بترولنا : نظرة في مشاكله ومستقبله

نشر هذا العرض لكتاب "بترولنا " للاستاذ أشرف لطفي في مجلة الرائد العربي ، العدد الثاني ، الصادر في كانون الاول/ ديسمبر 1960

تشكل عائدات البترول المصدر الرئيس لمداخيل البلدان العربية المنتجة للبترول . وتشير جميع الدلائل الى أن أهمية النفط ستبقى ، بل قد تزيد ، في الخمسين سنة القادمة . وستكون هذه العائدات العامل الاساس في تصنيع البلاد العربية وانماء اقتصادياتها نظراً لامكانات الاستثمار التي تولدها هذه العائدة . كما ان وجود الغاز الطبيعي من النوع الممتاز وبكميات وفيرة سيفسح في المجال امام صناعات بيتروكيماوية حديثة وناجحة.

إلا ان هذه الثروة ، على ما لها من أهمية ، لا تخضع لسيطرة البلدان المالكة لها ، إذ ان بترول الشرق العربي يجري استغلاله بواسطة شركات اجنبية منحتها الحكومات المعنية امتيازات طويلة الامد . وقد خلق هذا الوضع مشاكل أصبح من الضروري معالجتها بشكل جدي لكي تتمكن البلدان العربية من الاستفادة الى أبعد حد من ثروتها البترولية .

أصبح الكثيرون من المعنيين في شؤون البترول العربي يتحسسون هذا الواقع ، وقام كثير منهم بدراسة وضع البترول في الدول العربي دراسة موضوعية جدية تهدف الى إيجاد أفضل السبل للاستفادة من هذه الثروة وإخضاعها لسيطرة البلدان العربية .

الاستاذ أشرف لطفي ، سكرتير حكومة الكويت لشؤون البترول ، من الرواد في هذا الحقل . وهو في كتابه "بترولنا " يتناول بالبحث أهم المشاكل التي تواجهها صناعة البترول في الشرق العربي بوضعها الحالي ، ثم يقدم اقتراحات عملية يرى فيها الحل لهذه المشاكل .

فمن الناحية التقنية ، يتوقف استمرار استخراج النفط الخام ، وهو ما يعطيه قيمته ، في المحافظة على الحقول النفطية بأحسن حالة ممكنة . غير ان كون امتيازات الشركات المنتجة محددة بمدة معين ، يدفعها الى خفض تكاليف انشاءاتها الى أدنى حد ممكن وانتاج أعلى نسبة ممكنة طيلة مدة الامتياز . وبهذا تحصل على نسبة كبيرة من الارباح . الا ان في هذا خسارة للدول العربية وهدراً لثروتها النفطية . لذا يعتقد الاستاذ لطفي انه من الواجب القومي لكل حكومة في بلد عربي منتج للنفط ان تشترك مع الشركة المنتجة في مراقبة الانتاج في كل حقل والاشراف عليه بواسطة اخصائيين يحافظون على مصلحة الجانب الحكومي عن الامتياز . ويذكر المؤلف في هذا الصدد ان العاملين في انتاج البترول العربي وتصنيعه حالياً ليسوا من رعايا البلد الذي يجري فيه الانتاج والتكرير ، ويأسف ان لا يرى اي محاولة جدية لتوفير العدد الكافي من الاخصائيين العرب لادارة الصناعة النفطية بشكل يضمن للبلاد العربية استمرار تدفق النفط من حقولها بدون الاستعانة بخبراء أجانب .

اما بشأن الاتفاقيات ومحتوياتها ، فيقول الاستاذ لطفي انها قد عقدت بعد مفاوضات سرية ، بحيث ان اياً من الحكومات العربية لم تكن تعلم بالشروط التي حصلت عليها الحكومات الاخرى . وبالرغم من ان هذه الصبغة السرية قد زالت منذ عهد قريب ، وان هناك تفاهماً ضمنياً وكتابياً بين الحكومات والشركة على جعل كافة الامتيازات في الشرق الاوسط في نفس المستوى ، فلا يزال هناك بعض التفاوت في مستوى الفوائد التي تعود على الحكومات المنتجة .

وهكذا نرى ان للحكومة العراقية رأيها في تقرير الاسعار المعلنة بموجب نص امتياز شركة نفط
العراق ، بينما لا يوجد في نصوص امتيازي نفط السعودية والكويت ما يشير الى ان لاي من الحكومتين رأيه في الموضوع ، مع ان حصة كل منهما ، كما هي الحال في العراق ، تقرر على أساس الاسعار المعلنة .

المشكلة البترولية الثالثة التي يتعرض لها الكتاب هي ان امتلاك الزيت وحجمه ليس ضماناً للمالك لقيمة ما يملكه . فلو ان الشركة انقسمت الى فرعين مستقلين ، الاول منتج للنفط والثاني مسوق له ، لانتهز الفرع الثاني اي فرصة متأتية عن زيادة الانتاج لشراء الزيت الخام بأرخص الاسعار . وهذه الامكانية هي الشبح المخيف الذي يتراءى على الدوام امام الفرع الاول . ولكي يؤمن مستقبله في عالم الزيت ، يتوجب على الفرع الاول ، أي المنتج ، القيام بعمليات الزيت بصورة تشمل كل المراحل ، أي ان يوسع عملياته بحيث يقتني او يستأجر السفن او الانابيب اللازمة لنقل انتاجه من الزيت الخام وان يقوم بانشاء المصافي في الاقطار الاجنبية والمحلية لتكريرفائض زيته الذي لم يبعه خاماً عند استخراجه .

على الحكومات العربية المنتجة ، ان هي شاءت ان تزيد من مساهمتها في صناعة النفط ان لا تكتفي بمجرد انتاج النفط الخام ، بل ان تشارك في العملية المتممة للانتاج ، أي النقل والتكرير والتسويق .

ولما كانت عائدات النفط تعتمد على الاسعار المعلنة فعلى حكومات البلدان المنتجة ، اذا كان للسعر المعلن ان يحافظ على مستواه المعقول ، ان تنسق عرض بترولها مع الطلب عليه . ويجب على البلدان المصدرة للنفط الخام ان تشترك جميعها او أكثرها في عملية التنسيق هذه وان تتجنب عمليات المضاربة .

هذه المشاكل التي تواجه البلاد المنتجة للبترول في الشرق العربي يعرضها الاستاذ لطفي لكي ينتهي الى وصف الحلول الملائمة لها . وهذا الحل الذي يقترحه هو انشاء هيئة عربية للنفط وتأسيس شركة نفط عربية شاملة . اما إنشاء هيئة عربية للنفط فمرده الى انه من صالح البلاد العربية المنتجة ، نظراً لتشعب المصالح في صناعة النفط ، ولنقص في، بل لانعدام توفر الاخصائيين العرب ، ان توثق في ما بينها الاتصال الدائم حول شؤون النفط وان تتعاون على رسم سياسة موحدة تستهدف تحقيق الاستفادة الى أبعد حد من وجود ينابيع البترول في اراضيها . والخطوة العملية لتحقيق هذا التعاون هي تشكيل هيئة مشتركة تضم ممثلين من جميع البلدان العربية المصدرة للنفط الخام ومنتجاته بكميات ذات أثر في السوق العالمية . وقد يمكن في ما بعد ضم اقطار عربية اخرى تنتج كميات محدودة .

اما المهمات التي تنوط بهذه الهيئة العربية للنفط فعديدة بينها تنسيق العرض والطلب من خلال الاتفاق مع الدول المعنية الاخرى والتعاون معها في انجاح هذه العملية . وتكون الهيئة الوعاء الذي يجمع المعلومات حول امتيازات النفط العربية والاجنبية ، مما يسهل عليها ان توحد شروط الامتيازات . ثم ان الهيئة تستطيع المساهمة في توفير الاخصائيين العرب في صناعة النفط ، وهو أمر بالغ الاهمية . واخيراً ، تكون الهيئة في موقف يمكنها من تعهد امر الدعاية لفكرة انشاء شركة نفط عربية شاملة ومتكاملة والسعي وراء تحقيقها وانجاحها .

تعجز الحكومات العربية عن الضغط لبيع النفط العربي بسعره العادل لانها تفتقر الى وسائل الترويج والتسويق والنقل الحديثة . ويكون الحل العملي لاقامة الوسائل والتسهيلات في انشاء شركة نفط عربية متكاملة تمتلك المصافي والناقلات والاسواق . ثم ان تسويق النفط العربي بواسطة شركة عربية يعني ان ريع هذا النفط سيعود بكامله الى خزائن العرب ، كحكومات، عن طريق اقتسام ارباح الامتيازات ، وكمساهمين ، عن طرق توزيع ارباح الاسهم على مالكيها . كما ان انشاء الشركة المتكاملة يعني امتلاك اسطول ناقلات يكون بنفسه مصدر ربح يجنيه العرب أنفسهم ومن دون وسيط .واخيرا، فان الشركة ستكون الرائد في انشاء الصناعات البتروكيماوية ، وهي صناعات تبشر بان تحتل في المستقبل مكان الصدارة في قائمة الصناعات العالمية .

يختم الاستاذ لطفي كتابه بالتوصية بخلق جيل عربي " نفطي " يتعهد شؤون النفط الذي يشكل المصدر الرئيس لثروة العرب القومية العليا ، ولنهضتهم الصناعية في المستقبل .

إن الاسلوب الذي اتبعه الكاتب يتميز بالاستقصاء العلمي الرصين والبحث الموضوعي المجرد من التأثيرات الشخصية ، وهوما ينبغي ان نتبعه عند بحث امورنا الرئيسة . وفي قيام الاستاذ لطفي ونفر من المعنيين بشؤون النفط في العالم العربي بالاسترشاد بهدى العلم والبحث المجرد ما يبشر بوعي متفهم لقضايا النفط ومشاكله .