مع أهل الاختصاص: اوضاع الفاكهة اللبنانية

 

انطوان اده

نشرت المقابلة في تشرين الاول / اكتوبر 1961 ، العدد الثاني عشر ، الرائد العربي 

يعتبر موضوع الفاكهة اللبنانية من المواضيع التي تحتل مكانة بارزة في بحث الاقتصاد اللبناني . ونظراً لاهمية الموضوع ، ولتزايد الخطوات المتخذة في سبيل تنظيم انتاج الفاكهة وتسويقها ، قام مندوب مجلة الرائد العربي بمقابلة الاستاذ انطوان اده ، مدير مكتب الفاكهة اللبنانية ، وطرح عليه بعض الاسئلة نثبتها في ما يلي مع الاجوبة . 

هل لكم ان تحددوا لنا مهمات المكتب الرئيسة والاعمال التي قام بها لتنفيذ مهماته ؟ وما هي الخطوات المزمع اتخاذها في المدى القريب لتنشيط هذا القطاع الزراعي ؟ وما هي العقبات التي تواج مكتب الفاكهة اللبنانية وتحد من نشاطه ؟  

عندما فكر المسؤولون في انشاء مكتب الفاكهة اللبنانية ، كان القصد من وراء ذلك تنظيم تصريف الفاكهة في الاسواق الداخلية والخارجية . غير ان الخبراء الذين ناقشوا نصوص المرسوم الاشتراعي رقم 41 الذي أنشيء بموجبه مكتب الفاكهة ، إتفقوا على اعطاء المكتب الصلاحيات التي تناولت المراقبة والتوضيب والدعاية والبحث عن الاسواق الخارجية ، وبشكل خاص الاسواق العربية ، لتصريف كامل لفائض الانتاج اللبناني من الفاكهة ، خاصة الانواع التي تضخمت كمياتها ولم يعد بالامكان تصريفها محلياً . 

استطاعت الدوائر الفنية التابعة لمكتب الفاكهة ان تفرض ، في مجال المراقبة ، رقابة شديدة على التوضيب ، الامر الذي أعاد الثقة الى نفوس المستوردين فعادوا الى التعامل مع المصدرين اللبنانيين بعد ان كان قسم كبير منهم قد توقف عن استيراد الفاكهة من لبنان . اما في مجال التوضيب ، خاصة الحمضيات ، فانه  على درجة متقدمة من الاتقان ، بحيث اصبحت الثمار تصل الى ابعد الاسواق الخارجية بصورة جيدة جداً ، مما حمل المستورد الاجنبي ان يقبل على استيراد فاكهتنا الموضبة توضيباً آلياً وبطريقة فنية متقدمة . وهذا ما حمل الكثيرين من كبار المصدرين اللبنانيين والمزارعين على انشاء مراكز توضيب آلية . وتعد هذه المراكز الآن من احدث المراكز الموجودة في العالم . ولمكتب الفاكهة مراكز توضيب حديثة في بيروتوطرابلس

لم يتوقف المكتب عند هذا الحد وهذه النتائج البارزة ، بل ضاعف جهوده للقيام بدعاية واسعة لانتاجنا المحلي في الاسواق الخارجية ، خاصة في الاسواق الاوروبية التي باتت تستورد قسماً كبيراً من انتاجنا الوطني . وبالاضافة الى المقالات المتواصلة التي ينشرها مكتب الفاكهة عن ميزات الفاكهة اللبنانية في كبريات الصحف العالمية ، فانه اشترك في اكثر المعرض الدولية ، عارضاً أجود المنتجات واحسنها ، مما أثار إعجاب المستوردين والمستهلكين . ولم يترك المكتب مناسبة الا وعمل على التعريف بفاكهتنا الوطنية وابرازها بطرق جذابة . 

إن الخطوات المزمع اتخاذها في المدى القريب هي تعميم التوضيب الآلي لثمار التفاح وتخفيض اسعار الكلفة وتنظيم السوق ومراقبة عمليات التبريد وايجاد وسوائل النقل السريع المبرد . فقد اتصل المكتب ، في هذا المجال، بأهم الشركات العالمية للحصول على عروض ملائمة تساعده في حل مشكلة النقل عبر الصحراء لكي تصل الفاكهة الى الاسواق العربية بحالة جيدة ومن دون ان تفقد ميزة من ميزاتها الطبيعية والتجارية . 

اما العقبات التي تواجهنا وتحد من نشاطنا فهي ضعف الامكانيات المالية . ومن المحتمل ان يعاد النظر قريباً بهذا الموضوع الاساسي لرفع هذه الامكانيات على ضوء الخبرة التي اكتسبناها خلال هذه الفترة القصيرة ، أي في مدى سنتين من العمل الجدي والمثمر . 

من المعروف انه قد اجيز لمكتب الفاكهة ان يتسلم الفاكهة والحمضيات من المزارعين مباشرة وتصديرها الى الخارج على حسابه . فهل يمارس المكتب هذه الصلاحية ، وما هي الأسباب والفوائد الداعية لذلك ؟  

جاء في المرسوم الاشتراعي الذي حدد صلاحيات المكتب انه يسمح لمكتب الفاكهة باستلام انتاج المزارعين وتصريفه على حسابهم ، اذا فوضوه بذلك . وعلى هذا الاساس سيصدر مرسوم تنظيمي يحدد كيفية التعامل مع المزارعين . اما الاسباب الموجبة فتعود الى عدم امكانية بيع انتاج المزارعين عند القطاف واحجام التجار عن الشراء مما يحول المزارع الى منتج وتاجر في آن واحد . وهذا أمر قد يؤدي الى عرقلة في تنظيم التصريف والى مزاحمة غير مشروعة في السوق الخارجية الواحدة ، وبالتالي الى خسائر يتكبدها التاجر والمنتج في آن واحد . وبالاضافة الى ذلك  فان صغار المزارعين سيجدون انفسهم تحت رحمة القدر ، بحيث لا يستطيعون ان يصرفوا منتجاتهم الضئيلة ويتعرضون ، بالتالي ، الى عجز مالي دائم . فالتدابير التي نتخذها او نسعى الى اتخاذها ذات فوائد عديدة ، أهمها ازالة الوسطاء بين المنتج والمستهلك وتأمين التصريف والسعي للحصول على أفضل الاسعار . فمكتبنا لا يقوم يأي عملية تجارية ، لكنه يقدم خدماته للمزارعين ضمن امكاناته وصلاحياته . 

هل لكم ان تحددوا المشاكل التي تواجه الفاكهة اللبنانية على صعيد الانتاج والتوضيب والتسويق ؟  

إن أهم مشكلة نواجهها اليوم هي ارتفاع سعر كلفة انتاجنا اللبناني . فهذا الارتفاع في الكلفة لا يسمح لنا بمزاحمة سوانا في كثير من الاسواق العالمية ، على الرغم من جودة فاكهتنا وميزاتها المتفوقة . لذلك يسعى مكتب الفاكهة الى درس وسائل تخفيض الاكلاف الى ادنى حد ممكن على اساس علمي ، بحيث يتمكن المزارع من انتاج اكبر كمية ممكنة بأقل كلفة . اما في مجال التوضيب ، فلم يعد عندنا من مشاكل تذكر بفضل التدابير التي اتخذت سابقاً ، خاصة في توضيب الحمضيات . ونأمل ان تعم مراكز التوضيب الآلي كل المناطق لمختلف الانتاج الزراعي .  

يبقى لدينا امر التسويق . هذه العملية مرتبطة بالصلاحيات التي يجب ان تعطى لمكتب الفاكهة اذا أعيد النظر في المرسوم الاشتراعي رقم 41 لأنها تتطلب قوانين تنظيمية متشعبة . 

الى أي مدى يتأثر تصريف الفاكهة اللبنانية في الخارج بمنافسة الفاكهة غير اللبناية لها . وما هو اثر هذه المنافسة في الاسواق العربية ؟  

الفاكهة اللبنانية فاكهة ممتازة لا يعادلها اي انتاج آخر جودة ونوعاً . ورغم كل العوائق فان الانتاج اللبناني يباع في الاسواق العالمية بأسعارتفوق بنسبة 20 بالمئة اسعار سواه . غير ان المستهلك الاجنبي سيحجم عن شراء منتجاتنا اذا ارتفعت اسعارها اكثر من هذه النسبة مقارنة مع الاسعار العالمية السائدة . عندها تصبح المنتجات الاجنبية في مركز يساعدها على مزاحمة انتاجنا . اما المنافسة في الاسواق العربية فانها بدأت تشتد نوعاً ما بعد ان وصلت الى الاسواق فاكهة غير لبنانية بأسعار متدنية جداً ، مما حمل الطبقات الشعبية على شرائها . وهذه الطبقات هي الاكثر شراء للمنتجات الزراعية بسبب ارتفاع اعدادها في العالم العربي ، ولأنها من جهة اخرى ، لم تتعود شراء فاكهتنا بسبب ارتفاع اسعارها . ولكن ، متى اقتربت اسعار منتجاتنا من اسعار المنتجات العربية والاجنبية فان هذه الطبقات الشعبية ذاتها ستقبل على شراء الثمار اللبنانية بسبب جودتها . وبكلمة موجزة ، القضية هي قضية السعر ليس إلا .