النهضة السياحية في الاقليم السوري

 

محمد فياض دندشي

مدير الخدمات في وزارة التخطيط

نشر المقال في آب / أغسطس 1961 ، العدد العاشر ، الرائد العربي

كان لتطور المواصلات في العالم أثره الفعال في تنمية السياحة في البلدان السياحية . فظهور وسائط النقل الحديثة والسريعة التي تتضمن كل اسباب الراحة ، وانتشار المواصلات السلكية واللاسلكية في العالم ، جعلت السفر بكل صوره واغراضه سهل المنال وصار بمقدور كل الناس في العالم ، مهما كانت قدراتهم المالية ، ان يتمتعوا بالسفر والتنقل وزيارة الاماكن القريبة والبعيدة ، والتمتع بعطل سنوية . ولم تعد السياحة ، كما كانت ، تقتصر فقط على الميسورين .

للسياحة أغراض عديدة ، كالسياحة بقصد الاستمتاع بزيارة الاماكن الاثرية والتاريخية والتعرف الى بلدان وامكنة جديدة وزيارة مواطن الفن والجمال في بلد ما ، او السياحة بقصد الاصطياف وقضاء فترة من الراحة والهدوء في المناطق الجبلية الهادئة او على رمال شاطئ بحر دافء ، او بقصد توسيع الافاق الثقافية العامة واكتساب معارف جديدة وخبرة عميقة من مناهل الحياة المختلفة . وفي الوطن العربي ، من محيطه حتى خليجه ، مشوقات سياحية متنوعة بشكل لا يضاهيه فيها اي بلد مماثل في العالم . فموقعه الجغرافي واعتدال مناخه المتعدد المظاهر والدور التاريخي الذي لعبه وما زال يلعبه في مضمار الحضارة الانسانية ، وما ترك هذا الدور الرائد من ذكريات تاريخية جمة متمثلة في كونه مهد الديانات الروحية وحضارة الانسان ومركزاً لامبراطوريات قديمة امتدت حتى طالت أكثر بقاع الارض المحيطة بالبحر الابيض المتوسط ، وحاضناً لمخلفات الازمنة الغابرة من قصور وقلاع وغيرها منتشرة في جميع ارجائه ، كلها تشير الى امكاناته السياحية الضخمة ، ليس بالنسبة لسكان القارتين المتاخمتين له آسيا وافريقيا فحسب ، بل بالنسبة للقارتين الاوروبية والاميركية معاً ، وبصورة خاصة القارة الاوروبية التي طالما تطلعت شرقاً وجنوباً باتجاه البلاد العربية وشمسها ورمالها الناعمة وطبيعة حياتها الهادئة والمرحبة بكل ضيف زائر.

تنبهت أكثر الدول الى أهمية الدور السياحي في حياتها الاقتصادية . فعلاوة عن ان السياحة تقرب بين الشعوب ، فانها مورد مهم من موارد البلد المضيف المالية . وهذا المورد المتعاظم ينعكس ايجاباً على الميزان التجاري ويخلق صناعات جديدة وينشط الصناعات القائمة ويفتح لابناء الزائرين والمضيفين مجالات جديدة من التواصل الثقافي والتجاري والخدماتي والاقتصادي بشكل عام . فالسياحة ، التي هي اساساً صناعة خدماتية ، تؤدي بالضرورة الى تنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية وتعزز التوسع العمراني بأشكاله المختلفة من بناء فنادق ومنازل ضيافة ومشافي الخ.. كما تقوي النقد المحلي عن طريق ما يجلبه السائح من قطع اجنبي وتعزز الدخل القومي . ففي احصائيات تقديرية ظهر ان ايطاليا وحدها جنت حوالى 500 مليون دولار من السياحة سنة 1960 . وكذلك جنت اسبانيا واليونان وقبرص على دخول كبيرة مما حملها على العمل لاستجلاب السياح بكافة الطرق .

بدأت السياحة تحتل في الاقليم السوري من الجمهورية العربية المتحدة مكانها اللائق في المجال الاقتصادي ، وقامت السلطات المسؤولة بالعمل على معالجة المشاكل التي كانت تعترض هذا القطاع عن طريق وضع خطة شاملة للتنمية تهدف الى تحسين المستوى السياحي ورفعه الى مستواه الدولي ، وذلك عن طريق استغلال الامكانات السياحية الضخمة التي يزخر بها الاقليم . وقد لاحظت السلطات ان الدخل المتأتي من السياحة حالياً بشكل قطاع أجنبي لا يلعب ذلك الدور الكبير في قيمة صادرات الاقليم مما يؤدي الى تعزيز مكانة النقد المحلي وزيادة الدخل القومي ، فأخذت على عاتقها استخدام أنجع السبل وأسرعها لاستغلال الامكانات السياحية ، بخاصة الاصطياف ، باعتبار ان صناعات الخدمات السياحية تشكل مورداً اقتصادياً ضخماً له مفعوله في البلدان المعنية . غير انه باتباع الوسائل السليمة لمعالجة المشاكل التي تعترض اجتذاب السياح فقد يصبح بالامكان مضاعفة الدخل السياحي خلال فترة وجيزة لا تزيد عن الخمس سنوات ، خصوصاً وان دولاً مماثلة اوضاعها لاوضاع الاقليم السوري حققت نجاحاً باهراً في هذا المضمار . لذا عمدت السلطات المسؤولة على استقدام خبيرين في الشؤون السياحية من منظمة الامم المتحدة ، أحدهما هولندي يدعى كويبرس والثاني سويسري ويدعى فيتمر ، لمؤازرة الدولة في دراسة الامكانات السياحية والمساهمة في وضع خطة شاملة للتنمية السياحية . وأوضح تقرير الخبيرين ان مشاكل السياحة تكاد تكون واحدة في كل بلد من البلدان السياحية ، ويمكن حصرها في اربعة امور رئيسة هي : اولاَ ، كيفية استقبال السياح والعمل على خلق جو من الترحيب يقضي على الشعور بعدم الارتياح المتأتي غالباً من التعقيدات الرسمية التي لا بد منها . ثانياً، تقديم التسهيلات اللازمة لتأمين راحة السائح بواسطة مكاتب معلومات ووكالات سفر منظمة وخدمات فندقية حسنة . ثالثاً ، تأمين وسائط نقل متنوعة ، من طائرات تقوم برحلات منتظمة الى الاماكن الاثرية ، والى حافلات وسيارات وعربات . ورابعاً ، استخدام احدث مبتكرات فنون الدعاية واتباع أنجع السبل لتشجيع السياحة وجذب السياح وتأمين راحتهم والعمل على استبقائهم ما أمكن في ربوع الاقليم .

تبنت السلطات المعنية هذه المقترحات وقررت اتباع سياسة سياحية واصطيافية تتلخص بالبنود الخمس التالية:

1 – تسهيل دخول السياح الى الاقليم وخروجهم منه وتحسين وسائط نقلهم وتنقلهم ووسائل الاقامة .

2 – الدعاية بمختلف الاساليب لاماكن السياحة المنتشرة في البلاد وتسهيل الوصول اليها .

3 – السعي لزيادة الاهداف السياحية واقامة الملاهي والمطاعم التي تجتذب السياح .

4 – تحسين المصايف القائمة وزيادتها وتأمين كل ما تحتاج اليه من المرافق ووسائل الترفيه التي تؤمن راحة السائح والمصطاف .

 5 – الاهتمام بتهيئة الشواطيء البحرية لاستقبال السياح والمصطافين وانشاء مسابح حديثة.

حرصاً على بلوغ هذه الاهداف وجهت الدولة عناية زائدة لمشاريع قطاع المرافق العامة والاسكان والسياحة والبلديات في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنة الاولى ، إذ بلغت الاستثمارات المخصصة لهذا الغرض حوالى 30.4 مليون ليرة سورية موزعة كالتالي بين مشاريع مختلفة تخدم بغالبيتها الاغراض السياحية : اولاً ، تأمين مياه الشفة في مناطق الريف بواسطة احداث منشآت جديدة وتوسيع المنشآت القائمة وتصفية المياه وتعقيمها وتوزيعها بشكل منظم . وأعطيت ألأفضلية للمناطق السياحية والاصطيافية . ثانياً ، وضع مصورات تنظيمية وطوبوغرافية لمدن وقرى الاقليم . وقد شملت هذه الاعمال اربع مدن رئيسة وخمس عشرة بلدة مصنفة اماكن سياحية واصطيافية مهمة . ثالثاً ، اقامة مشاريع توليد الطاقة الكهربائية في المناطق السياحية والاصطيافية لتزويدها بالانارة العامة . رابعاً ، العمل على حل مشكلة الاسكان بتأمين المساكن الصحية بصورة عامة ، وخاصة في المناطق المعدة للسياحة والاصطياف . وقد تم فعلاً التعاقد على انشاء حوالى 648 وحدة سكنية جديدة . خامساً ، النهوض بمستلزمات الراحة كالفنادق والمقاصف والمطاعم وأماكن الترفيه كالمقاهي والملاهي والمسارح ودور السينما .

من المنتظر ان يؤدي تنفيذ هذه المشروعات الى زيادة اقبال السياح والمصطافين من عرب واجانب على ارتياد المراكز السياحية ، مما ينشط الحركة السياحية والاصطيافية داخل الاقليم السوري ، ويضع السياحة في الموضع اللائق بها في مجال النشاطات الاقتصادية المهمة ، ويفسح في المجال امامها كي تقوم بدورها الفعال، ليس كمورد مهم من موارد الاقتصاد السوري فحسب ، بل كعنصر أساس في الدعاية لقضايا الوطن العربي ومشاكله ، القومية والسياسية ، وتعريف السياح ببلادنا تعريفاً صادقاً لكي يقوموا هم ايضاً بدور الترويج لسياحتنا ونقل الحقائق غير المشوهة عن اقليمنا السوري.