دور التسويق الزراعي في التنمية الاقتصادية في الدول العربية

 


د. زكي محمود شبانه

استاذ الاقتصاد الزراعي المساعد

كلية الزراعة في جامعة الاسكندرية

نشر المقال على حلقتين في ايار / مايو و حزيران / يونيو 1961 ، العدد السابع والثامن ، الرائد العربي .

تجتاز الدول العربية في هذه الفترة من حياتها مرحلة حاسمة ، تخوض فيها معركتين رئيستين : الاولى ، معركة خارجية تحاول من خلالها اتخاذ مكانها الحقيقي في المجتمع الدولي حيث يتربص بها عالم لا يريد لها الخير ؛ والثانية ، معركة داخلية تستهدف القضاء على الفقر باستثمار مواردها الطبيعية والبشرية والفكرية استثماراً يحقق لبنيها مستوى معيشياً راقياً . لهذا ، لم يقتصر اتجاه ابناء هذه الدول نحو المحافظة على قوميتهم السياسية فحسب ، بل اتجهوا جاهدين نحو موالاة البحث والدراسة عن العوامل المختلفة المؤثرة في التنمية الاقتصادية لهذه الدول هادفين من ذلك التخلص من الظروف الاقتصادية والطبيعية المتعارضة في البيانات الاقتصادية للدول العربية . وكان من أهم الاتجاهات الاقتصادية الحديثة وضع الخطط والبرامج التي تمكن من استعمال الموارد الزراعية والصناعية والتعدينية المكنونة في هذه الدول وتنميتها .

ولما كان البنيان الاقتصادي العربي بعتمد أساساً على الزراعة ، حيث ثلث السكان العرب يعتمدون في معيشتهم على الزراعة مباشرة ، والثلث الباقي يشتغل معظمه في اعمال اقتصادية ترتبط بالبنيان الزراعي ، لذلك فان رخاء السكان في هذه المنطقة ورفع مستوى معيشتهم لا يمكن ان يتما الا على أساس تنمية اقتصادية تعتمد على الزراعة ومقوماتها .

بدأ إهتمام معظم الدول العربية في الفترة الاخيرة بالتنمية الاقتصادية الزراعية الافقية والرأسية بالاتجاه نحو توسيع الرقعة الزراعية ، في محاولة لاستصلاح واستزراع وتعمير الاراضي القابلة للزراعة وبتحويل الاراضي المطرية الى اراض اروائية ، وبالاتجاه نحو استعمال احدث الاساليب التكنولوجية في الانتاج الزراعي ، مما ينتظر ان يحقق تزايداً إنتاجياً كبيراً في مختلف الزروع التي تنتج في هذه الدول . ورغم هذا الاهتمام الكبير بالمشاكل الانتاجية الزراعية في الدول العربية ، فإن المشاكل التسويقية لم تنل بعد العناية الكافية رغم أهميتها وصعوبة حلها . وهي لا تقل أهمية عن المشاكل الانتاجية . فحصول المزارعين على سعر مجز نتيجة لاتباعهم الخطوات التسويقية السليمة ، وتسهيل مهمة تصدير المنتوجات الزراعية الى مختلف الاسواق ، يعادل في أهميته توسيع الطاقة الانتاجية تماماً . فكلاهما يؤدي الى زيادة دخل الزارع ورفع مستواه المعيشي . وليس أدل على أهمية التسويق الزراعي في أي بنيان إقتصادي ، من أن التكاليف التسويقية لاية سلعة زراعية لا تقل عن تكاليفها الانتاجية ، بل أحياناً تزيد عنها . فقد وجد في كثير من الابحاث المتعددة التي قامت بها الدول المتقدمة اقتصادياً ، أن التسويق لاية سلعة زراعية يتكلف حوالى 54% او أكثر مما يدفعه المستهلك . ومن ذلك يمكن ان نستنتج ان الدخل التسويقي الزراعي لاية دولة من الدول لا يقل أهمية عن الدخل الانتاجي الزراعي . لذا يتوجب على الزارع ان يعمل دائماً على تخفيض تكاليف تسويق زروعه ، تماماً كما يعمل على انقاص تكاليف انتاجها . فكلاهما يساعد في رفع مستوى معيشته وزيادة دخله. وبذلك يتضح ان التسويق الزراعي عمل ضروري لاي عمل انتاجي زراعي ، فضلاً عن ضرورته لكل مستهلك .

ويقصد بالتسويق الزراعي كل مجهود يدخل في اضافة المنافع الاقتصادية المتصلة بإيصال السلعة الزراعية من المنتج الى المستهلك . فهو يشمل كل المراحل والعمليات والسبل وكلفتها المادية التي تنعكس على اسعار الغذاء والمواد الخام المنتقلة من المزرعة الى المستهلك ، أي ان هذا التسويق يتضمن كل العمليات التي تلي انتاج السلعة ، كالتجهيز والتوضيب والتدريج والتعبئة والنقل من المزرعة الى مراكز التجميع المحلية والمركزية والتخزين وما يتبع ذلك من عمليات تمويلية وبيعية وتسعيرية وكلفتها المادية ، سواء أكانت أجوراً ام ضرائب ام اعانات ام تعاريف جمركية ، وكذلك جمع وتحليل المعلومات والاحصاءات التسويقية والتنبوء بما ينتظر ان يكون عليه العرض والطلب والاسعار ، مما يمكن المنتج من احضار السلع الزراعية الى المستهلك حيث يريد هذا المستهلك الحصول عليها وفي الحالة التي يرغبها وفي الوقت المناسب . وقد كان الاهتمام بالتسويق الزراعي ضعيفاً في ظل الاستكفاء الذاتي في الزراعة ، ولكن حينما تحولت الزراعة من الاستكفاء الذاتي وظهر تقسيم العمل والتخصص كأساس للبيانات الاقتصادية الزراعية ظهرت أهمية التسويق الزراعي واتجهت الدول في مختلف مراحل تنميتها الاقتصادية نحو رفع كفاية نشاطها التسويقي كأساس لتطورها الاقتصادي ولتحقيق رفاهية مجتمعاتها ورفع مستوى معيشة سكانها .

إتجهت الدول العربية في الفترة الاخيرة نحو تنسيق مجهوداتها التسويقية الزراعية . لذلك يعتبر هذا البحث نقطة بدء في توجيه البحوث التسويقية الزراعية لهذه الدول . وسنتناول في بحثنا بعض الامكانيات الانتاجية الزراعية للدول العربية ، وكذلك بعض الامكانيات التسويقية ، وذلك لامكان ربط النواحي الانتاجية بالمدى الاستيعابي والتنافسي الذي ينتظر ان يواجهها الانتاج في هذا الميدان الاقتصادي ، وكذلك المشاكل والعلل التسويقية التي تجابه الانتاج الزراعي في هذه المجموعة العربية . ومن هذه الدراسة يمكن الاضطلاع بتصور ما للمستقبل الاقتصادي الزراعي العربي ، رغم غياب الكثير من الاحصاءات التسويقية الزراعية وصعوبة الحصول على ما يتيسر منها .

الطاقة الانتاجية الزراعية للدول العربية

تتكون الدول العربية من اثنتي عشرة دولة وبعض المحميات والامارات وهي مراكش والجزائر وتونس وليبيا والسودان والاقليم المصري من الجمهورية العربية المتحدة . وهذه الدول تقع في افريقيا . أما الاقليم السوري من الجمهورية العربية المتحدة ولبنان والاردن وفلسطين المحتلة والسعودية والعراق ومحمية عدن وامارات الخليج فتقع في آسيا . وتبلغ مساحة الدول العربية مجتمعة حوالى 1106217000 هكتار ( الهكتار = 2274 فداناً ) يزرع منها حوالى 44 مليون هكتاراً وفيها حوالى 200 مليون هكتار من المراعي وحوالى 103 مليون هكتار من الغابات . اما الاراضي التي ينتظر استصلاحها فتبلغ حوالى 89 مليون هكتار. ويتضح من هذه الارقام ان جزءاً كبيراً من اراضي هذه الدول صحراء قاحلة ، وان ضعف الرقعة المزروعة يمكن استصلاحه واستزراعه وتعميره . ومعظم الاحصاءات المتعلقة بتوزيع الاراضي الزراعية وتصنيفها في الدول العربية لا يمكن الاعتماد عليها كثيراً ، باستثناء الاقليم المصري ، وذلك لاعتماد جزء كبير من الاراضي الزراعية في هذه المنطقة الواسعة في ريها على الامطار ، إذ لا تزيد مساحة الاراضي المروية في هذه الدول عن 6.5 مليون هكتار(1) .

يمكن تقسيم الاراضي الزراعية في الدول العربية عامة من الناحية الانتاجية الى عدة اقسام ، اولها المنطقة الساحلية حيث تكثر الامطار ويمكن زراعة اشجار الفاكهة وتكثيف الانتاج الزراعي فيها . وثانيها المنطقة التي تبعد عن سواحل البحر والتي يقل فيها المطر نسبياً فتكثر زراعة الحبوب . ويمكن زراعة القمح في هذه المنطقة حيث لا تقل كمية المطر عن 200 مم في السنة . أما في المناطق التي يقل فيها المطر عن ذلك حتى 100 مم فيزرع فيها الشعير . لكن الزراعة تكون ضعيفة الانتاج نسبياً في هذه المنطقة . ولهذا فالمنطقة الزراعية الكثيفة في معظم الدول العربية قليلة المساحة . فهي تشمل السهل الساحلي الضيق ، بالاضافة الى وديان الانهار كنهر النيل ونهر دجلة والفرات وغيرها من الانهار حيث تستغل بعض الانهار الصغيرة المنحدرة من الجبال .

أما انتاج الغلال فيجري في المناطق التي تبعد نحو خمسين ميلاً شرقي الساحل . غير ان هذه الارض يترك جزء منها بوراً مرة كل عامين او ثلاثة أعوام . ويتراوح انتاجها الزراعي عموماً بين 200 و 300 كيلو غرام لكل فدان ، ولو ان الانتاج يختلف باختلاف منسوب المطر . ففي منطقة الجزيرة في العراق والاقليم السوري تنتج الارض الزراعية في عام ممطر سبعة او عشرة اضعاف ما تنتجه في عام قليل المطر . وفي هذه الحالة قد لا تنتج اكثر مما يبذر فيها من تقاوى . اما المنطقة الثالثة ، فهي الممتدة من الصحراء وليس من السهل تحديد معدل الانتاج الزراعي فيها ، إذ انها قد تزرع في عام وتنتج انتاجاً لا بأس به ، وقد تترك عاماً آخر فتصبح مرعى لماشية السكان الرحل . وهذا ما يجعل المناطق المحاذية للصحراء صعبة التصنيف، عدا ان المساحات التي تزرع منها غير معينة ، فضلاً عن ان انتاجها ضعيف بعض الشىء . وعموماً ، فإن معظم الاراضي الزراعية المطرية قد يترك حوالى نصفها بوراً سنوياً . واذا استثنينا الاقليم المصري الذي تستغل اراضيه الزراعية استغلالاً بالغاً ، فإن معظم الاراضي الزراعية في الدول الاخرى لا يحسن استغلالها، مما يؤدي التى تفتت التربة . وهذا العامل اشد الاخطار تهديداً للزراعة في فلسطين والاردن والاقليم السوري ، كما ان المياه لا يستفاد منها استفادة كاملة في الاقليم السوري وفي العراق . ويزيد المشكلة تعقيداً في العراق ان خصوبة التربة يقضي عليها بانتقال الزراعة من منطقة الى اخرى نتيجة لظهور الاملاح في الاراض التي تتكرر زراعتها ، نتيجة لعدم توافر وسائل الصرف . لذلك فان معظم الدول العربية تفتقر الى تنظيم زراعي متكامل اشد الافتقار .

ولما كانت الزراعة في معظم الدول العربية تعتمد على الامطار ، فإن أهم الزروع الرئيسة هي الزروع الشتوية والبقولية . وقد بلغت المساحات المزروعة بالزروع الغلالية في كل الدول العربية في سنة 1957 حوالى 18 مليون هكتار ، أي حوالى 40 % من المساحات القابلة للزرع. وقد انتجت هذه المساحة حوالى 18 مليون طن . اما أهم الدول المنتجة للزروع الغلالية فهي الجمهورية العربية المتحدة بإقليميها الشمالي والجنوبي والجزائر ومراكش والسودان . ومن هذه المساحات الزراعية زرع حوالى 9 ملايين هكتار ، أي 50 % من مساحة الزروع الغلالية . واهم الدول المنتجة للقمح هي الجمهورية العربية المتحدة باقليميها الشمالي والجنوبي والجزائر والعراق ومراكش . ومن أهم الزروع الغلالية الاخرى التي تنتجها الدول العربية: الشعير والذرة الرفيعة والدخان والذرة والارز . اما أهم الزروع البقولية التي تنتج في الدول العربية فهي العدس والجلبان والحمص والفول .

يزرع من القطن في الدول العربية سنوياً حوالى مليون ونصف مليون هكتار تنتج حوالى 600 الف طن من القطن . واهم الدول العربية المنتجة للقطن : الجمهورية العربية المتحدة باقليميها الشمالي والجنوبي والسودان والعراق . أما الزروع الخضرية والفكهية فتنتشر في معظم الدول العربية المحيطة بالبحر الابيض المتوسط . ومن اهم الدول المنتجة للفاكهة والخضار : الجمهورية العربية المتحدة باقليميها الشمالي السوري والجنوبي المصري والجزائر ومراكش ولبنان والاردن وفلسطين المحتلة ، ولو ان بعض هذه الدول تستهلك انتاجها داخلياً . وينتج البلح في العديد من الدول العربية . واهم البلدان المنتجة للبلح : العراق والاقليم المصري والسودان ودول شبه الجزيرة العربية .

تقدر الطاقة الانتاجية الحيوانية العربية بحوالى 15 مليون رأس من البقر وحوالى 50 مليون راس من الغنم . ومن أهم الدول العربية التي يوجد فيها عدد كبير من الابقار هي السودان ومراكش والجمهورية العربية المتحدة . اما الدول التي تنتشر فيها تربية الاغنام فهي مراكش واليمن والعراق والجزائر والاقليم السوري والسعودية .

من المنتظر ان يتضاعف الانتاج الزراعي بفرعيه الرئيسين الحيواني والنباتي في معظم الدول العربية نتيجة للاتجاهات الحديثة نحو التنمية الاقتصادية الزراعية ، وبذلك يتوقع ان يزيد الفائض الزراعي ، وبالتالي قد تصبح اهم مشكلة تواجه هذا البنيان هي تصريف الفائض في الاسواق الداخلية والخارجية إلا اذا استمر التكاثر البشري على وتيرته الحالية العالية .

الطاقة السوقية الزراعية للدول العربية

تنتج الدول العربية الزروع الغلالية والبقولية والفاكهة والخضار والحيوانات ومنتجاتها ، كما سبق ان أشرنا . ومعظم هذه الزروع تتجه الى الاسواق الداخلية في هذه الدول ، وجزء منها يذهب الى الاسواق الخارجية في الدول العربية او في الدول الاجنبية . فمعظم الزروع الليفية المنتجة كالقطن مثلاً ، يصدر الى الدول الاوروبية والاسيوية والاميركية . اما الزروع الغلالية والفاكهة والخضار والحيوانات ومنتجاتها ، فيستهلك جزء كبير منها داخلياً في الدول المنتجة ويصدر الباقي اما الى الدول العربية واما الى الدول الاوروبية ، فضلاً عن أن بعض الدول العربية تستورد بعضاً من هذه الزروع الغذائية من الدول الاجنبية .

تستهلك معظم الزروع الغلالية داخلياً ، لكن بعضها يصدر الى الدول العربية . فالاقليم السوري يصدر القمح والشعير الى لبنان والى الاقليم المصري ، ويصدر الشعير الى الجزيرة العربية ، بينما يصدر الاقليم المصري الارز الى لبنان وسوريا والسودان والمملكة العربية السعودية وامارات الخليج العربي . وقد قدرت الحبوب التي تم تصديرها من الدول العربية الى الدول العربية الاخرى في الفترة الواقعة بين 1950 و 1953 بحوالى 300 الف طن سنوياً ، في حين ان جميع الحبوب التي استوردتها الدول العربية نفسها في الفترة ذاتها بلغت حوالى 1.5 مليون طن سنوياً . ومعظم هذا الاستيراد كان من الولايات المتحدة الاميركية وكندا واستراليا . ومن المنتظر ان تتمكن الدول العربية من الوصول الى اكتفاء ذاتي في حقل الحبوب كافة بفضل التوسع الزراعي القائم والمتوقع في المستقبل القريب . يبقى ان نشير الى ان عقبة كبيرة لا تزال تعوق الحركة التجارية للحبوب بين الدول العربية تتمثل بنقص وسائل النقل ووسائل تخزين المحاصيل المستوردة في معظم هذه الدول ، فضلاً عن النقص في المطاحن المحلية مما يجعل بعض هذه الدول مضطراً الى استيراد جزء من احتياجاته في صورة دقيق . ويرى البعض ان السياسة الزراعية قد تتجه في بعض الدول العربية الكثيفة السكان وذات المزارع الضئيلة الى تحويل مزارع القمح الى مزارع فاكهة او مزارع حيوانية كوسيلة لرفع الكفاية الانتاجية ، ولو ان العوائق التسويقية التي تجابه هذه الانماط الاخيرة من الانتاج تجعل من المستحسن الابقاء على المزارع القمحية ، بل وتوسيعها .

تعتبر الجزائر ومراكش وفلسطين المحتلة ولبنان والاردن والاقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة من أهم الدول المنتجة لهذه الزروع الفاكهية. وتصدر الجزائر ومراكش وفلسطين المحتلة الكثير من انتاجها الى الاسواق الاوروبية . اما انتاج لبنان والاردن والاقليم المصري فيتجه جزء كبير منه الى الاسواق العربية. وأهم الدول العربية المستوردة للخضار والفاكهة : السعودية وامارات الخليج والعراق . اما الدول العربية الاخرى فتنتج ما تستهلكه من الخضار والفاكهة وتستورد قليلاً من الدول العربية المجاورة .

يعتبر مستوى الاستهلاك الفردي من الخضار والفاكهة منخفض نسبياً ، بوجه عام ، في معظم الدول العربية . إنما ينتظر ان يميل هذا الانخفاض الى الارتفاع في المستقبل القريب نتيجة لارتفاع الدخل الفردي في هذه الدول بفعل التنمية الاقتصادية البترولية المنتظرة ، وكأثر من آثار زيادة التوسع الانتاجي الزراعي . وتجدر الاشارة الى ان الدول العربية المنتجة للنفط قد أصبحت سوقاً قوية للخضار والفاكهة . وقد بلغت الطاقة الاستيرادية لمجموع هذه الدول ، وهي عدن والبحرين والعراق والكويت وعمان وقطر والسعودية في سنة 1957 ، حوالى 34 الف طن من الفاكهة الطازجة ، وحوالى 50 الف طن من الخضار الطازجة ، أي ان الطاقة الاستهلاكية للخضار والفاكهة في هذه الدول قد بلغت حوالى 84 الف طن . وبدراسة الاتجاه التوسعي في هذه الطاقة ، نجد انها تزيد سنوياً بحوالى 20 % . وتأتي الدول التالية : مصر وسوريا والاردن ولبنان في طليعة الدول المصدرة للخضار والفاكهة في المنطقة .

يعتبر الاتجار بالانتاج الحيواني ذات اهمية كبيرة . فرغم وجود تجارة داخلية كبيرة بين الدول العربية بهذا الانتاج فإن التجارة الدولية ناشطة ، خاصة في تصدير الحيوانات الحية للذبح . وهذه التجارة تتقلب من عام الى عام بحسب ظروف الرعي . فقد قدر عدد الحيوانات الحية المتبادلة بين الدول العربية بحوالى مليون رأس غنم ، وأقل من ذلك بقليل من الماشية والماعز والجمال . وتسير هذه التجارة من الاقليم السوري الى لبنان ومن العراق الى الاقليم السوري والاردن ومن السودان وليبيا الى الاقليم المصري ومن السودان الى العربية السعودية . وقد ارتفعت هذه التجارة في السنوات الاخيرة من السودان الى السعودية بسبب ارتفاع اسعار الماشية والاغنام في السعودية لزيادة الطلب عليها . وينتظر ان تتوسع هذه التجارة بين الدول العربية نتيجة للارتفاع التدريجي لمستوى الدخول وزيادة الطلب على اللحوم نتيجة للتنمية الاقتصادية في هذه الدول ، ولو ان البعض يرى ان عدد الحيوانات ربما يقل بفعل التوسع الحاصل في تحويل اراضي المراعي الى اراضي زراعية . لذلك يوصي البعض بالاحتفاظ بالمراعي وبتحسين انواعها ومقاومة الآفات الحشرية والامراض النباتية فيها . وعموماً ، فان التجارة الزراعية الداخلية والخارجية بين الدول العربية ، وبينها وبين الدول الاجنبية ، لا تزال تواجهها عقبات تسويقية كثيرة ، يجب العمل على التخلص منها .

العوائق التسويقية للزروع في الدول العربية

تعتبر العوائق التسويقية للزروع في الدول العربية من أهم المشاكل التي تجابه البنيان الزراعي في معظم هذه الدول ، رغم ان التسويق الزراعي يعتبر احد الاسس الرئيسة التي يبنى عليه اي تقدم في البنيان الانتاجي الزراعي ، إذ انه جزء مكمل ومتمم لعملية الانتاج ، بل هو جزء من الانتاج نفسه . فلا يصح انتاج سلعة من السلع إلا اذا امكن انتاجها بالشكل الذي يمكن استعمالها فيه وأمكن تقديمها للمستهلك في المكان وفي الوقت الذي يحتاج اليها ، وأمكن وضعها في الصور التكميلية التي تمكنه من الحصول عليها . فالقطن ، مثلاً ، لا يمكن التوسع في انتاجه في المزارع السودانية ، ولا الموالح يمكن التوسع في انتاجها في المزارع المصرية الا اذا أمكن ايجاد نظام تسويقي مكمل للانتاج يمكن من وضع السلعة في ايدي المستهلكين في الشكل الذي يرغبونه وفي الوقت الذي يحتاجون فيه الى هذه السلع .

لهذا ، فان الدول التي تتجه في سياستها الاقتصادية نحو التنمية الانتاجية الزراعية يهمها في الوقت نفسه ان تتجه نحو تنمية العملية التسويقية السليمة اعتماداً على اتباع المراحل والخطوات التسويقية الصحيحة التي تمكنها من بيع منتجاتها باسعار مجزية لمنتجها وعادلة بالنسبة لمستهلكها.

اذا ما تعمقنا بدرس عمليات التسويق الزراعي القائمة حالياً في الدول العربية ، نجد امامنا العديد من المشاكل التسويقية التي تعترض اية تنمية اقتصادية في هذه الدول ، وان هذه المشاكل هي ضآلة الانتاج الزراعي وتشتته ، مما يؤدي الى وجود عدد كبير من الوسطاء بين المنتجين والمستهلكين مما يرفع تكاليف التسويق او التوزيع . اما المشكلة الاخرى والاهم فمردها الى ضعف التمويل الميسر الذي يحتاج اليه المزارع مما يدفه الى بيع محصوله بعد الحصاد مباشرة باسعار تقل غالباً عن الاسعار السائدة في السوق . وهذا ما يقلل من اندفاعه للتوسع في الانتاج او في تحسينه . واذا ما اكمل فان تكاليفه الانتاجية والتسويقية سترتفع حتماً . وهذا ما يحد من قدرة المزارعين العرب التنافسية في وجه المزارعين الاقوى منه مالياً في العالم الخارجي ، ومما يحد بالتالي من قدرت الانتاج الزراعي العربي من التوسع والانتشار خارجياً .

يضاف الى هذه المشاكل التسويقية مشاكل اخرى عديدة تتعلق بالعمليات التسويقية التي تجري على معظم الزروع كالتوضيب والتعبئة والنقل والتخزين الخ مما سنفصله في ما يلي .

عدم العناية بالتوضيب والتعبئة

يقصد بالتوضيب والتعبئة ربط السلع وحزمها وتعبئتها بشكل جيد ولائق تمهيداً لنقلها . فالحبوب يجب ان توضع في اجولة من الجوت ، ويجب ان تعبأ الالياف في بالات من الجوت . اما الفاكهة والخضار فيجب وضعها في صناديق خشبية او في اقفاص معدة لها . ويعتمد النشاط التسويقي على جودة التوضيب والتعبئة بحيث تصل المنتجات الزراعية الى المشتري في حالة جديدة ومقبولة . واهم مشكلة تواجه تسويق الزروع في الدول العربية هي اعتمادها على عبوات تستورد موادها الاولية من الخارج . فالجوت ، مثلاً ، الذي تعبأ فيه الحبوب والقطن مستورد بأكثره من الهند او باكستان ، بينما خشب صناديق تعبئة الفاكهة والخضار وورق اللف واقفاص الحديد المعدة لتوضيب الزروع الرهيفة تستورد من الدول الاجنبية ولا توجد ، حتى الآن ، في الدول العربية اية صناعة لاعداد العبوات اللازمة للتصدير والشحن الا مصنع الجوت الحديث في الاقليم المصري . لذا ، فان التوسع الانتاجي ، خاصة في الخضار والفاكهة في الدول العربية ، يحتاج الى توجيه العناية نحو اقامة صناعة العبوات الخاصة بهذه المنتجات ، حفاظاً عليها وتقليلاً من كلفة توضيبها وتعبئتها .

تجري تعبئة بعض المنتجات الزراعية في عدد من البلدان العربية على أسس تقليدية لا بأس بها ولكنها لا زالت أقل من المرغوب ، مثل تعبئعة القطن في الاقليم المصري والفواكه والخضار في لبنان ومراكش والجزائر . اما في البلدان العربية الاخرى فلا زالوا لا يهتمون كثيراً بالعناية بتعبئة الزروع ولا يدري كثير من الزراع عن الطرق السليمة والاساليب العصرية التي يجب اتباعها في توضيب وتعبئة معظم المنتجات ، مما يوجب وضع نظام ارشادي دقيق يوضح الطرق الصحيحة لتعبئة الزروع في معظم الدول العربية ويبين نوع العبوات ومواصفتها . ويمكن وضع هذه الارشادات في كتيب خاص يعده الاخصائيون في شؤون العرض والتوضيب مستعينين بالطرق الاقتصادية في استحداث ارخص العبوات وأنسبها ، خاصة تلك التي موادها الخام متوافرة في البلدان العربية . كذلك يجب التوسع في انشاء محطات التوضيب والتعبئة الحكومية والتعاونية واصدار التشريعات والتنظيمات المتعلقة بهذه النواحي والتي تضمن تعبئة الزروع العربية في عبوات مناسبة قبل شحنها الى الاسواق الداخلية والخارجية .

سوء فهم وتدريج ومماثلة الانتجة الزراعية .

لم يهتم معظم الزراع العرب حتى الان بالعناية بتدريج ومماثلة زروعهم الا بعض الزروع التصديرية الاساسية كالقطن في الاقليم المصري والفاكهة والخضار في لبنان والجزائر وتونس ومراكش . اما الزروع العربية الاخرى فما زالت تقدم الى الاسواق الداخلية والخارجية في حالة اقل من المرغوب ، اذ ان معظم الزراع في كثير من الدول العربية يدرجون زروعهم حسب الحجم فقط ، ولا زالوا لا يدرون الا القليل عن اهمية العناية بفرز وتدريج ومماثلة الزروع ، ولا يعلمون ان خلط الالياف الفاسدة او غير الجيدة من القطن او الصوف مع الالياف الجيدة او خلط اللوز المر باللوز الحلو او خلط البصل الجيد بالبصل الفاسد او المصاب بعيوب تجارية ، او وجود بعض امراض خاصة في بعض الزروع ،يقلل من قيمتها السوقية الداخلية والخارجية . ولا توجد حتى الان تشريعات او تنظيمات خاصة بالتدرج والتماثل في كل الاسواق الداخلية العربية وحتى في التصدير . ورغم ان بعض الحكومات العربية وضعت تشريعات وتنظيمات خاصة بالمسموح به من نسبة الكسر او التالف في التصدير ، الا ان معظم هذه التشريعات لم توضع موضع التنفيذ الدقيق .

ضعف كفاية السبل والوسائل النقلية

يعتبر نقص السبل والوسائل النقلية بين مناطق الانتاج ومناطق الاستهلاك والتصدير في معظم الدول العربية من اهم العوائق التسويقية للزروع في هذه الدول . فنقص طرق النقل البري الداخلية وعدم اتصال بعضها ببعض حتم الاعتماد على النقل بالحيوانات . وهذه الطريقة البدائية تعطل عملية التسويق وتصيب بعض الزروع ،خاصة الزروع الرهيفة بالتلف السريع . فالطرق، وللأسف ، بين المزارع والاسواق لا تزال في كثير من الدول العربية هي طرق ترابية او رملية تتعطل فيها حركة المواصلات عند سقوط الامطار او عند هبوب العواصف الرملية او المطرية ويصبح الاعتماد على النقل بالسيارات من الخطورة بمكان . اما الطرق المرصوفة في معظم الدول غير مستكملة او لا تتطابق مع المعاير الدولية خاصة في المناطق الصحراوية . فالطريق بين وادي النيل والواحات المصرية في الاقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة لا زال غير مستكمل في بعض مناطقه . وفي العربية السعودية نجد ان الطريق الى الظهران يوجد فيه حوالى 60 كلم غير ممهد . والطريق بين الكويت والعراق ، رغم رصف الجزء المجاور للخليج العربي ، لا تزال فيه بعض العقبات الى ان تصل الوصلة الى البصرة . ولا تزال بعض الطرق البرية بين الجزيرة وحلب واللاذقية في الاقليم السوري تحتاج الى رعاية وعناية ، كذلك السودان لا زال ينقصه الكثير من التوسع في السبل النقلية .

تتعرض اعداد كثيرة من الطرق الجيدة في معظم الدول العربية الى الزوابع الرملية . لذلك نراها مغلقة في كثير من الاحيان ، مما يسبب مخاطر كثيرة في نقل الزروع القابلة للتلف . وتلجأ بعض الدول اثناء فترة الصيف الى النقل الجوي ، رغم ارتفاع تكاليفه ، بسبب ما تتعرض له الزروع القابلة للتلف من العواصف الرملية . لذلك نرى ان ثلث المنتجات الزراعية التي تصل الى الكويت بالبر شتاء ، تصل في الصيف محملة على الطائرات . ومما يزيد في التكاليف التسويقية ايضاً ان سوء الطرق البرية هذه يجعل معظم سيارات النقل لا تحمل حمولتها الكاملة ، فضلاً عن تعطيل عمليات النقل البحري في بعض المناطق بسبب سوء الطرق البرية بين الموانىء ومناطق الانتاج ، وبفعل سوء الاحوال الجوية المعاكسة كالامطار والزوابع الرملية .

يوجد في الاقليم المصري حوالى مئة الف شاحنة من مختلف الانواع . وفي لبنان حوالى 22 الف شاحنة ، وفي الاقليم السوري حوالى 30 الف شاحنة ، وذلك حسب احصاءات 1954 (2) .

ليس النقل بالسكك الحديدية أفضل حالاً . فالسكك هذه لا تتصل مباشرة بالمزارع ولا بالاسواق الداخلية مباشرة . وهي ، كذلك ، لم تستكمل في العديد من الدول العربية ، حتى بين المناطق الرئيسة ، وكفايتها النقلية منخفضة جداً . ويظهر ذلك واضحاً في ارتفاع تكاليفها النقلية وفي عدم وصول الشاحنات الى الاسواق في مواعيدها المحددة وفي تأخير عمليات الشحن والتعبئة والتفريغ ، مما يسسب تلفاً في بعض الزروع القابلة للتلف ، كما يحدث احياناً كثبرة في نقل الفاكهة والخضار المصرية من الصعيد حتى موانىء الشحن او مناطق الاستهلاك الداخلية في الوجه البحري ، وكما يحدث ايضاً اثناء نقل الزروع القابلة للتلف بالسكة الحديدية من المزارع العراقية الى بغداد ومن بغداد الى البصرة .

يعود البدء بانشاء السكة الحديدية كوسيلة للنقل في الاقليم المصري الى أيام البدء بإنشاء السكك الحديدية في انكلترا . وقد بلغ طول السكة هذه في مصر اليوم نحو 4500 كيلو متر تعمل عليها حوالى 18 الف عربة بضاعة ، وذلك بجوار النقل الحديدي على خطوط السكك الضيقة في الوجه البحري والفيوم والواحات التي يبلغ طولها حوالى 1500 كيلومتر . اما السكة الحديدية السودانية فيبلغ طولها نحو 3500 كيلومتر . وتدل الارقام على ان هناك زيادة مستمرة في حركة النقل على السكة الحديدية السودانية ، سواء في نقل الركاب او في نقل البضائع ، إذ تضاعفت كمية البضائع المنقولة في فترة السنوات العشرين الاخيرة . ويتم نقل القطن في السودان على سكة الحديد . ولقد توقف انتاج القطن تقريباً في جنوبي السودان لعدم اتصال السكة الجنوبية بالسكة السودانية الرئيسة وتعذر بذلك ايصال القطن الى الموانىء لتصديره . اما سكة الحديد في الاقليم السوري ولبنان فتنقسم الى ثلاث مجموعات هي : 1 – السكة الحديدية الشمالية وتبدأ في الاقليم السوري ثم تدخل الاراضي التركية . ومن المتوقع ان ينشط هذا الخط الحديدي بعد تطور الانتاج الزراعي في منطقة الجزيرة السورية . ويبلغ طول السكة هذه داخل الاقليم السوري نحو 247 كيلو متر . 2 – سكة حديد الحجاز وقد خرب جزء كبير منها خلال الحرب العالمية الاولى ويبلغ مجموع الجزء الباقي حوالى 234 كيلومتر في الاقليم السوري و4 كيلومترات في الاردن . 3 – سكة حديد دمشق – حماة وامتدادها وطولها 774 كيلومتر منها 374 كيلو متر في الاقليم السوري و 400 كيلو متر في لبنان . وبذلك ، فإن طول السكة الحديدية في الاقليم السوري ولبنان حوالى 1255 كيلو متر . ويبلغ طول السكة الحديدية في العراق حوالى 1658 كيلو متر . اما السكة الحديدية السعودية فتتألف من خط حديدي واحد يربط الرياض بمناطق البترول . وقد تم انشاؤه في سنة 1951 ويبلغ طوله حوالى 570 كيلو متر .

يتبين من الارقام المذكورة اعلاه ان سكة الحديد في الدول العربية لا تمتد امتداداً يكفي لخدمة التوسع الزراعي المنتظر . لذلك يتوجب دراسة هذا الجانب النقلي المهم ووضع خطة شاملة لتحديثه وتطويره وتوسيعه ليساير التقدم الاقتصادي المتوقع في كل الدول العربية ، حتى لا يكون عقبة في وجه هذا التوسع . ويرى البعض ان النقل المبرد بالسكة الحديدية وبالسيارات قد يزيد في امكانية تسويق الخضار والفاكهة الطازجة وبعض المنتجات الزراعية الاخرى ، و خاصة الحيوانات الحية او المذبوحة والاسماك . وهذه العملية تتطلب تحسين السكك الحديدية واستعمال سيارات شاحنة كبيرة ، وكذلك تحسين الطرق البرية .

لا يمكن الاعتماد حالياً على النقل النهري في الدول العربية الا في الاقليم المصري وربما في العراق ، ذلك لأن معظم الانهار الموجدة في أغلب الدول العربية غير قابلة للملاحة ، فضلاً عن المدة الطويلة التي يأخذها هذا النقل في ايصال السلع من اماكن انتاجها الى الاسواق. لذا يعتمد ، بشكل عام ، على النقل البحري في نقل المنتجات الزراعية غير القابلة للتلف كالقطن والحبوب. أما الشحن الجوي للزروع فلم يصبح تجارياً بعد، إلا اذا كانت الحمولة كاملة مع ضمان اسعار عالية ومجزية تعوض تكاليف الشحن المرتفعة التي تتراوح بين 9 و 10 قروش مصرية صاغ لكل كيلوغرام من بيروت الى الكويت مثلاً او من بيروت الى الظهران في العربية السعودية ، في حين النقل البري بالشاحنات الكبيرة يتكلف حوالى 4 الى 5 قروش صاغ لكل كيلوغرام . لهذا لا تنقل سوى كميات محدودة من الفاكهة والخضار بطريق الجو من لبنان الى الكويت والظهران لبيعها بأسعار مرتفعة جداً .

يعتبر طول مدة الشحن البحري وتكاليفه بين الدول العربية عائقاً رئيساً في مجال تسويق الزروع إذ ان المدة التي تستغرقها الباخرة في الوصول من موانىء البحر الابيض المتوسط الى موانىء الخليج العربي تبلغ حوالى 20 او 25 يوماً مما يلحق اضراراً كبيرة في هذه الزروع ، فضلاً عن ان معظم البواخر تعود فارغة من دون حمولة . وهذا ما يضاعف تكاليف النقل . فإذا كان شحن البلح مثلاً من العراق او من السعودية الى الدول العربية على ساحل البحر الابيض المتوسط ، وتصدير اللحوم من العراق الى لبنان بدلاً من سوق الاعداد الكبيرة من الاغنام الى لبنان حية ، فان ذلك قد يخفض التكاليف النقلية البحرية الى النصف ولو ان عقبات فنية كثيرة تقف في وجه هذا النقل ، وهي عقبات تحتاج الى دراسة جدية حتى يمكن تخفيض التكاليف النقلية الى الاسواق العربية المستهلكة .

نقص الوسائل والاساليب التخزينية

لا تزال معظم الدول العربية تعتمد أساساً في تخزين زروعها ومنتجاتها الزراعية على الطرق والاساليب البدائية الموروثة ، مما يسبب تلف جزء كبير نسبياً من الانتاج الزراعي .لهذا ، اتجهت معظم الدول العربية حديثاً نحو اقامة صوامع كبيرة للغلال ومخازن مبردة لحفظ المنتجات الزراعية القابلة للتلف . وهذا ما حدث في الاقليمين السوري والمصري والعراق ولبنان وقد أقام لبنان ، مثلاً ، مؤخراً 38 مخزناً مبرداً بسعة اجمالية بلغت حوالى مليوني صندوق تفاح، وأقامت الجمهورية العربية المتحدة صوامع حديثة للغلال في اللاذقية في سوريا وهي في سبيل اقامة صوامع مماثلة في الاسكندرية والقاهرة . ومن شأن هذه المخازن المبردة والصوامع تحسين التسويق الداخلي والتصدير وانقاص التلف وتوفير احتياطي غذائي للسكان . ومن شأنه كذلك ان يمكن هذه الدول من وضع سياسة انتاجية وتصديرية واستيرادية غذائية رشيدة ، أفضل من تلك السياسية التي تعتمد على سياسة الشراء من اليد الى الفم ، واستكمال ذلك بسياسة تسليفية وتمويلية متكاملة .

نقص التمويل التسويقي

يعتبر التمويل من أهم العمليات الرئيسة في أي عمل اقتصادي ، سواء أكان توزيعاً أم إنتاجاً . فالتسويق يلزمه راس مال لاقامة المباني وشراء الآلات التي تحتاج اليها العملية التوزيعية والتسويقية كالتخزين والتعبئة والشحن والبيع بالآجل او تأجيل البيع حتى الوقت المناسب . وقد اتجهت دول عربية كثيرة نحو انشاء مؤسسات تسليفية للاقراض كبنك التسليف الزراعي والتعاوني في الاقليم المصري والمصرف الزراعي السوري بالاقليم السوري والبنك الزراعي في العراق . على ان هذه المصارف ، وللأسف ، لا تقوم بكل المهام التمويلية التسويقية ، لذلك يعتمد معظم الزراع على المصارف التجارية والتجار والمرابين في استكمال التمويل الذي يحتاجون اليه ، مما يؤدي بهم الى دفع فوائد كبيرة قد تصل في بعض الدول الى حوالى 30 %، مما يرفع التكاليف التسويقية الى معدلات عالية بالنسبة الى المزارع ، ويخفض الاسعار المزرعية ، في بعض الاحيان ، عندما يضطر الزراع في معظم الدول العربية الى بيع زرعهم في اوقات حصادها من دون انتظار تحسن الاسعار . وهذا يزيد في عدد الوسطاء والتجار بين المنتج والمستهلك . لذلك ، فانه قد يكون اللجوء الى نظام تسويقي تعاوني وسيلة مفيدة للتغلب على هذه العقبة التسويقية المهمة .

عدم توافر الانباء والمعلومات السوقية

أصبح لجمع الانباء والاخبار التسويقية المكانة الاولى في كل المشاريع الاقتصادية ، سواء كانت زراعية او تجارية او صناعية . وهذا الجمع يتصل بالاستهلاك الداخلي والتصدير الخارجي وتقدير الاحتياجات اللازمة لهذين المخرجين السوقيين وتقدير الميسر من الانتاج للتصدير والاسعار الجارية والمرتقبة لمختلف الزروع والرتب في الاسواق المحلية والخارجية ، وتوصيل هذه المعلومات بمختلف وسائل النشر والاذاعة الى الزراع في مناطق الانتاج . وللاسف لا توجد لدى معظم الدول العربية هيئات حكومية او شبه حكومية مدعمة بالاخصائيين في شؤون التسويق الزراعي ومتفرعاته الاقتصادية كتحديد الاسعار وجمع المعلومات والبيانات والانباء التسويقية وتفسيرها وتوصيلها للزراع مما يرشد هؤلاء في معظم مراحل الزرع والحصاد والتسويق ويقوى مواقفهم في مواجهة التجار والوسطاء وكل المشاكل التي تعترض تسويق زروعهم داخلياً او خارجياً ، إن في الدول العربية او في الاسواق الاجنبية .

الخاتمة

تتجه معظم الدول العربية في سياساتها الاقتصادية الزراعية نحو رفع مستوى معيشة سكانها من المزارعين عن طريق الارشاد الزراعي وتوسيع الانتاجية الزراعية ، توسيعاً افقياً ورأسياً بتوسيع الرقعة الزراعية وتعزيز انتاجها او غير ذلك باستخدام اكبر قدر من رؤوس الاموال والمعرفة الزراعية الحديثة ومن ثم بتعميم الاساليب التسويقية الحديثة وفي ادخال صناعات تجهيزية واعدادية للزروع المختلفة ، وبالتالي تقديم منتجات تغري الاسواق الداخلية والخارجية وتلبي حاجات المستهلكين . ولما كان مستوى معيشة الزارع لا يعتمد على كمية انتاجه ونوعه فقط ، بل يعتمد اساساً على مقدار ما يدر عليه انتاجه من مال يجنيه من خلال عملية التسويق والمساعدة الحكومية الفنية والمالية المجردة من الفوائد او تلك التي يمكنه اقتراضها من المصارف الزراعية الحكومية بفائدة قليلة او رمزية . ولما كانت بدائية الاساليب والوسائل والعمليات التسويقية الزراعية سائدة في معظم الدول العربية لا تخدم المزارع كثيراً في الحصول على أفضل عائد مالي ، خصوصاً لدى صغار الزراع الكثيري العدد والقليلي الانتاج ، فان هذه الاساليب باتت بحاجة ماسة الان لاعادة النظر فيها وفي الاسس التي تعتمدها في مساعدة القطاع الزراعي ليبقي المزارعون ، صغارهم وكبارهم ، متعلقون بالارض وبما تنتجه من خيرات .
من هنا بات على الحكومات العربية ان تتجه في سياساتها الاقتصادية الزراعية الى الاهتمام بوضع خطة تسويقية زراعية سليمة تهدف الى تحقيق الاهداف التالية :

1 – تخفيض او منع الفقد الطبيعي في الانتجة الزراعية حتى تسويقها .

2 – تخفيض التكاليف التسويقية بالحد من تعدد الوسطاء بين المتجرين والمشترين .

3 – رفع كفاية العمليات التسويقية اثناء الفرز والتوضيب والتدريج والتعبئة والنقل .

4 – تنظيم الاسواق المحلية والمركزية والتصديرية باشراف وتوجيه المراجع الحكومية المختصة كي تنتظم العمليات البيعية وتتحقق عدالة توزيع الناتج المادي بين المنتجين والتجار .

ويمكن يحقيق هذه الاهداف باتخاذ الخطوات التالية :

1 – العمل على توجيه البنيان التسويقي الزراعي في الدول العربية توجيهاً اشتراكياً تعاونياً ، ممثلاً في اسعار مستقرة ومجزية للمزارعين وعادلة بالنسبة للمستهلكين .

2 – العناية بسبل ووسائل نقل الزروع من المزرعة الى الاسواق المحلية والمركزية والتصديرية .

3 – وضع المعايير والمواصفات الخاصة بمختلف العبوات وطرق التوضيب والتعبئة والعمل على تسهيل حصول الزراع والمجهزين على المواد الخام اللازمة للتعبئة .

4 – انشاء محطات للتعبئة وللتجهيز وللاعداد لمختلف الزروع .

5 – وضع المعايير والمواصفات الخاصة بمختلف الرتب والدرجات للزروع المختلفة ووضعها في تصرف الزراع ، وعمل نماذج خاصة توضحها ، والعمل على جعل التدريج اساساً للصفات التجارية للزروع في مختلف المراحل التسويقية ، وتعيين مدرجين حكوميين في مختلف الاسواق يقومون بمساعدة الزراع في حصولهم على حقوقهم .

6 – إنشاء الاسواق اللازمة لمختلف الزروع تحت الاشراف الحكومي وتدعيمها بالمخازن ووسائل التبريد .

7 – العناية بتنظيم التخزين في مختلف الدول العربية بانشاء الصوامع والمخازن والبرادات اللازمة وربطها بنظام تمويلي محقق لمساعدة المزارعين .

8 – دراسة الاسواق الداخلية والخارجية دراسة مستفيضة وتحليل الانباء والمعلومات التسويقية عن طريق جهاز حكومي متخصص يقوم بنشر هذه المعلومات التي ترشد الزراع وتوجههم توجيهاً انتاجياً وتسويقياً صحيحاً .

9 – تنظيم الدعاية للزروع العربية في الاسواق الداخلية والعربية والاجنبية تنظيماً يحقق للمزارع العربي الحصول على اسعار متناسبة مع الاسعار التي يحصل عليها الزراع الآخرين .

يمكن لهذه الخطوات التنظيمية ان تحقق الاهداف الاقتصادية المبتغاة . وعلى الدول العربية ان تسهم الى حد كبير في تنمية القطاع الزراعي من اجل ان ترفع مستوى مزارعيها ومستوى معيشة سكانها وتحقيق زيادة دخول شعوبها .

_______________________________________________________
(1) د. زكي محمود شبانة ، الزراعة العربية : معالم رئيسة في الكون الاقتصادي الزراعي والعربي ،توزيع مؤسسة المطبوعات الحديثة ، الاسكندرية ، 1960 .
(2) د. محمد محمود الصياد ، النقل في البلاد العربية ، معهد الدراسات العربية العالية ، 1956 .