السوق العربية المشتركة : مشروع يجب ان ينفذ

 

د. راشد البراوي

نشر المقال في شباط / فبراير 1962 ، العدد السادس عشر ، الرائد العربي  

جاء انشاء جامعة الدول العربية تعبيراً عن تقليد متصل من مصالح مشتركة واهداف واحدة تجمع ابناء المجتمع العربي بمعناه الواسع . ومنذ ذلك التاريخ والدراسات تعد والمشروعات تصاغ والجهود تبذل من اجل ترجمة المشاركة في المصالح والاهداف ترجمة اقتصادية تتيح توفير الرفاهية لهذا المجتمع . ثم ظهرت الى الوجود السوق الاوروبية المشتركة ، وبدأ الحيث الجدي يتردد عن انشاء منظمات اقليمية مماثلة . وكان من الحتمي ان تنعكس هذه التنظيمات والاحداث والتيارات على محيطنا العربي ، فبرزت فكرة السوق العربية المشتركة . لكن سرعان ما بدأ النقاش يدور حول سؤال غير جدي ، في نظرنا ، وهو بأيهما نبدأ : الوحدة الاقتصادية ( ام التكامل الاقتصادي ) ام السوق المشتركة . والسؤال في حد ذاته غير ذي  موضوع . فالوحدة تتضمن قطعاً سوقاً مشتركة ، والسوق المشتركة تؤدي الى الوحدة بكل تأكيد . انما المهم ان نبدأ السير في الطريق بغير ابطاء. فالعصر الذي نعيش فيه لم يعد يحتمل الجدل البيزنطي ، ولم يعد منطق الاحداث يعني البحث بمن سبق : البيضة ام الدجاجة ، وكلاهما غذاء شهي وصحي . واذا كانت دول اوروبية عديدة بلغت درجة عالية من النمو الاقتصادي ، وفرقت بينها ، من قبل ، المصالح والثراث القديم المتوارث ، إستطاعت ان تكون هذا التنظيم الوحدوي الجديد ، وان تشعر بمزاياه وتنعم بمردوده ، بحيث ارتفعت صادراتها بفضله ما لا يقل عن 30 في المئة منذ سنة 1959 ، وزاد انتاجها الكلي بنسبة 40 في المئة ؛  واذا كانت دول اوروبية اخرى تزعمتها بريطانيا أقامت ما عرف باسم منظمة التجارة الاوروبية الحرة من اعضاء سبعة ؛ واذا كانت بريطانيا والدانمرك ، وهما من افراد المنظمة الاخيرة ، قدمتا الطلب للانضمام الى السوق الاوروبية ؛ واذا كانت دول اميركا اللاتينية ، التي لا تختلف معالم اقتصادها عن اقتصاد دول العالم العربي من حيث عدم استواء التطور وشيوع التخلف والتبعية الاقتصادية ، تبحث مشروع منظمة مماثلة تضمها مجتمعة ، نقول ان هذا كله يحملنا على العجب والتساؤل عن السبب الذي من اجله لم يخرج المشروع العربي الى حيز التنفيذ ، او على الأقل لم توقع اتفاقية رسمية بشأنه . 

مقومات السوق في مشروع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية  

الواقع ان مشروع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية الذي سبق اعداده ووقف عند هذا الحد ، يتضمن الكثير من مقومات السوق المقترحة . فقد نصت المادة الاولى في فقراتها الاربع التالية على :  

1 – حرية انتقال الاشخاص ورؤوس الاموال .

2 – حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والاجنبية .

3 – حرية الاقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي .

4 – حرية النقل والترنزيت

وتطال المادة الثانية الاطراف المتعاقدة على جعل بلدانها منطقة جمركية واحدة ، وتوحيد سياسة الاستيراد والتصدير ، وعقد الاتفاقات التجارية واتفاقات المدفوعات مع البلدان الاخرى بصورة مشتركة ( فقرة 1،2،4). 

المشاكل التي تواجه قيام السوق العربية المشتركة وطرق حلها  

1 – مشاكل ناجمة عن حرية تبادل المنتجات  

 يبدو لنا ان اعتبارات عديدة ما تزال قائمة في طريق السوق المشتركة ، ولعل في مقدمتها خوف صادر من مضمون الفقرة الثانية من المادة الاولى بشأن " حرية تبادل البضائع والمنتجات " ، وهو خوف مزدوج . فيقال ان هذا النص فيما يتعلق بالبضائع والمنتجات الوطنية هي في مصلحة الاطراف التي لها ميزات خاصة بحكم درجة تطورها او ظروفها الطبيعية ، مما ينعكس على تكلفة الانتاج المتدنية وقدرة هذا الانتاج التنافسية ، الأمر الذي ربما ، في رأي المترددين ، يحد من امكانيات التنمية في بلد عربي آخر او في أكثر من بلد . ونحن نعتقد ان هذا الخوف لا يستند الى أساس ، خاصة في الاجل الطويل ، وهو الاهم . فاذا أخذ البعض المنتجات الزراعية الرئيسة وهي الاهم وتشمل القمح والقطن والدخان الخ .. ، فالجمهورية العربية المتحدة بشقيها المصري والسوري والعراق تنتج القطن بصفة أساسية . وهنا ، فالحكم يتصل بالثمن والنوع . وسوريا تنتج القمح والدخان بمقادير تفيض كثيراً عن حاجاتها في معظم السنين ، ولا يمكن ان تخشى منافسة من الدول الاخرى التي تنتج حاجاتها منها كلياً او لا تنتج هاتين النباتتين اطلاقاً .

ولعل أكبر الخوف منصب على المنتجات الصناعية . وهنا نود ان نبدي طائفة من الملاحظات. 

1 – بعض البلدان العربية لا تقوم فيها صناعات ذات شأن ، وبالتالي لن يصيبها اي ضرر من تطبيق مبدأ حرية تبادل المنتجات الصناعية الوطنية . فهي إن لم تشترهذه البضائع من البلاد العربية الصناعية ، فسوف تحصل عليها من الخارج . وقد يقال ، مثلاً ، انها قد اشترتها باسعار تقل عما تبيع به الدول العربية الصناعية . هنا يمكن وضع تنظيم خاص يمنح المنتجات العربية الاولية ما دامت الاسعار تنافسية ، شرط ان لا تعمد الدول الاجنبية الى اغراق الاسواق العربية بطرق غير مشروعة . هنا ينبغي حماية المجتمع ا