أهمية خطوط الانابيب في نقل البترول

 محمد فياض الدندشي  

نشر المقال في حزيران / يونيو 1962 ، العدد العشرون ، الرائد العربي 

تبين بنتيجة الدراسات وعمليات البحث والتنقيب عن مادة النفط انه غالباً ما يكون العثور عليها في مناطق نائية وبعيدة ، ليس فقط عن معالم العمران المأهولة بالسكان ، بل وحتى عن موانئ التصدير ومراكز الاستهلاك الرئيسة . ولظاهرة اكتشاف آبار النفط الخام في حقول نائية أثرها الفعال في اعتبار الاعمال البترولية من حفر الى استخراج الى نقل وتكرير وتوزيع وتسويق وحدة متكاملة لا يمكن فصلها عن بعضها . فبمجرد التفكير في استخراج هذه المادة من باطن الارض ، يتوجب تهيئة الوسيلة لنقلها عبر مسافات طويلة ليصار الى تسويقها وتوزيعها على مختلف المراكز الاستهلاكية في كل الارجاء . ولربما كانت عمليات نقل المواد البترولية من مكن الى آخر من اكثر الامور تعقيداً وأكثرها خطراً . وسر الخطورة يكمن في طبيعة هذه المادة ، سواء أكانت من النفط الخام المستخرج مباشرة من الآبار المكتشة أم من المنتجات البترولية البيضاء الناتجة عن اعمال التكرير والتصفية . ومن المعلوم ان الكميات البترولية تتدفق عند استخراجها بشكل سوائل قابلة للالتهاب السريع ، مما يستدعي الحذر الشديد ، ويتطلب القيام فوراً بانشاء مواعين باحجام كبيرة تستخدم لاغراض التخزين الاولي ريثما تتم عملية النقل . 

حرصاً على الاستفادة من استخدام هذه المادة في شتى الميادين الصناعية وتسهيل وصولها بدقة وانتظام الى كل ارجاء المعمورة ، أخذ التفكير الجدي يشق طريقه الى معرفة كيفية تأمين سلامة وصولها بالسرعة الممكنة  بغية ضمان استمرار دورة عجلة الصناعة . ولهذا كان لا بد من اختيار اسلم الوسائل وأقلها كلفة لاستخدامها في نقل الموارد البترولية الضخمة الى مراكز الاستهلاك . وتمخض هذا التفكير عن ظهور وسائل عديدة ومتنوعة تعنى كلها بعمليات النقل لكافة المنتجات البترولية . غير ان الضغط الشديد المتواصل على طلب مادة البترول بكميات كبيرة في كل انحاء الدول المتقدمة صناعياً ، وكذلك في الدول السائرة في طريق النمو الصناعي والتقدم الاقتصادي، أبرز أهمية بعض هذه الوسائل وتفضيل بعضها على البعض الآخر . 

النقل بالانابيب 

هناك ثلاث وسائل لنقل النفط الخام من مصادره ، ولعل أهمها النقل بواسطة خطوط الانابيب . وتعتبر الانابيب من أهم هذه الوسائل نظراً لما تؤمنه من مرونة في سرعة الحركة وقدرتها على نقل المواد البترولية بشكل متواصل عبر عشرات المئات من الكيلومترات ، وتضمن ، في الوقت نفسه ، وصول هذه المواد الى المصافي والى مراكز الاستهلاك بسرعة وبأقل التكاليف . ومن الجدير ذكره ان هذا النوع من الانابيب باستطاعته نقل ملايين الاطنان من النفط الخام من حقول البترول وابارها ومن المصافي ومعامل التكرير كمنتجات بيضاء الى مراكز التصدير الرئيسة ليصار الى توزيعها على المراكز الاستهلاكية المختلفة في كل ارجاء العالم . 

النقل بالناقلات  

انها وسيلة النقل الثانية من حيث الاهمية . وهي تكمل عملية النقل بواسطة الانابيب ، خصوصاً الى المناطق البعيدة التي لا تصلها الانابيب . وتستخدم في هذه الوسيلة الناقلات البترولية العملاقة التي تبحر في رحلات بحيرية منتظمة بين مرافيء التصديرومرافيء الاستقبال في البلدان المستهلكة . وغالباً ما يبدأ استخدام الناقلات عند مصب الانابيب ، أي في موانيء التصدير ومراكز التكرير ، حيث تخزن كميات كبيرة من المواد البترولية بنوعيها الخام والمكرر لغايات الاستهلاك الخارجي . 

النقل بالصهاريج  

تأتي اخيراً عمليات النقل بواسطة صهاريج الخطوط الحديدية وصهاريج السيارت لتكمل ما قامت به الناقلات البحرية العملاقة من نقل للخام او للبترول المكرر. وهذه الوسيلة على جانب كبير من الاهمية بالنظر لأنها الوسيلة الوحيدة التي تستطيع ان تدخل المنتجات النفطية الى اصغر وحدة استهلاكية في اي بلدة او قرية. وكل انواع التوزيع والتسويق للمنتجات البترولية داخل المدن وخارجها تتم بواسطة الكميات المنقولة بالصهاريج الحديدية وصهاريج الشاحنات الكبيرة . وهذا النوع من وسائل النقل مألوف في الجمهورية العربية السورية وسواها من البلدان ، إذ ان كل عمليات نقل المنتجات النفطية ، لا سيما المكرر منها والمعد لغايات التوزيع الاستهلاكي النهائي ، تتم بواسطة صهاريج السيارات الضخمة او بواسطة شاحنات الخطوط الحديدية . وتعتبر هذه الوسيلة من الوسائل الاساسية ، لا بل الوسيلة الوحيدة ، المعمول بها حالياً في البلاد . وهي التي تقوم بتزويد كل المناطق السورية بالمواد البترولية المختلفة . غير ان خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسنوات الخمس رصدت مبلغاً مرموقاً لانشاء نوعين من خطوط الانابيب ، الخط الاول يخصص لنقل الخام من مراكز الانتاج في حقول كراتشوك وحقول السويدية الى موانيء التصدير على ساحل البحر الابيض التوسط ليصار بالتالى تصديره لخارج البلاد ، ويتفرع منه خط يتجه الى مدينة حمص لتزويد معمل التكرير هناك بما يحتاج اليه من النفط الخام . اما الخط الثاني فهو عبارة عن شبكة خطوط انابيب داخلية تقوم بنقل المنتجات البترولية المستخرجة من مصفاة حمص ، وهو مركز تكرير البترول الوحيد في الجمهورية العربية السورية ، وتوزيعه على مراكز الاستهلاك في مختلف المدن والبلدات السورية الرئيسة . وقد بوشر في تنفيظ هذه الخطوط . 

من المقرر ان تقوم المنطقة الوسطى في البلاد ، أي منطقة تكرير الخام ، بتزويد مدن المنطقة الجنوبية والشمالية والغربية بكميات المنتجات النفطية المكررة عبر خطوط الانابيب المزمع انشاؤها . وبذلك تكون الجمهورية العربية السورية قد خطت خطوة جديدة الى الامام في ميدان التنمية الصناعية والزراعية ، وذلك عن طريق تسهيل نقل مادة المحروقات المعتبرة مادة اساسية في تسيير عجلة التقدم والنهوض الزراعي والصناعي. وقد رصدت الخطة الخمسية الاولى للتنمية لخطوط انابيب نقل البترول ، سواء الخام او المكرر  مبلغ 165 مليون ليرة سورية موزعة بين خطي انابيب البترول الرئيسيين الانفي الذكر . وقد بلغت قيمة الاستثمارات المخصصة لمشروع انشاء خط انابيب كراتشوك – طرطوس ، وهو احد الخطين ، حوالى 140 مليون ليرة سورية ، بينما خصص المبلغ الباقي وقدره 25 مليون ليرة سورية لمشروع انشاء شبكة خطوط تتألف من خط انابيب حمص دمشق ، وخط انابيب حمص حلب ، وخط انابيب حمص اللاذقية . والغاية من هذه الشبكة الاخيرة هي جعل المنتجات البترولية من مصفاة حمص في متناول المناطق السورية الرئيسة ، ومنها توزع هذه المنتجات على كل المراكز الاستهلاكية في البلاد . وفي ما يلي عرض موجز لكل مشروع على حدة من مشروعي خط انابيب البترول المزمع انشاؤهما داخل اراضي الحمهورية العربية السورية . 

اولاً : مشروع خط انابيب نقل النفط الخام . المقصود من انشاء هذا الخط ، الذي يبلغ قطر انبوبه 16 بوصة ، ربط مركز انتاج النفط الخام في حقول كراتشوك وحقول السويدية في الشمال الشرقي من الجمهورية بمركز التصدير في ميناء طرطوس على ساحل البحر غرباً . وقد صمم هذا الخط بشكل يمكنه من ان يمر بالقرب من مدينة حمص ، حيث يتفرع عنه خط آخر يعمل على تزويد المصفاة هناك بما تحتاج اليه من مادة البترول الخام اللازم لاعمال التكرير واستخراج المحروقات والمواد المشتعلة . ويبلغ طول هذا الخط من منطقة الانتاج الى مركز التصدير حوالى 670 كيلومتراً ، كما تبلغ استطاعته السنوية في اعمال النقل حوالى 35 مليون طن من النفط الخام . 

ثانياً : مشروع خط انابيب نقل المنتجات البترولية . ويتألف هذا المشروع من ثلاثة خطوط رئيسة  يبلغ قطر كل منها 6 بوصات ، تنطلق كلها من المنطقة الوسطى باتجاه الشمال والجنوب والغرب بطول اجمالي يقدر بحوالى 510 كيلومترات داخل الاراضي السورية . ويهدف هذا المشروع الى ربط مركز تكرير البترول في مدينة حمص بمراكز الاستهلاك الرئيسة في كل من دمشق وحلب واللاذقية . ويتطلب هذا المشروع انشاء ثلاث محطات ضخ ، تبنى كبراها في مدينة حمص لتقوم بضخ المنتجات البترولية البيضاء من معمل التكرير الى مناطق الاستهلاك والتصدير . وتقام المحطة الثانية في المنطقة الغربية في ميناء اللاذقية ، حيث تقوم بضخ مادة الغاز اويل المستوردة من الخارج الى مستودعات حمص ليصار الى توزيعها عبر الانابيب المذكورة الى كل من المنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية في البلاد . وتساعد هذه المحطة ، محطة ضخ اخرى صغيرة تقع في منتصف الطريق بين مدينتي حمص واللاذقية وتعمل على تقوية جهاز الضخ في كلا الاتجاهين. 

في ما يلي وصف مقتضب لكل قسم من الاقسام الثلاثة لمشروع خط انابيب نقل المنتجات البترولية من مصنع التكرير في مدينة حمص:

1 – خط انابيب حمص – دمشق . يعمل هذا الخط على تسهيل نقل المنتجات النفطية من مصفاة مدينة حمص الى مدينة دمشق ، حيث يجري تخزينها وتوزيعها في كل انحاء المنطقة الجنوبية . وقد قدرت استطاعة هذا الخط ، في مرحلته الاولى ، بحوالى 250 الف طن سنوياً ، على ان ترتفع هذه القدرة في المرحلة الثانية الى حوالى 400 الف طن سنوياً . ومن المقدر ان تبلغ طاقة الخط القصوى في المرحلة النهائية حوالى 500 الف طن في العام . 

2 – خط انابيب حمص – حلب . يقوم هذا الخط بتزويد المنطقة الشمالية بالمنتجات البترولية المستخرجة من مصفاة حمص ، وبمادة الغاز اويل المستوردة من الخارج والمنقولة عبر خط انابيب حمص – اللاذقية ، الى داخل البلاد . ومن المتوقع ان يبدأ هذا الخط عمله باستطاعة قدرها 300 الف طن سنوياً في المرحلة الاولى ، ثم ترتفع هذه القدرة تدريجياً في المستقبل بحيث تبلغ في المرحلة النهائية حوالى 500 الف طن سنوياً من المنتجات المكررة . وبذلك يكون الخط قادراً على تأمين كل حاجة مدينة حلب وتوابعها من المنتجات النفطية المكررة في مدينة حمص ، بما في ذلك المنطقتان الشمالية والشمالية الشرقية . 

3 – خط انابيب حمص – اللاذقية . يعمل هذا الخط في اتجاهين : الاتجاه الاول ويتضمن نقل منتجات المصفاة البترولية من مدينة حمص الى المنطقة الغربية لتموينها بحاجاتها من هذه المنتجات وتصدير الفائض الى خارج البلاد . اما الاتجاه الثاني فيغطي باقي المناطق السورية  ، ويتضمن نقل مادة الغاز اويل المستوردة من الخارج عن طريق ميناء اللاذقية الى مدينة حمص . وتبلغ استطاعة هذا الخط حوالى 350 الف طن سنوياً ، خصص لمادة الغاز اويل حوالى 250 الف طن والباقي وقدره 100 الف طن لنقل منتجات معمل التكرير في حمص الى المنطقة الغربية. 

مما لا شك فيه ان البدء بتنفيذ مد انابيب نقل المنتجات البترولية والنفط الخام سيكون له الاثر الفعال في تطوير الاقتصاد السوري . وقد بدأ العمل فعلاً في تنفيذ هذه المشاريع المتكاملة والتي تربط الحقول النفطية بميناء التصدير وتزويد مصفاة حمص بكل حاجاته من النفط الخام ، وفي الوقت نفسه يربط مركز التكرير في حمص بالمدن السورية الرئيسة . ومن المنتظر ان ينتهي العمل بهذا المشروع الضخم في نهاية العام الحالي ، أي عام 1962 .عندئذ يصبح بامكان الجمهورية السورية الاستغناء عن استخدام الشاحنات الحديدية وصهاريج السيارات في نقل المواد البترولية .