وكيل وزارة المال السودانية لشؤون الاتشاء والتعمير يتحدث عن تطور الاقتصاد السوداني وأسس تنميته

 

نشر اللقاء في كانون الاول / ديسمبر 1961 ، العدد الرابع عشر ، الرائد العربي  

إغتنم مكتب الرائد العربي في بيروت فرصة انعقاد " المؤتمر الخاص بالنواحي الاجتماعية لتخطيط التنمية في الدول العربي " وقام بمقابلة الاستاذ اسماعيل محمد بخيت ، مساعد الوكيل الدائم للمالية لشؤون الانشاء والتعمير في السودان ، ورئيس وفد السودان الى المؤتمر ، ونائب رئيس المؤتمر ، وطرح عليه مندوبنا بعض الاسئلة المتعلقة بالاقتصاد السوداني . وفي ما يلي نص ما جرى في اللقاء . 

هل لكم ان تحدثونا عن التطورات التي طرأت على الاقتصاد السوداني في الفترة الاخيرة ؟ . وما هي المظاهر الاساسية التي تطبع الاقتصاد السوداني في المرحلة الحاضرة ؟ . 

يسير الاقتصاد السوداني بسرعة مضطردة وينمو بدرجة ملحوظة نحو التكامل والانطلاق الذاتي. وعلى الرغم من ان السودان لم يكتمل له استقلاله الا في اول كانون الثاني / يناير من سنة 1956  فان له ان يفخر بتواضع بما حققه خلال هذه الفترة الوجيزة . وأذكر ، على سبيل المثال لا الحصر ، اننا تمكنا من اضافة وري 800 الف فدان في مشروع الجزيرة العظيم ، المعروف بمشروع المناقل . وقد وزعت الارض على اكثر من 45 الف مزارع من المواطنين ، كما اننا تمكنا من توليد الكهرباء من خزان سنار بما تبلغ قوته 15 الف كيلوات / ساعي لاستغلالها في محالج القطن وفي ادارة المصانع والمعامل وانارة بعض القرى والمدن . كما اننا وسعنا شبكة خطوط السكة الحديدية بما يزيد عن الألف كيلومتر ، وشرعنا في بناء سد على احد روافد النيل يسمى بسد القربة الذي سوف يمكننا من ري مليون فدان ، بالاضافة الى الطاقة التي ستولد منه . وبدأنا العمل ايضاً في خزان الروصيرص الذي نرجو ان يوفر لنا ما يقارب الثلاثة ملايين من الامتار المكعبة من الماء في مرحلته الاولى ، والتي سوف نستغلها في التوسع الزراعي وفي تنويع المحاصيل . كما ان هذا الخزان قد صمم بطريقة تمكننا من الاستفادة منه في توليد الطاقة الكهربائية مستقبلاً . 

أما في مجال التعليم ، فقد تمكنا من توفير الاماكن في المدارس الابتدائية لما يقارب الاربعة والاربعين بالمئة من البنين في سن التعليم ، وما يقارب الثمانية عشر بالمئة للبنات . وبالاضافة الى أغراض التعليم العامة فاننا ايضاً نوجهه ، أي التعليم ، ليفي بحاجات البلاد في شتى ضروب الخبرة والمعرفة . كما حدث توسع كبير في جامعة الخرطوم ، خاصة في الكليات العلمية . 

وقد تمكنا ايضاً ، في خلال هذه الفترة ، من تدعيم اقتصادنا الوطني بانشاء بنك السودان المركزي . وقمنا كذلك بانشاء مصرف زراعي ، كما صدرت القوانين الخاصة لاقامة بنك صناعي ودبرت له الاموال اللازمة وسيبدأ اعماله في 17 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل ، وهو اليوم الموافق للعيد الثالث لثورتنا المباركة التي تم على يديها الكثير من التقدم والاصلاح . اما في القطاع الخاص ، فقد تمكنا من انشاء مصرف تجاري باكتتاب عام ، كما أنشئت انواع كثيرة من الصناعات المختلفة ، أذكر منها مصانع النسيج والاسمنت . 

ما هي الاسس التي تجري بموجبها عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان ؟ . 

أولت حكومة الثورة تكوين جهاز التعمير والاسس التي تبنى عليها التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان، عناية خاصة وفعالة . فقد قامت باعادة تنظيم الجهاز الاداري في البلاد ليتمشى مع متطلبات التقدم السريع وليتمكن من اشراك المواطنين في العمل الجاد لتطوير بلادهم واعمارها . ومن ضمن ما شمله الاصلاح جهاز التعمير الضروري والملح . فقد تم تأسيس مجلس اقتصادي برئاسة رئيس الوزراء لرسم السياسة الاقتصادية واقرار الخطة وميزانياتها ، على ان تحال الخطة الى لجنة وزارية للانشاء والتعمير مهمتها فحص محتويات الخطة وتحديد اسبقياتها ومراحل تنفيذها ، ويتبع ذلك التنفيذ وتذليل ما ينشأ من عقبات . وتقوم بعد ذلك لجنة فنية بدراسة موارد البلاد البشرية والمادية والمالية مهمتها تنمية تلك الموارد وتأمين احتياجات الخطة في مراحلها المتقدمة .

تتضمن قاعدة جهاز التعمير امانة عامة للتخطيط مهمتها درس المقترحات من نواحيها الفنية والاقتصادية وامكانات التنفيذ . من هنا يتبين ان حكومة السودان انما ترمي الى دراسة الخطة دراسة علمية بهدف تحقيق اكبر قسط من النمو والتقدم في حدود مواردنا وامكاناتنا . اما النواحي الاجتماعية فهي ، في نظر حكومة السودان ، احد الاهداف الرئيسة والاساسية التي ترمي اليها اية خطة او اي مشروع تنفذه . فنحن لا ننظر الى المشروع من زاويته الاقتصادية فحسب ، بل من زاوية أعم وأشمل . ففي مشروع المناقل ، مثلاً ، خططت القرى ومواقعها في نفس الوقت الذي تم فيه تصميم قنوات الري . كما ان تلك القرى التي مدت اليها المياه قصد من ورائها ان تشمل الماء المستوصفات ودور رعاية الطفل والمدارس للبنين والبنات والاندية الاجتماعية ودور الارشاد الزراعي والصناعي والثقافي ، بالاضافة الى المنازل والمستشفيات ودور العبادة الخ .. ، كما شملت الاراضي المنتجة للخضار والفاكهة . وخصصت بعض الاراضي للانتاج الزراعي المتنوع كالخضروات والفاكهة والذرة التي نصنع منها الخبز السوداني . وتم انشاء ، من ضمن المشروع ،  قسم متفرغ للاشراف على الخدمات الاجتماعية . 

تخضع الآن خطتنا للسنوات السبع المقبلة لدراسة جدية ونأمل ان يبدأ بتنفيذها في شهر تموز / يوليو المقبل . اما لماذا حدد زمنها بسبع سنوات فلأن اكبر مشروع فيها ، وهو خزان الروصيرص الذي بدأ العمل فيه كما سبق ان ذكرت ، يستغرق بناؤه سبع سنوات . ومن هنا ارتبطت كل مشاريع الخطة به . ومن بين أهداف خطتنا المقبلة زيادة فرص العمل وزيادة دخلنا الوطني بمضاعفة الانتاج وتنوعه ، كما نهدف كذلك الى  زيادة دخل الفرد بما يزيد كثيراً من سرعة نمو السكان . ولا ينحصر نطاق خطتنا المقبلة في المجال الحكومي ، بل يمتد الى القطاع الخاص ايضاً . ونأمل ان يسهم هذا القطاع بقسط وافر في تحقيق المزيد من التقدم . اما عن الجانب الصناعي فاننا نهدف الى تحقيق أكبر قسط ممكن من الاكتفاء الذاتي ، مبتدئين بتصنيع خاماتنا المحلية . وقد أوشك المصنع الاول للسكر الحكومي على الانتهاء ، ونأمل ان يسد ما يقرب من 40 % من حاجات البلاد من السكر . وستتبعه مصانع اخرى . 

تعمل حكومة السودان جاهدة لتعبئة المواطنين في جهدها لتطوير الاقتصاد السوداني وتعزيز مركزه ، رغم ادراكها ان هذا ليس هدفاً بحد ذاته ، وانما وسيلة لتيسير العيش الكريم لمواطنينا ومجتمعنا . 

كيف تتصورون مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السودان وباقي الاقطار العربية ؟  

أعتقد ان العلاقات الاقتصادية المستقبلية وسواها بين السودان وشقيقاته الدول العربية تبشر بازدهار عظيم . ونحن على صلات وثيقة وطيبة مع جميع اخواننا العرب ونرحب بالمزيد من التعاون في كل ما يعود بالخير على الوطن العربي . دليلنا على ذلك ازدياد الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية بين السودان وبين الدول العربية الشقيقة كافة ، وازدياد حجم التبادل التجاري المضطرد معها . ولا شك في ان البلاد العربية لها امكانات عظيمة وتستطيع كل منها ان تسهم في تدعيم امكانات الاخرى .