التشريعات الزراعية الجديدة في الاقليم المصري

صلاح مصطفى الدباغ، دكتور في الحقوق

نشر المقال في ايلول / سبتمبر 1961 ، العدد الحادي عشر ، الرائد العربي

في الخامس والعشرين من شهر تموز / يوليو الماضي صدرت في القاهرة تشريعات زراعية جديدة للاقليم الجنوبي تناولت ثلاثة امور رئيسة هي :

1 – تحديد الملكية الزراعية بمئة فدان . وسنتنا ول هذا الاجراء بشيء من التفصيل في ما بعد .

2 – تحديد الحد الأقصى لمساحة الارض الزراعية التي يمكن لأي شخص ، هو وزوجه واولاده القصر ، استئجارها بخمسين فداناً ابتداء من السنة 1960 الى 1961 الزراعية . وكان التشريع السابق ( قانون رقم 24 لسنة 1958 ) قد قصر استئجار الاراضي الزراعية ابتداء من سنة 1959 – 1960 على ثلاثمئة فدان . وسيترتب على هذا التحديد الجديد آثار بعيدة . فحوالى 75 بالمئة من أراضي الأقليم الجنوبي الزراعية تستثمر عن طريق الايجار . وجرت العادة ان يحتكر قليل من الوسطاء او المزارعين تأجير الاراضي ثم اعادة ايجارها من صغار الفلاحين . ومن نتائج هذا التحديد المتوقعة إنخفاض الطلب على استئجار الاراضي الزراعية . ويستتبع ذلك انخفاض اسعار الايجارات حتى تبلغ الحد المعين في القانون والمحدد بسبعة امثال الضريبة . فرغم النصوص القانونية اتي تحدد قيمة الارض الزراعية لا يزال هناك ملاكون يتقاضون من مستأجريهم أكثر من القيمة المحددة بطرق وأساليب عديدة (1) .

3 – تخفيض أقساط الدين وفوائده على المنتفعين بالاصلاح الزراعي .

خففت التشريعات الجديدة الى النصف ما لم يؤد من ثمن الارض الموزعة او التي توزع على المنتفعين بقوانين تحديد الملكية مع فوائد ذلك الثمن . وهذا الاجراء سيحمل الدولة عبئاً كبيراً يكاد يصل الى حوالى خمسين مليون جينه مصري . فالاراضي الموزعة ، بين تلك التي يشملها قانون الاصلاح وقانون توزيع الاوقاف الخيرية والاراضي المستصلحة ، تبلغ 500 الف فدان . واذا قدرنا معدل ثمن الفدان مع منشآته بمئتي جينه مصري ، يكون مجمل الثمن الذي يتوجب على المنتفعين دفعه الى الدولة بمئة مليون جينه مصري ، تتحمل الدولة نصفها او ما يقل عن ذلك بقليل ، باعتبار ان بعض أقساط الاراضي الموزعة قد تم دفعها فعلاً . وسنتناول الآن ، بشيء من التفصيل ، ملكية الاراضي الزراعية بمئة فدان ، وهو أهم الاجراءات الثلاثة اطلاقاً .

كانت ملكية الاراضي الزراعية قد حددت في الاقليم المصري للفرد وزوجته واولاده القصر مجتمعين بثلاثمئة فدان (2)  . وهذا التحديد ، على أهميته ، كان إجراء اقتصادياً معتدلاً للغاية . فهو اولاً لا ينطبق الا على ما مقداره 7.45 بالمئة من مساحة الاراضي الزراعية . وهوثانياً يؤمن للملاك ، في الحد الأقصى الذي نص عليه القانون ، دخلاً يتراوح بين خمسة الآف وستة الآف جينه مصري ، على أقل تعديل . هو ثالثاً يعطي الملاكين الذين صودرت املاكهم تعويضاً معقولاً .

واذا كان قانون الاصلاح الزراعي الصادر في سنة 1952 قانوناً معتدلاً من حيث آثاره الاقتصادية ، إلا أنه كان قانوناً متطرفاً من حيث نتائجه السياسية . فهو قد حد من سلطة الملاكين الزراعيين وكبح جماح تسلط الاقطاعيين منهم . وفي الواقع ، فان الهدف الاساسي الذي كان يكمن وراء اصدار القانون ، كان هدفاً سياسياً أكثرمن أي شيء آخر . فقد هدف الى حماية الثورة وتجريد اعدائها السياسيين من مصدر سيطرتهم السياسية. أما التعديل الاخير الذي يحدد الملكية الزراعية بمئة فدان فقط ، فهدفه مختلف . إنه هدف اقتصادي واجتماعي أكثر مما هو سياسي . فلم يعد هناك إقطاع وملاكين كبار يخشى منهم على الثورة . وعليه ، يكون التعديل الجديد ، باستهدافه تحقيق عدالة اجتماعية أوسع ، قد أضفى على نظام الحكم الواناً اشتراكية واضحة ، لاجدال فيها .

ومما لا شك فيه ان نجاح قانون عام 1952 في التطبيق ، من حيث إعادة توزيع الثروات والمداخيل الزراعية لصالح صغار المزارعين ، مع المحافظة على مستوى الانتاج الزراعي ، هو الذي حمل المسؤولين في الاقليم الجنوبي على تخفيض الحد الاعلى للملكية الزراعية مرة ثانية . ومما لا شك فيه ايضاً ان ذلك النجاح يعود الى الكفاءة العالية والادارة الحازمة والحكيمة التي برهن عنها المسؤولون في وزارة الاصلاح الزراعي في الاقليم الجنوبي .

ينص التعديل الجديد على تحديد ملكية الاراضي الزراعية للفرد بمئة فدان فقط ، فتبقى ، تبعاً لذلك ، ملكية العائلة في حدود الثلاثمئة فدان . وتستولي الحكومة ، ممثلة بالهيئة العامة للاصلاح الزراعي على ما يتجاوز هذا الحد الاقصى ، كي توزعها بدورها على صغار الفلاحين بمساحات تتراوح بين فدانين وخمسة افدنة ، شرط انضمام المنتفعين من هذا التوزيع الى جمعيات تعاونية زراعية متعددة الاهداف . وينص القانون كذلك على تعويض الملاكين ذوي الاملاك المصادرة بسندات رسمية على الدولة لمدة خمس عشرة سنة بفائدة قدرها 4 بالمئة سنوياً . وتكون هذه السندات قابلة للتداول في السوق المالية ( البورصة المصرية ) . وكان قانون سنة 1952 قد نص على تعويض الملاكيين بسندات لمدة ثلاثين سنة وبفائدة 3 بالمئة فقط ، ثم جرى تعديل هذا النص فأطال المدة الى اربعين سنة وخفض الفائدة الى 1.50 بالمئة . وأغلب الظن ان تعديل الفائدة قد أخذ بها النص المعدل لتتناسب ومعدلات الفائدة التي نصت عليها القوانين الحديثة المتعلقة بتأميم الشركات . ومن المتوقع ان تمدد مدة استهلاك السندات وتخفيض فائدتها في المستقبل لتجاري الفائدة والمدة المنصوص عليها في القانون القديم .

 وقبل ان نتكلم عن آثار هذه النصوص ، لنلقي نظرة على توزيع الملكية الزراعية كما كانت قبل صدور التعديل الاخير .

                                                جدول رقم 1

                        توزيع الملكية الزراعية في الاقليم المصري قبل التعديل الاخير

حجم الملكية                 عدد الملاك        %         المساحة المملوكة ( أفدنة)       %

اقل من 5 افدنة                         2869878          94.72               2945065          49.3

من 5 – 10                    79259              2.56                 525904                        8.8

من 10 – 50                  69115              2.36                 1281433                      21.5

من 100 – 200              3184                0.1                   436775                        7.3

200                              1768                0.058               353600                        5.9

المجموع                       3029572          100                  5972271                      100

المصدر : الجمهورية العربية المتحدة ، كتاب الجيب لعام 1959 ، القاهرة (1959 ) ، ص 22 

يظهر من هذا الجدول ان التعديل الجديد للحد الاعلى للملكية الزراعية سيطبق على 1786 مالكاً ممن يملكون 200 فدان ، وعلى حوالي 3184 مالكاً ممن تتراوح ملكياتهم ما بين 100 و200 فدان . أما المساحة الخاضعة للاستيلاء والتوزيع فتبلغ حوالى 290000 فدان ، منها 171629 فداناً تخص المالكين من فئة المائتي فدان ، والباقي ، أي 118375 فداناً تخص المالكين الذين تتراوح ملكياتهم بين 100 و 200 فدان .

تتضح لنا أهمية التعديل الاخير بمقارنة آثاره مع آثار نصوص القانون الاصلي من حيث عدد الملاكين المصادرة املاكهم والاراضي الخاضعة للاستيلاء كما يظهر من الجدول التالي :

                                                جدول رقم 2

                        مقارنة قانون 1952 مع تعديله الاخير من حيث النتائج

            عدد الملاكين المصادرة املاكهم    %         الاراضي الخاضعة للاستيلاء       %

1952                1786                            0.06                 445000                        7.45

1961                4970                            0.158               290000                        4.85

المصدر : الجدول السابق ووزارة الاصلاح الزراعي ، الاقليم الجنوبي  . و كلمة وزير الاصلاح الزراعي امام مؤتمر الاتحاد القومي.

يتضح من الجدول رقم 2 ان الاراضي التي خضعت للاستيلاء وفق القانون الجديد لا تتجاوز 5 بالمئة من مجموع الاراضي الزراعية في الاقليم الجنوبي ، وهي نسبة غاية في الاعتدال . واذا أضفنا الى ذلك نسبة الاراضي الزراعية الخاضعة للاستيلاء ، وفقاً لنصوص عام 1952 وغيرها من القوانين والاجراءات ، لوجدنا ان مجموع ذلك لا يتعدى 16 بالمئة من مجموع مساحة الاراضي الزراعية وذلك حسب الجدول التالي:

                                                            جدول رقم 3

                                    النسبة المئوية للاراضي الزراعية الخاضعة للاصلاح الزراعي

                        نوع الاجراء                                النسبة المئوية من مجموع الاراضي الزراعية

                  قانون  عام  1952                                                     7.45

                  قانون  عام  1961                                                     4.85

                  اراضي الاوقاف الخيرية                                            1.8

                  الاراضي المستصلحة بما في ذلك مديرية التحرير      1.8

                  المجموع                                                                 15.7

المصدر : مصادر الجداول السابقة وجريدة الاهرام ، السنة 87 ، عدد 27175 ( 7/5/1961 )

هذه النسبة المئوية من الاراضي الزراعية الخاضعة للاستيلاء ومن ثم التوزيع هي نسبة معتدلة . فعليه ، فقد لا يكون التشريع الجديد و الاخير في سلسلة تخفيض الحد الاعلى للملكية الزراعية. وليس مستبعداً ان يخفض ذلك الحد الاعلى الى أقل من مئة فدان في المستقبل . فهناك عدد من البلدان التي حددت الملكية الزراعية بأقل من الحد الجديد الذي ينص عليه القانون في الاقليم الجنوبي . ففي يوغوسلافيا ، مثلاً ، حدد قانون ايار من سنة 1955 الحد الاعلى للملكية الزراعية بما يعادل 24 فداناً ( عشرة هكتارات ) . وفي اليابان تحدد الحد الاعلى للملكية الزراعية منذ عام 1946 بحوالى سبعة أفدنة ( ثلاثة هكتارات ) . وفي الصين الوطنية تحدد هذا الحد بمساحة تتراوح بين فدان واحد وثلثي الفدان وفدانين ونصف الفدان في المناطق المزروعة أرزاً ، وبحوالي ثلاثين فداناً في المناطق البعلية . ولئن كان أمر تخفيض الحد الاعلى للملكية الزراعية غير مستبعد ، إلا أنه من الواضح ان المسؤولين في وزارة الاصلاح وفي الحكومة لا يتجهون اطلاقاً الى فكرة تجميع الزراعة عن طريق خلق المزارع الجماعية . ولعل في توزيع ملكية اراضي مديرية التحرير ، التي كانت تدار حتى تموز / يوليو الماضي بصورة جماعية ، على صغار المزارعين دليلاً واضحاً على تلك السياسة .

تبقى الاصلاحات الزراعية ، مهما كان حد الملكية الزراعية التي نص عليه القانون ، عاجزة عن ان تحل لوحدها المشكلة الزراعية الاساسية في الاقليم الجنوبي . فالمشكلة متجذرة في كثرة المزارعين وقلة الاراضي الزراعية ، وما ينجم عن ذلك من فقر مدقع وجهل متفشٍ وامراض تفتك بغالبية سكان الارياف . لذلك ، من الضروري أن يرافق كل اصلاح زراعي إهتمام بتوسيع رقعة الاراضي المنزرعة ، من جهة ، وفتح مجالات عمل جديدة للفائض من سكان الارياف . ومن الضروري كذلك اعتماد سياسة اجتماعية تهدف الى توسيع مجالات التعليم والصحة والاسكان . فالاصلاح الزراعي ، بمعناه الواسع ، يجب ان يستهدف المزارع اولاً وتعزيز مكانته وتحقيق رفاهه ، لأن النهوض الشامل بقطاع الزراعة لا يتحقق الا عن طريق النهوض بالمشتغلين في ذلك القطاع ورفع مستواهم .     

______________________________________________________________________

(1) سيد مرعي ، " تأخير الاراضي الزراعية " ، المجلة الزراعية ، العدد الرابع ، صفحة 4 .

(2) وفقاً لنصوص المرسوم رقم 178 الصادر في عام 1952 والمعدل بقانون رقم 24 في عام 1958.