2 و 5 بالمئة ، بحس اختلاف امكانات كل بلد .

السؤال الذي لا بد ان يطرحه الكاتب الغربي هو كيف يمكن للغرب ان يسهم في تطوير اقتصاديات الشرق الاوسط . وللمؤلف كلمة يقولها في هذا المضمار : على الغرب ، كما يقول المؤلف ، ان أن يتفهم الاوضاع الخاصة المميزة لمنطقة الشرق الاوسط وان يجد ، بالتعاون مع ابناء المنطقة ، الحلول المناسبة على ضوء هذه الاوضاع ، لا ان يفرض حلولاً لا تصلح للتطبيق في بلاد متخلفة نسبياً ولا تتوفر فيها المتطلبات المؤسساتية والاجتماعية المتوفرة في البلدان المتقدمة . كما ان على الغرب ان يوجه جزءاً اكبر من المساعدات التي يقدمها لبلدان المنطقة نحو الاستثمار في المرافق الاقتصادية البحتة . كذلك ، فان الغرب يستطيع مساعدة بلدان المنطقة بتمكينها من زيادة تصريف صادراتها ، خصوصاً المنتوجات البترولية ، هذا اذا أراد الغرب فعلاً ان يدعم جهود ابناء المنطقة في تحسين أحوالهم المعيشية .