تطور الحركة التشريعية في الكويت

المحامي الشيخ بهيج تقي الدين

نشر المقال في كانون الثاني / يناير 1961 ، العدد الثالث ، الرائد العربي

التشريع وليد الضرورات التي يفرضها تطور الدولة . ومن المبادىء الأولية ان القانون يجب ان يكون منبثقاً عن حاجات البلد الذي أعد له ومنسجماً مع تقاليده وأوضاعه الاجتماعية . وفي ضوء هذه الحقائق يمكننا ان نقر ان القول بتوحيد التشريع بين الدول العربية بصورة شاملة ومطلقة ، هو ، في الوقت الحاضر على الأقل، صعب المنال ، بل مستحيله لأن هذه الدول ليست واحدة من حيث تطورها الاجتماعي وحاجاتها المختلفة ، بالرغم مما يربط بينها أصلاً من لغة وتقاليد .

على انه يجب القول ، في حدود هذا التعليل نفسه ، ان التشريع في الدول العربية يسير في طريق التوحيد بخطى حثيثة. فالنهضة العمرانية التي شملت الجزء الاكبر من البلاد العربية وما يرافق هذه النهضة من تطور اجتماعي طبيعي يفرضان وجود قوانين حديثة متشابهة في الكثير من قواعدها واحكامها .

ولعل الكويت في طليعة البلدان العربية التي ظهرت فيها هذه النهضة بقوة وسرعة فأصبحت ، رغم حفاظها على تقاليدها الأصيلة ، دولة حديثة بكل ما في هذه الكلمة من معاني ومقومات . وقد أتيح لي ان أراقب عن كثب ، ولو بصورة عابرة ، ما حققه القائمون على مقدرات هذا البلد العربي من مشاريع ضخمة في مختلف نواحي العمران والاجتماع والتشريع .

ففي ميدان التشريع ، بصورة خاصة ، شعر المسؤولون هناك ان إتساع حركة النقل والتجارة وتطور البلاد الاقتصادي يجعل اشتراع قانون للتجارة حديث ضرورة لا بد منها . ففي سنة 1960 صدر قانون التجارة ، او بالاحرى قانون الشركات الذي هو جزء مهم من قانون التجارة ، فاذا به يلبي حاجات النهضة التي أشرت اليها ، بما استوحاه وتضمنه من احكام وأصول حديثة ، بعضها موجود في هذه المجلة ، وجميعها قد أثبت الاختبار في الدول التي سبقت الكويت في هذا الميدان ، ان صلاحها وتلبيتها لحاجات الدولة ما يقتضيه اتساع الحركة التجارية .

واذا قابلنا بين قانون الشركات الكويتي وبين القانون اللبناني رأينا توافقاً ملموساً ، الا في بعض انواع الشركات التي لا وجود لها في القانون اللبناني مثل الشركات ذات المسؤولية المحددة . أما شركات التضامن والتوصية والمحاصة والمساهمة ، فاحكام التشريعين تكاد تكون واحدة ، ما خلا الشركات المساهمة الي أوجب القانون الكويتي ان تكون كافة أسهمها اسمية . وانني واثق من ان قانون الشركات سيتبعه ، ان لم يكن قد تبعه ، ما يفرضه التشريع التجاري من نصوص اخرى في قانون التجارة .

إن الموضوع الذي شاءت ادارة مجلة " الرائد العربي " ان أعالجه فكتبت بشأنه هذه الكلمة السريعة من دون ان أدعي لا التعمق في معالجته ، ولا فيه هو نفسه . هذا الموضوع كان من حق غيري ان يبحثه على صفحات مجلة تهدف الى الاسهام في نهضة العرب الاقتصادية وتوجيهها على اساس وضمن مخطط علمي صحيحين .

واعترافي بقصر باعي في معالجة هذاالموضوع ، يشكل تفسراً لقصر هذه الكلمة . فعذرًا على "سطحيتها "، آملاً ان أتمكن يوماً من أن أجول ، على صفحات الرائد العربي ، في ميدان أكون فيه أكثر إطمئناناً الى نفسي وارتياحاً الى انني أسهم حقاً ، مع الرائد العربي ، في السعي الى الهدف الذي نرمي اليه كلنا .