آفاق جديدة في فن ادارة الاعمال

موريس تابري:

استاذ علوم في ادارة الاعمال ، الجامعة الاميركية في بيروت، خريج معهد ارويك للتدريب الاداري في بريطانيا  

كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن ادارة الاعمال ومشاكلها في البلاد العربية ، فكتبت المقالات وعقدت الندوات لبحث هذا الموضوع . وكان لمجلة " الرائد العربي " فضل كبير في التنبيه لاهمية الادارة العلمية وتطبيقاتها في المؤسسات العربية . وقد رأيت أن أكتب هذا المقال بقصد اعطاء رجال الاعمال العرب فكرة عامة عن هذا العلم الجديد الذي يسمى بعلم الادارة ، والذي نشأ منذ حوالى نصف قرن فقط اثر ابحاث وتجارب ناجحة قامت بها المؤسسات الصناعية في بلاد الغرب بقصد تخفيض اكلافها وزيادة ارباحها في المدى الطويل . 

بدأ تكوين هذا العلم بتجارب قام بها مهندس اميركي يدعى فريدريك تايلور الذي دخل الى مصنعه يوماً ما وأخذ يدرس العمليات الصناعية بالتفصيل ، فاكتشف ان هذه العمليات يمكن اتمامها بشكل اسهل وبوقت أقل اذا ما أحسن توزيع الوظائف على العمال ، واذا ما أدخلت بعض التحسينات والتغييرات على اوضاع ومراكز الآلات والمواد المستعملة ، مما يوفر الجهد المبذول في اتمام العمليات . وهكذا يتحقق تخفيض محسوس في التكالف الصناعية ، وبالتالي ترتفع الارباح. 

تطورت المؤسسات الصناعية والتجارية في بلاد الغرب واشتدت المنافسة بينها واصبحت هذه المؤسسات تسعى الى انتاج افضل بكلفة أقل . وهكذا اضطرت المؤسسات الغربية الى تجربة الوسائل الادارية العصرية في مختلف نواحي اعمالها لتحقيق هذه الغاية ، وأخذت هذه التجارب تتجمع شيئاً فشيئاً حتى اضحت علماً قائماً بذاته، له نظرياته وقواعده واسسه ، مثله مثل الطب والهندسة وسواها . وسرعان ما احتل العلم الجديد مكانه بين عناصر الانتاج الاساسية التي زادت عنصراً واحداً جديداً واصبحت اربعة هي : الارض واليد العاملة ورأس المال والادارة . 

اذا ما أردنا تحديد مفهوم الادارة ، لا نجد تحديداً أبسط من القول بأن " الادارة هي اتمام الاعمال بواسطة اناس آخرين " ، أي ان الادارة هي فن توجيه نشاطات الآخرين نحو تحقيق هدف محدد ومعين . وهذا المفهوم الواسع يشمل أي نشاط يبذل في ادارة اي نوع من انواع المؤسسات ، أتجارية أكانت ام خيرية ام دينية الخ .. وتحضرني ، هنا ، دراسة قامت بها جمعية الادارة الاميركية سنة 1960 لاختيار احسن المؤسسات تنظيماً وظهرت النتيجة انهما اثنتان : شركة جنرل موتوز للسيارات والكنيسة الكاثوليكية ! . 

إنطلاقاً من هذا المفهوم الواسع للادارة ، نستطيع ان نميز بين الاشخاص الذين يمارسون نشاطاً ادارياً وبين أولئك الذين يمارسون نشاطاً فنياً فحسب . فاذا أخذنا ، مثلاً ، شركة صناعية ونظرنا الى تنظيمها الهرمي ، نجد ان أقل الناس ممارسة للنشاط الاداري ، حسب مفهومه العلمي ، هم من كانوا في أعلى الهرم ومن هم في أسفله. فمجلس الادارة الذي تقتصر مهمته على رسم السياسة العامة وتحديد الاهداف ، لا يمارس نشاطاً ادارياً . وكذلك العامل في المصنع ، الذي يقوم بعمله تحت اشراف شخص آخر ، هو ايضاً لا يمارس نشاطاً ادارياً . فالذي يمارس الادارة في هذه المؤسسة هم الذين يقعون بين هذين الطرفين ، وأعمال هؤلاء الاشخاص تحتوي على واجبات ادارية وتقنية معاً . ففي المراكز العليا تغلب الواجبات والمهام الادارية على الواجبات التقنية ، وفي الاسفل تغلب الواجبات التقنية على الادارية . 

هذا التظيم الهرمي الذي ذكرناه في شرح مفهوم الادارة ، هو بحد ذاته تطبيق لاحدى قواعد علم الادارة المعروفة " بقاعدة التنظيم " ، إذ ان القصد من هذا التنظيم هو تحديد الوظائف في المؤسسة وتوزيعها على العاملين فيها حسب اختصاص كل منهم ، ابتداء من مجلس الادارة الى أصغر عامل في المؤسسة . وهذا يقودنا الى بحث قواعد الادارة التي اتفق عليها المتخصصون في الموضوع على ضوء التجارب والابحاث والنظريات التي اسهم في وضعها عدد كبير من رواد هذا العلم من امثال تايلور وفايول ووليت وبريك وارويك وغيرهم . وجدير بنا في هذا المجال ان نورد رأي الكولونيل ليندال ارويك ، أحد رواد علم الادارة المعاصرين . يقول ارويك ان الادارة هي نظام عقلي يجمع في محتواه ما نقص من العلوم الكلاسيكية الاخرى ويربط بينها . وهكذا، فان الادارة هي الحلقة المفقودة في سلسلة هذه العلوم ، والتي أوجدتها ضرورات الصناعة الحديثة . فعلم الادارة يهتم بكل ما يتعلق بنفسية المجموعات من حسن القيادة والتوجيه واقامة العلاقات ورفع المعنويات . وهو بذلك بتمم نواقص علم السياسة ، كما يتمم علم الهندسة لأنه يهتم بالنواحي الاقتصادية والتجارية للعمل وتوفير الوقت والحركة المطلوبة لاتمام العمليات الصناعية. كما انه يتمم علم النفس لأنه يهتم بتهيئة العامل للتعامل مع طبيعة العمل المحدد له ، وذلك بواسطة حسن الاختيار والتدريب والمكافآت وتحسين ظروف العمل . وهو يتمم كذلك علم الاقتصاد لأنه يهتم بتنظيم الصلاحيات والوظائف والتنسيق بينها ، ويعتبر العامل اساساً وغاية للعمل، بدلاً من كونه رقماً في تكاليف الانتاج فحسب . 

هذا في ما يتعلق بمكان علم الادارة بين الانظمة العقلية الاخرى . أما اذا دخلنا الى محتوى هذا العلم فسنجد ان أي عمل اداري يرتكز على واحدة او أكثر من القواعد الست التالية :  

بين المبدأ والتطبيق :

1 – تحديد الهدف : تعيين المطلب على ضوء الفوائد ومجرى الاحداث في المستقبل .

2 – التخطيط : وضع الترتيبات من اجل بلوغ الهدف .

3 – التنظيم : توزيع العمل والصلاحيات على الاشخاص حسب اختصاص كل منهم .

4 – القيادة : توجيه الاشخاص القائمين بعمل محدد وتدريبهم وتحريك هممهم .

5 – التنسيق : التوفيق بين نواحي العمل من اجل الوصول الى الهدف في الوقت المعين وبالطريقة المناسبة .

6 – المراقبة : قياس النتائج مع التقديرات الموضوعة سلفاً واصلاح الاخطاء في الوقت المناسب . 

لشرح هذه القواعد بشكل مبسط نأخذ مثلاً مشروع شركة صناعية جديدة . 

اول مرحلة في انشاء مشروع ما تبدأ بأن تفكر جماعة من الناس بفوائد هذه الصناعة وامكانياتها وتقرر مبدأ اقامة المشروع  في البلد الذي يسكنون فيه . فالخطوة الاولى ، اذن ، هي ممارسة لعملية "تحديد الهدف " . ثم يبحث اصحاب هذه الفكرة في طريقة الوصول الى هذا الهدف فيقررون انشاء شركة مساهمة برأسمال معين وشراء قطعة ارض وبناء مصنع واستيراد الآت ذات طاقة انتاجية معينة ، أي بكلام آخر يضعون خطة المشروع ، وبذلك يمارسون " عملية التخطيط " . وبعد اقامة المصنع يقرر مجلس الادارة تعيين مدير عام للشركة وانشاء اربع دوائر  يدير كل منها موظف مسؤول . وهذه الدوائر هي : دائرة الانتاج ، دائرة البيع او التسويق ، ثم دائرة المحاسبة ، فدائرة شؤون الموظفين ، وما يتبع هذه الدوائر من موظفين وعمال . وهذه العملية هي ممارسة لقاعد " التنظيم " . وعندما يتم تعيين المدير العام ، يأخذ هذا المدير على عاتقه توظيف اشخاص ذوي كفاءة ويدير امر تدريبهم على وظائفهم ويوجههم ويديرهم ويبعث فيهم روح النشاط والمثابرة على العمل . وهذا تطبيق لقاعدة " القيادة " . ثم في خلال العمل ، يكون على المدير المسؤول ان يربط بين الكميات الواجب انتاجها وبين متطلبات السوق وطلبات العملاء ، فيسعى الى " تنسيق " عمليات الانتاج مع عمليات البيع . ومن اجل التأكد من ان كل شيء يسير على ما يرام ، لا بد من مسك حسابات التكالبف و مداخيل المبيعات ومقارنتها دوماً مع التقديرات الاساسية ، فاذا ظهرت فوارق كبيرة ، توجب عليه اكتشاف اماكن الخلل واصلاح الاخطاء . وهذه العملية هي ممارسة لقاعدة " المراقبة " . 

من هنا ننتقل الى بحث الوظائف الادارية المختلفة في المؤسسات . وهذا طبعاً يعتمد على طبيعة عمل المؤسسة وحجمها ، وسوف نعود هنا الى المثل الذي ذكرناه عن الشركة الصناعية التي اوردنا ذكرها اعلاه . فان المخطط التنظيمي لشركة صناعية متوسطة الحجم يكون عادة على الشكل التالي :

                                                                           المدير العام

 

          دائرة الانتاج            دائرة التسويق والبيع                 دائرة المحاسبة والمالية        دائرة شؤون الموظين

لننظر في هذه الوظائف كلا على حدة . 

إن وظيفة المدير العام تتمحور حول تنفيذ السياسة التي يرسمها مجلس الادارة . فهو يوجه مساعديه ويقودهم وينسق الاعمال ويراقب التنفيذ ومجرى الامور . لذلك تكون مهمة المدير العام اتخاذ القرارات او الموافقة على القرارات التي اتخذها مساعدوه . والصفات الاساسية التي يجب ان تتوفر في المدير الناجح هي صفة القيادة وحسن الادراك . وهذه مواهب شخصية تعتمد على التربية والبيئة وتتبلور بالثقافة والعلم والتدريب والخبرة الادارية . فلا المواهب الفطرية وحدها تكفي لخلق المدير الناجح ، ولا التدريب الاداري يكفي لأن يجعل من اي انسان مديراً ناجحاً . فمهنة الادارة أصعب منالاً من المهن المعروفة الاخرى التي يمكن اتقانها بالدراسة والخبرة فقط . والفرق ، كما سبق ان قلنا ، يكمن في الصفة القيادية الواجب توفرها في شخص المدير ، والتي تجعل موظفيه يؤمنون بسداد رأيه ويعملون لتحقيق الاهداف التي يضعها لهم ، بكل عزيمة ونشاط . ومن المعلوم ان المهارة الادارية في عصرنا الحديث تعتبر كالمعدن النادر الوجود التي تتسابق الشركات والمؤسسات على اكتشافها وحيازتها بأثمان باهظة ، حتى اذا تم صقل هذا المعدن ، أخذت تشع وأضحى نورها ساطعاً براقاً يملأ القلوب والجيوب بالخير والبركة . 

الوظائف التي تلي وظيفة المدير العام مباشرة تتوزع بين وظائف الانتاج والبيع والتسويق والمحاسبة وشؤون الموظفين . فدائرة الانتاج تتولى مسؤولية صنع السلع من المواد الاولية بأقل كلفة وأعلى درجة من الاتقان . وتدخل هنا الادارة العلمية لتحقيق هذا الهدف من باب دراسة الوقت والحركة المطلوبة لتنفيذ عمليات الصنع واعتماد طرق أسهل لاتمامها . وتدخل الادارة العلمية لتنظيم الانتاج بحسب توفر المواد واليد العاملة وحاجات السوق . وتسعى الادارة العلمية ، في حقل الانتاج ايضاً ، الى تهيئة الجو الصالح للعمال وزيادة قابليتهم على الانتاج بشتى الطرق والوسائل ، حتى انها قد تصبغ لهم جدران المعمل الداخلية بالوان تناسب مزاجهم وقد تجهز مكان العمل بالموسيقى خلال العمل. 

بعد الانتاج يأتي دور ادارة المبيعات التي تتولى مسؤولية التعريف بالمنتوجات ، وهذا ما ندعوه بالتسويق ، وزيادة ارقام البيع . وتدخل هنا الادارة العلمية لتدرس الاسواق وحاجاتها وتؤمن التدريب الكافي لموظفي دائرة المبيعات وتحدد لهم رواتبهم وعمولاتهم . وبالاضافة الى ذلك ، تتولى دائرة المبيعات قضايا الاعلان والدعاية للمنتوجات ، وتدخل هنا الادارة العلمية لتدرس اذواق المستهلكين وطبائعهم ، فتختار وسائل الدعاية الاكثر فائدة، وتخصص لها الميزانيات المطلوبة . ثم يأتي دور الادارة المالية التي تتولى مسؤولية المراقبة الحسابية على الموجودات والاموال والتكاليف بواسطة انظمة مالية وحسابية حديثة ، تجمع بين الدقة وسهولة التطبيق . كما تضع الادارة المالية الميزانيات التقديرية المسبقة لاعمال المؤسسة وتقارنها مع النتائج الفعلية لتعين مواطن الضعف واتخاذ ، بالتالي ، الاجراءآت اللازمة لتصحيح اي خلل . اما دائرة شؤون الموظفين ، فهي مسؤولة عن اختيار الموظفين وتدريبهم وحل مشاكلهم . وتتدخل هنا الادارة العلمية لوضع قوانين التوظيف وقواعد الترقيات ووسائل قياس الكفاءة وطرق رفع معنويات الموظفين وتحقيق التعاون بينهم وبين ارباب العمل . 

المشكلة والعلاج في المؤسسات العربية

من الطبيعي ان تكون البلدان العربية التي رزحت مئات السنين تحت نير الاستعمار بعيدة كل البعد عن هذا العلم الحديث الذي نشأ في بلاد الغرب بعد ان ترعرت فيه الصناعة وازدهرت . وحتى في بلاد الغرب ذاتها ما زالت بعض البلدان الصناعية متأخرة ، رافضة احياناً القبول بنظريات الادارة العصرية وتطبيقها . غير ان الانتعاش الاقتصادي الذي شمل بعض البلدان العربية في السنوات الاخيرة الماضية بسبب ظهور الثروة البترولية وبرامج التنمية الحكومية والمساعدات الخارجية التي حصلت عليها بعض هذه البلدان ، أوجدت وعياً ادارياً لدى الحكومات ورجال الاعمال على السواء ، فأخذت الحكومات تستعين بالخبراء لاصلاح اجهزتها الادارية ، كما أخذ رجال الاعمال يستخدمون مدراء من ذوي الاختصاص والخبرة لادارة اعمالهم تبعاً لاسس الحديثة . 

برزت مع هذه الموجة من الوعي الاداري مهنة خبير الادارة العربي المتخصص ، الى جانب الخبير الفني . ومهمة خبير الادارة هي دراسة المشاكل الادارية في المؤسسة وتطبيق الاساليب الادارية العصرية في كل نواحي العمل ، بعد تدريب الموظفين عليها . والقصد من ذلك هو تخفيض الاكلاف ورفع الكفاءة الانتاجية ، وبالتالي زيادة الارباح الى حدها الاقصى . ويمتاز الخبير الاداري عادة بثقافته المتخصصة في شؤون الادارة وخبرته المتنوعة المجردة في مشاكل المؤسسات . وقد أصبحت الآن ، في البلدان المتقدمة ، الاستشارات الادارية بالنسبة للمؤسسات التجارية والصناعية كالماء والهواء ، يلجأ اليها ليس فقط في حالات العجز والفوضى ولكن في الحالات الطبيعية ، نماماً كالجوء الى الطبيب بين حين وآخر لاجراء كشف عام على صحة وسلامة الجسم . اما في البلاد العربية فما زالت خدمات الخبراء الاداريين مقتصرة على المؤسسات الكبرى ، وذلك بسبب عدم وضوح فوائد الادارة الحديثة بالنسبة لرجال الاعمال العرب. ومن خلال خبرتي المتواضعة في ادارة الاعمال والاستشارات الادارية ، أرى ان  ثمة خمس صعوبات تقف في وجه استخدام خبراء الادارة لتنظيم المؤسسات العربية في الوقت الحاضر ، وهي ما يلي :

1 – الاقتصاد العربي ليس ، حتى الآن ، اقتصاد صناعة ، بل اقتصاد زراعة وتجارة وخدمات . وبالرغم من حاجة المؤسسات المختلفة الانواع للخدمات الادارية ، إلا ان مشاكل المؤسسات الصناعية أكثر تعقيداً ، وحاجتها الى التنظيم الاداري أكثر الحاحاً . 

2 – ما زالت المؤسسات التجارية والصناعية العربية واقعت تحت السلطة العائلية الاتوقراطية التي تتردد في افساح المجال لاشخاص غرباء عن المؤسسات للاطلاع على احوالها . ثم انها ، اضافة الى ذلك ، لا تؤمن بخبرة ادارية غير خبرتها ولا بتخصص غير تخصصها في الحقل الذي تعمل فيه .   

3 – ضعف انتشار فكرة الشركات المساهمة التي تستخدم المدراء الاخصائيين من ذوي الصلاحيات الواسعة لادارة المشاريع . وحتى في حال انشاء الشركات المساهمة ، فان في بعض الدول العربية قوانين حكومية ، كما هو الحال في لبنان ، تدعو الى ان يكون رئيس مجلس الادارة الذي يمثل اصحاب الشركة ، هو نفسه المدير العام . وهكذا نجد ان اصحاب المال في المؤسسات والشركات هم الذين يديرون اعمال مؤسساتهم بشكل مباشر، وهؤلاء يكونون عادة أقل تقديراً لفوائد الادارة العصرية من المدراء الموظفين . 

4 – عدم اعتراف ارباب العمل بدور العمال في زيادة الانتاج . وهذا ما يجعلهم غير راغبين في اعتماد مبدأ الحوافز التي ترفع من قابلية العامل على الانتاج لقاء مكافآت متفق عليها مسبقاً . وهذه الوسائل يدرسها ويطبقها، عادة ، خبراء الادارة . والجدير ذكره هنا ان النجاح الذي حققته صناعة السيارات الاوروبية معزو الى تعاون العمال مع ارباب العمل لدرجة ان العمال ممثلين في بعض هذه الشركات ، كشركة رينو الفرنسية حيث للعمال من يمثلهم في اللجان الادارية العليا.  

5 – الاعتقاد الخاطيء لدى بعض رجال الاعمال العرب بأن المؤسسات الصغيرة ، حيث عدد العاملين فيها قليل جداً ، لا تحتاج الى اعتماد الأساليب الادارية الحديثة . والحق بقال ان مبدأ التنظيم الاداري العصري لا غنى عنه ولا مفر منه اذا أراد اصحاب المؤسسة ، صغيرة أكانت أم كبيرة ، الاستمرر والنمو والتوسع . انما ، يجدر بنا ان نشير ، الى ان الاساليب الادارية في المؤسسات الصغيرة تختلف نوعاً وكمية عن تلك الواجب اعتمادها في المؤسسات الكبيرة . فذا صرف خبير الادارة سنة واحدة لتنظيم مؤسسة كبيرة ، فقد يحتاج هذا الخبير ذاته الى شهر واحد فقط لتنظيم مؤسسة صغيرة . وتكون اجوره في هذه الحالة أقل نظراً لقلة الوقت الذي صرفه في تقديم خدماته الاستشارية .

أهمية الادارة العلمية في القطاع العام

أرى من الواجب هنا ان أنبه الى ضرورة تطبيق النظم الادارية الحديثة في المؤسسات الحكومية وفي مؤسسات القطاع العام التي تشكو ، حتى في البلدان المتطورة ، من البيروقراطية وانخفاض مستوى الانتاج . وتحضرني في هذا المجال كتابات باركنسون في السخرية من البيروقراطية في الادارات الحكومية والخاصة . فقد ابتدع باركنسون نظرية تنطبق على واقع الحال ، يقول فيها ان " كمية العمل تنمو وتمتد حتى تملأ الوقت المتوفر لانهائها " ، مشيراُ بذلك الى انعدام روح المسؤولية وانخفاض درجة الكفاءة عند موظفي الحكومات والشركات . وفي وصفه الساخر لاعضاء مجالس ادارة الشركات يقول باركنسون انه في اجتماع لمجلس ادارة ما قد تطرح على بساط البحث قضية استثمار مبلغ مليون جنية استرليني في مشروع معين فيسود الصمت المطبق وسرعان ما يرفع المجتمعون أيديهم بالموافقة من دون سؤال او استفسار ، خوفاً من افتضاح جهلهم بتفاصيل المشروع . وعندما تبحث قضية علاوة سيارة لمدير الشركة تحمر الوجوه ويناقش المشروع بحماس وغيرة على أموال الشركة ، وتشكل بالتالي لجنة لدراسة الموضوع وتقديم التوصيات للتناقش في الاجتماع المقبل . 

يكمن سر التوكيد على ضرورة الاصلاح الاداري في مؤسسات القطاع العام في البلدان العربية في زيادة تدخل الحكومات في التوجيه والتخطيط الاقتصادي عن طريق برامج الاعمار او عن طريق التأميم ، كما هو الحال الآن في الجمهورية العربية المتحدة . وفي كلتي الحالتين يتوجب على المسؤولين اعتماد الاساليب الادارية الحديثة في تنفيذ الاعمال وتدريب الموظين . وفي المؤسسات المؤممة على المسؤولين ان يعتمدوا الحوافز المادية والمعنوية التي من شأنها ان تشرك الموظفين والعمال في مسؤولية ادارة المؤسسات وفي الحصة التي قد ينالونها من انتاجها المالي ، اذا ما أصابة المؤسسة ربحاً . وعلى الرغم من الصعوبات الادارية والاقتصادية التي قد تعترض طريق هذه المؤسسات المؤممة خلال مرحلة الانتقال ، يجب علينا ان نعترف بالنجاح الكبير الذي حققته بعض المؤسسات المؤممة في الجمهورية العربية المتحدة ، مثل قناة السويس ومديرها الذي برهن عن كفاءة ادارية عالية ، بشهادة عدد كبير من الثقات في موضوع الادارة .

هذه لمحة عابرة عن علم ادارة الاعمال وتطبيقاته . ولا نستطيع ان نوفي هذا الموضوع حقه في هذا المقال .

وقد قصدنا هنا ان نعرف رجال الاعمال العرب عن ماهية هذا العلم الجديد وفوائد الادارة العصرية في رفع مستوى الكفاءة في العمل وفي تخفيض الاكلاف . وبكلام آخر تحقيق ارباح اكبر بمجهود أقل.