حصيلة البترول في البلاد النامية

نشر المقال في تشرين الاول / اكتوبر 1962 ، العدد الرابع والعشرون ، الرائد العربي  

هناك حقائق أساسية أصبحت الآن واضحة كل الوضوح على أثر الدراسات الاقتصادية العديدة التي أجريت في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية . وتتلخص هذه الحقائق في عدد من النقاط يمكننا عرضها على النحو التالي :  

أ – ان مقدرة البلاد النامية على تنمية اقتصادياتها تتوقف كلية ، والى درجة كبيرة جداً ، على حصيلة هذه البلاد من صادراتها الى الخارج .

ب – نظراً لأن صادرات البلدان النامية تتكون بأكثرها من المواد الاولية ، فان مقدرة هذه البلدان على التنمية تتوقف على حصيلة تصديرها للمواد الاولية . 

ج – ان هذه الحصيلة ترتبط بعاملين اثنين هما الكميات المصدرة من المواد الاولية واسعار هذه المواد . وكل تقلب في احد هذين العاملين او فيهما معاً ، يمكن ان يزيد او ينقص من حصيلة البلاد النامية من صادراتها الى الخارج ويؤثر ذلك على مقدرتها على التنمية . 

اذا كانت كل هذه الحقائق قد أصبحت اليوم واضحة ومستقرة ، فان ضخامة تقلبات اسعار المواد الاولية وتقلباتها قد استرعت انتباهاً خاصاً كان مظهره عدد الدراسات الاقتصادية التي خصصت لها . وكان طبيعياً في دراسات مخصصة لتقلبات اسعار هذه المواد الاولية ان يحاول الباحثون الوصول الى مقترحات عملية لعلاج ظاهرة التقلبات . من هنا نادى الكثيرون بضرورة ايجاد طريقة لتثبيت هذه الاسعار حتى تضمن تحقيق شيء من الاستقرار النسبي في حصيلة البلاد النامية من صادراتها من المواد الاولية ، وحتى يكون هذا الاستقرار عاملاً ملائماً للتنمية الاقتصادية . 

نعتقد ان الوقت الآن قد أصبح ملائماً بعد هذه الدراسات العامة لكي نبدأ في دراسة كل مادة من المواد الاولية على حده لنرى مدى ملاءمة الحلول العامة المقترحة للانطباق في حالتها هي . وبعبارة اخرى ، يتعين ان ننتقل من مرحلة الدراسات والبحوث العامة الى مرحلة الدراسات الخاصة التي تنصب على السلع ، واحدة واحدة ، لندرس الظروف التي تؤثر في سعرها ، والظروف التي تؤثر في حصيلة البلد والبلاد المصدرة لها ، ولنرى مدى امكان التأثير في هذه الظروف على نحو يحقق علاقات طبيعية ، لا استغلال فيها للبلاد المنتجة ، بحيث تستطيع هذه البلاد ان تصحح ما قد يكون قائماً من اوضاع منحرفة تنعكس سلباُ على التنمية الاقتصادية . 

سندرس في هذا البحث بعض العوامل المتصلة بمادة اولية مهمة هي البترول . وقد دعانا لاختيار هذه المادة أهمتيها بالنسبة لعدد من البلدان من بينها بعض البلدان العربية . كذلك دعانا لاختيار دراستها وتقديم هذا البحث عنها اعتقادنا ان البترول بالذات يحتاج في دراسته لادخال بعض العوامل التي قد لا يكون لها تأثير يذكر في البلدان النامية من مواد اولية اخرى ، مما يحتم علينا الوقوف امام هذه العوامل لتحديد أثرها ولبيان كيف يمكن للبلدان النامية التغلب عليها . ورغبة في الوضوح ، سنبدأ في اعطاء فكرة عامة عن النتيجة التي توصلنا اليها في هذا البحث والتي تتلخص بما يأتي : في كثير من المواد الاولية ، خاصة المواد الزراعية ، تتوقف حصيلة البلدان النامية من تصديرها لهذه المواد على عاملي الثمن والكمية المصدرة . اما بالنسبة للبترول ، فانه يجب ان نضيف عاملاً آخر هو عامل الشروط المالية التي توضع في اتفاقيات وعقود الامتياز التي تبرم بين حكومات البلدان النامية والشركات الاجنبية المستغلة للبترول والتي تحدد نصيب هذه الحكومات من الارباح المتولدة عن البترول المستخرج من اراضيها . وقد وضعت هذه الشروط في ظل ظروف تميزت بوجود علاقات سيطرة من جانب هذه الشركات الاجنبية او البلاد التابعة لها على حكومات البلاد النامية التي يوجد البترول في اراضيها . وقد كان من أثر وجود علاقات السيطرة ان وضعت الشروط المالية على نحو يجعل استفادة البلدان النامية من بترولها استفادة ضئيلة بالنسبة لما تحصل عليه الشركات الاجنبية القائمة على استخراج البترول . 

تترتب على ذلك نتيجة مهمة هي انه في نطاق البترول لا يكفي لكي تزيد البلاد النامية المنتجة له من اعتمادها عليه في تنمية اقتصادها . ولا يكفي ان ينظر فقط لعامل الثمن الذي يحدد للبترول في السوق العالمية ، لكن يجب بالاضافة الى ذلك ان تعدل الشروط المالية الموجودة في اتفاقيات وعقود الامتياز ، بحيث تحصل هذه البلدان النامية على نصيب ملائم من ارباح بترولها ، وبحيث تزول آثار السيطرة الاجنبية التي كانت موجودة وقت وضعت هذه الاتاقيات والعقود. 

ننتقل الآن لنعرض بشيء من التفصيل للدراسة التي أوصلتنا لهذه النتيجة . وسنبدأ بدراسة تغيرات ثمن البترول والكميات المنتجة منه وتأثير كل ذلك على حصيلة البلدان النامية المنتجة له.  وهنا لا بد من ان نفرق بين ناحيتين لتغيرات ثمن البترول . فهناك التغيرات القصيرة الاجل ، وهناك اتجاه الثمن في المدى الطويل . وفيما يتعلق بهذين النوعين من التغيرات ينبغي ان نذكر ان حدوثهما حتى الآن كان يتم في ظل تنظيم احتكاري للسوق العالمية للبترول . وكان هذا التنظيم يتميز بالخصائص التالية :  

1 – سيطرة عدد محدود من الشركات الاميركية والبريطانية الكبيرة على السوق العالمية سيطرة مهمة . وقد تكونت هذه السيطرة عندما حصلت هذه الشركات على امتيازات لاستغلال نسبة كبيرة جداً من الاحتياطات العالمية الموزعة بين بلاد العالم ، ومن تملكها لنسبة مهمة من الطاقة التكريرية ، ومن تملكها لنسبة ضخمة من اسطول نقل البترول في العالم . 

2 – عقدت هذه الشركات الكبرى في ما بينها اتفاقيات احتكارية الهدف منها تقسيم السوق العالمية في ما بينها ومنع الحروب التخفيضية في اسعار البترول .  

3 – كانت اسعار البترول في الاسواق العالمية تتحدد في ظل هذا التنظيم على اساس نفقات انتاج البترول الاميركي . وكان الغرض من ذلك منع البترول المستخرج من البلدان النامية، وهو بترول ضئيل التكاليف بالنسبة للبترول الاميركي ، من الاستثمار قي السوق العالمية وبالتالي منافسة الانتاج الاميركي والقضاء عليه .  

4 – نظراً الى ان الشركات الكبرى كانت تسيطر على نسبة مهمة جداً من الاحتياطي العالمي في مختلف بلدان العالم ، فانها استطاعت ، عن هذا الطريق ، التحكم بالانتاج العالمي . من هنا طبق نوع من تقييد الانتاج العالمي للبترول كان الهدف منه ضبط الانتاج ومنعه من ان يفيض عن الطلب وبالتالي تنخفض الاسعار العالمية مما يلحق اضراراً كبيرة بمصالح هذه الشركات . 

من الواضح ان هذا التنظيم الاحتكاري كان يحقق شيئاً من الاستقرار في اسواق البترول العالمية.  ومن الواضح كذلك ان هذا الاستقرار كان يعتمد على وسيلتين اثنتين :  

1 – تقييد الانتاج ومنعه من التزايد غير المتلائم مع تزايد الطلب .

2 – ربط السعر العالمي للبترول الخام بنفقات الانتاج في الولايات المتحدة ومنع المضاربات التخفيضية في الاسعار بين الشركات البترولية. 

لا يجوز مطلقاً ان نستنتج من ذلك ان البلدان النامية المنتجة للبترول كانت تجني فائدة ذات أهمية من هذا الاستقرار . فكما سنرى لاحقاً كيف حددت الحصيلة التي تحصل عليها هذه البلدان من استغلال بترولها حتى بداية السنوات الخمسين ونالت مبالغ ضئيلة محددة بصفة اجمالية عن كل طن من الكمية المستخرجة من الخام ، بصرف النظر عن الثمن العالمي للبترول . فاستقرارالثمن لم يكن بحد ذاته يعود بأي نفع على البلدان النامية لأن نصيبها من حصيلة البترول كان محدداً في ظل علاقات سيطرة احتكارية وصلت ما بين ثمن البترول في السوق العالمية وبين استفادة البلاد النامية الموجود فيها البترول من الارباح الضخمة التي تتولد في ظل الثمن العالمي المرتفع والمستقر . 

لنعد الآن الى الاستقرار النسبي للثمن العالمي للبترول . هنا ينبغي ان نشير الى ان التنظيم الاحتكاري المشار اليه قد أدى بوسائله التي بيناها الى التخفيف ، لدرجة كبيرة ، من شدة وعنف تقلبات ثمن البترول ، تلك التقلبات التي كان من الممكن ان تحدث لو تركت السوق العالمية تتفاعل حرة بين قوى العرض والطلب . كذلك أدى التنظيم الاحتكاري الى منع حدوث اتجاه طويل المدى في تقلبات ثمن البترول ، وذلك عن طريق تحكمه في الانتاج العالمي على نحو يحقق الاستجابة المتوازنة بين العرض المتزايد والطلب العالمي المحدود . على انه لا يجوز ان يفهم من ذلك ان الاستقرار كان مطلقاً . فالثبات الذي تحقق كان ثباتاً نسبياً ، بمعنى ان السوق والثمن كانا أكثر ثباتاً مما كان يمكن ان يحدث لو لم يقم مثل هذا التنظيم الاحتكاري . 

السؤال الآن : هل استمرت حتى الآن مقدرة هذا التنظيم الاحتكاري في تحقيق هذا الاستقرار النسبي ؟ . إن دراسة ظروف السوق العالمية للبترول في السنوات الاخيرة تدلنا على ان هذا التنظيم الاحتكاري قد ضعفت مقدرته كثيراً في هذا الصدد . ويرجع ذلك الى عوامل عديدة جديدة ظهرت في الفترة الاخيرة التي تلت الحرب العالمية الثانية . ومن أهم هذه العوامل عاملان رئيسان :  

الاول ، ظهور شركات منتجة جديدة في سوق النفط العالمية ، وهي شركات لم تدخل في التنظيم الاحتكاري الذي ضم الشركات الكبيرة القديمة . وكان من البديهي ان تحاول الشركات الجديدة ان تشق طريقها في السوق العالمية وان تستخدم ، في هذا السبيل ، كل ما تيصر لها من اسلحة . 

الثاني ، اكتشاف احتياطيات ضخمة في مناطق جديدة من العالم . وقد دلت الدراسات ان الانتاج من هذه الاحتياطيات الجديدة سيكون رخيص الكلفة ، فضلاً عن قربه من بعض المناطق المستهلكة للنفط . وكان من الطبيعي ان تسعى البلدان التي ظهرت فيها هذه الاحتياطيات النفطية الى استغلالها للاستفادة منها . لكن مما لا شك فيه ان التوسع في الانتاج من هذه الاحتياطات لا بد ان يؤدي الى تزايد الانتاج بدرجة قد تفوق معدل تزايد الطلب العالمي على البترول ، وبالتالي سيشكل ضغطاً انخفاضياً قد يكون شديداً على مستوى الاسعار العالمية . ولا شك ايضاً ان هذا الضغط الانخفاضي سيؤثر على مصالح البلدان المنتجة جميعها ، قديمها وجديدها على السواء .

تلك هي المشكلة الحقيقية الملحة التي تواجهها البلدان النامية المنتجة للبترول . وقد يكون من الملائم ان نفترض ان التنظيم الاحتكاري القديم سيحاول ان يجد وسيلة للتغلب على المشكلة عن طريق تهديد البلدان القيمة بانتاج البلدان الحديثة ، سعياً وراء الاحتفاظ على مصالحه . انما لا يجوز مطلقاً للبلدان النامية المنتجة للنفط الخام ، قديمها وحديثها على السواء ، ان تترك نفسها تقع فريسة لمحاولات التنظيم الاحتكاري القديم . 

إقترحت وسائل عديدة للتغلب على هذه المشكلة . واياً كانت تفاصيل الحلول المقترحة ، فانها كلها تتفق على ضرورة قيام نوع من التعاون بين البلدان المنتجة يكون هدفه تنظيم الانتاج العالمي على نحو يقلل من امكانيات التزايد الضخم في الانتاج بسبب تزايد الطلب العالمي . ولا شك ان وضع مثل هذه الحلول موضع التنفيذ يحتاج لمهارة ولصبر كبيرين ، كما يحتاج لحسن نية من الاطراف ذات المصلحة . وقد يحسن ان يتم هذا التعاون على أسس إقليمية على ان ترتبط المنظمات الاقليمية فيما بينها بعدئذ . إن قيام مثل هذا التعاون بين البلدان النامية المنتجة للبترول أمر تحتمه مصلحتها ، لأنها اذا لم تفعل ذلك فانها ستجد نفسها امام احد أمرين : فاما ان يحدث انخفاض عنيف في ثمن البترول الخام يضرها جميعاً ، واما ان يحاول التنظيم الاحتكاري القديم استعادة قوته عن طريق تهديد البلدان القديمة والحديثة واشعال نار التنافس بينهم ويحقق بالتالي وفي النهاية مصلحته هو. ومن الواضح ان كلاً من الامرين لا يجوز قبوله . 

هذا عن موضوع ثبات وتثبيت الاسعار . ولننتقل الآن لنرى مدى أهمية ثبات الاسعار بالنسبة للبلدان النامية المنتجة للبترول الخام . فالبترول في هذه البلدان انما نتج ، في الغالب ، بواسطة شركات اجنبية تقوم بالانتاج نظير تقديم مبالغ معينة لحكومات الدول النامية التي يوجد النفط الخام في اراضيها . والواقع ان الشروط المالية التي تحدد هذه المبالغ تعتبرعاملاً بالغ الأهمية في تحديد حصيلة هذه البلدان من انتاجها البترولي . فسواء تميز ثمن البترول العالمي بالثبات او بالتقلبات ، عنيفة أكانت هذه التقلبات ام خفيفة ، فان الشروط المالية المشار اليها تؤثر يما تحصل عليه هذه البلدان من البترول . ومن هنا يتعين ان نعالج هذا العامل بالتفصيل وان نعطيه العناية التي يستحقها . 

اذا درسنا تاريخ العلاقات بين البلدان النامية المنتجة للخام وبين الشركات البترولية الاجنبية فسنجد ان هذه العلاقات قد خضعت لعامل السيطرة التي مارستها الاخيرة على الاولى . وقد كان لهذه السيطرة أثرها في تحديد الشروط المالية المشار اليها . وقد مرت هذه الشروط بمرحلتين اثنتين :  

1 – ففي المرحلة الاولى كان نصيب حكومة البلد النامي الذي يختزن الخام في اراضيه يتحدد على أساس مبلغ ضئيل مقدر سلفاً عن كل طن خام يستخرج من اراضيها ( 4 شلنات مثلاً عن الطن الواحد ) . وعلى هذا الاساس لم تكن البلدان النامية تتأثر بارتفاع او انخفاض السعر العالمي للبترول . والواقع ان مراجعة المبالغ الاجمالية التي حصلت عليها البلدان النامية من البترول في هذه المرحلة يكشف عن الضآلة البالغة لهذه المبالغ ، خاصة اذا ما قيست بالارباح الضخمة التي حققتها الشركات البترولية العالمية في خلال تلك المرحلة . وهذا يفسر لماذا ظلت حصيلة البلدان النامية من البترول في هذه المرحلة عديمة الاثر تقريباً في تنشيط اقتصاديات هذه البلدان ودفعها في طريق النمو . 

2 – اما المرحلة الثانية فتبدأ من نهاية السنوات الاربعين وبداية السنوات الخمسين من القرن العشرين . وهي تتميز بتعديل الشروط المالية ، بحيث حدد نصيب حكومات البلدان النامية المنتجة للبترول الخام بنسبة مئوية من ارباح الشركات . انما يلاحظ انه حتى في ظل هذه المرحلة ان علاقات السيطرة تركت طابعها القوي الذي كان من شأنه عدم حصول البلدان النامية على نصيب ملائم من الارباح المتولدة من بترولها . ويتضح مدى ابتعاد الشروط المالية في خلال هذه المرحلة عن الوضع الملائم اذا عرفنا ما يأتي :  

إن النسبة المئوية هذه تنطبق فقط على ارباح الشركات المتولدة من بيع الخام دون ارباح بقية العمليات . والحقيقة ان هذا الوضع لا معنى له اذا لاحظنا ان هذه الشركات تباشر عمليات الاستغلال البترولي كلها في شكل مشاريع مندمجة ، يبدأ من الاستخراج وتنتهي بالتسويق ، وان النسبة الكبرى من البترول الخام الذي تنتجه من تكريره وتسويقه . وقد بين بعض الباحثين انه في ظل هذا الوضع تستطيع الشركات ان تخفض " على نحو حسابي " فقط من ثمن الخام فينخفض نصيب البلدان المنتجة للبترول من الارباح ، في حين تتولى هي ، اي الشركات ، بعد ذلك تكرير الخام وبيعه باثمان مرتفعة ، وبذلك تترتكز معظم الارباح في مرحلة النقل والتكرير والتسويق ، وهي المرحلة التي تحصل فيها الشركات على كل الارباح من دون اي مشاركة من جانب البلدان النامية . وهذه الشركات ما زالت حتى الآن هي التي تحدد وحدها سعر البترول الخام في الاسواق العالمية بدون ان تستشير البلدان النامية في الثمن الذي تحدده .  

يتبين من كل هذا مدى أهمية عامل الشروط المالية في التأثير على حصيلة البلدان النامية من بترولها . وهذه الأهمية هي التي تميز سلعة البترول عن غيرها من المواد الاولية ، من حيث تأثير هذه المواد على اقتصاديات البلدان النامية وعلى امكانيات تنميتها الاقتصادية . لذلك ، لا بد  تصحيحاً لها الوضع ، ان يعاد النظر في الشروط المالية ، بحيث تنطبق النسبة المئوية على الارباح المخصصة للبلدان النامية ، ليس فقط على ارباح الخام ، بل على ارباح كل العمليات المتصلة بالبترول المستخرج من اراضيها ، أي على ارباح النقل والتكرير والتسويق . كذلك يتعين ان تلتزم الشركات ببحث كل تعديل في اسعار البترول قبل الاقدام عليه مع حكومات الدول النامية المنتجة للبترول . ولا شك ان هذه الحكومات ستقبل التعديل اذا رأت ان الظروف الاقتصادية تحتم اجراءه .  

يبقى السؤال الكبير : كيف تتوصل البلدان النامية لتحقيق كل ذلك ؟  

لقد كان من بين اسباب نجاح التنظيم الاحتكاري في فرض سيطرته على البلدان النامية ان هذه البلدان لم تكن تفاوض على نحو مكتمل ومتضامن ، بل كانت تتعامل معه منفصلة عن بعضها البعض . من هنا كنا امام تنظيم احتكاري قوي من جانب ، ووحدات اقتصادية ووطنية ضعيفة وصغيرة من جانب آخر . وكانت النتيجة الطبيعية ان جاءت الشروط المالية في مصلحة القوي وآلت الارباح الى الشركات الاحتكارية الكبرى . من هنا لا بد للدول النامية من التضامن في ما بينها وان تطالب كلها مجتمعة الشركات الاحتكارية بتعديل الشروط المالية على النحو الذي يرفع هذا الغبن المهين عنها.