بيار اده يتحدث بعد زيارته لليابان عن امكانات التعاون الاقتصادي بين العرب واليابان وافريقيا

 

نشرت المقابلة في كانون الثاني / يناير 1962 ، العدد الخامس عشر  ، الرائد العربي 

مرة ثانية يقوم مندوب " الرائد العربي " في بيروت بمقابلة الوزير السابق بيار اده ، رئيس مجلس ادارة بنك بيروت- الرياض ومديره العام . وكانت المقابلة الاولى قد جرت في ايار / مايو 1961 بعد عودة الاستاذ اده من زيارته لافريقيا الغربية وتناولت آنذاك شؤون الاقتصاد اللبناني واوضاعه والنشاط الاقتصادي والتجاري الذي يمكن للبنانيين والعرب بذله في افريقيا الغربية . اما مقابلة اليوم فقد جرت بعد عودة الاستاذ اده من زيارته الى اليابان في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 1961 تلبية لدعوة من بعض هيئاتها الاقتصادية . وتناولت المقابلة موضوع الزيارة والنتائج التي حققتها وكل الجوانب التي تتعلق بموضوع قيام علاقات اقتصادية بين اليابان ولبنان خاصة ، والبلدان العربية عامة من جهة ، وبين اليابان والمغتربين اللبنانيين في دول افريقيا الغربية من جهة اخرى . وفي ما يلي نثبت هذه المقابلة . 

من الواضح ان الزيارة التي قمتم بها الى اليابان تشكل موضوعاً جديداً لا بد وان يعنى به المواطنون وقراء " الرائد العربي " في لبنان وسائر الاقطار العربية ، أيما عناية . فكيف خطر لكم القيام بهذه الزيارة وما هي الدوافع والحوافز خلفها ؟ . 

جاءتني فكرة  اقامة علاقات اقتصادية مع اليابان اثناء رحلتي الى افريقيا عندما ايقنت مدى حاجة مغتربينا الملحة لتحويل نشاطهم التجاري الى نشاط صناعي يدعم اقتصادنا الوطني . وايقنت كذلك ان هذا التحول سيحتاج الى شريك او معاون صناعي له خبرته الطويلة في هذا المجال . وقد  وضح لي ، عند التفكير في ايجاد هذا الشريك ،  أنه ، نسبة لماضي علاقات افريقيا بمعظم الدول الاوروبية ، من الافضل التوجه نحو دولة تتمتع بامكانات تقنية وعلمية كبيرة من دون ان يكون للتعاون معها محاذير سياسية وخلفيات استعمارية كالتي تبرز مع الدول التي سبق ان تعاونت مع افريقيا . من هنا وجدت ان اليابان تجمع هذه الصفات ، بالاضافة الى كونها راغبة في توسيع مجالاتها التجارية والصناعية عن طريق التعاون مع رساميل وطنية لتنمية الاقتصاد الوطني في مختلف الدول . وانطلاقاً من هذا الاساس ، وبمناسبة مرور رجال اعمال يابانيين في لبنان ، تباحثنا في الامر ، وكانت النتيجة ان قمت بزيارة عمل الى طوكيو . 

ما هي نتائج استطلاعاتكم خلال هذه الزيارة من حيث وجود رغبة يابانية وامكانات تعاون اقتصادي بينها وبين الدول العربية ؟ . وما هي مزايا مثل هذا التعاون وفوائده ؟ . 

تمكنت ، بالرغم من اقامتي القصيرة هناك ، وبواسطة الاتصالات العديدة التي اجريتها ، ان أتأكد من ان مجال التعاون الاقتصادي بين اليابان ولبنان خاصة ، والدول العربية عامة ، مجال واسع تتوفر فيه فوائد كبيرة وكثيرة لجميع الفرقاء . كما انني تأكدت من ان مجال استفادة دول افريقيا الغربية المستقلة حديثاً مجال واسع جداً ، ذلك ان هذه الدول في حاجة ملحة الى مساعدات فنية واقتصادية كثيرة ، وان اقامة ابناء منطقتنا فيها تدعونا الى الاهتمام بمستقبلها . 

إن نقطة الانطلاق لاقامة تعاون من هذا النوع يبدأ بايجاد مؤسسة مالية مشتركة مهمتها تمويل المشاريع على مختلف انواعها . وهذه المؤسسة ، خلافاً لسائر المؤسسات المصرفية ، يفترض فيها ان تكون تسليفاتها طويلة الامد . وهذا ما يمكننا ، سواء في المنطقة العربية او في افريقيا الغربية ، من تخطيط سياسة انمائية مبنية على اسس وقواعد ثابتة . اما تفاصيل المشاريع وتحديدها ، فليس هناك مجال للحصر لأن نطاق اعمالها سيكون جد واسع . ونكتفي بالاشارة هنا الى ان الخبرة الصناعية الاصيلة في اليابان تشكل عنصراً أساسياً يتحالف طبيعياً مع المزايا اللبنانية والعربية من ناحية الخبرة التجارية التي يفتقد اليها الجانب الياباني . 

من المعروف ان اليابان تمارس سياسة اغراقية عن طريق عرضها لمنتجاتها الصناعية باسعار تقل عن اسعار بيعها في اليابان نفسها . ونحن في لبنان والبلاد العربية الآن في مرحلة اقامة صناعات جديدة ، أي انه يتوجب علينا ان نحمي هذه الصناعات الناشئة . فهل تشكل السياسة اليابانية الاغراقية ، بعد فتح اسواق البلاد العربية امام الصناعات اليابانية العريقة ، خطراً على صناعاتنا الجديدة ، وعلى نيتنا متابعة انشاء صناعات جديدة في بلادنا ؟  

إن الاعتقاد السائد بان اليابان تمارس سياسة اغراقية ، إعتقاد خاطيء لا يزال عالقاً في اذهان البعض منذ ما قبل الحرب العالمية الاخيرة . فقد كانت الصناعة اليابانية آنذاك تتسم بتقليد السلع والبضائع الغربية ، وكانت كلفة الانتاج الصناعي الياباني جد رخيصة ، ما مكنها من الدخول الى اسواق كثيرة والسيطرة عليها . غير ان البضائع اليابانية اليوم توازي من حيث الجودة والمتانة ، مطلق بضاعة اميركية او اوروبية . وهي في بعض الحالات تتفوق على الانتاج الغربي مثل الرديوات العاملة بالبطاريات ( الترنزيستور ) وعدسات التصوير العلمي والفني والاقمشة الحريرية وسواها . ولا تعتمد اليابان الآن في ميدان الاسعار والتسويق على سياسة الاغراق التي تستهدف السيطرة على الاسواق واحتكارها ، انما تعتمد سياسة مبنية على تخفيض ، ما أمكن ، كلفة الانتاج . وليس من الممكن ان تشكل هكذا سياسة خطراً بالنسبة للبلاد العربية ، الساعية الى حماية صناعاتها من المضاربة غير المشروعة ، الا في حالات معينة عندما تكون الصناعات القائمة فيها قد بنيت على قواعد فاسدة تضطر الدولة لحمايتها على حساب المستهلك ن بنسبة غير معقولة لا يبررها سوى تغطية الاخطاء في الدراسات التي سبقت انشاء هذه الصناعات . 

انا لست من المؤمنين بجدوى انشاء صناعة في لبنان ، او في بلد عربي او غير عربي ، تضطر الدولة ، من اجل المحافظة على ديمومتها ، الى فرض تعرفة جمركية ترتفع الى حد يفوق المئة بالمئة . فهكذا صناعات لن يكتب لها الاستمرار والنجاح . وتوضيحاً لما أقوله ، أعود بالذاكرة قليلاً الى الوراء . فقد توقفت في طريق العودة في هونغ كونغ ، وهي مدينة حرة لا تخضع عمليات الاستيراد والتصدير فيها الى اي قيد . ورغماً عن ذلك ، فان هذه المدينة تعد من المدن الصناعية المصدرة للانتناج الصناعي . وفي هذا خير دليل على ان الانتاج الصناعي الطبيعي ممكن ومصان اذا ما توفرت له العناصر الاساسية ، وفي طليعتها عنصر مهم من عناصر المزاحمة ، وهو اكتفاء صاحب العمل بنسبة ارباح ضئيلة جداً ، لاجئاً الى التعويض عن خسارة بعض الارباح عن طريق الانتاج الكثير والبيع بكميات كبيرة . 

أتعتقدون ان هناك امكانات للاعتماد على الخبرة والقروض اليابانية في تنمية الصناعات في لبنان وكل البلدان العربية؟ . وما هو السبيل الى تحقيق ذلك ؟ . 

تبين لي من خلال زيارتي انه من الضروري توسيع الاتصال بين هذه المنطقة واليابان من اجل القيام بدروس وبحوث تثبت لرجال الاعمال مدى الفوائد التي يمكن ان نجنيها من خلال اقامة علاقات اقتصادية وتجارية مع هذا البلد . فهناك مصالح عديدة قد تنجم عن هذه العلاقات . وبما ان هذه العلاقات ستخلق اتجاها جديداً لم يسبق ان تبلور في الماضي بسبب صعوبة الاتصال والمسافة الشاسعة بين الشرق الادنى والشرق الاقصى . وها قد زال السبب في الوقت الحاضر بما امنته النقليات الجوية السريعة من اختصار للمسافات وسرعة في الاتصال . فانا على يقين من ان الجانب الياباني سيبذل مجهوداً خاصاً للتعرف الى منطقتنا ودراسة اوضاعها والسعي لايجاد مجالات للتعاون مع ابنائها . واذكر على سبيل المثال انه بوشر في السنوات القليلة الاخيرة في اقامة علاقات مهمة مع هذا البلد الاسيوي الكبير ، منها قيام شركة البترول اليابانية في المنطقة المحايدة وما نتج وينتج عن قيامها في هذه المنطقة من اعمال مختلفة في حقل التنمية الاقتصادية والصناعية . 

هل هناك ، بالاضافة الى اليابان ، في رأيكم امكانات لقيام علاقات اقتصادبة وتجارية مع بلدان اخرى في الشرق الاقصى؟ . الصين الشعبية مثلاً ، او الصين الوطنية ، او غيرها ؟ . وما هي هذه الامكانات ؟. 

لم يتسن لي ان أدرس أي اوضاع غير تلك التي بحثنا عنها في اليابان . لذلك يصعب علي الاجابة على هذا السؤال . وقد يمكن ان تتوفر مع بلدان اسيوية اخرى مجالات للتعاون مفيدة ايضاً . 

ما هي علاقات اليابان مع اسرائيل ؟ . وهل باستطاعتنا ان نسد عليها المنافذ الى تلك الناحية من العالم وكيف؟ . 

لم يتبين لي اثناء زيارتي القصيرة ما يشير الى علاقات خاصة بين اليابان واسرائيل . انما ما يربط اليابان باسرائيل فهي علاقات دبلوماسية عادية كتلك التي تربط سائر دول العالم التي سبق لها ان اعترفت باسرائيل . ولم يبلغني شيء عن قيام تعاون اقتصادي اومالي او فني بين البلدين . وقد يكون في النبأ القائل ان وزيرة خارجية اسرائيل ستقوم بزيارة اليابان ، بناء لرغبتها وليس بناء لدعوة رسمية يابانية ، دليل على ان الحماس من الجانب الياباني غير متوفر ، انما اللياقة والضيافة تكون القاعدة في مثل هذه المناسبات . وان سد المنافذ على اسرائيل باتجاه تلك الناحية من العالم يتوقف الى حد بعيد على سرعة الاتصال العربي لاحراز السبق على اسرائيل التي ربما قد بدأت في مساعيها في هذا الاتجاه .