المهندس عز الين رفعت
قدم هذا البحث الى مؤتمر البترول العربي الثاني ونشر في كانون الاول / ديسمبر 1960
في العدد الثاني من مجلة " الرائد العربي " .
سبق للجنة خبراء البترول العرب ان أوصت في اجتماعاتها المنعقدة في جدة في اكتوبر / تشرين الاول 1959 بما يلي : " تأسيس شركة عربية لانابيب البترول ، على ان يقوم المجلس الاقتصادي لجامعة الدول العربية بأن يوافق على تأسيس الشركة المذكورة ودفع ما يعادل 2 % من رأس المال التأسيسي ، تساهم فيه الدول والامارات العربية الراغبة في الاستفادة من المساهمة ، وان يقوم مجلس ادارة هذه الشركة باستعمال جميع الدراسات الاقتصادية والفنية اللازمة واجراء جميع الاتصالات التي يراها ضرورية ، واعداد المواصفات الفنية التي يعرض بموجبها المشروع للتنفيذ ، على ان تعرض نتائج جميع هذه الدراسات على المجلس الاقتصادي لاقرارها قبل البدء في التنفيذ الفعلي لانشاء خطوط الانابيب ... " .
ولالقاء بعض الضوء على هذا المشروع نوضح في ما يلي الاسس التي بني عليها منذ ان بدأ بدراسته وما استجد عليه ، حتى يسهل استيعاب النقاط التي يجب مراعاتها في الدراسة الاقتصادية .
بعد دراسة التقرير الذي رفع الى الامانة العامة لجامعة الدول العربية الخاص بتكوين شركة عربية لخطوط الانابيب ، كان هناك وقتئذ ما يعزز مد خط انابيب . أما الان فهنالك ما يدعو الى المزيد من الدراسة للاسباب الآتية :
اولاً : إستند المشروع من الوجهة الاقتصادية على تقدير اولي وعام للطلب على البترول تنبأ به المستر اوستن كادل ن مدير القسم الاقتصادي لشركة ستاندرد اويل اوف كاليفورنيا . وقد جاء في التقرير ان طلب اوروبا الغربية على البترول سيكون كالآتي :
سنة 1957 1967 1975
ملايين البراميل في اليوم 3.1 7.4 1002
ملايين الاطنان في السنة 155 370 510
وفي تبرير المشروع اقتصاديا وجدواه افترض المستر كادل ان اوروبا الغربية سوف تحصل على هذه الكمية برمتها من بترول الشرق الاوسط في عام 1967 بالوسائل التالية :
ما ينقل عبر الانابيب الحالية بطاقتها القصوى :
خطوط : كركوك – طرابلس / بانياس ، خط التابلاين 52.5 مليون طن سنوياً
ما يمر بقناة السويس بعد مشروعات التوسيع 255 مليون طن سنوياً
ما ينقل بواسطة الناقلات الضخمة عن طريق الرجاء الصالح 62.5 مليون طن سنوياً
--------------------
المجموع 370 مليون طن سنوياً
وقد بني المشروع على أساس نقل الكمية التي يقترح نقلها بواسطة الناقلات الضخمة عن طريق رأس الرجاء الصالح السابق ذكرها .
ثانيا : أغفل التقرير السابق بعض الحقائق التي يجب إيضاحها ، وهي
1 – الزيادة في انتاج اوروبا الغربية ، والذي بلغ في سنة 1959 حوالى 12.5 مليون طن .
2 – واردات اوروبا الغربية من نصف الكرة الغربي ، وبخاصة من فنزويلا وجزر الهند الغربية الهولندية ، والتي قدرت في سنة 1958 بحوالى 23.5 مليون طن .
3 – تزايد واردات اوروبا الغربية من نفط الاتحاد السوفياتي والتي بلغت في سنة 1959 حوالى 10 ملايين طن .
ثالثاً : ظهور عامل جديد ومصدر من أهم مصادر البترول في العالم ، ونعني منطقة الجزائر وليبيا ، مما لا يمكن اغفال تأثيره ، بصورة مباشرة، على واردات اوروبا من الشرق الاوسط .
رابعاً : للتحقق من جدوى المشروع اقتصادياً لا بد من الاستعانة بتقرير اللجنة الاستثنائية التابعة للمنظمة الاوروبية للتعاون الاقتصادي " لجنة روبنسون " ، إذ ان هذا التقرير يعتبر ذا صبغة رسمية ، وهو أدعى للاخذ به ، حبث انه وضع على اساس دراسة مستفيضة لحاجة اوروبا من الطاقة خلال الخمسة عشر عاماً القادمة ، آخذاً في الاعتبار التوسع في استغلال مصادر الطاقة الاخرى ، مثل الفحم الحجري والغاز الطبيعي ومساقط المياه . كما انه تضمن دراسة لنمو الانتاج في كل من اوروبا والجزائر . وقد قدرت اللجنة احتياجات اوروبا الغربية من النفط الخام المستورد كالآتي ، بملايين الاطنان :
السنة الاحتياجات بملايين الاطنان سنوياً
1965 180 – 220
1975 265 – 350
وباعتبار متوسط الحاجة ، ستبلغ حاجات اوروبا من الخام المستورد كما يلي :
السنة الاحتياجات بملايين الاطنان سنوياً
1965 200
1975 308
كما قدرت مستقبل الانتاج من بترول الجزائر كالآتي بملايين الاطنان :
السنة الاحتياجات بملايين الاطنان سنوياً
1965 30 – 50
1975 60 – 100
بذلك يكون متوسط انتاج الجزائر :
السنة الانتاج بملايين الاطنان سنوياً
1965 40
1975 80
وبناء عليه تكون حاجة اوروبا من النفط الخام المستورد من مصادر اخرى غير الجزائر :
السنة ملايين الاطنان سنوياً
1965 160
1975 228
خامساً : تدل الاحصاءات الاخيرة ان حاجة اوروبا للبترول الخام المستورد عامة ، كان في 1959 حوالى 157.5 مليوناً من الاطنان . ويتوقع ان ترتفع هذه الكمية الى 200 مليون طن في عام 1965 ، وبالتالي تقدر كمية النفط الخام المستورد خلال السنة نفسها من مصادر اخرى غير الجزائر بحوالى 160 مليون طن سنوياً. ولا تأخذ هذه الارقام والتقديرات ما يمكن استيراده من ليبيا التي ينتظر لها من الامكانيات ما لا يقل عن الجزائر .
سادساً :من إهم العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار ما جاء في الخطة التي رسمتها الحكومة الاميركية لاستغلال موارد الانتاج المحلية بأقصى طاقة ممكنة ، مما حدا الى وضع قيود على الاستيراد منذ أوائل عام 1959 ، الامر الذي سيزيد من حدة منافسة انتاج فنزويلا وجزر الهند الغربية الهولندية لانتاج الشرق الاوسط من النفط في الاسواق الاوروبية .
سابعاً : الامكانيات النامية لانتاج البترول في الارجنتين سوف يجعل منها بلداً مصدراً للبترول بعد ان كانت تستورد حوالى 8 ملايين طن في سنة 1959 ، وبالتالي سوف تسد جانباً من احتياجات اميركا الجنوبية التي كانت تعتمد في معظم احتياجاتها على بترول فنزويلا وجزر الهند الغربية الهولندية ، مما سيدفع فنزويلا الى التفتيش عن اسواق جديدة في اوروبا الغربية لتصريف انتاجها .
وتقدر الزيادة في انتاج الارجنتين في الفترة ما بين عام 1959 وعام 1964 بحوالى 14 مليون طن في السنة، مما سيتكفل الى حد ما في سد احتياجات اميركا الجنوبية من النفط الخام . هذا بالاضافة الى تطور امكانيات الانتاج في البرازيل .
ثامناً :هبطت اسعار النقل البحري منذ منتصف عام 1957 هبوطاٌ شديداً ، وما زالت عند هذا المستوى المنخفض منذ ذلك الحين ، إذ ينقص في المستوى حوالى 50% عن اسعار كقياس لندن رقم 3 واحتمال انخفاض السعر عن هذا المستوى أقوى من احتمال إرتفاعه ، نظراً لان غالبية الناقلات النفطية التي تبنى الان هي من الحجم الضخم الذي تقل مصاريف تشغيله كثيراً بالنسبة لوحدة الحمولة . هذا ، الى جانب التحسينات الفنية التي أدخلت على الالات ولمعدات . ويتضح ذلك من البيان التالي عن متوسط حمولة اسطول الناقلات العالمي ( عن التقرير السنوي لشركة جون . ا. جاكوبز ليمتد ) :
متوسط الحمولة بالطن
اسطول الناقلات في 21 ديسمبر / كانون الاول 1958 18685
الناقلات الجديدة المسلمت في النصف الثاني من عام 1958 24234
الناقلات الجديدة المتعاقد على بنائها لغاية 31/12/1958 35800
ويزيد متوسط الحمولة في العقود الجديدة عن 48000
ونورد في ما يلي مقارنة لتكاليف نقل الطن الواحد بالناقلات يبعاً لحجمها . وقد افترض فيها ان تكاليف نقل الطن الواحد بواسطة ناقلة حمولتها 16600 طن تساوي 100 وحدة ، وقورنت تكاليف النقل بالناقلات الاخرى بالنسبة لها :
حمولة الناقلة بالطن تكاليف النقل النسبية
16600 100
19000 60
30000 63
45000 51
85000 40
100000 38
70000 43
وتبين الدراسة الاقتصادية الموضحة في ما بعد اسعار نقل البترول في خطوط الانابيب الحالية الى شرقي البحر الابيض المتوسط مقارنة باسعار النقل البحري ، على أساس الاسعار السارية بنسبة 50 % منقوصة من فئات مقياس لندن رقم 3 ، وقد افترضت ميناء الوصول روتردام او فينيسيا في اوروبا .
كلفة النقل البحري للطن الواحد
من رأس تنورة الى روتردام الى فينيسيا
بنس شلن بنس شلن
50% من فئة مقياس لندن 5.5 24 10 17
رسوم قناة السويس 3 6 3 6
----------- ----------
المجموع 8.5 30 13 23
50% من فئة مقياس لندن 1.5 14 4 7
----------- ----------
الفرق : 7 16 9 16
يمثل هذا الفرق في المجال الاقتصادي للنقل بالانابيب من مصادر الانتاج الى شرقي البحر الابيض المتوسط حتى يمكن لخطوط الانابيب منافسة النقل البحري بالناقلات ، وهوأقل من كلفة النقل بالانابيب الحالية التي تبلغ حالياً 37 سنتاً للبرميل الواحد ( 34-34.9 .A.P.I. ) أي ما يعادل 20 شلناً للطن الواحد . وهذا يعزز السبب الرئيس لتشغيل خطوط الانابيب الحالية بكفاءة جزئية ، ومن الطبيعي انها تعمل فقط لحساب شركات النفط التي تملكها .
ومما لا شك فيه ان إنشاء خطوط جديدة لا تتناسب سعتها مع زيادة المنقول من بترول الشرق الاوسط الى اوروبا سوف يؤدي الى زيادة حدة المنافسة بين اسعار النقل ، وبالتالي الى إنخفاض مستوى فئات النقل البحري .
تاسعاً : إن كميات خام بترول الشرق الاوسط التي عبرت قناة السويس باتجاه البحر الابيض المتوسط بلغت حوالى 100 مليون طن عام 1959 ، كما نقلت خطوط الانابيب الحالية في السنة نفسها 42 مليون طن ، أي أن مجموع ما نقل من بترول الشرق الاوسط باتجاه اوروبا يبلغ 142 مليون طن .
وعلى أساس التقدير السابق بيانه عن احتياجات اوروبا من البترول المستورد ، بعد انزال انتاج الجزائر ، أي 160 مليون طن في عام 1965 وتوقع زيادة صادرات فنزويلا وجزر الهند الغربية الهولندية اليها، بالاضافة الى انتاج ليبيا المنتظر ، يتبين لنا ان الزيادة في صادرات الشرق الاوسط الى اوروبا الغربية خلال السنوات الخمس المقبلة امر بعيد الاحتمال ، بل ان احتمال نقص هذه الصادرات هو الامر المرجح .
عاشرا : لم تكن فكرة مد خط انابيب عبر الاراضي العربية بجديدة على شركات البترول ، إذ قامت 17 شركة بدراسة مشروع خط انابيب جديد في اوائل عام 1957 ثم تراجعت عنه في تشرين الاول / اكتوبر من العام نفسه . كما ان خط ايران – الاسكندرونة ، عبر الاراضي التركية ، كان موضع دراسة من قبل الشركات الاميركية ، ولكن المشروع طوي ولا توجد اي دلائل لبعثه من جديد .
حادي عشر : تم تنفيذ المشروع الثامن المعدل لتعميق قناة السويس وتوسيعها في شهر سبتمبر / ايلول 1960. وبموجبه اصبح بامكان الناقلات من حمولة 45000 طن المرور بكامل حمولتها .ويجري العمل حالياً على تنفيذ مشروع ناصر المقرر إتمامه في عام 1963 ، والذي بموجبه سيصبح بالامكان مرور الناقلات ذات حمولة 80000 طن . وبذلك ستنتفي الحاجة الى مرور الناقلات الجبارة عن طريق رأس الرجاء الصالح، وهوالاساس الذي استند اليه في تبرير مشروع تحديث قناة السويس وتوسيعها .
يجدر بنا ازاء هذا الوضع التفكير في أنسب الطرق لاشتراك الدول العربية في نقل البترول العربي من مصادر انتاجه الى الاسواق العالمية ، وهذا ما جاء في توصيات لجنة خبراء البترول العرب التي جاء فيها : " توصي اللجنة ان يعهد الى الهيئة العامة للبترول في الجمهورية العربية المتحدة ومديرية الزيت في المملكة العربية السعودية ووزارة النفط في الجمهورية العراقية ومكتب شؤون النفط لحكومة امارة الكويت وادارة شؤون البترول بالامانة العامة لجامعة الدول العربية ، بدراسة مشروع ناقلات البترول واقتراح المشروع المناسب ، على أن يعرض على اللجنة في اجتماعها القادم " .
لايضاح الاسباب والمبررات التي تدفعنا للتفكير جدياً في دراسة مشروع ناقلات البترول نفيد ما يلي :
1 – يمكن بدء المشروع برأس مال بسيط نسبياً ، يزاد بازدياد عوامل التمويل والطلب الذي يظهر مع الوقت من دون الحاجة الى الاقتراض ، عكس ما هو الحال في مشروع خطوط الانابيب الذي يحتاج الى رأس مال كبير يدفع في دفعة واحدة .
2 – تبلغ نسبة اسطول الناقلات الذي يعمل حالياً في نقل بترول الشرق الاوسط الى مناطق الاستهلاك حوالى 55 % من مجموع اسطول الناقلات العالمي .
3 – الزيادة في سعة اسطول الناقلات لا ترتبط بزيادة الصادرات الى اوروبا وحدها ، ولكنها تعتمد على زيادة الطلب العالمي الذي هو من دون شك في زيادة مطردة ، وخاصة في الشرق الاقصى .
4 – إشتراط نقل الخام العربي في ناقلات عربية عند البحث في توقيع عقود مستقبلية وبالتالي زيادة حجم اسطول الناقلات تبعاً لذلك .
5 – يمكن البدء في انشاء اسطول الناقلات باحجام ننراوح بين 45000 طن و 65000 طن ، وهي الاحجام الاكثر جدوى اقتصادياً ، ويمكن استعمالها في شتى انحاء العالم من دون صعوبة في رسوها في موانىء النافلات المتوسطة الحجم . وتعتبر اقتصادياتها احسن من ناحية سهولة التشغيل .
6 – يتعرض تشغيل خطوط الانابيب للخسارة اذا قل الزيت المنقول عن 60 % من كفاءة الخط التي بني على اساسها التصميم ، وهذا يدفعنا الى التأكيد اولاً قبل انشاء خطوط الانابيب عن جدوى تشغيلها اقتصادياً . اما بالنسبة للناقلات فإن المرونة متوفرة من حيث زيادة الحمولة تبعاً لحالة الطلب .