برنامج الرعاية والنهوض بالثروة الحيوانية في الجمهورية العربية المتحدة

 

 د. شكري المراغي  

نشر المقال في ايلول / سبتمبر 1962 ، العدد الثالث والعشرون ، الرائد العربي  

يتضاعف الاهتمام بالثروة الحيوانية بحكم دورها الكبير في اقتصاديات الدول الافريقية والاسيوية بنوع خاص ، وفي حياة الريفيين بصفة محددة . فالحقل والحيوان هما الموردان الطبيعيان لدخل الفلاح ، وزيادة غلة الارض وكفاية الحيوان معناهما تحسن دخل الفلاح وبالتالي رفع مستوى معيشته . ولما كان الريفيون في الجمهورية العربية المتحدة يمثلون الغالبية ، أي حوالى ثلثي السكان ويعيشون على موارد الارض الزراعية التي بقيمون عليها ، وبينما هم في تزايد مطرد عاماً بعد عام ، وبينما الرقعة الزراعية تتسع بنسبة ضئيلة ، لذلك كان دور الثروة الحيوانية في حياة العربي مهماً جداً . من هنا نحاول ان نلقي بعض الضوء على نصيب هذه الثروة في الدخل الوطني وبرامج الرعاية والعناية التي اعدتها الدولة لتحسينها وحمايتها . 

تعتبر الماشية ، وبنوع خاص الجاموس والابقار، الاساس الاقتصادي في دخل هذه الثروة . ويقدر عددها ب21.2 مليون رأس ، نصفها جاموس والنصف الآخر ابقار ، اضافة الى نحو مليوني راس غنم وعدد كبير من الجمال والدواب التي تعمل في الحقول ونحو 20 مليوناً من الطيور والدواجن . وتقدر قيمة الثروة الحيوانية في الجمهورية العربية المتحدة بحوالى 200 مليون جنيه مصري ، وتدر دخلاً سنوياً يصل الى 105 ملايين جنيه موزعاً على الشكل التالي : 44 مليون جنيه من اللحوم ، 33 مليون جنيه من الالبان ، عشرة ملايين جنيه من مبيع السماد وثلاتة ملايين جنيه من مبيع المخلفات و15 مليون جنيه من منتجات الدواجن . واذا ما عرفنا ان دخل هذه الثروة يمثل 25 بالمئة من الدخل الزراعي ، ويماثل الدخل من القطن ، وهو المحصول الرئيس ، لأيقنا الاسياب التي تدفع بالدولة الى العناية بشكل جدي بمصادر هذه الثروة وأهتمامها باعداد برامج ومشروعات من شأنها رفع قيمتها وزيادة دخلها لتسهم الثروة الحيوانية بما تنتجه في توفير الغذاء البروتيني للشعب . ونظراً لضيق الرقعة الزراعية في مصر وحاجتنا اليها في انتاج حاصلات زراعية اخرى للاستهلاك المحلي والتصدير ، ولعدم وجود مراع كما هو الحال في كثير من الدول الاخرى ، فان محاولة زيادة عدد الثروة الحيوانية قد تبدو غير ميسورة في الوقت الحاضر ، نظرأ لعدم وجود فائض من الاعلاف يكفي لتغذية الاعداد الجديدة من هذه الحيوانات ، في حالة الاخذ بسياسة الزيادة العددية . لذلك تركزت السياسة في التوسع الرأسي ، لا الافقي ، أو بمعنى آخر رفع القدرة الانتاجية للحيوان من غير ما زيادة عددية .  

وضعت الدولة ، من اجل الوصول الى هذا الهدف ، برنامجاً جديداً يرتكز على :  

اولاً ، مكافحة امراض الحيوان السارية والمتوطنة ، والحماية من الامراض الوبائية .

ثانياً ، تحسين الانواع الحيوانية المختلفة .

ثالثاً ، توفير الاعلاف الصالحة لغذاء الحيوان وباثمان مناسبة . 

وقد تضمنت الخطة الخمسية التي بدأ في تنفيذها سنة 1960 المشاريع اللازمة لتحقيق اهداف هذا البرنامج . ففي مجال الصحة الحيوانية ، وضعت برامج جديدة ورصد لها تسعة ملايين وستمئة وتسعين الف جنيه ، من ضمن الخطة الخمسية ، في ميزانية وزارة الزراعة . ونظراً لأهمية قطاع الوقاية ، بوصفه محور ارتكاز النهوض بالثروة الحيوانية وتحسينها ، برز من ضمن الخدمات الطبية والبيطرية ، مشروع مكافحة امراض الحيوان ، وهو المشروع الذي وضع على اساس انشاء 329 وحدة بيطرية تعمل بالمجان علاجاً ودواء في القرى الريفية لتخدم كل وحدة 20 الف رأس من الحيوانات و50 الف طير وداجن . وروعي في المشروع ايضاً تيسير اداء الخدمات في القرى نفسها بانتقال الخدمات اليها ، أي ان الطبيب البيطري المشرف ينتقل بسيارته الى القرى التي تحيط بالوحدة مرتين في الاسبوع على الاقل . وقد قطع تنفيذ المشروع اكثر من نصفه، إذ يوجد اكثر من 160 وحدة تعمل في الوقت الحاضر ، علاوة على 40 وحدة في دور الانتهاء من البناء وستكون معدة للتشغيل في خلال شهور قليلة . ونظراً لأهمية الفحص المعملي وعمل الاستبيانات على العينات المرضية ، أخذت الحكومة بسياسة انشاء المعامل البيطرية الاقليمية في المحافظات لتكون في خدمة هذه الوحدات . وقد نفذ نصف العدد حتى الآن وفقاً للخطة الخمسية ، كما تم التوسع الكبير في المعامل البيطرية الرئيسة التي أصبحت تنتج من اللقاحات والامصال اللازمة للوقاية من الاوبئة الحيوانية المختلفة ما يزيد على عشرة امثال ما كانت تنتج سابقاً . ويعنى الجهاز التنفيذي البيطري في الريف عناية خاصة بمقاومة الطاعون البقري ، والذي تبذل محاولات جادة لتخليص البلاد منه ، وذلك بالتحصين الدوري . ويقدر ما يحصن سنوياً بنحو نصف مليون رأس من الابقار . وتقدر الزيادة المنتظرة في الدخل القومي ، بعد تنفيذ مشروعات الوقاية تنفيذاً صحيحاً ، بنحو 45 مليون جنيه سنوياً ، يستفيد الفلاح منها فائدة مباشرة بوصفه مالك الحيوان في الريف. 

رصدت الدولة مبلغ اربعة ملايين وستمئة وثلاثة وعشرين الف جنيه في برنامج السنوات الخمس لتوفير طلائق الجاموس ، وذلك عن طريق الاكثار من تربية اناث الجاموس في المزارع الحكومية وتوزيع ما تنتجه من طلائق على القرى ، ورصدت مبلغ 1111660 جنيهاً لمساعدة الفلاجيين في تربية هذه الحيوانات . ورصدت ايضاً مبلغ 1107742 جنيهاً للتوسع في استيراد الابقار الهولندية للاكثار منها في بلادنا ولتهجين الابقار المصرية منها ورفع ادرارها اللبني إضافة الى زيادة كميات اللحوم . وكذلك قررت الحكومة استيراد انواع من الاغنام لمحاولة تهجينها بالاغنام المحلية بغية تحسين أصوافها وخصائص اللحوم فيها .  

ظفرت الثروة الداجنة بنصيب كبير من الاهتمام . فهي كانت تشكو من حجمها الصغير وعدد بيضها وحجمه . ومن اجل التغلب على مشاكل التفريخ قامت المحطات الحكومية بالتوسع في تربية السلالات الاجنبية التي تتفق مع طبيعة البلاد ، ومنها سلالات الرود آيلند وبلموث ابيض ولجهوزون ، وحددت المناطق التي يصلح فيها كل نوع ، كما توسعت قي اقامة محطات التفريخ ورصدت 75 الف جنيه لتوزيع المكافآت التشجيعية لمعامل التفريخ التي تتبع القواعد والنظم الحديثة للتغلب على وسائل التفريخ البدائية في المعامل الريفية . 

استكمالاً لبرامج النهوض ، أعد مشروع التلقيح الصناعي على اساس انشاء مركز في كل قرية فيها وحدة بيطرية ، وذلك لتعميم التلقيح الصناعي للابقار الهولندية وللجاموس من فحول مختارة جيدة الصفات . وسيتم تنفيذ هذا المشروع من ضمن الخطة الخمسية . وقد قطع المشروع الشوط الاول من مراحل التنفيذ ‘ إذ نفذ في خمس محافظات . وسيكون عدد مراكز التلقيح الصناعي مماثلاً لعدد الوحدات البيطرية ، أي 329 مركزاً ، تقوم الى جانب مهمة التلقيح بمعالجة العقم والاضطرابات التناسلية المنتشرة في الجاموس ، زيادة قدرها 12 مليون جنيه سنويا . وبديء ايضاً في تنفيذ مشروع حيوي آخر هو مشروع تسجيل الماشية . وقصد به احكام الرقابة على الحيوانات المريضة التي تذبح خارج المجازر وتسبب انتشار الاوبئة . كذلك احكمت الرقابة على ذبح الاناث غير المصرح بذبحها ، الى جانب مساعدة الاخصائيين عند القيام بعمل استبينات ، إضافة الى مساعدة المسؤولين على توزيع الاعلاف بعدالة ويسر . وقد بديء بتنفيذ هذ الاجراء في اواخر سنة 1961 في احدى المحافظات ، على ان يستكمل التنفيذ في مدى خمس سنوات .  

كشفت المرحلة الاولى من تنفيذ هذا المشروع ان هناك زيادة ظاهرة في عدد المواشي من الجاموس والابقار ، قدرت بنحو 23 بالمئة . وكانت التجربة قد تمت في 11 قرية وبلغ عدد الحيوانات التي خضعت للرقابة والمعالجة 16212 رأساً . وأيد هذه الظاهرة الاحصاء العام الذي كشف عن زيادة قدرها ثلث مليون راس في عام 1961 زيادة عن عام 1958 . ومرجع هذه الزيادة انتشار الوعي للاهتمام بالثروة الحيوانية وكثمرة للجهود الارشادية التي حولت نظرة الفلاح لتربية الماشية الى نظرة اقتصادية بعد ان وزعت الاراضي على الفلاحين ، اضافة الى اتساع نطاق الخدمات البيطرية وما رافقها من قلة النفوق في الحيوانات . 

عمدت وزارة الزراعة ، في مجال التغذية ، الى الاعتماد بشكل كبير على تصنيع الكسب الناتج من معاصر محصول بذرة القطن البالغ بين 400 و 600 الف طن سنوياً مع مخلفات مضارب الارز والمطاحن . ومع ان مشكلة توفير الاعلاف لهذا العدد الضخم من الثروة الحيوانية ما زالت قائمة ، الا ان الوزارة ، بعد ان أصبحت مسؤولة عنها ، رسمت سياسة من شأنها عدم توزيع الاعلاف خلال موسم الشتاء وتصنيع اكبر كمية ممكنة منها ومراعاة خفض اسعار العلف المصنع . ويؤمل ان تحقق هذه السياسة اهدافها رغم الشكوى من قلة الاعلاف في الصيف على اساس ما سيتوفر شتاء . ويتابع الاخصائيون في التغذية حالياً دراساتهم وابحاثهم وتجاربهم على انواع من الحشائش الخضراء التي يمكن ان تسهم في غذاء الماشية صيفاً . 

تم هذا العام افتتاح كلية طب بيطري ثانية لتخريج العدد اللازم من الاخصائيين البيطريين بعد ان ثبت عدم قدرة كلية واحدة على امداد المشروعات بالعدد المطلوب من هؤلاء . ومع ازدياد عدد الاطباء البيطريين والتوسع في الخدمات وما تحتاج اليه من قوى بشرية مدربة سيكون بامكاننا تحسين الانتاج الحيواني وزيادة عدده .وفي هذا المجال ، أنشأت وزارة الزراعة مركزاً جديداً لتدريب الاطباء بعد تخرجهم ولتدريب القدامى منهم تباعاً ، لتجديد معلوماتهم ولتنمية ثقافتهم وتمكينهم من الاطلاع على الاكتشافات والمعلومات العلمية الحديثة . وهي بصدد انشاء مركز لتدريب المعاونين والعمال البيطريين لتحقيق هدفها في زيادة الكفاية الانتاجية لكل العاملين في الحقل التطبيقي.

ولما كانت هذه المشروعات ، عند تنفيذها ، ممثلة في الخدمات التي تؤديها في الريف ، تحتاج الى جسر تعبر عليه الى البيئة الريفية في ظل تبسيط وفهم وتوجيه وتبصر وايمان ، قد أنشيء في سنة 1958 اول جهاز للارشاد البيطري ليكون اداة فعالة لاثارة الوعي ومساندة الاخصائيين عند قيامهم بخدماتهم في محيط بيئة ريفية مشككة بطبيعتها ، وتحويل هذا المحيط الى بيئة متعاونة مؤمنة بفعالية المجهود المبذول لانجاح هذه المشروعات لما في ذلك من خير لهم ولريفهم المحتاج الى كل جهد خيّر لانعاشه .