مقابلة مع الاستاذ عبد المحسن القطان
المراقب العام لادارة الكهرباء والماء والغاز في الكويت
نشرت هذه المقابلة في شباط / فبراير 1961 ، العدد الرابع ، الرائد العربي
تعتبر مشكلة المياه وتوفرها أهم مشاكل الكويت وأكثرها صعوبة وتعقيداً . فهذا البلد العربي الصغير كانت حاجته للماء محدودة وقليلة قبل عشر سنوات . غير ان ارتفاع عائدات النفط ، وما نتج عن ذلك من حركة بناء واعمار شاملة ، وزيادة في الدخل كبيرة ، وتوفر فرص العمل مما دفع بعشرات الالاف من المواطنين العرب وغيرهم من الهجرة الى الكويت للعمل ، جعل الحاجة الى الماء ترتفع ارتفاعاً كبيراً جداً ، تمكنت الحكومة ، بعد جهد ، من مواجهتها بانشاء محطات ، هي الاكبر في العالم ، لتقتير مياه البحر او المياه الجوفية المالحة .
غير ان الحاجة استمرت في الازدياد . وبحسب رأي المسؤولين ستظل هذه الحاجة في ازدياد مضطرد في المستقبل . وعليه ، ارتأ المسؤولون إعادة النظر في المشكلة من اساسها ، وإيجاد حلول جذرية لها تؤمن المياه المستعملة في كل الاغراض ، بما فيه مياه الشفة . وكان الكويتون آنذاك يشعرون انه من دون حل مشكلة المياه وتوفيرها سيظل عنصر مهم واساسي من حياة الكويت غير مؤمن .
وقد رأت مجلة " الرائد العربي " ان تتصدى لهذا الموضوع المهم ، فقصدت السيد عبد المحسن القطان ، المراقب العام لادارة الكهرباء والماء والغاز بحكومة الكويت ، والمشرف المسؤول على المساعي المبذولة لايجاد حل لمشكلة الماء وتوفيره ، وطرحت عليه جملة من الاسئلة المتعلقة بالموضوع . فكان هذا اللقاء .
س : من اين كان يحصل الكويت على حاجته من الماء قبل تدفق عائدات النفط ، وما هي مصادر المياه المستغلة حالياً في الكويت ؟ وكيف تم تطويرها خلال السنين الماضية ؟
ج : كانت حاجة الكويت الى الماء حتى عام 1952 محدودة جداً بسبب قلة عدد السكان والدخل المحدود الذي لم يكن يسمح الا بقدر ضئيل من الاعمار والازدهار . وكان الناس هنا يحصلون على حاجاتهم من الماء من تخزين مياه الامطار ، على قلتها ، إذ ان معدل هطولها لا يزيد عن 4 انشات في السنة . وكانوا كذلك يحصلون على قسم كبير من حاجاتهم من مياه شط العرب ، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات ويصبان في الخليج العربي . وكانت بعض القرى القليلة ، كالجهراء والفنطاس وابو حليفة وغيرها تحصل على حاجاتها من المياه الجوفية المالحة التي لا تزال تستعين بها للزراعة القليلة والمحدودة .
أما بعد ذلك ، أي منذ 1953 ، فقد رأت الحكومة ضرورة زيادة كمية المياه لمواجهة الحاجات المتزايدة ، فأنشأت اول مقطرة للماء تنتج حوالى المليون غالون يومياً . كما انها إهتمت بتطوير مصادر المياه الجوفية ، وخاصة في منطقة الصليبية القريبة من مدينة الكويت . وظلت الحاجة الى الماء ترتفع سنة بعد أخرى ، حتى بلغ الاستهلاك اليومي عام 1955 حوالى المليون غالون من المياه العذبة ، وسبعمئة الف غالون من المياه الصليبية .
غير ان ارتفاع عائدات النفط والتوسع في برامج الاعمار وما نتج عن ذلك من تدفق الايدي العاملة وغيرها على البلاد ، بالاضافة الى زيادة دخل الفرد زيادة هائلة ، ضاعف الحاجة الى الماء ، مما دفع بالحكومة الى العمل على زيادة الانتاج بإنشاء مقطرات جديدة وتوسع في استخراج المياه الجوفية المالحة . ولعل الجدول التالي يوضح ذلك :
الاستهلاك اليومي
السنة مياه عذبة مقطرة ( بالغالون ) مياه جوفية مالحة ( بالغالون) *
1955 9921052 6920392
1956 104270713 100320367
1957 108280773 104600838
1958 205870966 202400115
1959 302840120 302470109
وعليه ، فقد زادت طاقة انتاج المياه المقطرة الى ستة ملايين غالون يومياً ، كما ارتفعت طاقة انتاج المياه الجوفية الى أكثر من ذلك .
س : ما هي كلفة انتاج المياه العذبة المقطرة حالياً ، وكيف تقارن هذه الكلفة بما كانت عليه في السنين الماضية ؟
ج : لا بد وانك تدرك ان الكويت ، حين بدأ بإنتاج المياه العذبة ، لم تكن تتوفر له الخبرة والمقدرة الفنية الكاملة . ومع ذلك ، فقد قام بالعمل خير قيام . وكانت الكلفة في البداية حوالى 8 روبيات لكل الف غالون ، تدخل في ذلك كلفة المعدات والالات واستهلاكها وصيانتها وادارتها . وكان الوقود يقدم مجاناً لاننا استعملنا الغاز الطبيعي . أما الآن ، وبعد ان حصل تقدم علمي كبير و أدى انخفاض كلفة انتاج الالات المقطرة وسهل تشغيلها وصيانتها ، وبعد ان إكتسبت ادارتنا الخبرة الفنية والمقدر على التشغيل والصيانة والادارة ، فقد إنخفضت الكلفة الى حوالى 3 روبيات لكل الف غالون .
س : كيف تقارن كلفة المياه العذبة حالياً في الكويت مع البلدان العربية الاخرى ، ومع غيرها من بلاد العالم؟.
ج : لا تزال كلفة انتاج المياه العذبة المقطرة و في الكويت أعلى بكثير من من إنتاج المياه الجوفية العذبة في البلدان الاخرى ، ومنها البلدان العربية . ولكي أعطي القارىء العربي فكرة عامة عن الموضوع ، فإن أميركا مثلاً تقدر انه اذا ما إنخفضت الكلفة الى أقل من 18 سنتاً لكل ألف غالون ، أصبح بالامكان استعمال هذه المياه إقتصادياً لاغراض الزراعة . والتقدم العلمي الكبير في هذا المضمار خلال السنين القليلة الماضية مشجع جداً . وهناك بلدان كبيرة وغنية بدأت تعاني من مشكلة نقص الماء بالنسبة لتقدمها ، ومنها اميركا واليابان وهولندا وغيرها ، وهي تبذل الآن الأموال وتكرس الجهود لحل هذه المشكلة وخفض نفقاتها . فأميركا مثلاً ، البلد الذي لم يخطر ببال احد قبل عشر سنوات انها بحاجة الى الماء ، أصبحت تواجه الآن نقصاً في المياه في بعض ولاياتها ، وعليها أن تؤمن خلال الخمس عشر سنة القادمة زيادة لا تقل عن 5 بالمئة من الماء لتصبح المياه كافية ومتوفرة للجميع . فحاجتها المقدرة عام 1960 بلغت 312 بليون غالون يومياً وستكون حوالى 453 بليون غالون يومياً عام 1957 .
س : ما هو معدل استهلاك الفرد الكويتي الواحد من الماء ، وكيف تقارن هذا مع البلدان الاخرى المتقدمة ؟.
ج : لكي تكون المقارنة دقيقة ، علينا أخذ النسبة للمدن الرئيسة ، مع استبعاد استهلاك الماء للاغراض الزراعية ، فيما عدا الحدائق الخاصة وتشجير المدن والصناعة ضمن هذا المدى . فالبنسبة للبلاد العربية ، لا تودجد لدي إحصاءات دقيقة بذلك . غير أنني لا أعتقد ان معدل الاستهلاك يزيد عن 30 الى 40 غالون يومياً. والمعدل الحالي لاستهلاك الفرد في الكويت هو 35 غالوناً في اليوم تقريباً ، نصفها من المياه العذبة المقطرة ونصفها الاخر من المياه الجوفية المالحة . أما بالنسبة لبعض المدن المهمة في بعض البلدان المتقدمة ، فأعطيك بعض الامثلة عن استهلاك الفرد فيها يومياً :
نيويورك 125 غالوناً لندن 100 غالون باريس 110 غالونات برلين 80 غالوناً .
س : ما هي خطة الكويت لزيادة المياه في المستقبل ؟
1 – من البحر .
2 – من تحويل المياه الجوفية المالحة الى مياه عذبة .
3 – من شط العرب .
ج : بالنسبة لانتاج المزيد من المياه المقطرة من مياه البحر ، فإن الحكومة الكويتية سوف تقوم بما يلزم لتقطير ما يلزم من المياه المستدرة من البحر ، في حال عدم توفر المياه الجوفية العذبة ، وفي حال غياب طرق اخرى مستعملة للتحلية قادرة على منافسة طريقة التقطير من ماء البحر . أما بالنسبة لاستعمال الطرق العلمية الاخرى المتوفرة حالياً ، وأهمها طريقة التحليل الكهربائي والتجميد ، فإن الحكومة ستلجأ الى هذه الطريقة . وهي عاكفة الآن على دراسة هذه الطريقة ومقارنتها بطرق اخرى ، وسوف تشتري وحدة تجريبية اذا ما تبين انها مشجعة . واما شط العرب ، فإنه احد الاحتمالات التي تدرسها الحكومة ، خاصة اذا ما ثبت عدم توفر المياه الجوفية في الكويت نفسها .
نأتي الآن الى قضية المياه الجوفية ، فإن برنامجاً شاملاً يعد حالياً لاجراء مسح شامل للكويت يهدف الى إيجاد مياه جوفية عذبة . وقد أجرت إدارتنا مسحاً محدوداً وحصلت على بعض النتائج المشجعة ، ولكنها ليست نهائية بعد . واذا ما توفر الماء الجوفي العذب ، فإننا سنستغني عن كل الاساليب والطرق الاخرى .
س : نعلم ان تحويل مياه البحر والمياه المالحة الى مياه حلوة يشغل العديد من بلدان العالم ، بينها الولايات المتحدة وهولندا وغيرها من البلدان . و كما نعلم ان هذه الدول تسعى للتوصل الى طرق اقتصادية رخيصة لهذا الغرض ، ولذلك فهي تقوم بدراسات علمية وعملية واسعة النطاق . فماذا سيعمل الكويت في هذا المضمار ؟ هل سيساهم علمياً ام يكتفي بان يستفيد من النتائج فقط ؟ .
ج : لا شك ان دولة الكويت ترغب في ان يكون لها نصيب ، ولو بسيط ، في المساهمة في هذا الموضوع الحيوي الذي يهمها بالدرجة الاولى ويهم غيرها من بلاد العالم بشكل عام والبلاد العربية بشكل خاص . وقد ساعدت خبرة الكويت المحلية في التغلب على بعض الصعوبات المتعلقة بالصيانة والتشغيل وبعض الصعوبات الفنية الاخرى . لكنك تدرك معي ان هذا الامر الذي نتحدث عنه ، يحتاج الى اجهزة علمية وخبراء متمرسين ونفقات باهظة ، سيكون من الصعب علينا حالياً المشاركة الفعلية فيها . غير اننا سنحاول الاستفادة من كل تقدم يحصل .
س : هل يقصد الكويت ان يصبح بلداً زراعياً ؟ .
ج : يرغب الكويت ويتمنى ان يصبح بلداً زراعياً ، وان جزءاً لا بأس به من أراضيه صالح للزراعة . غير ان علينا ، قبل ان نصل الى هذا الامر ، أن نؤمن حاجات الناس العادية من المياه ، وحاجات الصناعة والاعمار .
س : علمنا ان للمياه المالحة ( الصليبية ) أثراً سيئاً على الزراعة وغيرها . فما رأيكم ؟ .
ج : ثبت بالتجربة العملية ان استعمال المياه الصليبية مضر بمعظم الخضر والزهور ، وكذلك الاشجار ما عدا انواعاً معينة ، نذكر منها شجر الاثل والسلم . فقد أخذ الانتاج يقل والنباتات تضعف نتيجة استعمال المياه الصليبية في سقايتها لعدة سنوات . وادارتنا حريصة على اجلاء هذه القضية ، إذ سنجري الدراسات اللازمة ونستعين بأحسن ثمار الخبرة والمعرفة .
س : ما هو أثر وجود مصادر كبيرة ووافرة للمياه في الكويت على الحياة العامة ؟ .
ج : أعتقد أنه لا يمكن للحياة ان تنتعش وتزدهر في اية بقعة من بقاع العالم من دون توفر المياه العذبة فيها . فوجود الماء هنا بكميات كبيرة يفيض عن الحاجة العادية للناس سوف يسخر لغايات الزراعة كي نتغلب على قسوة الطقس ورمال الصحراء وغبارها ، بالاضافة الى ان حداً أدنى من الحاجة الى الخضار والفاكهة والعلف سوف يتوفر ويؤمن للناس . كما ان الخضرة والزرع ستزيد البلاد جمالاً ورونقاً ، ذلك بالاضافة الى ان توفر الماء سيؤمن جميع أسباب التقدم والاستقرار .
س : المياه الجوفية .. هل هي موجودة حقاً ؟ . وما هو الأمل في استخراجها
ج : المياه الجوفية موجودة في الكويت . غير ان معظم المكتشف منها حتى الآن يحتوي على نسبة مرتفعة من الاملاح تجعله غير صالح للشرب وغير ذلك من الاغراض المنزلية ، ويستعمل لاغراض الزراعة في الدرجة الاولى . ولما كان المسح الشامل لم يتم بعد للكويت ، فإنه لا يمكننا نفي وجود الماء العذب كلياً . وهناك بعض الدلائل المشجعة على امكانية اكتشاف ، ولو كميات معقولة يمكن استغلالها والاستفادة منها على الاقل للاغراض العادية . أما وجود كميات كبيرة فائقة للزراعة ، فلا يوجد ما يدعو الى الاعتقاد بوجودها . ولكن علينا ان نؤجل الحكم على ذلك الى ما بعد التنقيب .
س : ما هي اهم الطرق العلمية المتبعة حالياً في العالم لتحلية المياه ؟ . وفي حال نجاحها من الناحية الاقتصادية ، ماذا يكون أثر ذلك على الكويت خاصة ، والبلاد العربية عامة ؟ .
ج : هناك طرق عديدة يجري الان استعمالها وتطويرها في بعض بلدان العالم لتحلية المياه ، إذ ان مشكلة الماء ، على ما يبدو ، آخذة في التعقيد والصعوبة سنة بعد اخرى في اكثر من بلد من بلاد العالم . واهم هذه الطرق هي :
1 – التقطير ، أي تبخير جزء من مياه البحر بواسطة البخارالمرتفع الحرارة ومن ثم تكثيف البخار الناتج وتحويله الى ماء عذب .
2 – التحلية بعزل الاملاح بالتحليل الكهربائي electro -dialysis ، أي بعزل الاملاح من الماء . وهذه الطريقة تعطي نتائج معقولة في المياه المالحة ، لا مياه البحر .
3 – التجميد . وقد ثبت ان مياه البحر اذا ما جمدت ، أصبحت الطبقة العليا منها عذبة وترسبت ، بالتالي ، الاملاح في الطبقة الدنيا .
فإذا ما توصل العلم خلال السنوات العشر او الخمس عشرة القادمة الى طريقة اقتصادية لتحلية مياه البحر او المياه المالحة ، فإن إنقلاباً كبيراً سيشمل حياة الناس في كل مكان من العالم . أما البلاد العربية ، ومنها الكويت ، فعلى الرغم من وجود كميات كبيرة من مياه الانهر والينابيع فيها غير مستغلة بعد ، إلا ان القسم الاكبر منها هو صحراء او شبه صحراء ، والقسم المزروع من اراضيها جزء ضئيل جداً بالنسبة الى المساحة العامة . فمصر ، مثلاً ، بعد انجاز السد العالي ، ستتمكن من زرع مساحة لا تزيد عن خمسة بالمئة من مجمل اراضيها . وندرة المياه هي العامل الاول لعدم التوسع في الزراعة بمصر ، وكذلك الحال في المملكة العربية السعودية وليبيا وفي قسم من سوريا والاردن . فالكويت بمساحتها البالغة ستة الاف ميل مربع لا يزرع الا جزء لا يذكر منها . لذلك ، فإن التغلب على مشكلة الماء ، بشكل نهائي وعلى نطاق واسع ، سيفيد مجرى الحياة في كثير من بلاد العرب .
ملحق
انتاج المياه العذبة ( ماء الشفة )
مجمل الاستهلاك ( غالونات) معدل استهلاك الفرد سنوياً شهرياً
السنة
1953 115758321
1954 234209019
1955 362136659
1956 521115443
1957 671150120 3023 252
1958 944407750
1959 1198704080
ملاحظة : نسبة معدل استهلاك الفرد الواحد على اساس ان السكان كانوا عام 1957 2220000 وهو حسب احصاء دائرة الشؤون الاجتماعية .
بيان بالمياه العذبة والصليبية المنتجة والمستهلكة سنوياً بالغالونات *
االسنة 1953 1954 1955 1956 1957 1958 1959
مياه عذبة 115758221 234209019 262126659 521115443 671150120 944407750 119870408
مياه صليبية ------ 187923000 252733000 276814200 523206000 817642000 1185195000
* تعتبر الكمية نفسها اعلاه للمياه العذبة والصليبية المنتجة مستهلكة ايضاَ ، حيث لا يوجد احتياط من الماء الصليبية . وكمية المياه الصليبية المنتجة تضخ حسب حاجة الاستهلاك ، بينما معدل الاحتياط من المياه العذبة يبقى كما هو.