المؤسسة الاقتصادية في الاقليم السوري

 

الهدف من انشاء المؤسسة وكيف تمول مشاريعها

هل يتعارض نشاطها مع القطاع الخاص وما هو اثرها على التنمية في المستقبل

محمد فياض دندشي

نشر هذا العرض والتعليق في ايلول / سبتمبر 1961 ، العدد الحادي عشر ، الرائد العربي  

هدفت الدولة في تبنيها مبدأ التخطيط كمنهج شامل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الى تنظيم الاقتصاد القومي في الجمهورية العربية المتحدة وتدعيمه عن طريق رفع مستوى التنمية في جميع المجالات ، وعلى الأخص في مجال التنمية الانتاجية . وقامت من اجل ذلك باتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق التوازن والتوافق والتنسيق بين كل النشاطات الاقتصادية العامة من جهة ، وبين نشاط القطاع العام والقطاع الخاص من جهة ثانية . وعندما برز هذا المبدأ الى حيز الوجود وصدر القانون باحداث هيئة فنية تعمل على تحديد الاهداف الاقتصادية والاجتماعية في مجالات التنمية وتقوم بالدراسات والابحاث الضرورية لاعداد خطة قومية شاملة تحتوي على البرنامج الانمائي الاقتصادي والاجتماعي ، ظهرت الحاجة لاحداث جهاز فني من نوع آخر على شكل هيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة وذمة مالية خاصة تؤول اليها ملكية كل انصبة الدولة من رؤوس اموال الشركات القائمة او الشركات التي ستنشأ في المستقبل لاغراض التنمية الاقتصادية . هذه الهيئة هي المؤسسة الاقتصادية السورية التي انشئت بالقانون رقم 99 لسنة 1960 .

مهمات المؤسسة الاقتصادية

قامت المؤسسة على اساس الاشراف على تنفيذ الجانب الاقتصادي من خطة التنمية عن طريق ممارستها الاشراف الفعلي والتنفيذي على كل استثمارات القطاع العام في حقول الانتاج العديدة وتنسيقها بشكل يضمن التوازن العام بين القطاعات الاقتصادية المختلفة ضمن الحدود المرسومة في اطار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية . وبذلك تقوم المؤسسة بتحقيق احدى المهام الكبرى الملقاة على عاتقها بارساء القواعد التي يتحدد بموجبها مجال كل من راس مال القطاع العام وراس مال القطاع الخاص في بلوغ الاهداف الاقتصادية الكبرى المتضمنة تحقيق المجتمع الاشتراكي الذي تسوده مبادئ العدالة الاجتماعية ، وتنمية الانتاج تنمية حقيقية تعمل على رفع مستوى الشعب المعيشي في البلاد . وهكذا تتولى المؤسسة الاقتصادية الاشراف على الادارة وحق توجيه التنمية الاقتصادية بوضعها الخطط الموحدة ورسمها السياسة العامة للنشاط الاقتصادي في الاقليم السوري .

موارد المؤسسة الاقتصادية

من الواضح ان الاسلوب الجديد المتبع ترك لاجهزة الدولة الاخرى حق الاشراف على الهيئات والمؤسسات العامة التي تؤدي خدمات عامة ليس لها أي غرض للربح . وبهذا أصبح حق الاشراف على النشاط الانتاجي المدار على أسس تجارية بحتة بقصد الربح ، ولو في الوقت ذاته  صفة الاستثمار العام ، خاضعاً لرقابة المؤسسة الاقتصادية ، وذلك حرصاً على توحيد وحدة الاستثمار العام في حقل التنمية الاقتصادية . وحرصاً على بلوغ المؤسسة أهدافها الرئيسة وتزويدها بما تحتاج اليه من وسائل لتحقيق هذه الاهداف ، شملتها الدولة بالرعاية اللازمة ، حيث نص القانون صراحة على تحديد اغراضها وتوضيح مقوماتها ، مزوداً مجلس ادارتها بالصلاحيات الضرورية ، وواضعاً تحت تصرفها ما تحتاج اليه من اموال كافية لتمكينها من الاطلاع باعباء كل المسؤوليات الملقاة على عاتقها . فحدد القانون موارد المؤسسة بمصدرين رئيسين يتكون منهما راس مالها . فأوضحت المادة الثانية مصادر هذه الموارد كالتالي :

مادة 2 – يتكون رأس مال المؤسسة من :

أ – انصبة الحكومة في رؤوس اموال الشركات المغفلة القائمة حالياً او التي تنشأ مستقبلاً لاغراض التنمية الاقتصادية .

ب – رؤوس أموال المؤسسات العامة التي من أغراضها مباشرة النشاط التجاري او الصناعي او الزراعي او العقاري والتي يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية  ويجوز زيادة راس المال بقرار من رئيس الجمهورية .

المؤسسة الاقتصادية والقطاع الخاص

يتضح من المادة الرابعة من قانون المؤسسة ان أغراض المؤسسة الاقتصادية السورية لا تتعارض في نشاطها مع نشاط القطاع الخاص . وليس المقصود في احداثها ان تحل محل القطاع الخاص ، إذ ان نشاطها ينحصر في حدود نطاق القطاع العام . ولقد نصت هذه المادة المذكورة على ان " أغراض المؤسسة هي المساهمة في تنمية الاقتصاد القومي عن طرق النشاط الاقتصادي في القطاع العام " . ذلك لأن المجتمع العربي يمر في هذه الحقبة من التاريخ في مرحلة حاسمة من التطور الاقتصادي والاجتماعي ، حيث أخذت الدولة تتسابق مع الزمن في ميدان التقدم والتطور فاعتمدت ، وصولاً الى هذا الهدف ، على القطاع العام الذي أصبح مسرحاً ناشطاً في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بهدف بنيان المجتمع العربي الجديد، ولم يكن بامكانها ان تقف متفرجة حتى ينشط القطاع الخاص . من هنا برزت المؤسسة الاقتصادية كإحدى هيئات القطاع العام ، غير انها تختلف عنها باتباعها اسلوباً جديداً في التنفيذ ومنهجاً متحرراً من الامور الرتيبة في الاشراف والادارة فقط ، واصبحت مركزاً مهماً تتجمع فيه كافة استثمارات القطاع العام بغية توزيعها حسب مقتضيات عملية التنمية الاقتصادية بشكل تضمن فيه حسن استخدام الاستثمارات بمجموعها .

دور المؤسسة القيادي في القطاع العام

إن بروز القطاع العام بهذا الشكل المنظم لا يعني مطلقاً نقل امكانات التنمية من جهة الى أخرى ، وانما ما يهدف اليه العمل في حقل التنمية عن طريق خلق امكانات جديدة بواسطة اقامة مشاريع كبيرة لم تكن قائمة من قبل ، حيث أثبتت التجارب عن احجام رأس مال القطاع الخاص عن الاستثمار فيها لأن طبيعتها لا تتلاءم مع الاهداف الطبيعية التي يسعى لتحقيقها راس المال الخاص . ومن الملاحظ ان عملية الاستثمار في مثل هذه المشروعات الضخمة تتطلب المزيد من الاستثمار وضخ المال لأنه يترتب على هذا انفاق باهظ وصبر طويل الامد قبل ان يحقق القطاع الخاص الربح المنشود . فليس في مقدور هذا القطاع الاستثمار في مشاريع طويلة الامد والدخول في مغامرات مالية قد يصعب عليه تحملها . والحالة هذه كان لا بد من بروز القطاع العام كمساهم فعال لسد هذه الثغرة في البنيان الاقتصادي وقيامه بدور ايجابي في عملية التنمية الاقتصادية ، وبخلق استثمارات جديدة تضاف الى الاستثمارات القائمة فعلاً في القطاعين العام والخاص ، وان يعمل على زيادة حجم الاستثمار القومي بكليته . هنا يبرز دور المؤسسة الاقتصادية القيادي في ولوج مجالات اقتصادية على جانب كبير من الاهمية بعد ان تخلف القطاع الخاص ولوجها . وربما اسهمت هذه الهجمة للقطاع العام في حث القطاع الخاص وتشجيعه على توسيع دائرة استثماراته مستقبلاً . 

وسائل تحقيق اهداف المؤسسة

أعطى القانون المؤسسة الاقتصادية السورية بموجب المادة الخامسة حق اتباع الوسائل المختلفة في سبيل تحقيق أغراضها وبلوغ الغاية المرجوة من استحداثها في سبيل التنمية الاقتصادية ، من تأسيس شركات جديدة او المساهمة في شركات قائمة تتضمن أهدافها التنمية الاقتصادية ، ومن رفع او انقاص حجم الاستثمارات في المشاريع التي تسهم فيها حالياً ، ومن عقد القروض مع المؤسسات والهيئات الأهلية والاجنبية والدولية ، ومن إصدار السندات في الجمهورية العربية المتحدة وخارجها ، ومن اقراض او ضمان الشركات والمؤسسات التي تسهم فيها . وجاء نص المادة الخامسة المذكورة كما يلي :

للمؤسسة ، في سبيل تحقيق أغراضها ، ان تتبع مختلف الوسائل اللازمة لذلك وعلى الأخص :

أ – تأسيس شركات او منشآت لاغراض التنمية الاقتصادية او الاشتراك فيها .

 ب – زيادة او انقاص اموالها المستثمرت في المشروعات التي تساهم فيها ، وذلك بغير الاخلال بالحقوق والضمانات المكتسبة بمقتضى القوانين .

ج – عقد القروض مع الحكومة او المؤسسات العامة او المصارف او الهيئات الخاصة ، وكذلك الحكومات والهيئات الاجنبية والمؤسسات الدولية .

د – أصدار الاسناد في داخل الجمهورية العربية المتحدة او خارجها للحصول على الاموال اللازمة لأعمالها .

ه – إقراض الشركات والمؤسسات التي تساهم في رأس مالها او ضمانها في ما تعقده من قروض وتحديد شروط عقد القروض واصدار الاسناد بقرار من رئيس الجمهورية .

يتبين مما تقدم ان للمؤسسة سلطة التحكم إشرافاً وادارة وتوجيهاً بكل الاموال العائدة لها والمستثمرة في مشروعاتها العديدة ، سواء كان هذا الاستثمار مباشراً او عن طريق المساهمة . فهي قادرة على زيادة هذه الاستثمارات او إنقاصها حسب مقتضيات الظروف ومنطلبات حاجة التنمية الاقتصادية . زد على ذلك ما منحها القانون من حق ابرام عقود القروض وضمان الاستقراض على الصعيدين الداخلي والخارجي . فعلى الصعيد المحلي أعطاها القانون صلاحية تامة في ابرام وانجاز عمليات الاقراض او الاستقراض في المؤسسات والهيئات العامة والمؤسسات المالية والهيئات الخاصة ، وحق اصدار السندات في داخل الجمهورية. اما على الصعيد الخارجي ، فقد أنيط بها حق اصدار السندات وحق الاستقراض من الهيئات والمؤسسات والحكومات الاجنبية وايضاً المؤسسات المالية العالمية والهيئات الدولية المختلفة .

من الواضح ان المادة السابعة عشرة أعطت مجلس ادارة المؤسسة ، بحكم القانون ، كل السلطات الكفيلة بتحقيق حسن الادارة في كافة أعمالها في ثلاث نقاط أساسية . الاولى ، تتعلق بادارة الاموال وكيفية الاستثمار؛ والثانية ، تتعلق بإبرام العقود واصدار السندات ؛ والثالثة ، تتعلق باصدار التوجيهات لممثليها في مجالس ادارة الشركات المختلفة التي تساهم في راس مالها . وقد نصت المادة المذكورة بالحرف الواحد : لمجلس الادارة جميع السلطات اللازمة لإدارة اعمال المؤسسة ، على الأخص ما يأتي :

أ – ممارسة جميع الاعمال والتصرفات اللازمة لادارة اموال المؤسسة وتعيين كيفية استثمارها .

ب – عقد القروض واصدار الاسناد وفقاً لاحكام القانون .

ج – إصدار التوجيهات اللازمة لممثلي المؤسسة في مجالس ادارات الشركات التي تساهم في رأس مالها ودراسة التقارير المقدمة منهم .

خولت المادة السابعة المؤسسة حق تعيين ممثلين عنها في مجالس ادارات الشركات التي تشترك بنسبة معينة في رأس مالها ، وجعلت مدة عضويتهم مقيدة بقرار من مجلس ادارة المؤسسة بغض النظر عن المدة المنصوص عليها في نظام مجلس ادارة الشركة الاساسي . غير ان النسبة المئوية التي تساهم فيها المؤسسة في راس مال الشركة هي التي تحدد عدد الممثلين المعنيين . وفي الحالة التي تبلغ نسبة المساهمة هذه حوالى 10 بالمئة او أقل ، عندئذ يشترط ان يكون للمؤسسة ممثل واحد على أقل تقدير . وزودت المادة الثامنة ممثلي المؤسسة بجميع الصلاحيات والسلطات والحقوق أسوة باعضاء مجالس الادارة الآخرين ، وأعطتهم حق المناقشة وتقديم الاقتراحات المتعلقة بادارة شؤون الشركة ، ومنعت عنهم المادة الحادية عشرة حق الاشتراك في انتخابات اعضاء مجلس الادارة الذين يمثلون القطاع الخاص . وعلى هؤلاء الممثلين ابلاغ رئيس مجلس ادارة المؤسسة بجميع القرارات التي تتخذها مجالس وهيئات الشركات الممثلين فيها وذلك خلال ايام من تاريخ اتخاذ هذه القرارات واصدارها .

أثر المؤسسة على التنمية في المستقبل

من المنتظر ان يكون لانشاء المؤسسة الاقتصادية السورية أثره الفعال على التنمية الاقتصادية في الاقليم السوري ، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة من التطور الاقتصادي والاجتماعي . وللمؤسسة دور مهم تقوم به في التنظيم الشامل والتوجيه الكامل وحسن الادارة والتنفيذ وفي توحيد الاشراف على العمليات الاستثمارية . وجاء قانون احداثها تدعيماً لمباديء خطة التنمية القومية التي أخذت تتكامل بشقيها : التخطيطي والتنفيذي . وما فصل الشقين الاول عن الثاني سوى ضرورة اقتضتها الظروف الراهنة القائمة على الاسراع في العمل الجدي للنهوض بالمجتمع العربي الجديد ووضعه بأسرع ما يمكن في المكان اللائق به بين المجتمعات المتقدمة في العالم .