الطاقة البشرية في الجزائر : واقعها ومشكلاتها

شريف سيسبان

مدير مصلحة التعليم في الحكومة الجزائرية  

نشر المقال في نيسان / ابريل 1962 ، العدد الثامن عشر ، الرائد العربي 

مقدمة : الاطار الطبيعي لسكان الجزائر  

اذا كان التخلص من التخلف الاقتصادي او الاجتماعي او السياسي يتطلب طاقات وثروات ، فان أهم هذه الطاقات والثروات يتمثل في الانسان ، هذا الكائن الحي الذي يستطيع بنشاطه وذكائه وتنظيمه ان يخضع الطبيعة ويسيطر على امكانياتها ويستغل ثرواتها . فاذا استطعنا ، نحن العرب ، ان نوجه طاقاتنا البشرية وان ننظمها وان ندفعها الى معركة البناء والانشاء الخير ، فاننا نستطيع ، آنذاك ، ان نقول باننا خطونا الخطوة الحاسمة للقضاء على هذا التخلف الرهيب الذي يلقي بظلاله على مجتمعنا ويتهدده بأبشع مصير . والثروات وحدها ، مهما عظمت ، لن تجدي الانسان العربي ، او اي كائن في العالم ، نفعاً اذا لم يتملك الانسان ذاته ويستفيق من غفوته ويعد عدته لولوج عالم الاكتشافات والبحث والتنقيب العلمي المبرمج والمدروس ويبذل من عقله وجسمه وراحته الشيء الكثير . فكم من بلدان افريقية وآسيوية واميركية ، خاصة الاميركية الجنوبية ،ما زالت تغفو وتنام على ثروات طبيعية وخيرات لم تستثمر للتخلص من مشاكل الجوع والفقر المدقع وتخلفت عن رفع شعوبها الى مستوى الحياة الحرة الكريمة ؟ . وكم من بلدان اوروبية ، وحتى عربية ، عاشت في ماضيها التليد في جو من الرخاء والبحبوحة وسعة العيش ؟  فهذه سويسرا التي ليس لها من الثروات الطبيعية الا الشيء القليل ، اذا ما قورنت بالكونغو، ومع ذلك تتمتع بمستوى معيشي يضاهي ارقى واعلى المستويات في العالم . ومثلها السويد والنروج وغيرهما . فازدياد الثروات متوقف على طاقة الانسان ووعيه ورغبته في التقدم والنمو. فالصحراء التي كانت حتى الامس القريب مجدبة غدت اليوم ، بفضل التقدم العلمي ورغبة الانسان الطموح والواعي والمتسلح بالعلم ، منبعاً لطاقة حرارية غيرت حياة البشر وسيرت المعامل وفجرت المياه . والمياه ، هذه ، التي كانت تفصل بين البشر بفعل محيطاتها وبحارها وتغرق الانسان وتهدد حياته وثرواته أصبحت بفضل قوة السدود طاقة للنور وقوة للانشاء ومعبراً لرحلاته وضماناً لايام الجفاف والقحط . هكذا نرى كيف ان الثروات الطبيعية المتوفرة تنتظر من الانسان ان يشمر عن سواعده ويفعل عقله ، بعد ان يزوده بالعلم ، وان يحول الثروات والطاقات الجامد وغير المستغلة ، كي يوظف ما تمنحه الطبيعة من كنوز دفينة الى ثروة نافعة يستفيد منها وتقضي على فقره وتخلفه . 

سكان الجزائر

بلغ عدد سكان الجزائر سنة 1856 ، وهي اول سنة وقعت فيها تقديرات اولية ، 24960760 نسمة وارتفع العدد سنة 1954 الى 9529726 نسمة بين عرب واوروبيين . ففي خلال قرن من الزمن تقريباً تضاعف العدد ثلاث مرات ونصف المرة . وهذه الزيادة ليست في الواقع كبيرة جداً  اذا ما عرفنا ان مليوناً من الاوروبيين يرجع اغلبهم للهجرة الاستعمارية ، كما انها اذا ما قورنت بالزيادة في بلد عربي كمصر فانها تبدو عادية بعض الشيء . فقد بلغ عدد سكان مصر في سنة 1846 حوالى 4.6 مليون نسمة ، وهو اليوم ( 1962) يبلغ 26 مليوناً ، أي ان العدد تضاعف في المدة نفسها خمس مرات تقريباً . ثم ان هذه الزيادة في الجزائر لم تكن متساوية بين الاوروبيين والعرب ، لذلك سندرس اولاً زيادة العرب في خلال هذه الفترة ، ثم زيادة الاوروبيين ومراحل الاثنين . 

تطور عدد السكان العرب

كان تقدير السكان العرب في الجزائر يبلغ 2307349 في سنة 1830 ، أي في سنة الاحتلال الفرنسي ، وان كان البعض يقول ان العدد بلغ آنذاك حوالى اربعة ملايين . وكانت الزيادة بسيطة خلال فترة الحروب التي جاءت مع الامير عبد القادر الجزائري حتى سنة 1847 وثورة 1848 وثورة 1856 وثورة 1871 بقيادة المفراني والشيخ الحداد ، حيث نجد عدد السكان يبلغ 2310049 نسمة في سنة 1856 ، وهي اول سنة يقع فيها تقدير احصائي للسكان و 2737851 في سنة 1861 . وبين هذه السنة وسنة 1881 لم يزد العدد كثيراً اذ اننا نجد ان السكان العرب خلال هذه المدة لم يرتفع عددهم خلال 51 سنة تقريباً ( 1856 و 1881 ) سوى ما يقرب من نصف مليون نسمة ، إذ بلغ 2860497 نسمة ، بل اننا شاهدنا نقصاً في السكان نتيجة للحروب والمجاعات والامراض كما في السنوات 1866 و 1872 و 1876 ، إذ كان عدد السكان على التوالي 2600000 تقريباً وهبط الى 2134052 اثناء ثورة المفراني في منطقة القبائل الكبرى و 2478936 في السنة الاخيرة . ففي خلال عشر سنوات فقد الجزائريون ما يزيد على النصف مليون نسمة . واخذت الزيادة زخمها بعد الحرب العالمية الاولى وخاصة في الفترة في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حيث بلغت الزيادة 2500000 سنوياً ( الجدول رقم 1 ) . 

تطور عدد السكان الاوروبيين

بدأت هجرة الاوروبيين الى الجزائر مع الاحتلال الفرنسي . وكانت غاية المستعمر ان يغمر السكان العرب بغير العرب وجعل الجزائر مستعمرة استيطان للاوروبيين . لذلك عمدت الحكومة الفرنسية آنذاك والحكومات التي جاءت من بعد بتشجيع الفرنسيين على الهجرة الى الجزائر ، خاصة في عهد مجرم الحرب الكولونيل بيجو. ففي سنة 1835 بلغ عدد المهاجرين 3228 واخذ هذا العدد يتزايد حتى بلغ سنة 1837 نحو 16770 مهاجر . وفي فترة الغزو العام الذي شنه بيجو قفز العدد خلال عشر سنوات الى 109400 مهاجر ، أي بمعدل عشرة الآف مهاجر سنوياً . وتواصلت الهجرة بشكل أقل حتى جاءت سنة 1873 عندما هاجر سكان الالزاز واللورين بعد هزيمة فرنسا في حربها مع المانيا آنذاك وجاء أغلبهم الى الجزائر . لذلك نجد عدد المستوطنين الاوروبيين في الجزائر يبلغ 251942 ، ثم يرتفع في سنة 1886 الى 464820 ، خاصة بعد ان اعتنق الجنسية الفرنسية شرذمة من اليهود الذين تنكروا لجنسيتهم ووطنهم الرئسي وتجنسوا سنة 1871 بفضل قانون كريميو . وكان عددهم حينذاك حوالى 35 الفاً . واستمرت الزيادة ، بفعل الهجرة لا الولادات حتى مطلع القرن الحالي ( القرن 20 ) حيث بلغ عدد المهاجرين 68263 تقريباً في سنة 1911 وحدها ، وبعدها خفت الهجرة واصبح عامل الزيادة يعتمد بشكل كبير على الولادات أكثر من اعتماده على الهجرة ، حتى بلغ سنة 1954 حوالى 79 بالمئة منهم من مواليد الجزائر و 11 بالمئة فقط من مواليد فرنسا . والملاحظ ان المهاجرين الاوروبيين كانوا يفيدون من كل الجهات ، خاصة من بلدان البحر الابيض المتوسط المجاورة ، كايطاليا واسبانيا وجزيرة كورسيكا وجزيرة مالطة ، حتى فاقت اعداد المهاجرين غير الفرنسيين ، خاصة الاسبان ، اعداد القادمين من فرنسا . وهذا ما نجده في احصائية سنة 1850 التي تظهر التوزيع التالي للقادمين الجدد :   

            سنة 1836          الفرنسيون                      5500 شخصاً

                                    الاجانب الآخرون               9100

            سنة 1845          الفرنسيون                      46300

                                    الاجانب الآخرون              50000

            سنة 1851          الفرنسيون                    66000

                                    الاجانب الآخرون              65200

 الا ان قانون سنة 1889 الذي الزم كل اجنبي ولد في الجزائر ان يتجنس بالجنسية الفرنسية ادى الى زيادة عدد الفرنسيين والى التقليل من عدد الاجانب الذين احتفظوا بجنسيتهم . ففي سنة 1954 كان عدد هؤلاء لا يزيد عن 60 الفاً ، أي حوالى 6 بالمئة فقط من مجموع السكان الاوروبيين ( يظهر الجدول رقم 2 عدد السكان الاوروبيين ) . 

التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية

تبلغ الكثافة السكانية في الجزائر 4.4 في كل كيلومتر مربع . إلا انها تختلف في توزيعها من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ، ثم بين السكان الاوروبيين والجزائريين . فأغلب السكان ، أي حوالى 7.5 مليون ، يسكنون المناطق الشمالية في مساحة تبلغ 350 الف كيلومتر مربع ، والبقية ، أي 822413 ، تسكن في واحات المناطق الصحراوية . ثم ان عددالسكان يقل كلما اتجهنا من الشرق الى الغرب ، خاصة بالنسبة الى العرب حيث نجد نصفهم تقريباً يسكنون في منطقة قسنطينة ، والعكس بالنسبة للاوروبيين . فهو يزيد في اتجاه الغرب حيث يوجد اكبر قسم منهم في منطقة وهران ، ثم الوسط في العاصمة . فسكان منطقة قسطنطينة يبلغ عددهم 3425273 والجزائر العاصمة 3101205 ووهران 2178835 . لذلك نجد المناطق التي تزيد فيها الكثافة على مئة نسمة في الكيلومتر المربع الواحد توجد مركزة في سواحل العاصمة وسواحل قسنطينة والمناطق الجبلية والتلية الساحلية . وقد تبلغ الكثافة احياناً في بعض هذه المناطق درجة هائلة . ففي منطقة الجرجرة قد تبلغ الكثافة السكنية احياناُ 200 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد ، وقد تتجاوزها برغم هجرة العدد الكبير من ابنائها الى فرنسا . اما المناطق التي تتراوح فيها الكثافة بين 76 و 100 في الكيلومتر المربع الواحد فتوجد في بعض السهول الساحلية والجبال الساحلية البعيدة عن البحر ، كما في شمالي مدينة قسنطينة وسهول وهران والشلف . ثم ان المناطق التي تتراوح يها الكثافة بين 51 و 75 في الكيلومتر الواحد المربع فتوجد في جنوبي قسنطينة حيث السهول العليا  وفي سهول الجزائر العاصمة ووهران ، عند السفوح الجنوبية للجبال التلية ، وكذلك في المناطق التي تتراوح فيها الكثافة السكانية بين 26 و 50 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد في سهول سطيف والمناطق الجبلية القائمة الى جنوب العاصمة نحو الداخل وجبال الورسنيس . اما المناطق التي تقل فيها الكثافة الى  25 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد فهي موجودة في منطقة الشطوط الى الشمال من الجبال الصحراوية على طول الجزائر من الشرق الى الغرب ، مثل باتنة حيث الكثافة 19 / كم2 وتيادت حيث الكثافة 9 / كم 2 . اما المناطق الوحيدة التي نجد فيها الكثافة ضعيفة جداً فتقع جنوب سلسلة الاطلس الصحراوي حيث تبلغ الكثافة السكانية احياناً 0.5 في الكيلومتر المربع الواحد ، كما في عين الصفراء جنوبي وهران و 1.7 / كم2 وفي غرداية جنوب الجزائر العاصمة . 

فعلى العموم ، ان الكثافة السكانية العامة قي الشمال تبلغ 42 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد ، حيث يتوزع السكان البالغ عددهم 8707313 على مساحة تبلغ 350 الف كيلومتر مربع . اما في الجنوب الذي تقطنه 822413 نسمة  فهي تبلغ ما معدله 0.4 / كم2 . ويتوزع السكان على الولايات الاربع بالشكل التالي :

                                                            العرب                             الاوروبيون     

            ولاية قسطنطينة                           3220075                        183304

            ولاية العاصمة                              2656285                        42614

            ولاية وَهْران                               1767277                        385149

            ولاية الصحراء                               805695                         12964

            المجموع العام                             8449332                       984031

ترجع كثافة السكان العرب في المنطقة الشرقية من الجزائر الى سببين اساسهما استعماري . الاول ، هو ان الفرنسيين استولوا على كل السهول الساحلية الخصبة ودفعوا بالجزائريين العرب الى المناطق الفقيرة والجبلية ؛ والثاني هو عامل مقاومة الاستعمار والتحصن في الجبال ضد اخطاره . فمنذ اليوم الاول للاحتلال والجزائر في معارك وثورات ضد الاجنبي الغاصب وما زالت على رفضها لوجود هذا الاجنبي . ويؤكد قولنا هذا مقدار المردود الذي يعطيه الهكتار الواحد من الحبوب . فهو لدى الفرنسي 10.5 قنطار في المتوسط ، بينما لدى العربي لا يزيد على خمسة قناطير، نتيجة للمساعدات المادية التي يتلقاها الاوروبي من البنوك ووسائل التسميد والجرارات والحصادات . فالزراعة الاوروبية في الجزائر اقوى تصنيعاً منها في فرنسا نفسها . فالحصادات مثلاً في الجزائر تمثل واحد لكل 200 هكتار ، بينما هي في رنسا واحدة لكل 500 هكتار . وتمثل الجرارات 1.6 لكل مالك اجنبي في الجزائر ، بينما لا تصل الى 1.1 في فرنسا . اما الشيء الاخير الذي نريد تأكيده فهو ان هذا التوزيع الجغرافي قد تبدل جذرياً خلال سنوات الحرب القائمة في الجزائر . فالسكان كانوا مضطرين للتنقل هرباً من الارهاب وللتجمع في مراكز الاحتشاد حيث يبلغ ما يزيد على المليونين محاصرين في مناطق معينة محاطة بالاسلاك الشائكة وموضوعين تحت الاقامة الجبرية مع الحراسة المشددة . 

سكان المدن والارياف

إن ظاهرة زيادة سكان المدن وهجرة ابناء البوادي الى المدن ظاهرة عامة في جميع انحاء العالم  خاصة في البلدان المتخلفة كالبلاد العربية ، بما فيها الجزائر . وترجع اسباب هجرة سكان الريف الى المدن في الجزائر لأكثر من سبب ، اولاً الى قلة الاراضي المستثمرة ، خاصة وان معظم هذه الاراض كما أسلفنا فقيرة ، وثانياً الى زيادة سكان الارياف نتيجة كثرة الولادات كما سنرى ، وثالثاً الى توفر احتمالات العمل في المدن واغراء المعاشات والمداخيل فيها . فالبطالة الدائمة او الفصلية او المقنعة في الارياف كثيراً ما دفعت بالشباب الى ترك مسقط رأسه ومهد صباه والتوجه الى المدن ، بل كثيراً ما يوغل هؤلاء في الهجرة فيسافر الى فرنسا او سواها كما سيأتي معنا لاحقاً . وكل هذه العوامل ادت الى تضاعف سكان المدن وتوسعها بشكل عشوائي رهيب ، كما أدت الى نشوء اوضاع اجتماعية سيئة من بطالة وسوء مسكن ، كمساكن القصدير والتنك ، وامراض وانحراف وغيرها . 

كان عدد المدنيين في الجزائر سنة 1886 حوالى 226 الفاً . وبعد ما يقرب من سبعين سنة تضاعف هذا العدد عشر مرات ، فأصبح في سنة 1954 حوالى 2156 الفاً ، بينما لا نجد مثل هذا الوضع الديمغرافي لدى اوربيي الجزائر . فهم كانوا 297 الفاً في سنة 1886 ، أي أكثربقليل من الجزائريين القاطنين في المدن وتضاعف عددهم مرتين فقط في سنة 1954 . وهكذا نرى ان عدد سكان المدن العام يبلغ ما يقارب الثلاثة ملايين يعيشون في خمسين مدينة ، بينما يبلغ عدد سكان الارياف سبعة ملايين . واذا كانت المدن الرئيسة في السابق مقصورة تقريباً على المهاجرين  الاوروبيين ( 90 % في وهران ، 80 % في الجزائر العاصمة ) ، ففي الجزائرالعاصمة كان عدد السكان كالتالي : في سنة 1954 الاوروبيون 276621 والعرب 293465 ؛ وفي وَهْران كان عدد الاوروبيين 203100 والعرب 171337 ؛ وفي قسطنطينة الاوروبيون 42130 والعرب 125539. وحدها عنابة استرجع فيها العرب تفوقهم العددي . من هنا نرى ان محاولة التقسيم التي دعا اليها الفرنسيون قد اصبحت مستحيلة لتفوق العنصر العربي على العنصر الاوروبي في جميع جهات الجزائر . ونعتقد ان العامل النفسي كان له دوره في هذا التطور السريع الذي يعود الى خصب سكان الجزائر العرب وكثرة تناسلهم . فهم كانوا يشعرون ان وجود العنصر الاوروبي ، وما كان يجر عليهم من حروب طاحنة وويلات فتاكة ذهبت بارواح العددين منهم ، وكونه قد أصبح خطراً داهماً يهدد وجودهم ولم يفلحوا في وضع حد له سوى في اغراقه بتزايد السكان الكبير . غير ان هذه الزيادة الرهيبة بالنسبة لمستعمرة متخلفة ثقافياً وصناعياً وحتى زراعياً ، جلبت معها مشاكل انسانية عديدة ، منها استفحال البطالة في المدن وتخلف المستوى المعيشي في أبسط مظاهره ، ودفعت بالعديد من الجزائريين الى الهجرة الى فرنسا . 

الهجرة الى فرنسا

رحبت فرنسا ، في اول الامر ، بهذه الهجرة التي جاءت بالايدي العاملة السمراء الرخيصة واستغلتها كأسوأ ما يكون الاستغلال . ورغم ما طالما ادعته فرنسا من مباديء المساواة والاخوة والحرية ، فان التمييز العنصري في الاجرة والمعاملة ونوع المهن التي خصصت للمهاجرين الجزائرين ، كان صارخاً وكريهاً . فقد خصصت أشق الاعمال لهم في فرنسا من تعبيد للطرق والعمل في المناجم المظلمة والبناء الشاق وحفر القنوات والالتحاق بمعامل صهر الحديد . ووجد الجزائري نفسه غير قادر على رفض هذه الاعمال الشاقة . فالوضع في الجزائر واستحكام البطالة هناك والدخل الزهيد ، حمله على تقبل مصيره ليتمكن من مساعدة اهله وعائلته في بلده الاصلي . وبلغ عدد الجزائريين في فرنسا سنة 1958 ما يقارب 350 الف نسمة . وكنت ترى الواحد منهم ، رغم زهادة الاجرة ، يقتسم راتبه مناصفة لعائلته في الجزائر وله في فرنسا . وقد قدر ما ارسل في سنة 1954 من اموال الى اهالي المهاجرين بحوالى 34 ملياراً من الفرنكات . وقد اضطر بعضهم ، امام صعوبات الحياة ، ان يأخذوا زوجاتهم واولادهم معهم . ويوجد  حالياً 15000 عائلة مع 45 الفاً من الاطفال تقل اعمارهم عن 14 سنة يعيشون في فرنسا . 

مراحل الهجرة

تعود بداية هذه الهجرة الى سنة 1914 عندما جندت فرنسا عدداً من الشباب الجزائري للعمل في مصانعها الحربية وفي صفوف جيشها . وبعد الحرب العالمية الاولى عاد الكثير منهم . ثم كانت دفعت جديدة في المرحلة الممتدة بين 1924 و 1929 نتيجة الطلب والدعاية الاستعمارية لتشغيل العمال الجزائريين في ميادين الاقتصاد الذي كان يتوسع آنذاك باستمرار  في فرنسا . ولما أطلت الازمة الاقتصادية العالمية بين سني 1929 و 1932 وضعت فرنسا قانوناً يمنع هجرة الجزائريين اليها ، بالاضافة الى الاحتجاجات الشعبية التي قام بها المعمرون في الجزائر بدعوى ان فرنسا تحرم البلاد من الايدي العاملة الرخيصة . ثم عادت الزيادة ترتفع بعد سنة 1936 . ولئن خفت بعض الشيء اثناء الحرب العالمية الثانية ، الا انها تضاعفت بعد ذلك في السنوات الاخيرة التي سبقت الثورة التحريرية . ففي سنة 1947 كان متوسط المهاجرين يبلغ 70 الف مهاجر سنوياً ، وكذلك كان العدد في سنة 1948. وفي ما يلي جدول يعطي فكرة مصغرة عن بعض المهن التي زاولها المهاجرون في فرنسا . والاعداد هي على سبيل المثال لا الحصر :  

            مناجم الفحم الحجري                               8331

            انتاج الحديد الصهر والصلب                        19893

            الصناعات الميكانيكية والكهربائية                30059

            البناء والخدمات العامة                               47425

الذكور والاناث

لن تكون قيمة عدد السكان وتوزعهم مجدية ما لم بعرف نوع العناصر التي تكونها وجنسها ، خاصة لما نحن بصده في ابراز الطاقات البشرية التي يتكون منها سكان الجزائر . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، ان المجتمع الجزائري ، كأي مجتمع عربي صاعد ، لا يزال متخلفاً في نظرته الى عناصره ، وبالتالي في الاعتماد على هذه العناصر والاستفادة من امكاناتها . فالمرأة في مجتمعنا لا تزال بعيدة ، الى حد بعيد ، عن المشاركة الفعالة في بناء المجتمع العربي وفي الاسهام بكامل طاقاتها في دفع عجلة التقدم . فمعرفة الذكورة والانوثة سيعرفنا على الوضع الحاضر وعلى امكانيات المستقبل . 

الاوروبيون : من الطبيعي ان يكون عدد الذكور في المراحل الاولى اكثر من عدد الاناث نتيجة للهجرة التي تتكون في مراحلها الاولى من الشبان الذكور اكثرمن الاناث . لذلك نجد ان عدد الاناث ظل منخفضاً حتى سنة 1936 . وفي هذه السنة فقط بدأ نوع من الزيادة في نسبتهن ، واصبحت نسبة الاناث 103 انثى مقابل 100 ذكر . واستمرت هذه الزيادة في ارتفاع فغدت 109 اناث مقابل 100 ذكور في سنة 1948 . غير ان هذا الفارق يختلف بين منطقة واخرى . وهذا ما يبينه الجدول التالي للمدن الرئيسة في الولايات الاربع :

                                    الذكور               الاناث                النسبة الى الف ذكر

الجزائر العاصمة            170973            189614                  1109

وهران                           163664            180303                  1102

قسنطينة                      83456               89233                    1069

الولاية الصحراوية          5869                5751                       980

                                    -------              --------                --------

المجموع العام               423962            464911                  1097

واذا أبانت الارقام عدد الذكور في الصحراء اكثر من الاناث ، فان من السهل تعليله وارجاعه الى ان الموجودين هناك أغلبهم من الموظفين الذين يتركون زوجاتهم في المناطق الشمالية  ، او يكونون في الغالب من الشبان غير المتزوجين العاملين في امور ادارية او سواها . 

العرب : من الطبيعي و من المفروضان يكون عدد الاناث ، بالنسبة للجزائريين العرب، اعلى نسبة ،لأن الحروب تأكل من الرجال اكثر مما تأكل من النساء . وثانياً لأن مشقة العمل ومتطلباته تنهك الرجال وتقصر من امد حياتهم . وفوق هذا ، فان نسبة الولادات في العالم تؤكد ان المواليد الاناث اكثر عدداً من الرجال عند الولادة. وهذه النسبة تتراوح بين 103 و 105 اناث الى 100 ذكر . غير ان عدم ضبط الاحصاء ، من جهة ، وعدم البوح بالمواليد الاناث وتجشم مشقة تسجيلهن ، وهو تقليد تتميز به مجتمعاتنا العربية المحافظة ، من جهة اخرى ،  يجعل نسبة الذكور اكثر عدداً . والشيء الوحيد الذي يدعو الى التروي في الحكم ، هو الجانب النفسي الجماهيري الذي يتمثل في تعويض الخسائر في الذكور التي فتكت بها الثورات وفي اعداد الذكور للمقاومة ودفع الخطر المحدق بالكيان العربي ، هذا الجانب اللاشعوري الذي برز وتأكد في كثير من الامم التي شغلتها الحروب ، خاصة ابان الحربين العالمتين الاولى والثانية . اما الجدول التالي فيظهر تفوقاً مستمراً في عدد الذكور على عدد الاناث :  

السنة                              الذكور                          الاناث                          النسبة المئوية 

1886                            1710000                      1576000                          1085

1891                            1883000                      1692000                          1113

1896                            1996000                      1781000                          1171

1911                            2501000               &nbsnbsp;      2340000                          1069

1931                            2884000                      2651000                          1088

1936                            3273000                      2964000                          1104

1948                            3824000                      3756000                          1018

يبين الجدول من جهة اخرى ميلاً نحو التساوي باستمرار . فبين سنة 1892 حيث نجد ان 121 امرأة تزيد على الرجال في كل الف ، ونجد ان في سنة 1948 هبط هذا العدد الى 18 فقط ، بحيث اصبحت النسبة 106 رجال الى 100 امرأة . ولئن كنا لا نميل الى قبول صحة هذه الاجصائيات ونرى فيها نقصاً ، فلأننا نعرف الظروف التي يعيشها شعبنا ونعرف الحرب التي تجري على ارضنا في الوقت الحاضر . والمهم ، بعد كل هذا، هو ان عدد الاناث ، اذا لم يكن متفوقاً فعلى الاقل انه بتساوى مع عدد  الذكور . وهذه الناحية مهمة في ما يخص مشكلة العمل وبقاء الكثير من الطاقات مهملة ومهمشة . فالمرأة الجزائرية لا تزال خارج نشاط المجتمع وتابعة للرجل في جميع اموره ، وتكاد تكون في حياتها عالة على الرجل . انه مجتمع ذكوري بامتياز . 

الاعمار

تأتي أهمية الاعمار الى جانب الجنس . فمعرفة جهد الناس في سن العمل لها أهميتها وقيمتها في معرفة الطاقات المتوفرة للبلاد ، إذ من المعلوم ان الولد قبل الخامسة عشرة ، خاصة اذا كان يراد له ان يتلقى مباديء اولية من العلم والثقافة لا بد ان يبقى من مسؤولية ابويه وبالتالي عالة على المجتمع . فتوزيع السكان حسب العمر مهم جداً لتقدير طاقاتنا . 

الاوروبيون : إن نسبة الاولاد الذين الذين تتراوح اعمارهم بين الصفر والعشرين عاماً تبلغ 37 بالمئة ، والذين بين 21 عاماً و60 عاماً تبلغ 53 بالمئة ، وما فوق الستين 10 بالمئة ، بالنسبة للسكان الاوروبيين . اما نسب النساء فتبلغ بين الصفر والعشرين عاماً 33 بالمئة ، والذين بين 21 و 60 عاماً يبلغون 53 بالمئة ، وما فوق الستين يبلغون 14 بالمئة . فالاناث اكثر تعرضاً للوفاة في سن الشباب من سن الطفولة واكثر تعميراً في مرحلة النضج والشيخوخة . ولدى مقارنة نسبة المعمرين في الجزائر بمعمري فرنسا نرى ان معمري الاوروبين في الجزائر تبلغ 12 بالمئة بينما هي في فرنسا 16 بالمئة ، بعكس الامر لدى الجزائرين العرب . 

العرب : عرب الجزائر شعب فتي ، كثير الولادات ، برغم ارتفاع نسبة الوفيات بينهم . فلا عجب اذا وجدنا ان نسبة من هم دون العشرين تبلغ 52.6 بالمئة ، أي اكثر من نصف السكان . اما ما بين 21 و 60 فهي 42 بالمئة . اما الشيوخ الذين تجاوزوا الستين فتبلغ نسبتهم 6 بالمئة فقط ، أي نصف الشيوخ من الاوروبيين . كما نلاحظ ان نسبة الذكورة في الاعمار اكثر من الانوثة في المرحلة الاولى ومتساوية معها في المرحلة الثانية واقل منها في المرحلة الثالثة . وهذا ما يؤكد كلامنا بان النساء اكثر تعميراً من الرجال . وزيادة في الايضاح نورد الجدول التالي للمجموعتين العربية والاوروبية حتى نسهل المقارنة مع الاعداد الكاملة بموجب احصاء سنة 1954 . 

                                 الاوروبيون                                                         العرب  

             الذكور                              الاناث                           الذكور                                 الاناث               

العمر              العدد                 النسبة      العدد         النسبة          العدد           النسبة       العدد             النسبة

صفر – 20       173700             37 %        169900      33 %     2311000          53 %           2266000       52  %

21 – 60         250300             53 %        272400       53 %     1833000         47 %          1840000       42  %

فوق الستين    45000             10 %        69700          14 %     216000            5 %            264000         6    %

المجموع         469000            100 %      511000       100 %    4360000       100 %         4370           100 %

هذا ما يجعل هرم الاعمار بالنسبة للسكان العرب واسعاً من القاعدة وضيقاً من الاعلى. وكل ما ارتفعت الاعمار ، كلما ضاق الهرم ، بخلاف هرم اعمار الاوروبيين . فهو متسع اكثر شيء في الوسط اي في مرحلة الرجولة والنضج . ولهذه الناحية اهميتها . فلئن كان عدد الشيوخ بالنسبة للسكان العرب قليلاُ مما يخفف من عبء المجتمع ، الا ان كثرة النشء الصغير ( اقل من عشرين عاماً ) يرهق ميزانية البلاد ويبرز مشكلة التعليم في صورتها المريعة والمكلفة ، في الوقت الذي نجد فيه ان القادرين على العمل ، او الذين يعملون فعلاً ، قليل جداً عددهم . 

الولادات والوفيات وامل الحياة

من الملاحظ ان نسبة الولادات مرتفعة جداً عند الشعوب العربية خاصة ، والشعوب المتخلفة بشكل عام ، كما نسبة وفيات الاطفال مريعة ، والجزائر على رأس هذه البلدان حيث تكثر الولادات والوفيات . فالعرب الجزائريون قل ما يكون عدد اولاد اسرهم اقل من اربعة او خمسة اولاد ، والمتوسط العام هو خمسة اولاد في كل عائلة ، وقد يصل العدد الى 12 او 14 مولوداً بين احياء وأموات . ولا غرابة في ذلك ، فنسبة الولادات لألف ساكن قد بلغت في سنة 1954 ، 46 بالمئة سنوياً ، أي 460 مولوداً . ومعنى هذا ان الذين يجيئون الى العالم سنوياً قد يبلغ عددهم في الجزائر ما يقارب النصف مليون . وبعكس ذلك ، نجد لدى الاوروبيين الذين يقطنون في الجزائر ان متوسط الاولاد في الاسرة يبلغ 2 ونسبة الولادات الى الف من السكان الاوروبيين تبلغ 19 بالمئة في السنة . الا ان ما يعدل هذا الفارق هو ارتفاع نسبة الوفيات لدى عرب الجزائر وقلتهم لدى الاوروبيين . فمعدل الوفيات لدى العرب بلغت في سنة 1947 حوالى 24.5 بالألف ، بينما هي لدى الاوروبيين 11.7 . وهذه السنة بالذات ، اي سنة 1947 ، كانت سنة وفيات طالت الجميع . وتقدر نسبة الوفيات هذه ضعف الوفيات في الاوقات العادية او ربما اكثر بقليل . واذا ما أخذنا وفيات الاولاد في السنة الاولى من اعمارهم لوجدنا الفرق واضحاً جداً . فالوفيات بين الجزائرين تبلغ احياناً 210 الى 220 بالمئة في المناطق الريفية و 152 بالمئة في المناطق المدنية ، بينما نجد انها لدى الاوروبيين لا تتجاوز 70 بالمئة . وتبلغ في الوقت الحاضر نسبة الوفيات للمولودين دون السنة لدى الاوروبيين حوالى 46 بالمئة ، بينما هي أعلى بكثير لدى الجزائريين العرب . 

يقودنا هذا الامر الواقع المحزن الى تحديد امل الحياة وفرص العيش المتاحة لكل من المجموعتين. فأمل الحياة بالنسبة للجزائري العربي تبلغ 46 سنة ، بينما تبلغ لدى الاوروبي 64 سنة للفرد الواحد . عمر العربي لا يزيد في المتوسط العام عن 46 سنة ، بينما يعمر الرجل الاوروبي حتى 64 سنة ، والمرأة حتى سن 67 . وتعود اسباب كثرة الولادات والوفيات عند العرب الى الاسباب نفسها الموجودة في بقية البلدان العربية وأهمها جهل مشاكل الحياة والتوكل على القدر والفقر المدقع الذي يحول دون توفرالعناية بالوليد، اضافة الى عوامل اخرى متعددة كالجهل وقلة التغذية والطبابة  وغيرها من العوامل . ومع كل هذا ، فان الزيادة الديمغرافية في الجزائر العربية تتسارع بشكل غريب . فالزيادة السنوية تبلغ في الوقت الحاضر 300 الف نسمة. واذا استمرت هذه الزيادة على وتيرتها الحالية فانه من المقدر ان يصل سكان الجزائر العرب الى عشرين مليون نسمة ، اوعلى الاقل الى 18 مليوناً ، بينما لن يتجاوز عدد السكان الاوروبيين في السنة نفسها المليون ونصف المليون ، هذا اذا بقوا في الجزائر واستمر تزايدهم على ما هو عليه الآن.  

هذا هو وضع السكان الجزائريين من الفئتين وطاقاتهم البشرية في صورة عاجلة . فما هي مشاكل السكان وما هي الحلول ؟  

مشاكل السكان وحلولها

من المشاكل الاساسية لارتفاع عدد السكان في الجزائر وقلة الامكانات المستغلة في الظروف الاستعمارية الحالية ، انخفاض مستوى الدخل وانتشار البطالة وزيادة الهجرة الى الخارج. هذا من الناحية الاقتصادية ، اما من الناحية الثقافية فانتشار الجهل على اوسع نطاق والصعوبات التي خلقها ، من حيث تنمية المواهب لدى المواطن العربي في الجزائر، أضعف طاقته واعدم ثورته على البؤس والشقاء وتحديد مطامحه وآفاته . اما من الناحية الاجتماعية فكبلته الامراض الفتاكة التي انتشرت واستفحلت وجعلت المواطن العادي ينطوي على فقره ومرضه وجهله . واذا ما تحدثنا بشيء من التفصيل عن ظاهرة البطالة والمشاكل الاقتصادية المتعددة ، فالارقام التالية تتحدث بوضوح عن خطورة هذه المشاكل . فالقادرون على العمل من ابناء الجزائر العرب يبلغون حوالى 2600000 في الوقت الحاضر ( 1962 ) . وكانوا 2300000 في سنة 1955،  بينما الذين يزاولون عملاً الآن يبلغ عددهم 1380000 فقط ، منهم 250 الف موظف وعامل يعيشون في المدن و 1030000 في الارياف ، ويبقى 920 الفاً من دون عمل او يعملون عملاً غير دائم . ولو تصورنا ان الواحد منهم يستهلك يومياً 200 فرنك لاعاشته ، فماذا يكون المبلغ اليومي الاجمالي ؟ . اننا نجده يبلغ 184 مليون فرنك او 184 الف جينه والمبلغ السنوي 67160 مليون جينه او 67160 مليار فرنك . وهذا يعني ان اموال المجتمع تنفق مجاناً على هؤلاء العاطلين عن العمل  ، بدل ان تكون الاموال هذه دخلاً مهماً يقارب ميزانية التعليم العامة في البلاد . وامام هذه البطالة المستفحلة التي تتزايد سنة بعد سنة مع زيادة السكان ، نجد ان هنالك مجالات عمل عديدة يمكن ان تفعل وتشغل الاعداد الكبيرة من الناس ، مثل مد الطرقات البرية والحديدية منها بصفة خاصة وشق القنوات للري وبناء السدود والمدارس والمشافي والمساكن وتشجير الجبال التي أصبحت معراة تقريباً وبناء المدرجات للمحافظة على التربة ، مما يعود على السكان بالنفع وعلى المجتمع بالرخاء . 

المشكلة الثقافية وزيادة السكان

بلغت نسبة المتعلمين في كل انحاء الجزائر سنة 1954 حوالى 15.5 بالمئة من مجموع السكان . وعدد الاولاد الذين بلغوا سن الدراسة في تلك الفترة كان يتجاوز 2500000 فرداً ، لا يتعلم منهم سوى 350 الف طفل وطفلة في الصفوف الابتدائية ، والباقي 2150000 يتسكعون في الشوارع مشردين . واذا أضفنا اليهم 1200000 سنوياً من بقية الولادات ، فان عدد المشردين يبلغ من الضخامة ما لا يصدق ! . وزيادة على ذلك، ان المشكلة في جهل الاسرة وافتقارها الى العلم . وهذا ما يزيد من حدة المشكلة . وأهم حل لهذا الواقع المرير يكمن اولاً في تشغيل العاطلين عن العمل والقيام بحملة تثقيفية لمحو الامية على نطاق واسع ، ومحاولة رفع المستوى التعليمي والثقافي تدريجياً . ويمكن ايضاً اقامة دورات تدريبية سريعة للمتعلمين الذين انهوا تعليمهم المتوسط او الثانوي واعداد البعض منهم للتفرغ للتعليم ، على ان يرافق هذا التدبير ما يستلزم من تخطيط محكم يشمل كل المشاريع الثقافية والاقتصادية في مراحلها المتعددة ودراسة الانمانات المتوفرة او التي يمكن توفيرها ودفع الثروات البشرية والطبيعية لمعركة محو الامية بكل اشكالها وامراضها الاجتماعية . فمحو الامية وتكوين الاطارات المساعدة للفلاحين لارشادهم الى احسن السبل لانماء ثروتهم وتعليمهم كيفية تكوين الدورات الزراعية وتنويع المنتجات وتحسينها ، عامل فعال في زيادة الدخل الذي بدوره يرفع مستوى الشعب ويؤمن امكانية التصنيع وتعليم الاجيال الصاعدة . وهو الضمانة الاولى لخلق اطارات فنية تستطيع بمواهبها وبارادتها الثورية ان توجد طاقات للدخل وتكشف امكانيات للثروة . فالانسان هو الذي يحطم الثروة ويبعثرها ويهدم المجتمع اذا أهمل . وعن طريق هذين العاملين يمكن حل المشكلة الاجتماعية وخلق مستوى محرم ولائق كريم لكل افراد المجتمع . والتكوين الثقافي والتشغيل الشامل لطاقات السكان مع التخطيط المبني على التعاون والايجابية هي الشروط الاساسية لنجاح مجتعنا ونهوضه من كبوته وخروجه من التخلف يجميع صوره ، خاصة في بلد مقبل على الاستقلال والحرية .  

الملاحق

                        جدول رقم 1                                                      جدول رقم 2

            تطور عدد السكان العرب في الجزائر                               تطور عدد السكان الاوروبيين في الجزائر

السنة                           العدد                                        السنة                           العدد

1856                            2310049                                  1833                            8712

1861                            2737851                                  1836                            24561

1866                            2656072                                  1841                            37374

1872                            2134052                                  1846                            95321

1876                            2478936                                  1851                            131283

1881                            2860497                                  1856                            159292

1886                            3287217                                  1861                            192746

1891                            3577063                                  1866                            217990

1896                            3781098                                  1872                            245117

1901                            4089150  nbsp;                                1876                            344749

1906                            4477788                                  1881                            412435

1911                            4474526                                  1886                            464830

1921                            4923186                                  1891                            530920

1926                            5150756                                  1896                            578480

1931                            5588134                                  1901                            633850

1936                            6201144                                  1911                            752043

1948                            7679078                                  1916                            779654

1954                            8449332                                  1926                            833359

                                                                                    1948                            922272

                                                                                    1954                            984000

ملاحظة :

 1 – حتى سنة 1881 كان الاحصاء يبنى على التقديرات .

 2 – منذ سنة 1872 اصبح اليهود داخلين في المجموعة الاوروبية .