اقرأ معي : الاشتراكية الفابية

ترجمة الاستاذ برهان دجاني

نشر المقال في كانون الثاني / يناير 1962 ، العدد الخامس عشر ، الرائد العربي  

لقد تغيرت الحركة الاشتراكية في اوروبا تغيراً كاملاً منذ عام 1889 ، ويمكننا ان نصف حاصل هذا التغيير بأنه الاشتراكية الفابية . برنارد شو ( عام 1908 )  

لم تكد طلائع الربع الاخير من القرن التاسع عشر تبين في الافق حتى كانت ملامح مجتمع اوروبي جديد قد اتضحت تماماً . فالتململات الاجتماعية التي ولدتها الثورة الصناعية في القارة الاوروبية ( 1779 – 1850 ) كانت قد أخذت مداها وتحددت معها ملامح " طبقة اجتماعية " جديدة تميزت ، لأول مرة ، بقطبية واضحة مبنية ، لا على التقليد " الارستقراطي " الذي طبع مجتمع اوروبا الاقطاعي ما قبل الثورة الفرنسية ، ولكن على الواقع الاقتصادي الاجتماعي الجديد للثورة الصناعية الذي خلق طبقتي " العمال الصناعيين " و "البورجوازية الصناعية " . لكن حركية المجتمع الجديد لم تجد الاطار المواتي لعملها في المرحلة الاولى من الثورة الصناعية، رغم انهيار " النظام القديم " Ancient Regime ، وبالتالي انهيار الرادع التاريخي للصراع الاجتماعي . ورغم ان الثورة الفرنسية قد فتحت مجالاً لمثل هذا النوع من الصراع الاجتماعي الداخلي ، فان مثل هذا الصراع لم يدم طويلاً لأن القطبية الاجتماعية للمجتمع الصناعي الجديد كانت لم تزل في اول تبلورها ، ولأن الحركة النابوليونية حولت الأنظار عن قضية الصراع الداخلي ومنعت نموه عندما أخذت المعركة الى ساحة اخرى عن طريق الحروب القومية . 

أظهرت مرحلة ما بعد النابوليونية الاولى ، أي مرحلة الثورة الاوروبية ( 1848 ) ، ومعها مرحلة النابوليونية المحدثة ( 1871 ) ، أظهرت بوضوح ، خاصة بعد ما عرف ب " عامية باريس "  Paris Commune  عام 1871 ، النموذج الجديد للعلاقات الطبقية ضمن اطار المجتمع الصناعي المتنامي في مراحله الاولى . 

ضمن هذا الاطار الاجتماعي – الاقتصادي في اوروبا ، خاصة في بريطانيا ، وفي حلبة الصراع السابق لعام 1848 ، ظهر " البيان الشيوعي " ( 1848 ) ليحدد خطاً جديداً في الفكر الاشتراكي. ووجد هذا الخط الفكري الجديد سنداً له في " عامية باريس " التي أظهرت ان العلاقات الاجتماعية في ظروف المجتمع " البورجوازي " القائم في تلك المرحلة من النمو ، اذا ما تركت من دون تقييد او ضغط ، تتحول بسرعة الى نوع من الصراع الداخلي المبني على أساس التفاوت الاجتماعي الاقتصادي ضمن المجتمع الواحد . 

كان نمو الماركسية ضمن اطار ظرفي يختلف نوعاً عن الاطار الذي ولد فيه الفكر الاشتراكي السابق لها . من هنا أطلق ماركس على اشتراكيي هذه المرحلة السابقة صفة " اليوتوبية " . فقد فات هؤلاء ، ومن بينهم فورييه وسان سيمون واوين ولابلون ، اعتبار واقع التمزق الاجتماعي الاوروبي لمرحلة ما بعد الثورة الصناعية وفاتتهم بالتالي ملاحظة واقع الصراع الاجتماعي الداخلي الذي حددت نظرية ماركس الطبقية شكلاً من أشكاله . فقد نما الفكر الماركسي في ظروف اجتماعية متقدمة واستطاع ، بالتالي ، ان يراقب ، من داخل ، تطورات المجتمع الاوروبي في ظروفه الانتقالية الصعبة ، واستطاع نتيجة لكل هذا ان يحدد العوامل وينتقي منها ما له علاقة بعملية النمو ويحدد على اساسها قوانين عامة للنمو والتحقق الاشتراكيين . 

كان مجتمع ما بعد 1848  قد سار باوروبا باتجاه نوع من " الاستقرار السياسي " ضمن ما يمكن وصفه بانه اطار" الردة  السياسية الرجعية " على ثورية عام 1848 . لكن ، رغم ان عملية الصراع الداخلي بقيت مكبوتة، بما فيها عامية باريس ، ومنعت من التفاعل ، فان ذلك قد تم ضمن اطار اصطناعي من الفرض والقوة لصالح الرجعية الاوروبية اثر مؤتمر فيينا الذي كرس انهزام " الوطنية الاوروبية " التحررية الشعارات . لكن مفارقة طبيعية نتجت في نطاق الفكر في تلك الحقبة المتميزة بالحكم الرجعي ضمن الاطار السياسي و "الليبرالية الاقتصادية " التي افتتح عهدها كتاب آدم سمث " ثروة الامم " The Wealth of Nations . هذه المفارقة هي نمو الفكر الاشتراكي – الماركسي وغيره ، في ظل ظروف " التيبس الاجتماعي " المفروضة بقوة وجود الرجعية الاوروبية المتسلطة في المجال السياسي .

جاء نمو الفكر الماركسي في قلب حلبة الصراع الاوروبي عاملاً من عوامل اندفاع الماركسية التي تتبنى نظرية " الثورة الطبقية " والتي هي في الاساس قطع للتيار التاريخي المتعارف عليه . غير ان الماركسيين يرفضون مثل هذا التعميم في نظرتهم الى " الثورة الطبقية " . فهم يرون في هذه الثورة استمراراً " لتاريخ الصراع الطبقي " ، أي ، بالنسبة لهم ، استمراراً لعملية التاريخ ككل . غير اننا لا نستطيع ان نقبل مثل هذا الرأي إلا اذا اعتبرنا ان السياق التاريخي بمجمله هو صورة لتاريخ " صراع الطبقات " .  

هنا نقطة انطلاق الفابية . 

ان كان لا بد من تحديد محور الفابية فانه من الممكن القول ان محور النظرية الفابية هو قضية التحول من "الرأسمالية " الى " الاشتراكية " ، وان هذا التحول يأتي ، كما يرى الفابيون وخاصة سيدني وب ، عبر سياق التطور التاريخي الشامل القائم على الاستمرار لا على الانقطاع التاريخي الذي تمثله عملية الصراع الطبقي . 

ملاحظتان لا بد من ايرادهما قبل الاستمرار في بحثنا . 

الملاحظة الاولى هي ان الفابية نمط من التفكير نما وترعرع ضمن اطار المجتمع البريطاني الديمقراطي التقليدي ، وان الفابية تسلم بضرورة استمرار عملية التطور التاريخي هذه عبر المؤسسة الديمقراطية القائمة على ركيزة الاقتراع الشعبي . اما الملاحظة الثانية فهي ان الفابية بدأت كنمط في التفكير في نهاية القرن التاسع عشر ، أي ان الفابية لم تخض ، كما فعلت الماركسية ، حلبة الصراع الاوروبي العنيف ، وبالتالي استطاعت ان تكون وجودها الفكري بمعزل عن ضغوط " الظروف الآنية " والحاحها . 

إن الكتاب الذي نقدمه اليوم " الاشتراكية الفابية " هو أول نتاج فابي . وهو يظهر بوضوح مستوى النضوج الاشتراكي الذي وصلته الفابية حتى عام 1889 ، أي العام الذي صدر فيه الكتاب . ويقول سيدني وب في مقدمة طبعة 1919 : " ربما يصعب اليوم (1919) معرفة أهمية ما جئنا به بعد ان غلب الطابع الاشتراكي على معظم المؤلفات التي تعالج العلوم السياسية ، وبعد ان زاد ما يكتب عن تنظيم الدولة الاشتراكية في المستقبل عما يكتب عن النظام الرأسمالي". وقد كان امام القاريء البريطاني سنة 1889 عدد من البيانات المتنوعة الصادرة عن الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي والعصبة الاشتراكية ، وأغلبها من كتابة وليم موريس وارنست بلفورت باكس وهنري مايرز هندمان ، الى جانب بضع عشرة نشرة لهؤلاء الكتاب وغيرهم . وكان هناك كتاب هندمان المسمى بريطانيا للجميع (1881) وكتاب الاسس التاريخية للاشتراكية في بريطانيا الصادر سنة 1883 ، ثم مجموعة مقالات لارنست باكس بعنوان ديانة الاشتراكية (1887)The Religion of socialism  . ولم يكن قد ظهر بعد من مؤلفات كارل ماركس سوى بيان الحزب الشيوعي الصادر سنة 1848 الذي نشر بالغة الانكليزية سنة 1888 . إن قيمة هذا الكتاب هو انه قام بدور الرائد في مجال الفكر الاشتراكي البريطاني في فترة كان فيها هذا الفكر لا يزال في بداية تبلوره  .  

لم يتضح خط الجمعية الفابية الا عام 1887 . وكان جورج برنارد شو قد انضم اليها سنة 1884 ، ثم تبعه سيدني وب سنة 1886 . وبدخولهما تبنت الجمعية الفابية خطاً اشتراكياً . وفي سنة 1889 تكرس هذا الاتجاه عندما صدر عن الجمعية كتاب " الاشتراكية الفابية " ، وهو مجموعة مقالات لشو ووب ووليم كلارك وسيدني اوليفييه وغراهم ولاس وآني بيزانت وهيوبرت للاند . 

فما هي القضايا الاشتراكية التي أثارتهاالفابية من خلال هذه الكتابات ؟ . 

أ – أسس الاشتراكية

يرى جورج برنارد شو ان نظرية " الريع الاقتصادي " economic rent الراديكالية الأصل ، ونظرية المنفعة utility التي بلورها جفونز تشكلان الاداة الاقتصادية للاشتراكية الفابية ، وان تطبيق هاتين النظريتين على الواقع الاجتماعي – الاقتصادي الرأسمالي كفيل بابراز مشاكل المجتمع وإيحاء طريق الخلاص الاشتراكية. 

المسألة الاولى من مسائل الاقتصاد الاشتراكي ، بالنسبة لشو ، هو اعادة توزيع الثروة على أساس " الجهد الذي يبذله كل من الافراد في السعي المشترك لتحصيل هبات الطبيعة " . فقد عمم شو نظرية " الريع " حتى شملت القطاع الصناعي ، واستعملها لاظهار كيفية نشوء " العائلة الوجيهة " التي تحصل على دخلها بدون جهد وعمل . فالريع هو " ذلك الجزء من محصول الارض الذي يدفع لمالكها لقاء استعمال انباتية التربة الاصيلة غير القابلة على الاندثار " . وتحدد قيمة الريع " بالفارق بين النتاج السنوي لقطعة ما من الارض والنتاج السنوي لاقل الاراضي انتاجاً وبين الاراضي التي تزرع فعلاً لتزويد السوق نفسها ، مع الافتراض ان قابلية الارض لا تتأثر في كلتي الحالتين سلباً او ايجاباً من جراء زرعها " . وحدد الريع في القطاع الصناعي على انه الدخل الاحتكاري الذي يزيد عن الحد الادنى لمستوى الدخول الحافزة على الاستمرار في الانتاج وعلى المستوى ذاته. 

إن عملية اعادة التوزيع الاشتراكية تفترض أساساً الاستيلاء على الريع الاقتصادي بجميع اشكاله وجعله ملكية عامة ، وعلى الفائدة " المكتسبة من تكييف الارض للانتاج بواسطة استعمال رأس المال " والملكية الجماعية للارض واضافتها الى مداخيل العمال . ويرفض شو نظرية القيمة القائمة على العمل ويذهب مع جفونز في تفسير قيمة المبادلة على اساس النفع الحدي والتي تحدد نقطة التقاء خطي العرض والطلب . ومن هذا الموقف يظهر كيف ان العمال الصناعيين ، في اوضاع البطالة العامة ، يتقاضون اجراً كافياً لاستمرارهم في العمل فقط ، أي في حدود الكفاف بغض النظر عن " القيمة المتبادلة " للحاجيات التي  يضعون فيها عملهم " ، والتي بدورها تتفاوت قيمة ، باعتبار عاملي العرض والطلب . وهكذا ، رفض شو نظرية القيمة الراديكالية والماركسية اذا كانت هذه النظرية تهدف الى تفسير التفاوت في الاسعار والدخول ضمن النظام الرأسمالي . ورفض شو الماركسية كنظام اقتصادي وطبق نظرية الفائض الراديكالية وعممها حتى شملت راس المال والامكانات الفردية والمجال الصناعي ، وذهب على هذا الاساس الى ان التفاوت بين الدخول ناتج عن تفاوت المقدرة الاحتكارية . وقد اتفق رأي شو ، بالنسبة لتأميم الدخول الاحتكارية عن طريق الملكية الاجتماعية للاحتكارات ، مع نظرية سيدني وب التطورية التي ترى ان التحول نحو الاشتراكية لا يفترض بالضرورة ندرة اجتماعية ترتكز على نظرية ازدياد تعاسة وشقاء الطبقة العاملة ضمن المؤسسة الرأسمالية . وقد لاحظ وب كيف ان الاوضاع الاقتصادية للعمال كانت تتحسن باستمرار عبر القرن التاسع عشر ، وكيف ان هذا السياق كان ما يزال مستمراً حتى يومه . لذلك اعتبر وب ان الاصلاحات التي تمت خلال القرن التاسع عشر ضمن اطار المؤسسة الرأسمالية هي طلائع للاشتراكية . فكما ان تحديد ساعات العمل والضرائب التصاعدية على الدخول قد ساعدت في تخفيف مشكلة التوزيع ضمن اطار الرأسمالية القائمة ، فان الخطوة التالية ، كما تصورها وب ، أي ملكية وادارة الصناعة والخدمات ، ستكون النقلة الجديدة في السير الاشتراكي . 

هكذا إنسجم شو مع وب في اطار اشتراكية تطورية . وذهب شو الى ان الدعوة الى الملكية الاجتماعية للصناعة تشكل استمراراً منطقياً للموقف الداعي للملكية الاجتماعية للريع ، فنتج عن هذا الموقف توسيع اطار القاعدة الاشتراكية ، إذ شملت الصناعة والخدمات . وكذلك كان تبنيه قضية الضريبة الواحدة التي سبق ان طرحها هنري جورج في قرن سابق وتبعه في ذلك جون ستيوارت مل ، وتبنتها النقابات العمالية والفلاحين والتجمعات الشعبية المطالبة بالاصلاح الزراعي . 

إنسجم وليم كلارك في مقاله عن " الاساس الصناعي للاشتراكية " مع الموقف التطوري لبرنارد شو وسيدني وب . فأظهر في هذا المقال كيف أثرت ظروف الانتاج المادي في تغيير المشكلة الاجتماعية . وذهب الى الاستنتاج ، على أساس درس نتائج التغيير في ظروف الانتاج طوال القرن ، بأن :  

1 – بقاء الملكية الخاصة لادوات الانتاج الضرورية يؤدي الى تقييد الحرية الفردية ، كما فهمها مصلحو القرن الثامن عشر ، يوماً بعد يوم ، أي ان الفردية مستحيلة في الظروف السائدة . 

2 – ان السياسيين المبالين واللامبالين قد اضطروا ، هم أنفسهم ، الى الاعتراف بهذه الحقيقة . 

3 – ان الرأسمالية المطلقة من كل قيد تتجه الى القسوة والظلم بمقدار ما اتجهت اليهما الاقطاعية او تجارة العبيد . 

4 – ان الحل لهذا الوضع هو حل اشتراكي يتضمن الضبط الجماعي للجشع الفردي والاقتطاع من ارباح رأس المال لمصلحة العمال . 

ورأى ايضاً ان " نمو الاحتكارات " جعل من مبدأ الحرية الذي قامت عليه الرأسمالية مجرد شكل بدون محتوى. وهكذا نرى " ان الرأسمالية قوضت مبدأها الاصلي وانها تسير نحو تهديم وجودها " . و" لهذا ، فان الرأسمالية تتناقض مع الديمقراطية في مفهومها الحالي . ولا يمكن ان تتطور الديمقراطية جنباً الى جنب مع الرأسمالية ، بل هما حركتان متناقضتان ولا بد من تصادمهما " . وهذا لا يعني ان الرأسمالية قد منعت حركة التطور الاصلاحية منعاً باتاً . الواقع ان مثل هذه الحركة الاصلاحية قد نمت ضمن الاطار الرأسمالي ، وان كان ذلك قد تم من دون وعي من الرأسماليين . فالمصلح الحق " لا يخرب ما عمله الرأسماليون من دون وعي من اجل الشعب ، بل يهيء الشعب بالتعليم والتنظيم لينشيء ديمقراطية حقة ، وليلتقط الخيوط كلما وقعت من ايدي طبقة الملاكين المتخاذلة " . 

إن التظيم الاشتراكي للمجتمع ، كما يرى سيدني اوليفييه ، يقوم على الاسس الاخلاقية للفردية المجتمعية . فهو يتفق مع بنثام بان الهدف الاقصي هو تأمين السعادة للجميع من خلال اسعاد الافراد ، ولكنه يختلف مع بنثام في الوسائل . ويرى سيدني اوليفييه ان ظروف المجتمع الصناعي جعلت تدخل الدولة باتجاه الاشتراكية هي الطريق الوحيدة لتحقيق الفردية . وقد فات بنثام ان ظروف المجتمع الرأسمالي المبني على الملكية الفردية والاحتكار ، اذا ما أعطت الفرد حقاً بالسعي نحو غاية ما ، فانها لا تمنحه دائماً الفرصة والمقدرة على التوصل الى ذلك الهدف . وهكذا ينسجم مبدأ وب التطوري للتاريخ مع مباديء شو في الاقتصاد ، ومع موقف كلارك في النمو الصناعي ، ومع مذهب اوليفييه في الاسس الاخلاقية للاشتراكية . 

ب – تنظيم المجتمع الاشتراكي

يطرح غراهم ولاس قضية الملكية في ظل النظام الاشتراكي . وهو يرى ان التحول من الرأسمالية الى الاشتراكية ، هو في الاساس ، تحول من الملكية الخاصة الى الملكية العامة لعوامل الانتاج والخدمات ، مع ما يرافق هذه التحول من تحولات موازية في العلاقات الاجتماعية ضمن المجتمع . إن الهدف الاشتراكي ، كما يتصوره ولاس ، يتلخص في " ان يمتلك المجتمع وسائل الانتاج ، وان يمتلك الافراد بضائع الاستهلاك " . و"المشكلة الرئيسة هنا هي تحديد نطاق الملكية " . ويرى ولاس ان المجتمع سيمتلك الارض بأوسع معانيها ، وكل المواد اللازمة لاشكال الانتاج والتوزيع والاستهلاك التي تقوم بها مؤسسات أكبر حجماً من العائلة .. وربما كان من الافضل ان تعود ملكية الارض الى وحدات اجتماعية صغيرة . ويطرح ولاس قضية الحوافز وتفاوت الكفاءات وتحول الحكومات المحلية الى وحدات مالكة . ويخرج بالحل عن طريق التحول التدريجي نحوالاشتراكية. اما مسألة الحدود الفاصلة بين الاشتراكية والشيوعية ، وهو سؤال لا مفر منه في البحث الاشتراكي ، فيرى ولاس ان وجود بعض المؤسسات الشيوعية ضمن الاطار الاشتراكي هي ضروروة . وضرب على ذلك مثل اعادة توزيع الريع الذي تجمعه الحكومة عن طريق الضرائب . 

اذا ما طبقنا المبدأ العام للفابية على موضوع الملكية ، فكيف تنتظم الصناعة في ظل نظام الملكية الجماعية ؟ . تذكر آني بيزانت في مقالها " الصناعة في ظل الاشتراكية " ان الهدف المرحلي للفابية هو توضيح كيفية التحول الى المجتمع الاشتراكي . وتتساءل : " من أين تستطيع الاشتراكية ان تبدأ ، واين ستقف في نهاية الامر؟ " . الجواب منسجم مع الخط العام للفابية . تقول آني بيزانت : " يمكننا ان نجيب على الصعوبتين بقولنا اننا لا نبغي ان نبدأ . فلن تكون هنالك نقطة معينة يجتازها المجتمع فينتقل من الفردية الى الاشتراكية . فالتغير دائم الحصول ، ومعه يسير مجتمعنا قدماً نحو الاشتراكية . وكل ما نستطيع عمله هو التعاون الواعي مع القوى المحركة ، بحيث يتحقق الانتقال بسرعة أعظم " . وبكلام آخر : ان الهياكل التنظيمية التي تولدها الرأسمالية دون ان تعي وعياً تاماً لقيمتها ، يجب ان تشكل الاطار الذي على الاشتراكيين ان يملؤه . وهنا تقترح بيزانت استغلال الحكومات المحلية التي ولدت في ظل الاشتراكية كهياكل للتنظيم الاشتراكي من خلال لا مركزية ادارة التصنيع . ومن خلال هذه الحكومات المحلية يمكن حل مشكلة البطالة بتوفير العمل المنتج للعاطلين . 

في مقالة عن " الانتقال " الى الاشتراكية ، يوضح برنارد شو ان الانجازات الديمقراطية كانت تسير جنباً الى جنب مع الانجازات الاشتراكية . وان توسيع نطاق التمثيل الشعبي كان يحمل في طياته توسيعاً للقاعدة الاشتراكية . لكن دور الفرد في المجتمع وقدرته على توجيه الامور ، كانت تتغير تبعاً للتغيير المادي في ظروف الانتاج والتنظيم الاجتماعي . وان تغيير مركز هذا الفرد ، والفرد العامل بالدرجة الاولى ، والمتجه ، اي التغيير ، نحو عدالة اكبر ، لا يشكل الحل الوحيد لتطبيق الاشتراكية عبر الثورة . الا ان هذه الثورة هي عمل مستحيل في رأي برنارد شو . فالتنظيم النقابي والحكم المحلي والحدود المفروضة على الالتزامات والعقود وتزايد قيمة الدور الحكومي والتأمين ضد البطالة ، هي نتيجة تطور تاريخي طويل باتجاه اعطاء الضمانات للفرد العامل . 

مواقف ثلاث تميز الفابية كمدرسة من مدارس الفكر الاشتراكي . 

الموقف الاول هو ربط " النمو الاشتراكي " بنمو " الديمقراطية البرلمانية " . فقد رأى الفابيون ان توسيع القاعدة الانتاجية وتوعية الجماهيرالعاملة كفيل بايصال الاشتراكيين الى البرلمان البريطاني ، وبالتالي ايصال البرامج الاشتراكية الى حيز التطبيق .

الموقف الثاني الذي يميز الفابية هو ربط التطور الاشتراكي بعملية تقدم الشعب البريطاني . ويرى الفابي ان التقدم الفكري والحضاري ، بشكل عام ، عبر الاجيال الحديثة في بريطانيا كان يقود دائماً وبصورة تلقائية الى انجازات اشتراكية لا تلبث ان تتراكم حتى تحول صورة المجتمع ككل.  

خرج الفابيون ، على أساس الموقفين السابقين ، بموقفهم التطوري والتراكمي الرافض للثورة . فقد رفض الفابيون الثورة ، ورفضوا الموقف الداعي الى " الصراع الطبقي " واعتبروا ان التحول الناضج من الرأسمالية الى الاشتراكية هو ذلك الذي يتم عبر الاقتراع الشعبي كدليل على وعي الشعب ونضوجه . 

هذه المواقف الثلاثة لا تعدو ان تكون منسجمة مع التقليد البريطاني الديمقراطي الذي كان يتجه باستمرار ، وبشيء من الطوعية ، الى اعطاء المواطن حقه في ان يقول ما يريد . 

كثيراً ما يثار رأي واحد في مجال التمييز بين الماركسية والفابية . فاذا كانت الماركسية هي التعبير الاوضح عن نزعة التجريد والتعميم من دون اعتبار العوامل " المحلية والخاصة " ، أي اذا كانت الماركسية تقوم على فرضية " تطابق الافراد " ضمن كل طبقة ، بغض النظر عن ظروفهم الوطنية الخاصة ، فان الفابية جاءت لتعبر عن واقع تفاوت النمو الدولي ، أي لتعبر عن واقع الفروقات القائمة بين دول العالم والتي تدفع بالتيارات الفكرية باتجاهات مختلفة انسجاماً مع هذا الواقع .