منظمة الاقطار المصدرة للنفط الخام توضح القرارات المتخذة في مؤتمرها الرابع

 

نشرت المذكرات في ايلول / سبتمبر 1962 ، العدد الثالث والعشرون ، الرائد العربي 

أصدرت منظمة الاقطار المصدرة للنفط الخام OPEC ثلاث مذكرات ايضاحية تشرح فيها ثلاثة من القرارات التي اتخذت في المؤتمر الرابع الذي انعقد في الثاني من تموز/ يوليو الماضي . والقصد من هذه المذكرات ، كما ذكرت المنظمة ، هو التوسع في توضيح الاهداف من قرارات المنظمة . ولم تكن هذه المذكرات قد تم تحضيرها عندما صدرت قرارات المؤتمر . وفي الاسبوع الفائت ارسلت الحكومة الايرانية نسخاً منها الى كل الشركات المنتمية الى الكونسورسيوم الايراني . وفيما يلي ترجمة موجزة للمذكرتين الاول والثانية . 

المذكرة الاولى : عائدات الحكومات وسعر الزيت الخام في الشرق الاوسط  

إتخذت منظمة الاقطار المصدرة للنفط في مؤتمرها الرابع قراراً رقمه 32-4 يتعلق باسعار الزيت الخام يوصي بان تتفاوض الاقطار مع شركات الزيت وغيرها من اجل الاتفاق على"اسعار معلنة لا تقل عن تلك التي كان يعمل بها قبل آب / اغسطس 1960 " . وكذلك " بان تعمل الاقطار الاعضاء بالتضامن على وضع بنيان معقول للاسعار ... على ان يكون ربط اسعار الزيت الخام باسعار البضائع التي تحتاج الاقطار الاعضاء الى استيرادها ، عنصراً مهماً في بنيان الاسعار المطلوب ايجاده " . والقصد من هذه المذكرة ايضاح الاعتبارات الرئيسة التي حدت بالمنظمة الى ان تتخذ هذا القرار . 

إن العائدات التي تحصل عليها حكومات الشرق الاوسط من عمليات البترول هي اكبر مورد منفرد للدخل . وقد تبلغ هذه العائدات في بعض الحالات 90 بالمئة من مجموع موارد الحكومة ، وهي ، أي العائدات ، تلعب ، على كل حال ، أهم دور في تنفيذ مشاريع التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية . ولما كانت عائدات الحكومة ، في الواقع ، هي ضريبة دخل على الارباح الصافية بنسبة 50 بالمئة ، ولما كانت الارباح الصافية تقرر على أساس الاسعار المعلنة بعد ان تطرح منها تكاليف التشغيل ، فان من الواضح ان للحكومات مصلحة مباشرة في تحديد اسعار الزبت الخام . وهذه الاسعار المعلنة للزيت الخام في الشرق الاوسط هي اليوم اقل منها في اي وقت مضى منذ اواسط سنة 1953 . فهي ، على العموم ، تقل 13 سنتاً عن سعر البرميل بين 1953 و 1957 . وقد حدث في اواسط سنة 1957 ان زيدت اسعار زيت الشرق الاوسط عموماً بما متوسطه 0.13 دولاراً للبرميل الواحد . على ان هذه الاسعار خضعت للتخفيض في اوائل سنة 1959 ، ثم قي آب / اغسطس 1960 ، بحيث أصبحت أقل مما كانت عليه قبل سنة 1957 . ويترتب على هذا الانخفاض ان ينخفض دخل الحكومة بنسبة 50 بالمئة من مقدار التخفيض في السعر . فمثلاً ، عندما انخفض سعر الزيت الخام الايراني الذي تبلغ كثافته 34 درجة مرتين متتاليتين من 3.04 دولار في اواخر سنة 1957 الى 1.78 دولار في الوقت الحاضر ، إنخفض معه دخل الحكومة الايرانية من صادرات هذا الزيت بنسبة 0.13 دولاراً عن البرميل الواحد  وهي 50 بامئة من الفرق بين 2.04 و 1.78 دولار . 

على ان الهبوط في دخل الحكومات من البرميل الواحد الى اقل مستوى منذ سنة 1953 كان أخطر مما يبدو من خلال الانخفاض في الاسعار المعلنة ، ذلك ان اسعار البضائع المصنوعة قد زادت في هذه الاثناء زيادة جوهرية . إن دليل اسعار البضائع المصنوعة الذي تضعه الامم المتحدة للصادرات العالمية ازداد من 100 في سنة 1953 الى 109 في سنة 1960 . ويتضح من المقارنة مع سنة 1953 ان الاقطار المنتجة التي تشتري البضائع المصنوعة بما تحصل عليه من دخل من البترول ، أصبحت تدفع اثمانها بوحدة مالية نقص سعرها بنسبة 7.5 بالمئة بينما اثمان هذه البضائع قد ازدادت بنسبة 9 بالمئة . فاذا نظرنا الى تزايد عدد السكان في هذه البلدان النفطية وما يترتب على ذلك من تناقص في دخل الفرد من انتاج وحدة من الزيت ، أصبح من الممكن ان نتفهم خطورة المشاكل التي تواجه الحكومات الاعضاء والخوف الذي يساورها . وليس من عزاء يخفف من امر هذا الواقع على الاقطار المنتجة للنفط القول بان مجموع دخل الاقطار الاعضاء قد ازداد سنة بعد سنة تقريباً بسبب الطلب المتزايد بشكل سريع على البترول خلال السنوات الخمس عشرة الماضية . فبغض النظر عن ان في هذا القول اغفالاً لمفعول الارتفاع الحاصل في اسعار المواد والحاجيات التي تستوردها الاقطار المنتجة ، علينا ان لا ننسى ان الزيت مورد من موارد الثروة الطبيعية غير القابلة للتجديد . وهو اذا استعمل مرة لا يمكن التعويض عنه ، فضلاً عن انه المورد الوحيد الذي يمكن للاقطار المصدرة في الوقت الحاضر ان تعتمد عليه في مواصلة تنميتها الاقتصادية . لذلك لا تستطيع هذه الدول المنتجة للخام ان تتغاضى عن التدهور الحاصل في قيمة البترول ، ولا يمكنها ان تضمن زيادة سنوية في الانتاج ولا في الاسعار التي قد تهبط . والشيء نفسه ينطبق على الدول المستوردة التي لا يمكنها ان تضمن سعراً مستقراً ولا كميات تعادل ما تشتريه حالياً اذا ما حدث طاريء ما . 

من هنا نرى ان بلدان الشرق الاوسط مضطرة الى حماية مصالحها الحيوية المرتبطة ، الى حد كبير ، باسعار الخام وكمياته ، اذا ما اريد لها ان تتابع نموها الاقتصادي بشكل سليم ومتوازن يتمشى مع عدد السكان المتزايد . وليس من المتوقع من الدول المستوردة ان تنظر بعين العطف والتفهم الى المساعي التي تبذلها هذه البلدان في سبيل تأمين هذه الحماية لسكانها وثرواتها . فالعملية لا تحكمها العاطفة بل المصالح . ورغم ذلك نقول ان لا بد للاقطار المستهلكة التي تعتمد على تدفق الزيت اليها باستمرار وانتظام ان تجمع بين مصالحها ومصالح البلدان المنتجة كي تنتظم الحياة وتنمو ، وان تكون على استعداد لان تقدم شيئاً منصفاً ومعقولاً في كل الظروف . ومن ضمن هذه الظروف ما في الاقطار المتخلفة والمنتجة للخام من حاجة صارخة الى تحقيق التقدم والامن والعدالة الاجتماعية . ومنها ايضاً ان للاقطار المستهلكة مصلحة في تحسين القدرة الشرائية لدى الاقطار المنتجة ، وكذلك في ان ترى السلم والنظام والامن تسود هذه الاقطار . فالمصالح ، كما هو ثابت ، مشتركة والتعاون يجب ان يكون مشتركاً ، يفيد المنتج والمستهلك والا اضطربت العلاقات او تزعزع السلم الاهلي في البلدان المنتجة التي تعجز ، اذا لم تنل حقها العادل ، من ان تضمن هذا السلم وبالتالي تدفق النفط بانتظام . 

من العوامل ذات الاهمية الكبرى التي لها بالموضوع اتصال وثيق ، مسألة الضرائب في الاقطار المستهلكة . قد كانت هذه الضرائب على المنتجات البترولية دائماً مرتفعة وما زالت آخذة في الارتفاع . حتى عندما كان سعر الخام ينخفض كانت الاقطار المستهلكة ترفع الضرائب بحيث تبطل فائدة انخفاض سعر الخام بالنسبة الى المستهلك ، وبالتالي لا يكون لانخفاض سعر الزيت أثر ملموس في تكاليف انتاج البضائع المصنعة ، بل انه عندما انخفض سعر الخام سنة 1959 ، ثم في سنة 1960 ، سجلت اسعار البضائع المصنوعة أعلى زبادة لها منذ سنة 1956 ، إذ ارتفعت ثلاث نقط من سنة 1959 الى سنة 1960 . 

كثيراً ما تتعرض بعض الصحف لذكر العائدات " الخيالية " التي تجنيها حكومات البلدان المنتجة من صناعة النفط يها . بيد انه لا بد ، عند الحكم على ضخامة هذه العائدات ، من النظر الى حجم الزيت الخام الذي تستجره البلدان المستهلكة من هذه البلدان ، والى ان الخام في بعض الخالات هومورد الدخل الوحيد لهذه الحكومات . ومن المجدي ، في هذا المجال ايضاً ، ان نقارن هذه العائدات بما تجنيه الاقطار المستهلكة من الضرائب على منتجات البترول . فبينما تحصل الاقطار المصدرة للنفط في الشرق الاوسط على 0.75 دولار اميركي تقريباً ضريبة عن البرميل الواحد من الزيت الخام المنتج ( وتقدم بالطبع المادة الخام نفسها ، وكأن ذلك لا يكفي ، تتنازل عن حقها في جباية الجمارك وغيرها من الضرائب على مستوردات الشركات العاملة في بلادها واشغالها ) تحصل الاقطار العالية التصنيع على ما يبلغ اربعة او خمسة اضعاف ذلك في باب الضرائب غير المباشرة ( جمارك وضرائب وبيع ) وعلى ضرائب دخل من شركات التكرير والتسويق العاملة في بلدانها . ويمكننا ان نتبين الكثير من بعض الارقام التي سنوردها في هذا المجال . ففي بريطانيا يقدر متوسط سعر البرميل من المنتجات الرئيسة بالنسبة للمستهلك النهائي بما يعادل 14.20 دولاراً ، منها 0.75 دولاراً هي كل ما يحصل عليه القطر المنتج في جميع الابواب . وفي فرنسا ، عندما يشتري السائق ليتراً من البنزين الممتاز بفرنك واربعة سنتيمات لا يكون قد أعطى القطر الذي يقدم الزيت الخام اكثر من 0.06 فرنكات ، بينما هو يدفع 0.79 فرنكاً لمصلحة الضرائب في بلده . اما الباقي فيشمل تكاليف النقل والتكرير والتسويق وربح البائع . وفي الحالتين ، نجد ان القطر المنتج تلقى اقل من 6 بالمئة من متوسط السعر الذي يدفعه المستهلك . 

نخلص من هذا الى نقطة اخرى تتعلق بتوزيع الدخل المتأتي من الثمن الذي يدفعه المستهلك النهائي لمنتجات البترول . إن هناك اسباب عديدة تجعل من الصعب علينا ان نقرر نسبة الربح المحقق في عمليات الزيت المتكاملة . وقد حاولت شركات النفط العالمية الرئيسة ان تدلل مراراً على انها تخسر فيما يسمى بالعمليات اللاحقة ، أي عمليات النقل والتكرير والتسويق التي تلي مرحلة الانتاج . وفي العادة تتجاهل هذه المحاولات اعتبارات مهمة منها : ان الشركات العالمية الرئيسة تقوم ببرامج واسعة للتنقيب عن الخام في مختلف مناطق العالم وتدخل هذه البرامج في دفاترها الحسابية في باب التكاليف ، مع انها في طبيعتها استثمارات لرأس المال . وكذلك تتحمل هذه الشركات خسائر في العمليات " اللاحقة " في بلدان كالمانيا وسويسرا وايطاليا ما كانت لتتحملها لولا امعانها في مضاربة ما يسمى بالشركات المستقلة بالاسعار ، ولولا مضيها ، في الوقت نفسه ، في استثمار المزيد من اموالها في مرافق التكرير والتسويق لمنع الشركات المستقلة من زيادة حصتها من السوق . ثم ان من شأن هذه الاستثمارات الجديدة التي تظهر في الحسابات بشكل " استهلاك " في قيمة المرافق قبل ان تبدأ الارباح المرجوة منها بالدخول ، ان تضخم من هذه الخسائر في المراحل الاولى ، خصوصاً اذا سمح بالاستهلاك بنسبة اعلى كثيراً من نسبة التناقص الحقيقي في قيمة هذه المرافق .

كانت بعض شركات الزيت العاملة الرئيسة تدعي في السنتين الماضيتين ان نسبة المردود على استثماراتها قد تناقصت جزئياً بسبب عبء الضريبة التي تفرضها الاقطار المنتجة . وقد دأبت هذه الشركات على ان تبين ان اقتسام الارباح بنسبة 50/50 لم يعد كذلك في الشرق الاوسط ، وانما هو أقرب الى انه قد اصبح يقارب نسبة 60 / 40 لصالح الحكومات . وكانت هذه الشركات تتناسى في ادعائها هذا ان تقول انها لا تدفع ريعا بالفعل وان حجم الضريبة قد انخفض على البرميل الواحد بمقدار 0.13 دولاراً بين سنتي 1959 و 1961. ومن الأمور التي تتصل بهذا الموضوع ، التناقض الاساس بين موقفين تتبناهما شركات النفط الاساسية . قهي تدأب ، من ناحية على التعبير عن خوفها من الا توفر في المستقبل رأس المال الضروري للاستثمار في تنمية مرافق الانتاج والتكرير والتسويق وسواها لمجاراة ما ينتظر من زيادة في الطلب على المنتجات البترولية ، بينما تعارض دوماً ، من جهة اخرى ، رغبة حكومات الاقطار المنمتجة في التدخل في تسعير الزيت الخام . ومن الواضح ان اول أهداف تثبيت الأسعار ، ضمان توليد رأس المال الكافي وتنسيق هذا الهدف مع تباطوء التنمية عند وجود فائض كبير. والواقع ان هذا هو بالضبط ما حدث في الولايات المتحدة ، كما في كندا ، على نطاق أضيق ، حيث يحافظ على الاسعار بدون تغيير عن طريق تقييد العرض ، أي عن طريق نظام يفرض حداً أعلى على الانتاج المسموح به ويقيد ، في الوقت نفسه ، حجم المستوردات . 

شهدت كل الاقطار الصناعية تقريباً ، كما بعض الاقطار المتخلفة ، في خلال السنين الماضية مزيداً من التنظيم للاقتصاد الداخلي بقصد تشجيع النمو الاقتصادي الثابت والنأ ي به عن التقلبات العنيفة . وكان هذا التنظيم يتم عن طريق التأميم والضرائب غير المباشرة والمعونات المالية وتقييد حصص الانتاج وفرض اجازات مسبقة . لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق في التجارة الدولية بسبب عدم وجود هيئة دولية قادرة على التنفيذ . اما في ما يتعلق بصناعة النفط فهناك امثلة عديدة عن التنظيم الحكومي لعلاقة هذه الصناعة بالاقتصاد الوطني . ففي الولايات المتحدة الاميركية تبنت كل الولايات تقريباً نظاماً لحصص الانتاج الأقصى ، او ما يسمى بالمسموحات ، أي ان يسمح بالانتاج خلال ايام معدودات من الشهر . وكان ان حافظ هذا النظام على الاسعار مرتفعة . وفي فرنسا تلزم الحكومة شركات التكرير بشراء حصة معينة من زيتها من منتجي الزيت الجزائري . 

وفي مجال أوسع من الزيت ، لا تزال الحكومات تتخذ تدابير مختلفة لتخفيض وقع المنافسة الحرة على الاقتصاد، وجعل المنافسة تجري في السبل التي تكون أكثر السبل والطرق انتاجاً في المدى الطويل والبعيد . اما في تجارة الزيت العالمية ، فقد ازدادت المنافسة حدة بسبب دخول ممونين جدد ووجود فائض كبير في طاقة الانتاج . ولما كانت الاقطار المنتجة تعتمد في دخلها الوطني على النفط بشكل رئيس وغير عادي ، فان اقتصادياتها تقع تحت رحمة التقلبات في اسعار الزيت الخام . يضاف الى ذلك ان الطلب على الزيت الخام بعيد عن المرونة ، فلا يزداد مع انخفاض السعر في ارض المنشأ ، وتخفيض الاسعار لا تؤثر اطلاقاً في رفع مقادير التصدير وزيادتها . وحتى لو لم يكن الأمر كذلك ، فان الزيت مادة ناضبة وانخفاض سعره يبقى مدعاة للقلق . لذلك ، لا بد للاقطار المصدرة للخام من ان تتخذ تدابير تحمي عائداتها من مضار المنافسة . ولا يعني ذلك بالضرورة انها تعارض نظام المنافسة الذي له منافعه في الاقتصاد الدولي كما في الاقتصاد الوطني ، خاصة عندما تكون المنافسة في محلها . لكنها لا تستطيع ان تقف مكتوفة الايدي ازاء منافسة لا تقف عند حد ، مما يقضي على أمالها في المستقبل بفعل تخفيضات متتالية في سعر الزيت الخام ، مقترنة بزيادات في اسعار ما تحتاج الى استيراده من البضائع المصنوعة . 

من الخطأ الظن ان اعادة اسعار الزيت الخام الى مستواها قبل آب / اغسطس 1960 يحمل المستهلك عبئاً ثقيلاً. فهذه الاعادة تعني رفع اسعار التصدير في الخليج العربي بمقدار 0.09 دولارات للبرميل الواحد ، وهي كسر لا يذكر من السعر الذي يدفعه المستهلك النهائي لمنتجات البترول . 

إن الاقطار الاعضاء في منظمة الاقطار المنتجة تقدم أهم وأرخص مصدر للطاقة في العالم بأسره . ولا بأس ان يستفيد العالم بأسره من هذه الطاقة التي تعرض عليه بأسعار تقل بما لا يستهان به عن اسعار المصادر الاخرى للوقود الصناعي الموجودة في الاقطار المستهلكة الرئيسة . غير ان أبعد ما يكون عن الانصاف ان نرى الاقطار المنتجة تجني سعراً من زيتها الخام يستمر بالانخفاض ، الأمر الذي يهدد اقتصادياتها ، بينما تقطف الاقطار المستهلكة ثمار هذا المورد الرخيص الموجود عند غيرها وتعمل في الوقت نفسه على رفع اسعار بضائعها التي تصدرها الى الاقطار المنتجة . 

إن الاعتبارات المتعددة التي اوجزناها في ما تقدم تجعل من اعادة اسعار الزيت الخام الى ما كانت عليه بل تخفيضها في آب / اغسطس 1960 ضرورة بالنسبة الى الاقطار المنتجة من دون ان تكون عبئاً يثقل كاهل الاقطار المستهلكة او الشركات المستثمرة . ولا بد ، علاوة على ذلك ، من حماية هذه الاسعار في المستقبل من الارتفاع المستمر بحيث لا تنعكس ارتفاعاً في اسعار البضائع المصنعة وذك باتخاذ تدابير فعالة تكفل اقامة اسعار الخام على اساس منصف كي تتكافأ مع اسعار البضائع المصنوعة التي تحتاج اليها البلدان المصدرة والدول المتخلفة . 

وأخيراً ، نود ان نقول انه لم يعد من الممكن ان نعيش بسلام ووئام في عالم يزداد الثري فيه ثراء والقير فقراً . إن مشكلة التناقص في قيمة ما تصدره الاقطار المتخلفة لا تقتصر على البترول الخام وحده ، بل تتعداه الى غيرها من السلع الخام . ومن مصلحة الجميع ، في المدى النعيد ، ايجاد توازن بين الامم المصدرة للمواد الاولية والامم الصناعية . وليست المعونات المالية والاقتصادية هي التي تصنع هذا التوازن . فكرم الدول المانحة لا يأتي من دون شروط او التزامات تكبل الدول الفقيرة . فهي دوماً مرتبطة بقيود سياسية او لمواجهة ظرف اقتصادي طاريء . لذلك ، لا بد ان يقوم هذا التوازن على نظام واسس تسمح للاقطار الناشئة بشق طريقها في علاقاتها التجارية عن طريق مواردها التي تؤمن لها دخلاً معقولاً يجنبها الفقر والعوز وتشجعها على ضبط اسعار صادراتها ضمن نطاق معقول ، يفيدها ويفيد شعوبها ولا تصيب شعوب الآخرين بالضرر . 

المذكرة الثانية : الريع  

ليس من تبرير لما يعمل به في الشرق الاوسط من دمج الريع بضريبة الدخل ، بحيث يدفع الريع نظرياً فقط . ففي الاتفاقيات المعمول بها الآن في الشرق الاوسط لا يدفع الريع فعلاً الا اذا كان مقدار 12.5 بالمئة من السعر المعلن ( أي الريع )  ويزيد بمقدار 50 بالمئة من الارباح الصافية  ( وهي ضريبة الدخل ) ، وهو ما لا يتصور العقل حصوله . 

إن هناك فرقاً اساسياً بين السبب الموجب لوجود الريع وبين السبب الموجب لوجود ضريبة الدخل . فالريع يدفعه المستأجر الى المالك بغض النظر عما اذا كان المستأجر يجني ربحاً او يخسر . ويمكن ان ينظر الى الريع على انه ايجار او تعويض عن استعمال مادة ناضبة اوثمناً للقيمة الذاتية للمادة الخام . فدفع تعويض فعلي لقاء اخذ موجودات ناضبة ضرورة لا تحتاج الى ايضاح ، وهي تمثل التزاماً قائماً بذاته لا يصح دمجه بالتزام آخر . أما ضريبة الدخل ، فهي التزام قائم بذاته تجاه حكومة البلد ، لكنها تنصب على الارباح التي جنيت وتتوقف كلياً على حصول الربح . وحيث تكون الحكومة غير مالك لمادة خام ، لا يكون في التفريق بين الريع والضريبة أي مشكلة ، فهما يدفعان اذ ذاك الى جهتين مختلفتين . وانما قد يختلط الامر ، بدون مبرر ، حيث يتفق ان تكون الحكومة نفسها مالك المادة الخام . وفي الشرق الاوسط اشترطت الشركات ، بموافقة الحكومات ، نظاماً يقضي بحساب الريع ودفعه ، ثم طرحه كله من الضريبة المستحقة على ارباح الشركات بحيث يفقد الريع قيمته على الفور . وهكذا ، فان الدولة لا تتلقى من صاحب الامتياز عوضاً عن وضع الزيت تحت تصرفه او ثمناً لهذا الزيت ، اذا اعتبرت العلاقة بينهما علاقة بيع وشراء ، وانما تتلقى الدولة ضريبة على الارباح تسري بطبيعة الحال على كل مشروع تجاري من دون ان تتلقى شيئاً لقاء مادة الخام التي تقدمها .

ليس خلط الريع بالضريبة ، كما سلف القول ، بالامر المحتوم الذي لا يمكن تجنبه . فالخلط بينهما غير حاصل في الاقطار المنتجة الرئيسة خارج منطقة الشرق الاوسط . ففي الولايات المتحدة تعود ملكية الزيت عادة الى صاحب الارض الذي قد يكون فرداً من الجمهور او شركة من الشركات المستقلة او حكومة الولاية او الحكومة الفدرالية . وحيث تكون الارض ملكاً للحكومة يجري دفع الريع والضريبة اليها ، كل على حدة . بل ان الريع الذي يكون عادة في حالة الارض المملوكة من افراد في حدود 12.5 بالمئة ، يصبح في حالة الارض المملوكة من الحكومة اكثر من ذلك ، ويتراوح بين 12.5 بالمئة و 25 بالمئة ، بحسب مقدار الانتاج . وفي ما يتعلق بضريبة الدخل ، يحسب الريع هذا من نفقات التشغيل فيطرح ، كغيره من النفقات ، من الارباح الاجمالية وتجبى ضريبة الدخل على الارباح الصافية .  

مثل آخر على التفريق بين الريع وضريبة الدخل ، ما تطبقه حكومة الولايات المتحدة عند جباية الضرائب على الشركات الاميركية العاملة فيها . فهي تسمح لهذه الشركات بان تطرح كل ما تدفعه من ضريبة الى الحكومة الاجنبية من الضريبة التي تستحق عليها للحكومة الاميركية . اما الريع الذي يدفع الى الحكومات الاجنبية ، فان الحكومة الاميركية لا تسمح بطرحه من الضريبة المستحقة لها ، بل يحسب من نفقات التشغيل ويطرح من الربح الاجمالي ، للوصول الى الربح الصافي الذي تجبى الضريبة عليه .  

يتضح مما تقدم ان الشركات التي يفترض فيها ان تدفع ضريبة دخل بنسبة 50 بالمئة من الارباح الصافية تطرح الريع من ضريبة الدخل المستحقة عليها ، فانها ، في الواقع ، اما لا تدفع كامل الضريبة المستحقة ، واما انها تتهرب كلياً من دفع الريع . 

هناك تفاوت كبير، فيما يتعلق بنسبة الريع الذي يجري دفعه ، بين مكان وآخر . ومع ان النسبة محددة ب 12.5 بالمئة في معظم الحالات ، الا ان هناك 12 بلداً مها الولايات المتحدة تعمل بسلم متدرج النسب . ففي الولايات المتحدة ، وهي أكبر منتج للزيت الخام في العالم والبلد الذي ولدت فيه صناعة الزيت واحكامها ، تتراوح النسبة بين 12.5 بالمئة و 25 بالمئة . وفي فنزويلا تتراوح النسبة بين 16.75 بالمئة و 25 بالمئة ، بينما اتفق في بحر المنطقة المحايدة على نسبة 20 بالمئة.  ومن الاعتبارات التي لها أعظم الأهمية ، أن النسبة هذه في الولايات المتحدة وكندا تتزايد مع تزايد احتمال العثور على الزيت الخام ومع الانتاج الفعلي للبئر ، وبالنظر الى وفرة الاحتياطي الثابت وجوده في الشرق الاوسط ، والى غزارة الانتاج الفعلي في البئر الواحدة هناك . ويبدو ان تحديد الحد الادنى لنسبة الريع في هذه المنطقة ب 20 بالمئة نسبة عادلة ومنصفة .