خواطر سريعة حول ابحاث مؤتمر البترول العربي الثاني

زهير مكداشي

الاستاذ المساعد في دائرة الدراسات التجارية ، الجامعة الاميركية في بيروت

نشر هذا المقال في كانون الاول / ديسمبر 1960 ، العدد الثاني ، الرائد العربي

انحصرت أعمال ومناقشات مؤتمر البترول العربي الثاني في ثلاثة أمور ، كانت هي كل ما قام عليه المؤتمر. واستحوذت هذه الامور على اهتمام الاعضاء المشاركين وحددت أبعاد المقررات التي تمخضت عنه. والامور هي :

1 – الابحاث والدراسات التي تقدم بها أعضاء المؤتمر .

2 – مطالب البلدان المنتجة والمصدرة للنفط ، خاصة في ما يتعلق بالاسعار .

3 – موقف الشركات النفطية المستقلة تجاه مطالب البلدان المنتجة والمصدرة .

وقد لب الاستاذ زهير مكداشي ، عضو المؤتمر والاستاذ المساعد في دائرة الدراسات التجارية في الجامعة الاميركية في
بيروت ، مشكوراً، طلب الرائد العربي فكتب معلقاً على الدراسات والابحاث التي جرت مناقشتها في المؤتمر بقوله :

إنقسمت الدراسات والابحاث التي دارت حولها المناقشات في مؤتمر البترول العربي الثاني الى قسمين ، كانا عبارة عن نوعين من الدراسات :

1 – أبحاث ودراسات اقتصادية قانونية .

2 – أبحاث ودراسات محض فنية تتعلق بالتنقيب والتكرير وسواها .

قدَم هذه الابحاث والدراسات ممثلو ثلاث فئات من المؤتمرين هم : مندوبو الحكومات والبلدان المنتجة والناقلة للنفط ، مندوبو الشركات المستثمرة للنفط ، وافراد او مؤسسات لها علاقة بصناعة النفط . وتميزت الابحاث بحرص ممثلي كل فئة من هذه الفئات في الدفاع عن مصالح الجهة التي يمثلونها وتأييد مواقفها بغض النظر عن أي إعتبار آخر .

وقد لاقت الابحاث والدراسات الاقتصادية والقانونية الاهتمام الاكبر في المؤتمر ، خاصة تلك التي عالجت مسألة تعديل الاتفاقيات بغية إدخال البلدان المنتجة والمصدرة للنفط كمساهمين في شؤون استثماره ، وتلك التي تتعلق بضرورة زيادة نسبة انتفاع البلدان المنتجة للنفط من صناعته . وقد أسهم الوفد السعودي بقسط وافر في هذه الابحاث ، فتقدم عضو الوفد السعودي السيد فرانك هندركس بدراسة مفصلة حول صلاحية الدولة المنتجة وحقها في تعديل او تغيير الاتفاقيات المعقودة بينها وبين الشركات المستثمرة ، وبرهن على حقها المشروع في ذلك اذا دعت اليه مصلحتها العامة ، لأن ممارسة هذا التعديل او التغيير المبني على اساس المصلحة العامة هو نتيجة طبيعية لممارسة الدولة حق السيادة . وجاء في أقوال السيد هندركس في مجال استعراضه للظروف التي أبرمت فيها اتفاقيات النفط ، ان بلدان الشرق الاوسط قد وافقت على هذه الاتفاقيات في وقت كان فيه موقفها تجاه الشركات ضعيفاً ، كما انها كانت غير ملمة الماماً كاملاً بصناعة النفط وتشعباته . ودعا السيد هندركس شركات البترول الى اعتماد نظرة متطورة في تقبل الظروف الجديدة للوضع الاقتصادي والاجتماعي النامي في البلدان المنتجة للنفط ، ونصحها بمزيد من التفهم لحاجيات تلك البلدان في الحصول على حقوقها كاملة وغير منقوصة .

أثارت مواقف هندركس ممثلي شركات البترول فهاجموها وحاولوا النيل من حججه . فتقدم السيد سيمون سكسك ، المستشار القانوني لمؤسسة فورد الاميركية ، بدراسة حاول فيها ان يدافع عما سماه " قدسية اتفاقيات النفط " . وقد لاقت دراسته إنتقاداً من مندوبي مختلف البلدان العربية .

تطرقت دراسات اخرى الى إثبات حقوق بلدان الشرق الاوسط في المساهمة بطريقة فعالة في شؤون استثمار النفط ، وحق هذه الدول بالحصول على عائدات تزيد عن تلك التي تحصل عليها الآن . وكان أبرز ما قدم في هذا المجال بحث للشيخ عبد الله الطريقي ، رئيس وفد حكومة
المملكة العربية السعودية ، ورئيس المديرية العامة لشؤون الزيت والمعادن فيها ، إتهم فيه شركات النفط بأنها تتعمد دائماً تخفيض سعر النفط المصدر ، وبالتالي تخفيض عائدات بلدان الشرق الاوسط التي تعتمد في ميزانياتها على الاسعار المعلنة . وجاء في بحثه: ان هذه الشركات في محاولتها تخفيض الاسعار إنما تحاول إخفاء ارباحها عن البلدان المنتجة وتحويلها الى احتاطي مالي تستثمره في مراحل لاحقة من مراحل استثمار النفط .وقدَر الشيخ الطريقي المبالغ التي لم تستوفها البلدان المنتجة للنفط في الشرق الاوسط نتيجة لهذا التخفيض بما قيمته 5.5 مليار دولار خلال السبع سنوات ونصف السنة الاخيرة . واعتمد الشيخ الطريقي في تقدير الارباح المستورة على مقارنة بين اسعار النفط الفنزويلي ونفط الشرق الاوسط في بريطانيا . كما تقدم السيد سلاديك ، مدير شركة الشرق الاوسط للخدمات البترولية ، بدراسة مهمة حول موضوع تقنين النفط على الصعيد الدولي ( pro-rationing ) . وكانت دراسته مكملة للرأي الذي تقدم به الشيخ عبد الله الطريقي الذي يتلخص بضرورة المحافظة على اسعار مرتفعة نسبياً للنفط وعدم السماح بتدهور تلك الاسعار ، وتحقيق ذلك عن طريق المراقبة الفعالة لانتاج النفط وعرضه . وجرت حول هذا الموضوع مناقشة طويلة ، خاصة في ما يتعلق بطريقة التطبيق وصعوبة تنفيذها .

أثارت مناقشة بحث الشيح عبد الله الطريقي جواً محموماً ، وحاولت الشركات ان تجدد المناقشة بعد ان كانت قد أقفلت بسبب توتر الاعصاب ، وهذا طبيعي ، لأن الطريقي طالب الشركات بمبلغ 2.5 مليار دولار . وبناء على طلب ممثلي الشركات أعيد فتح باب المناقشة فتبين من الكلام المحموم ان هنالك هجوماً مركزاً ومنسقاً من ممثلي الشركات على حجج الشيخ الطريقي . غير ان هذا الهجوم كان يصطدم دائماً بعقبة بالغة الأهمية ، وهي أن هذه الشركات فشلت في تقديم معلومات كافية تدحض حجج الطريقي . فكانت حججها قاصرة ، ولم تستطع الاجابة على إتهام الطريق لها باخفاء معلومات استراتجية تتعلق بهذا الموضوع . وقد طالب رئيس المؤسسة البترولية في الجمهورية العربية المتحدة الشركات بأن تتقدم بدراسة دقيقة تبين فيها بالارقام والحقائق وجهة نظرها . غير ان الشركات لم تلب هذا الطلب ولم يصل البحث في مسألة الارباح المستورة الى نتيجة ايجابية ، وبقي الاتهام قائماً .

تلك هي أهم الدراسات والابحاث القيمة التي عرضت للمناقشة . وهناك دراسات قام بها اعضاء الوفد الفنزويلي ، دارت بمعظمها حول الضرائب والرسوم التي تجنيها الحكومة الفنزويلية من صناعة النفط . ولعلها كانت تستهدف تنبيه البلدان العربية الى هذا الموضوع لتستفيد هذه البلدان من نفطها بالدرجة نفسها التي تستفيد منها فنزويلا ، فتتساوى الضرائب والرسوم التي تعرضها البلدان جميعاً ، شرقية أكانت ام غربية . وكانت هنالك ابحاث ودراسات متعددة تقدمت بها الشركات تناولت مواضيع الطلب على النفط في المستقبل وتحليلات مالية لمشاريع النفط واقتصاد النفط ونقله وغير ذلك من المواضيع .

إن المراقب الاقتصادي لمؤتمر البترول العربي الثاني لا يسعه إلا أن يسجل بعض الانطباعات المهمة التي خرج بها من الابحاث المقدمة والمناقشات التي دارت واعمال المؤتمر بشكل عام يمكن تلخيصها بما يلي :

1 – لقد بدا بوضوح ، الوعي المتزايد لدى البلدان العربية لاهمية البترول واستثماره كمورد طبيعي مهم . وتجلت رغبة هذه الدول في الحصول على نسبة من العائدات المالية أعلى من تلك التي تحصل عليها في الوقت الحاضر . وظهر حرصها على المساهمة الفعالة في صناعة النفط ، بدلاً من الوقوف موقف المتفرج ، خاصة بما يتعلق بالمساهمة في تحديد الاسعار والتسويق .

2 – ظهر بجلاء ان هناك معلومات كثيرة تتعلق بصناعة النفط ما زالت تخفيها الشركات عن الدول المنتجة والمستهلكة ورجال العلم .

3 – تبين بوضوح ان مصلحة البلدان المنتجة للنفط والشركات المستثمرة لا تختلف من حيث ان الطرفين يرغبان في بيع النفط في الاسواق العالمية . بيد ان الشركات ظهرت في موقف المتحفظ الذي يريد ان يحافظ على مصالح مكتسبة حصلت عليها في السنين الماضية ( vested interests).