الكلية الصناعية في الكويت

 

مشروع يسد حاجة اساسية من حاجات النمو 

نشر المقال في آذار / مارس 1962 ، العدد السابع عشر ، الرائد العربي 

من المظاهر البارزة للنهضة التقنية في مختلف البلاد العربية اليوم ، ولعدة سنوات خلت ، الحاجة الملحة التي يشعر بها المجتمع العربي النامي الى الأيادي الفنية المتطورة . ويحدثنا رجال الاقتصاد ، خاصة أولئك الذين يعملون في حقل التصنيع ، ان النهضة  التقنية هي الظل الملازم لأي نهضة اقتصادية في أي بلد من بلدان العالم، بل هي جزء اساسي منها ، حتى كاد بعض فلاسفة العصر يسمون عصرنا ب"عصر النهضة التقنية " او " عصر الثورة التقنية " ، لما أحرزه أنساننا الحالي من نجاح تقني ، بدأت مظاهره ونتائجه تغير مجرى حياتنا الى الأفضل . ونحن في البلاد العربية نرى بوضوح كيف ان فجوة ، بل فجوات متعددة ، تبرز امامنا كل يوم تبين لنا الحاجة الملحة الى مواكبة التطور التقني كي نتمكن من الافلات من عجزنا السابق في اللاحاق بركب هذا التطور . 

واذا كان هناك من يجد في هذه الفجوات ، أي في تعذر وجود الايادي الفنية التي تتمتع بالخبرة اللازمة ، دليلا فاضحاً على تأخرنا وتخلفنا في مواكبة النهضة العلمية العالمية ، فنحن لا نستطيع الا ان نجد فيها بشيراً على اننا ننمو بسرعة بحيث تتفتح امامنا يومياُ طاقات جديدة ، تولد حاجات قومية متزايدة أصيلة لبناء المجتمع العربي المنشود . وقد شعر المسؤولون في الكويت منذ حقبة من الزمن بالحاجة الملحة الى انشاء معهد كويتي فني حديث يعمل على سد الحاجة الى تنمية المقدرة الفنية العاملة في الصناعات الناشئة في البلاد . فقامت الحكومة الكويتية منذ عدة سنوات بانشاء الكلية الصناعية . وقد رأينا نحن ، في مجلة الرائد العربي ، ان نستكنه معالم هذا المعهد الفني المهم والدور الذي يقوم به ، اليوم ومستقبلاً ، في بناء قدرات فنية محلية متقدمة.  

انشاء الكلية الصناعية  

شعر المسؤولون الكويتيون سنة 1950 ، بعد ان تدفقت عائدات النفط ، بالحاجة الى فنيين محليين. ومن هنا نشأت فكرية جدية بضرورة تأسيس معهد صناعي يعمل على تعليم و تدريب الراغبين من ابناء البلاد تعليما صناعياً فنياً  يمكنهم من العمل في المنشآت الصناعية على انواعها ، إن في الادارة او في المجالات الفنية . وكان ان اوجدت السلطات الكلية الصناعية كنواة اولى لهذه الفكرة ، التي بديء بالاعداد لها عملياً في سنة 1952 وبوشر بالتدريس فيها سنة 1954 – 1955 . 

ولما كان المسؤولون يعون الى ما يتطلبه اقامة مثل هذا المعهد ويعتبرون التعليم الصناعي تعليماً جديراً بالعناية والتشجيع ، فقد قامت وزارة التربية والتعليم الكويتية بطرح بعض الوسائل المغرية لتشجيع الشباب على الانتساب الى المعهد ، من بينها جعل التعليم فيه مجانياً وداخلياً اذا لزم وتأمين الملابس الخاصة والتغذية المجانية اليومية الكاملة . وحددت الى جانب ذلك مكافأة مالية تتراوح بين 5500 د. ك . و 7500 د.ك. شهريا، تدخر للطالب في خزينة الوزارة لمدة اربع سنوات ، أي طيلة وجوده في المعهد ، وتعطى له عند تخرجه . وبالاضافة الى هذه الحوافز المهمة  رصدت الدولة مبلغاً مضاعفاً لهذا المبلغ اذا ما رغب المتخرج ان يفتح محلاً او ان يزاول عملاً حراً له صلة بما تعلمه . وقررت الحكومة كذلك ارسال الطلبة الثلاثة الاوائل من خريجي كل سنة للتخصص في بعثات مدفوعة الى الخارج . وبما ان عدد الفروع الصناعية القائمة اليوم في الكلية 11 صناعة ، فهذا يعني ان الدولة ترسل سنوياً 33 طالباً من المتفوقين الى الخارج لاتمام تخصصهم العالي .   

يجدر بنا ان نشير هنا الى ان المجال مفتوح لغير الكويتيين في هذه الكلية . ويشكل الطلاب العرب غير الكويتيين المنتسبين الى الكلية حوالى 33 بالمئة من مجموع الطلاب ، أي ما نسبته طالب عربي واحد غير كويتي لكل كويتيين اثنين. 

موقع الكلية الصناعية ومبانيها  

تقع الكلية الصناعية في شارع الجامعة الى الجهة الجنوبية من ثانوية الشويخ . وهي تشغل مساحة حوالى ثلاثين فداناً ، وتتألف من خمسة مباني كبيرة هي :

            1 – مبنى القسم الداخلي .

            2 – مباني الفصول ومكاتب الرسم والمختبرات .

            3 -  مباني الورش .

            4 – مباني المخازن .

            5 – مبنى المطعم والمطابخ .

 اما المباني التي لم يستكمل بناؤها بعد فهي :

            1 – مبنى الادارة الرئيس .

            2 – قاعة المحاضرات والسينما .

            3 – مباني الفصول الدراسية .

            4 – مرافق التربية الرياضية وتشمل الجمبازيوم وحمام السباحة . 

القسم الداخلي  

هناك ستة مبان تابعة للقسم الداخلي ، يحتوي كل واحد منها على 42 حجرة مخصصة للطلبة . وفي داخل الحجرة صالة خاصة للمذاكرة . وينتهي كل مبنى بحجرة مخصصة للمشرف . ولكل مبنى ناديه الرياضي الخاص . 

مباني الورش

يحتوى قسم الورش على اربعة مبان ، كل مبنى منها مخصص لعدة أقسام صناعية . 

المبنى الاول : يحتوى هذا المبنى على ورشة السيارات والنماذج وسباكة المعادن. ويتعلم الطلبة في هذا القسم ميكانيك السيارات ، من حيث تركيبها واصلاحها وضبطها . وهنالك نماذج تدريسية الغرض منها عمل النماذج الخشبية والمعدنية المعدة لصنع اجزاء الالات والمعدات المطلوب صبها من معدن الذهب او النحاس او الالمنيوم كمسبوكات . 

المبنى الثاني : يضم هذا المبنى ورشة الكهرباء وقسم الماكينات وقسم البرادة . ويتدرب الطلبة فيه على التمديدات الكهربائية للمنازل والورش واصلاح المحركات الكهربائية ولفها وصيانتها وصنع المحولات الكهربائية ، الى جانب التمرن على العمل الفني في محطات الطاقة الكهربائية . اما قسم الماكينات فيتعلم الطلبة فيه خراطة المعادن وتشكيل المشغولات على الماكينات البالغ عددها 36 مخرطة و16 آلة مختلفة للقشط والتجليخ . 

يضم المبنى الثاني كذلك قسم البرادة الذي يقوم على تشكيل المشغولات يدوياً والعمل في التركيبات الميكانيكية وضبطها وصيانتها . 

المبنى الثالث : يضم هذا المبنى ورشة العمارة والاسمنت المسلح والسمكرة والاعمال الصحية وورشة الحدادة واللحام . هنا يتدرب الطلبة على عمل شبرات التسليح للمباني والسمكرة وصنع المعادن الرفيعة ووصلات المواسير ومرافق الحمامات والسخانات ودورات المياه وتركيبها . 

المبنى الرابع : يحتوى هذا المبنى على قسم اللاسلكي وقسم الآت النجارة . ويقوم الطلبة في هذا القسم بالتمرين على تشغيل اجهزة الارسال والالتقاط اللاسلكي واصلاحها . وتشمل هذه الاجهزة الراديو والتلفزيون . 

حياة الطلبة الداخلية  

 يمتد العمل اليومي للطالب ست ساعات ونصف الساعة ، وعدد الحصص ثمانية يومياً . يبدأ الدوام الرسمي في الساعة السابعة والنصف صباحاً وينتهي في الساعة الثانية بعد الظهر ، عندما يتجه الطلبة مباشرة الى المطعم لتناول وجبة الغداء ، فينتظمون في صفوف وافواج حتى يصلوا الى  المطبخ ، حيث ينتقي كل واحد منهم وجبته ويحملها الى طاولته بنفسه. وبعد تناول الطعام ، يتوجه طلاب القسم الداخلي الى حجراتهم للراحة بعض الوقت والاستعداد لمزاولة انواع النشاطات الرياضية والاجتماعية والمذاكرة وفق الترتيب التالي :

من الساعة الثالثة حتى الخامسة مساء : النشاط الرياضي .

من الساعة الخامسة حتى السابعة والنصف مساء : نشاط اجتماعي وثقافي وفني ، يتبعها تناول وجبة شاي خفيفة.

من الساعة السابعة والنصف حتى الثامنة مساء : وجبة العشاء .

من الساعة الثامنة والنصف حتى الحادية عشر مساء : فترة حرة . 

بلغ عدد المتخرجين منذ تأسيس الكلية حتى عام 1960 – 1961 ما يلي :

            عام 57 – 58                   7 طلاب

            عام 58 – 59                   33 طالباً

            عام 59 – 60                   29 طالباً

            عام 60 – 61                   35 طالباً  

ويلاحظ ان المتخرجين في صناعة ميكانيكا السيارات أكثر عدداً حيث انها تستقطب اكبر عدد من الطلاب بسبب حاجة البلاد لهذا النوع من التخصص . 

اما عدد المدرسين في الكلية حالياُ فيبلغ : 

            26 مدرساً للمواد النظرية والفنية .

            25 مدرساً للمواد العملية ( اشغال ورش ) . 

يؤكد مدير الكلية الاستاذ عبد الباقي عبد الله النوري ان عدد الطلاب في تزايد مستمر ، تمشياً مع نمو الوعي الاقتصادي والصناعي في هذه الدولة الحديثة البنيان واتجاه الاهالي الى تشجيع ابنائهم للالتحاق بالكلية والعمل في حقل الصناعات الفنية التي تحتاج اليها البلاد حاجة ماسة .