ندوة الرائد: السوق الاوروبية المشتركة والاقتصادات العربية

 

نشرت وقائع الندوة في شباط / فبراير 1962 ، العدد السادس عشر ، الرائد العربي  

عقدت ندوة هذا الشهر في الجامعة الاميركية في بيروت بالاشتراك مع جمعية طلاب التجارة في الجامعة . وكان الغرض من عقد الندوة في حرم الجامعة إتاحة الفرصة امام أكبر عدد من المهتمين بموضوع الندوة لحضورها والاستماع الى المشتركين فيها . وقد اخترنا لهذه الندوة موضوعاً له علاقة وثيقة بالحياة الاقتصادية في البلاد العربية ، هو موضوع انشاء السوق الاوروبية المشتركة وأثرها على الاقتصاد العربي ككل . فمنذ قيام هذه السوق والمعنيون بالشؤون الاقتصادية في البلاد العربية يستقصون ما سيكون لهذه السوق من أثر ، سلباً أكان ام ايجاباً ، على الاقتصاد من خلال أثرها على العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية وبلدان السوق المشتركة من جهة ، وبين البلدان العربية وافريقيا واسرائيل من جهة اخرى . 

دعونا الى الاشتراك في هذه الندوة فئة من كبار المعنيين بالشؤون الاقتصادية كي يسهموا بآرائهم حول هذا الموضوع . وقد اشترك في الندوة السادة :  

الشيخ موريس الجميل ، النائب في المجلس النيابي اللبناني ووزير التجهيز والانماء السابق .

الدكتور محمد عطاالله ، مدير عام الشركة العربية للتوظيف المالي وعضو مجلس الانماء والتصميم في لبنان .

الاستاذ عبد الوهاب الرفاعي ، مدير غرفة التجارة والصناعة في بيروت .

ادار الجلسة الدكتور عصام عاشور ، استاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت . 

عاشور : يجدر بنا ، كي نتمكن من بحث آثار السوق الاوروبية المشتركة على الاقتصادات العربية ، التعرف الى الجوانب المختلفة لهذه السوق . فما هي السوق الاوروبية المشتركة ، وما هي الدوافع التي حدت بالدول المشتركة فيها الى انشاء هذه السوق ، وما هي أهدافها البعيدة المدى ؟ . وما هي علاقة السوق بالمستعمرات التابعة للدول المنضمة الى السوق ، وما هو موقف بقية الدول الاوروبية من هذه السوق ؟ . هذه كلها أسئلة لا بد من ان نجيب عليها قبل ان نبحث في أثر السوق الاوروبية على اقتصادات الدول العربية . لذلك سأطرح هذه الاسئلة في بداية الندوة لتكون منطلقاً لبحث موضوعنا الرئيس . 

عطا الله : السوق الاوروبية المشتركة تنظمها معاهدة روما ، وهي المعاهدة التي وقعت عليها الدول الاوروبية الست المشتركة في السوق ، أي المانيا وايطاليا وفرنسا وبلجيكا وهولندا واللوكسمبرغ . واذا أخذت معاهدة روما بحرفيتها ، فما هي سوى معاهدة اتحاد جمركي ، الغرض الاول منها توحيد الغاء التعريفات الجمركية داخل السوق ، ثم توحيد التعريفات الجمركية للبلدان المشتركة كمجموعة ازاء البلدان الاخرى ، والعمل على تسهيل عبور رؤوس الاموال والاشخاص بين بلدان السوق . وتهتم المعاهدة بالدول الافريقية  الملحقة بالدول الاوروبية المشتركة . فالسوق الاوروبية المشتركة ، اذا اعتبرنا نص وحرفية معاهدة روما ، ليست الا اتحاداً جمركياً . غير ان هذه السوق تطمح الى أكثر من هذا بكثير . هي ، في الواقع ، الجانب الاقتصادي لحركة اوروبية توحيدية شاملة ، يمكن ان تشمل ايضاً ، وفي وقت لاحق ، الجوانب الثقافية والفنية وحتى السياسية . في اوروبا حركة سياسية تدعو الى الوحدة الاوروبية ، لها صوفيوها والعاملون بحماس كبير على تحقيقها . ونستطيع ان نفهم ماهية السوق الاوروبية المشتركة وأهدافها البعيدة المدى اذا نظرنا اليها على انها تجسيد للجوانب الاقتصادية في الحلم الاوروبي بالوحدة السياسية . 

عاشور : ذكرت ، يا دكتور عطا الله ، ان السوق الاوروبية هي خطوة اولى تبدأ كاتحاد جمركي لتصل الى ما هو اكثر من ذلك بكثير. فهل لك التوسع في توضيح هذه الفكرة ؟ .  

عطا الله : للسوق الاوروبية جدول اعمال مدروس ومفصل . وقد بدأ التنفيذ سنة 1958 وسينتهي في احسن الاحوال بين سنتي 1970 و 1973 ، وهو على ثلاث مراحل :  

أ – المرحلة الاولى ، ومدتها اربع سنوات ، يتم في خلالها ازالة التعريفات الجمركية داخل البلدان المشتركة بنسبة 20 بالمئة . والواقع انهم قد تمكنوا حتى الآن من ازالة التعريفات بنسبة أعلى من النسب المنصوص عليها ، إذ بلغت نسبة التعريفات التي ازيلت 30 بالمئة .

ب – يتم في المرحلتين الثانية والثالثة ، ومدتهما تتراوح بين اثنتي عشرة سنة وخمس عشرة سنة ، ازالة بعض التعريفات الداخلية . وبعد ازالة هذه التعريفات الداخلية يتم توحيد التعريفات بين البلدان المشتركة في السوق والبلدان الاخرى . وهنا يكمن الجواب على اعتقادي بأن السوق الاوروبية المشتركة ليست مجرد اتحاد جمركي ،إذ ان المعاهدة قد نصت بشيء من التعميم على السعي لايجاد سياسات اقتصادية موحدة في السوق على الاصعدة الزراعية والتجارية والتثميرية . وهنالك نص بانشاء بنك مشترك للتثمير . كذلك ، فان الذين عملوا على ايجاد هذه السوق هم من كبار الاوروبيين الذين يدعون بالفدراليين الاوروبيين ، والذين يدعون الى انشاء برلمان اوروبي . لذلك يجب ان ينظر الى السوق الاوروبية المشتركة كحلقة في سلسلة التكوينات الاوروبية الاخرى ، كالبرلمان والمنظمات الذرية الاوروبية ومنظمة الفحم والصلب . ولا ادري ما اذا كانت اوروبا ستنجح في تحقيق وحدتها السياسية . لكنني اعتقد ان اتحاداً على الصعيد الاقتصادي أصبح ضرورة حياتية لاوروبا . 

عاشور : سأتوجه الآن بالسؤال الى الشيخ موريس الجميل كي يحدثنا عن الدوافع التي حدت بالدول الاوروبية للانضمام الى سوق مشتركة . 

الجميل : لكي نتعرف الى أساس الرغبة في توحيد اوروبا اقتصادياً ، يجب الرجوع الى حلم نابليون بتوحيد اوروبا على الصعيد السياسي . غير ان هذا الحلم لم يتحقق آنذاك لعدم توفر المعطيات والعوامل التي تسمح بتجسيده . اما اليوم ، فقد انبثقت معطيات اقتصادية وتقنية جديدة أوجبت ايجاد مؤسسات تعمل على صعيد أوسع وأشمل من صعيد كل بلد منفرد . وانبثقت ، بالتالي ، في اوروبا مؤسسات عديدة ، يهدف بعضها الى الوحدة السياسية ، وبعضها يعمل على تحقيق الوحدة الاقتصادية . وبظهور القواعد التقنية الجديدة ظهرت متطلبات من حيث حجم المؤسسة الانتاجية ، إذ أصبح هناك مؤسسات يجب ان تكون عالمية واخرى يمكن ان تعيش ضمن اطار البلد الواحد . هذه الحتميات التقنية الجديدة فرضت على اوروبا ، إن هي شاءت ان تحافظ على مستوى تقدمها الاقتصادي ، ان توجد لمؤسساتها الحجم الاقتصادي المطلوب . 

ونحن نرى ان هناك صراعاً قائماً بين الحدود السياسية والحدود الاقتصادية والحدود التقنية . والصراعات بين الحدود السياسية والحدود الاقتصادية قائم منذ أمد بعيد . اما اليوم ، فقد قام صراع جديد بين الحدود السياسية وبين المتطلبات التقنية التي لا تقبل بأي حدود . وهذا الصراع هو الذي يدفع باوروبا نحو الوحدة لايجاد حدود جديدة تتجاوب مع المتطلبات التقنية الحديثة غير الحدود السياسية القديمة التي أصبحت ذات قيمة عاطفية أكثر مما هي واقعية . 

عاشور : هل من دواع استراتجية او عسكرية تلعب دوراً في تحقيق السوق الاوروبية المشتركة؟  

الجميل : لا شك ان هناك متطلبات استراتجية تفرض قيام مؤسسات ذات حجم كبير تكفي لسد الحاجات الاستراتيجية . فانتاج قنابل او صواريخ من حجم معين ، مثلاً ، يتطلب قيام مؤسسات تعمل على صعيد أوسع من صعيد كل بلد على انفراد . 

عاشور : بعد هذا البحث المتعلق بالسوق الاوروبية والدوافع التي أدت الى قيامها ننتقل الى بحث جانب آخر من جوانب السوق يتمحور حول علاقة السوق بالمستعمرات العائدة للدول المنضمة الى السوق . فقد ذكر الدكتور عطا الله ان اتفاقية السوق تنص على انشاء نوع من العلاقة بين بلدان السوق والمستعمرات العائدة لها . لذلك أود لونتوسع في بحث هذه الناحية لأنها قد تلقي ضوءاً على بحثنا في ما يتعلق بتأثير السوق على الاقتصاد العربي . 

عطا الله : من صلب نص اتفاقية السوق الاوروبية المشتركة الاهتمام بالدول الافريقية المرتبطة ببلدان السوق . لكن ، لكي نعرف مدى مقدرة السوق على التعاون مع البلدان الافريقية ، يجب ان نرى مقدرتها في حل مشكلة الول المتخلة في اوروبا نفسها . فالمشاكل التي تواجهها السوق المشتركة من وجود بلدان اوروبية متخلفة ، هي مشاكل تهدد كيان السوق بكاملها . وانا أعتقد ان هذه المشاكل سيكون لها مضاعفات أكبر بالنسبة لأفريقيا . فالدول الافريقية تحاول ان تفتح صفحة جديدة كاملة ، وهذه الصفحة هي على حساب الاستعمار . فمظهر الاستعمار في الدول الافريقية كان استغلال هذه الدول كأسواق جيدة للمنتجات الصناعية الاوروبية ، وكمصادر للمواد الخام . وهذه العلاقة لا يمكن ان تكون أساساً لتعاون وثيق بين افريقيا الحديثة واوروبا . لذلك فان مشاركة الدول الافريقية في السوق الاوروبية ، اذا كانت على أساس روحية التحرر الجديد ، فانها ستضيف اعباء جديدة على الدول الاوروبية ، لأن هذه المشاركة تعني تأمين اسواق للمواد الخام الافريقية باسعار تؤمن العيش الطبيعي للدول الاوروبية ، كما تؤمن التبادل التجاري على صعيد متكافيء ، وكما تؤمن ايضاً انصباب راس المال الاوروبي في افريقيا . 

عاشور : تنص اتفاقية السوق على ان تفتح الدول الاوروبية اسواق مستعمراتها امام منتجات الدول الاعضاء كافة  . فما هي الفائدة التي تجنيها الدول المستعمرة من ادخال منافسة جديدة في اسواق كانت تحتكرها سابقاً ؟ . 

عطا الله : أعتقد ان فرنسا ترغب في ان تشرك الدول الافريقية التي كانت او ما تزال تابعة لها في التعامل مع السوق الاوروبية وذلك كي تتقاسم عبء التوظيف المالي في هذه الدول مع بقية دول اوروبا . فالاعباء المالية التي تترتب على فرنسا من جراء علاقاتها بالدول الافريقية أعباء باهظة ينوء بها الاقتصاد الفرنسي وحده . 

عاشور : يجدربنا ان نذكر ان اتفاقية السوق المشتركة تنص على احداث صندوق يبلغ رأسماله 581 مليون دولار لاستثمار هذه الاموال في الدول الافريقية .  

دعونا الآن ان ننتقل الى سؤالنا التالي وهو كيف يمكن للسوق الاوروبية ان تؤثر على الاقتصاد العربي . 

الرفاعي : يمكن للسوق الاوروبية المشتركة ان تؤثر على الاقتصادات العربية سلباً وايجاباً . اما الأثر السلبي فهو ان يستغنى عن تصدير بعض المنتجات العربية الى اوروبا ، حيث ان المنتجات المماثلة من البلدان الاوروبية المشتركة او الدول المرتبطة بها تتمتع بامتيازات جمركية لا تتمتع بها المنتجات العربية . ولعل أهم هذه المنتجات سيكون البترول . فاذا ما أخذت الدول الاوروبية باستيراد بترول شمالي افريقيا عن طريق فرنسا، فان هذا الامر سيضر كثيراً بالبترول المستورد من بلدان الخليج العربي . اما الامر الايجابي فهو انه قد يتم من جراء هذا الواقع ان تعي هذه البلدان مصلحتها وان تعمل بدورها على ايجاد سوق عربية مشتركة . وأثر مثل هذه السوق لن يكون فقط تسهيل التبادل التجاري بين البلدان العربية ، بل زيادة قوة المساومة عند البلدان العربية في الامور الاقتصادية على النطاق العالمي . 

عاشور : هل من ملاحظات اخرى حول هذا الموضوع ؟ . 

الجميل : أود أن أورد ملاحظة واحدة . نحن هنا في البلاد العربية نعمل دائماً بتأثير العاطفة من دون تهيئة عملية لما نقوم به . وهذا هو خطأنا الكبير . فنحن امام تطورات عالمية ثورية . ولكي نستطيع ان نجاري هذه التطورات ، يجدر بنا ان نقلع عن طرقنا واساليبنا التقليدية في النظر الى الامور ، وان نبدأ بالنظر الى مستقبلنا بوعي وبعد نظر والتخطيط لهذا المستقبل على أسس علمية واقعية . 

عطا الله : إن روح العصر تتطلب التفكير والعمل على مستوى الحجم الكبير . وقد ادركت اوروبا ان لا أمل لها باستمرار النمو إلا اذا استطاعت ان تواجه متطلبات العصر من حيث كبر الحجم والتنظيم الذي يشمل الرقعة الكبيرة ، سواء أكانت الرقعة انتاجية ام استهلاكية . وأخذت اوروبا بالتالي تتخلى عن نزق القرن الثامن عشر ووطنياته وأهدافه لتنشيء وحدة اوروبية لتجمع الفسيفساء الاوروبية في بوتقة واحدة . 

إن عمل اوروبا على توحيد نسها عن طريق السوق المشتركة وعن طريق المؤسسات الاخرى ، يجب ان يكون لنا فيه تحد ورص صفوف ، تحد كي نتلقن عبرة العصر ورصة حسنة حتى نستفيد من هذه السوق العظيمة التي ما زالت حتى الآن أهم سوق لنا ، سواء في التصدير او في الاستراد .  

إن الجوار الجغرافي والعاطفي بيننا وبين اوروبا يدعونا الى اخذ العبرة منها والى تهيئة أنفسنا لنكون قادرين على حسن التعامل معها . وانا أعتقد ان السوق الاوروبية قد خلقت حداً جديداً للصناعة الاوروبية وللفن الاوروبي ولكل ما هو اوروبي ، وخلقت حياة جديدة لن تقبل الا القوي . لم يعد في اوروبا مجال لصناعة ضعية . فالصناعات الضعيفة ستندثر والقوية ستزداد قوة . 

عاشور : ما تأثير هذه العوامل كلها على الاقتصاد العربي ؟ .

عطا الله : انا أرى ان على الاقتصاد العربي ان يأخذ العبرة ويهيء نفسه ليتعلم الدرس عن طريق الاصلاح العلمي الصحيح والاجهزة الصالحة والطموحة وينفتح ، كي ينمو مع النامين لا ان يندثر مع المندثرين . 

عاشور : هل هناك أثر آخر فيما عدا العبرة ؟ . 

عطا الله : اذا لم تزد البلاد العربية انتاجها الصناعي ومقدرتها على الانتاج المتطور ، فستطغى عليها السوق الاوروبية . إن الجبار الاوروبي سيكون باستطاعته ان يغمرنا بانتاجه ، ولن نجد الحل في اغلاق ابوابنا في وجهه . وقد يمكن لنا ان نقفل ابوابنا ازاء الانتاج الاوروبي لفترة معينة  ولكننا لن نستطيع ان نستمر في ذلك . اذا ظهرت اوروبا قوية اقتصادياً ، فان قدرتها على المساومة ستكون كبيرة ، إن في ما تصدره الينا او ما نصدره اليها .فاذا لم نستطع ان نواجه اوروبا الموحدة بالتنظيم الذي يقوي من قدرتنا على المساومة ، واذا لم نستطع ان ننظم انتاجنا على اساس ان يكون امتداداً للانتاج الاوروبي ، قادراً على الوقوف في وجهه ، فلن يفيدنا بشيء غلق ابوابنا امام المنتجات الاوروبية . 

لقد بدأت اوروبا حركة لملمة الوحدات الانتاجية المتناثرة لتصبح ذات حجم كبير . لماذا لا تبدأ في البلاد العربية حركة مماثلة ؟ . هذا ، مع العلم ان مهمتنا في هذا الميدان ستكون أسهل بكثير مما هي عليه في اوروبا . فالاوروبيون يحاولون دمج مؤسسات نامية كبيرة متحجرة الى حد ما ، اما نحن فما زلنا في مرحلة البرعمة ، ولذا يمكن لنا ان نواجه حركة الدمج بشكل أقوى وأقدر . 

عاشور : هذا هو بالاختصار ما قلته . 

رفاعي : يذكر في هذا الصدد ان من احدى ميزات البلاد العربية انها ترقب بانتباه ما يجري في اسواقها . والبلاد العربية من جملة الاسواق الاوروبية . وقد اخذت تقوم مؤخراً في البلاد العربية حركة تصنيعية تبشر بمستقبل قد يمكون فيه ان تحل المنتجات الصناعية العربية محل المنتجات المستوردة . ولعل هذا التطور الوليد احد الاسباب التي تحفز البلاد الاوروبية على جمع خبراتها التقنية كي تنتج بضائع احسن نوعاً وأرخص ثمناً ، تحارب بها منتجات الصناعات المستجدة في اسواقها ومن ضمنها البلاد العربية . وعليه ، وجب علينا في البلاد العربية ان نوحد جهود الوحدات الانتاجية ورؤوس الاموال والخبرات التقنية ، كي نتمكن من انتاج بضائع هي ايضاً احسن نوعاً وأرخص ثمناً ، والا لطغت على أسواقنا المنتجات الاوروبية ، ولصعب علينا ان نحقق ما نرجوه من تقدم صناعي واقتصادي . 

عاشور : تطرق بحثنا الى آثار السوق الاوروبية المشتركة على الاقتصادات العربية بحيث أجبنا ايضاً على السؤال المتعلق بالوسائل التي يمكن ان نتبعها لمواجهة هذه الآثار . وعليه ، فسننتقل الى سؤال آخر يتعلق بانضمام المغرب العربي الى السوق الاوروبية ، وما اذا كان في ذلك مصلحة اقتصادية للمغرب تفوق المصلحة في انضمامه الى سوق عربية . 

عطالله : لا اعتقد ان هنالك شيء اسمه مشكلة انضمام المغرب العربي الى السوق الاوروبية او عدم انضمامه لمصلحة اقتصادية . بل هنالك مشكلة التخلف الاقتصادي في البلدان المتخلفة ، وكيفية ازالة هذا التخلف . ولو كانت المصلحة الاقتصادية هي الدافع الاول لكانت الممتلكات الاوروبية في جميع انحاء العالم قد طالبت بزيادة الاتصال باوروبا وليس الاستقلال . لكن معرفة البلدان المستعمرة باجحاف النظام الاقتصادي الذي ينجم عن العلاقة السياسية بين الدولة القوية والدولة الضعيفة ومعرفتها بأن النظام الاقتصادي هذا يوجه لمصلحة الدولة القوية عن طريق توجيه اقتصاد الدولة الضعيفة الى انتاج المواد الخام الرخيصة و بالمقابل الى شراء المواد المصنعة المرتفعة الاثمان ، هذه المعرفة حفزت كثيراً من البلدان على التخلي عن البلد الاقوى والاقدرفي تنمية اقتصاداتها . ولو تحقق المغرب من ان اقتصاده سينمو كما سينو الاقتصاد الاوروبي فلن يكون هنالك حيف في انضمام المغرب الى السوق الاوروبية المشتركة . لكن شكاً كبيراً في ان هذا هو ما سيكون . وعلى هذا الشك قامت الحركات الاستقلالية ، ومنه يرى المغرب ان من مصلحته في الانضمام الى جهة او سوق حيث يقدر على المساومة . وهذه الجهة او السوق ليست السوق الاوروبية المشتركة . 

الرفاعي : ما قاله الدكتور عطا الله صحيح ، لكن هنالك ناحية اخرى للموضوع تتعلق بامكانية تصريف ما ينتجه المغرب . إن أهم المنتجات في المغرب هي زيت الزيتون والطون والسردين والتمور . والقسم الاكبر من انتاج المغرب من هذه المنتجات يجري تصريفه في اوروبا . واشتراك المغرب في السوق الاوروبية يعطية افضلية من حيث امكانية تصريف هذه المواد . ومن هذه الزاوية يكون من صالح المغرب دخول السوق الاوروبية المشتركة . 

عاشور : يتردد كثراً ان اسرائل تسعى للانضمام الى السوق الاوروبية المشتركة . فما هي التأثيرات المحتملة على اسرائل اولاً ، وعلى علاقات الدول العربية باوروبا ثانياً ، في حال قبل انضمامها الى هذه السوق ؟ . 

الرفاعي : اول ما يتبادر الى الذهن هو ان إنضمام اسرائل الى السوق الاروروبية سيعطي منتجاتها وبضائعها صفة الافضلية ، وهو ما لا تتمتع به منتجات وبضائع الدول العربية كافة . 

 الجميل : تواجه اسرائيل اليوم حصاراً اقتصادياً عربياً يزداد شدة يوماً بعد يوم . ومما يساعد اسرائيل على التقليل من آثار وخطورة هذا الحصار هو ايجاد اسواق لتصريف منتجاتها وبضائعها . وايجاد هذه الاسواق منوط ، الى حد بعيد ، بدخولها السوق الاوروبية المشتركة . فالمسألة ، بالنسبة لاسرائيل ، مسألة حياة او موت. فاذا استطاعت اسرائيل ان تعوض عن المقاطعة العربية بالاسواق الاوروبية ، يصبح أثر المقاطعة أقل ايلاماً وخطراً . 

عاشور : الى أي مدى يمكن لاوروبا ان تكون سوقاً مربحة للمنتجات الاسرائيلية ؟ . فمن المعروف ان المنتجات الاسرائيلية القابلة للتصدير هي منتجاتها الصناعية ، بينما تنتج اوروبا وتصدر المنتجات الصناعية المماثلة . وهذه المنتجات الاسرائيلية لا يمكن لها ان تنافس إلا في ميدان ينال منها منحاً كبيرة . ودخول اسرائيل في السوق الاوروبية يمنعها من اعطاء هذه المنح ، تمشياً مع نصوص اتفاقية روما . فهل يمكن للدكتور عطا الله ان يلقي بعض الضوء على هذا الموضوع؟. 

عطا الله : إن قبول اسرائيل في السوق الاوروبية المشتركة سيكون بمثابة كارثة تعادل كارثة قيام اسرائيل . فقبول اسرائيل في السوق سيكون على أساس الأخذ بالرأي القائل ان اسرائيل استطاعت ان تؤمن تأييد السوق الاوروبية في أكثر من ميدان ، وان تكون قد أمنت لنفسها جزءاً كبيراً من أسباب الحياة الدائمة . 

عاشور : ما الذي يمكن عمله كي نحول دون انضمام اسرائيل الى السوق الاوروبية المشتركة ؟  

عطا الله : هناك امران يمكن ان نقوم بهما . اولاً ، ان نؤمن لاوروبا المستوى اللازم والمطلوب من انتاجنا ، وهذا ما لا نستطيع تحقيقه في المدى القصير . ثانياً ، أن نلجأ الى الضغوط السياسية على الدول الاوروبية . غير ان هذا الضغط السياسي لا يمكن ان يجي اذا استعملناه لتأييد جسم ميت . لذلك يجب ان نبدأ عملية بناء كفاءاتنا ومقدراتنا الانتاجية ، وان نسخر في الوقت نفسه قدراتنا السياسية وصداقاتنا الدولية لمنع هذا الانضمام . وبهذا قد نستطيع ان نحول دون وقوع كارثة دخول اسرائيل في السوق الاوروبية . 

عاشور : ألا تعتقد يا دكتور عطا الله ان لدينا سلاحاً سلبياً هو خوف الدول الاوروبية من اغلاق الاسواق العربية في وجه صادراتها الى أسواقنا ؟ . 

عطا الله : الواقع ان هذا ما قصدته بالضغوط السياسية .