مع أهل الاختصاص: لقاء مع مدير دائرة البترول في جامعة الدول العربية

إغتنمت " الرائد العربي " وجود الاستاذ محمد سلمان ، مدير ادارة البترول في الجامعة العربية ، في لبنان ، فوجهت اليه عدداً من الأسئلة حول مشكلة تخفيض الشركات لاسعار البترول ، وهي مشكلة تنال في هذه الايام قسطاً كبيراً من اهتمام الرأي العام العربي والصحف والحكومات .

نشرت وقائع اللقاء في العدد الاول من الرائد العربي في تشرين الاول / نوفمبر 1960 .

س : كيف تبرر شركات البترول تخفيضها لأسعار البترول العربي ؟.

ج : تبرر شركات البترول تخفيضها للاسعار بثلاثة امور :

1 – زيادة الانتاج العالمي .

2 – وجود شركات صغيرة تنافس الشركات الكبيرة عن طريق تخفيض الاسعار.

3 – دخول الاتحاد السوفياتي كمنافس في الاسواق العالمية .

وهنا سأله مندوبنا عن رأيه في هذه الشركات ، فأجاب بقوله :

أعتقد ان المبررات التي تذرعت بها هذه الشركات مبررات واهية ، لا يمكنها ان تصمد اما التحليل السليم ولا تنسجم مع الحقيقة . ففي ما يتعلق بالمبرر الاول ، وهو زيادة الانتاج ، فإنه غير صحيح ، وتقارير الشركات نفسها تخالف ذلك وتشير الى تعادل العرض والطلب .

أما في ما يتعلق بمنافسة الشركات الصغيرة ، فهذا أمر غير وارد . فالشركات الصغيرة لا تستطيع ان تقاوم الشركات السبع الكبرى التي تكون في ما بينها كارتلاً ( اندماج احتكاري او بالانكليزية cartel ) ، وهو من القوة بحيث تعجز عن منافسته الشركات الصغيرة التي هي بطبيعتها محدودة الانتاج وتأثيرها يكاد لا يذكر .

أما بشأن الاتحاد السوفياتي كمنافس في الاسواق النفطية العالمية فإن الاحصاءت العلمية الدقيقة تشير الى ان انتاج الاتحاد السوفياتي من النفط لا يزيد عن مليونين وثمانمئة الف برميل يومياً ، يستهلك منها حوالى مليونين ونصف مليون برميل يومياً . ويكون الفائض عن حاجته لا يتعدى ثلاثمئة الف برميل فقط يومياً . وهذه الكمية لا تستطيع بأي حال أن تنافس الانتاج العالمي الذي يبلغ 21 مليون برميل في اليوم الواحد .

أما بشأن عمليات تزويد الاتحاد السوفياتي لبعض الحكومات بالنفط ، ككوبا مثلاً ، فان ذلك يعود لاسباب سياسية ، وهي كميات محددوة لا يمكن اعتبارها منافسة تجارية .

وهكذا ترى ان المبررات التي استندت اليها الشركات في اجراء التخفيض لا تتفق والحقيقة او المنطق .

س : هل تعتقدون ان طلب العراق زيادة عائداته ب 60 % له علاقة بالتخفيض الذي أقدمت عليه شركات البترول ؟ .
ج : لا استبعد ان تكون هنالك علاقة بين طلب رفع العائدات والاجراء الذي اتخذته الشركات بتخفيض الاسعار ، إذ ربما تراءى لهذه الشركات ان خير وسيلة لحمل الحكومات التي تطالب بالزيادة بالعدول عن مطلبها ، هو الضغط عليها عن طريق تخفيض الاسعار . وبهذه المناسبة يجدر ان أشير الى ان طلب الزيادة لم ينحصر بالعراق وحده ، بل ان كافة الدول المنتجة للنفط تطالب اليوم بزيادة عائداتها . وهي مطالب محقة وترتكز على قواعد العدل والانصاف وتؤمن مصلحة الحكومات والشعوب .

س : هل تملك شركات البترول الحق في التفرد باجراء تخفيض على الاسعار من دون الرجوع الى حكومات البلدان المنتجة ؟ . وما هي النصوص التي تتضمنها اتفاقيات البترول بهذا الشأن ؟ .

ج : ليس من حق الشركات التفرد بالتخفيض ، لأن هذا الاجراء لا ينحصر أخذه وتنفيذه بتلك الشركات ، خصوصاً وان نتائجه ستنعكس سلباً على مداخيل الدول المنتجة والتزاماتها المالية . وقد سبق ان بحث المجلس الاقتصادي العربي التابع لجامعة الدول العربية هذا الاجراء إثر تخفيض الشركات للاسعار في شباط / فبراير 1959 واتخذ قراراً يلزم هذه الشركات بالتشاور مع حكومات الدول المنتجة قبل اجراء أي تغيير في الاسعار . أما في ما يتعلق بالاتفاقيات القائمة بين الشركات والدول المنتجة ، فبالرغم من عدم وجود نص صريح بهذا الشأن إلا أنها تتضمن نصوصاً حول الخلافات التي تنشأ بين الشركات والدول المنتجة وضرورة حلها عن طريق التحكيم . وقد باتت الحاجة ملحة الآن الى تعديل هذه الاتفاقيات لاعادة تنظيم العلاقات بين الشركات النفطية والبلدان المنتجة ، وتضمين الاتفاقات نصوصأ صريحة وواضحة تضمن مصالح البلدان المنتجة وشعوبها .

س : كم يبلغ النقص في عائدات البلدان العربية المنتجة للنفط من جراء تخفيض الشركات للأسعار حتى الآن ؟ .

ج : لقد بلغ النقص في العائدات منذ شباط / فبراير 1959 ، أي منذ ان أقدمت الشركات على اجراء اول تخفيض للاسعار حتى الآن كما يلي :
السعودية 35 مليون دولار
الكويت     40 مليون دولار
العراق      27 مليون دولار

س : تزعم الشركات أن زيادة الانتاج سيعوض النقص في العائدات الناتج عن تخفيض الاسعار . فما رأيكم بذلك ؟ .

ج : لن تكون مثل هذه الزيادة في مصلحة البلدان المنتجة ، لأن معنى ذلك ، أن تقوم الشركات بدفع المبالغ نفسها التي كانت تدفعها عن كميات أقل مقابل كمية أكبر . وفي ذلك اضرار فادحة بمصلحة البلدان المنتجة . إن المخزون من النفط ثروة عظيمة يجب المحافظة عليها ، لا التفريط بها .

س : مضى على استثمار الشركات مدة طويلة توحي بأن هذه الشركات قد تمكنت من استعادة رساميلها الموظفة ، بحيث باتت عائداتها الحالية تشكل ارباحاً تكاد تكون صافية . فهل تفكر حكومات البلدان العربية المنتجة للنفط ، خصوصاً تلك التي بدأ الانتاج فيها منذ زمن طويل ، ان تعيد النظر في اتفاقيات تقاسم العائدات ؟ .

ج : نعم . من الضروري إعادة النظر بهذه الاتفاقيات . وهذا لا بد ان يصب في مصلحة الحكومات العربية وشعوبها . وتجري الان مفاوضات بهذا الشأن بين الحكومات والشركات صاحبة الامتيازات القديمة .

س : ما هي الاجراءات التي اتخذتها حتى الان البلدان المنتجة رداً على اجراء تخفيض الاسعار وما هي الخطوات التي يتوجب عليها ، في رأيكم ، القيام بها ؟ .

ج : لقد اهتمت البلدان المنتجة بمسألة التخفيض اهتماماً كبيراً ، وأجرت في ما بينها مشاورات سريعة . وحرصاً على مواجهة الشركات بموقف موحد ، فقد اجتمعت في بغداد للتداول في الامر . فالبلدان المنتجة تملك وسائل عديدة للرد على الشركات والحيلولة بينها وبين تخفيض الاسعار . أما بشأن تنفيذ الخيارات المتوفرة فمتروك للحكومات العربية التي لها وحدها ان تقرر ما يجب اتخاذه من وسائل معارضة وطرق سلمية حفاظاً على مصالحها ومصالح شعوبها .

س : ما هي أهم النتائج التي تمخض عنها مؤتمر البلدان المصدرة للنفط الذي انعقد في بغداد ؟

ج : كان مؤتمر بغداد على جانب عظيم من الاهمية بالنسبة لمستقبل النفط العربي بصورة عامة . وفي رأي ان المقررات التي توصل اليها المؤتمرون تدل دلالة واضحة على وعي البلدان المصدرة لمصالحها ومصالح شعوبها . أما أهم النتائج التي أسفر عنها مؤتمر بغداد فهي :
أ – جمع الدول العربية والبلدان المصدرة للنفط في كتلة واحدة ، الامر الذي لم يكن يحدث سابقاً . إن اجتماع هذه البلدان فيه فوائد عظيمة من حيث تبادل الاراء والمقترحات ودراسة المشاكل المختلفة بين هذه البلدان وشركات البترول.

ب – إنشاء منظمة المصدرين . فهذه المنظمة حدث ضخم في تاريخ البلدان المصدرة للبترول ، إذ انها ، فضلاً عن كونها تنشأ لاول مرة ، فإنها ستضم جهازاً فنياً كاملاً كبيراً ، وسيلحق بها خبراء في قضايا النفط ، من العرب وغيرهم ، لاجراء الدراسات والابحاث والاحصائيات اللازمة ، سواء في ما يتعلق بالتنقيب او التصنيع او التسويق . وعلى ضوء انشاء هذه المنظمة فان البلدان المصدرة للنفط ستصبح في مركز أقوى مما هي عليه الان ، حيث ستتمكن بواسطة المنظمة من مواجهة الشركات بمواقف موحدة ومدروسة وتتكلم معها بلغة الارقام البعيدة عن كل ارتجال او عاطفة .

ج – كان للمؤتمر نتيجة اخرى مهمة ايضاً وهي التوكيد على التضامن الفعلي في ما بينها ووضع الاسس السليمة لهذا التضامن . فمن الان وصاعداً لن تتمكن الشركات من التعامل مع اي بلد مصدر للنفط بمعزل عن البلدان الاخرى ، ولن تتمكن الشركات من مساومة هذه البلدان كلاً على إنفراد ، كما كانت تفعل في السابق . وهذا انتصار كبير يبشر بالخير والفائدة .

وكان السؤال الاخير حول دور الامانة العامة لجامعة الدول العربية في هذه القضايا ، فقال مختتماً المقابلة : إن دور الامانة العامة لجامعة الدول العربية في كل الامور دور تنسيقي . فهي ليست طرفاً مباشراً في النزاع.

ملحق

قرارات مؤتمر الاقطار المصدرة للنفط في بغداد

بناء على دعوة من الجمهورية العراقية عقد في المدة من اليوم العاشر حتى اليوم الرابع عشر من شهر ايلول/ سبتمبر عام 1960 مؤتمر في بغداد للاقطار المصدرة للنفط وضم ممثلين عن : الكويت ، الجمهورية العراقية، ايران ، العربية السعودية ، وفنزويلا ، التي ستدعى في ما يلي بالاعضاء . وقد تدارسوا ما يلي :

حيث ان الاعضاء يقومون بتنفيذ برامج اعمارية هم بأمس الحاجة اليها ، وان هذه البرامج تمول بصورة اساسية من الواردات المتحصلة من تصديرهم للنفط ، وحيث ان النفط موجودات مستنفذة ومن الضروري الاستعاضة من نضوبها بثروات أخرى وان جميع دول العالم تحتاج الى ان تعتمد بصورة تامة على النفط كمصدر اولي لتوليد الطاقة لكي تحافظ على مستويات معيشتها وتحسينها ، وان اي تذبذب في اسعار النفط يؤثر بالضرورة على تنفيذ المناهج الاعمارية للاعضاء ويؤدي بالنتيجة الى تأخيرات لا تعرقل اقتصادهم الوطني فحسب ، بل وتؤثر على اقتصاد جميع البلدان المستهلكة ايضا ، لذا ، فقد تقرر تبني القرارات التالية :

قرار رقم 1

1 – إن الاعضاء لا يمكنهم ان يبقوا غير مكترثين تجاه الموقف الذي تتبناه شركات النفط بالنسبة لتعديل اسعار النفط .

2 – ان يطلب الاعضاء من شركات النفط المحافظة على أسعار ثابتة وبعيدة عن كل تذبذب

3 – ان يطلب الاعضاء من شركات النفط المحافظة على اسعار تابتة وبعيدة عن كل تذبذب لا ضرورة له . وان على الاعضاء ان يعملوا بكل الوسائل المتيسرة لديهم ليعيدوا الاسعار الحالية الى المستويات التي كانت سائدة قبل التخفيضات ، وان يضمنوا انه في حالة ما اذا نشأت ظروف جديدة تستوجب " وفقاً لنظر شركات النفط " إجراء تعديل على الاسعار ، فعلى الشركات المذكورة ان تدخل في مشاورات مع العضو او الاعضاء الذين يمسهم الموضوع لكي تشرح الظروف شرحاً تاماً .

4 - على الاعضاء ان يدرسوا ويشِرعوا نظاماً يضمن ثبات الاسعار على ان يحوي بالاضافة الى الوسائل الاخرى نظاماً لتحديد الانتاج يحافظ على مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء . ويجب ان يضمن بالضرورة دخلاً ثابتاً للاقطار المنتجة وتجهيزاً منتظماً وبصورة اقتصادية تامة لهذا المصدر من مصادر الطاقة بالنسبة للدول المستهلكة وان يمنح عائدات عادلة لرؤوس الاموال المستثمرة في صناعة النفط .

5 – اذا نجم عند تطبيق أي قرار يتفق عليه بالاجماع في هذا المؤتمر ان قامت احدى الشركات المعنية باتخاذ اي اجراء مباشر او غير مباشر ، ضد واحد او أكثر من الاقطار الاعضاء ، فإن على العضو الآخر الا يقبل أي عرض يعود بالنفع عليه وحده ، سواء كان ذلك بشكل زيادة في التصدير او رفع للاسعار ، تقدمه اليه الشركة او الشركات لعرقلة تطبيق القرار الجماعي الذي توصل اليه المؤتمر .

قرار رقم 2

1 – قرر المؤتمر ، لغرض تطبيق نصوص القرار رقم 1 تأليف منظمة دائمة تسمى منظمة البلدان المصدرة للنفط تقوم باجراء مشاورات منتظمة بين اعضائها مع ملاحظة تنسيق وتوحيد السياسات للاعضاء على ان يكون من جملة عملها تقرير الموقف الذي يجب ان يقفه الاعضاء عندما تتطلب الظروف التي اشير اليها في الفقرة 2 من القرار رقم 1 .

2 – ان الاقطار الممثلة في هذا المؤتمر هم الاعضاء المؤسسون لمنظمة الدول المصدرة للنفط .

3 – يحق لأي قطر ان يصدر كمية مهمة من النفط الخام ان يصبح عضواً جديداً اذا قبله اعضاء المنظمة المؤسسون الخمس بالاجماع .

4 – إن الغاية الاساسية للمنظمة هي توحيد السياسات البترولية للاقطار الاعضاء وتقرير احسن السبل للمحافظة على مصالح الاقطار الاعضاء منفردة ومجتمعة .

5 – على المنظمة ان تعقد اجتماعات مرتين في السنة على الاقل ويجوز ان تعقد اكثر من ذلك اذا دعت الضرورة ، على ان يعقد الاجتماع في عاصمة احد الاقطار الاعضاء او في اي مكان آخر يقترح .

6 – (أ) تؤسس سكرتارية لمنظمة الدول المصدرة للنفط تقوم بتنظيم وادارة عمل المنظمة .

(ب) تؤلف لجنة فرعية مما لا يقل عن شخص واحد من كل قطر من الاقطار الاعضاء تجتمع في بغداد في مدة لا تتجاوز الاول من شهر كانون الاول / ديسمبر عام 1960 لكي تصوغ وتقدم الى المؤتمر الثاني مسودة القواعد المتعلقة بانشاء وظائف السكرتارية وان تقترح ميزانية السكرتارية للسنة الاولى وان تدرس وتقترح المحل الاكثر مناسبة للسكرتارية .

قرار رقم 3

1 – على الاعضاء المساهمين في هذا المؤتمر ان يقدموا نصوص قراراتهم الى السلطات المسؤولة في بلدانهم لغرض المصادقة عليها ، وعليهم حال حصولهم على المصادقة ان يخطروا رئيس المؤتمر الاول (وزير النفط في الجمهورية العراقية) بهذه الموافقة .

2 – على رئيس المؤتمر ان يعين ، بالاتفاق مع الاعضاء الآخرين ، تاريخ ومكان المؤتمر التالي .

حرر في بغداد في اليوم الرابع عشر من ايلول / سبتمبر عام 1960 .

رئيس وفد الكويت                                                              رئيس وفد الجمهورية العراقية    

احمد سيد عمر                                                                    الدكتور طلعت الشيباني

رئيس وفد ايران                                                               رئيس وفد العربية السعودية
فؤاد روحاني                                                                            عبد الله الطريقي

                                             رئيس وفد فنزويلا
                                     دكتور جوان بابلو بيرز الفونسو