المباركية

مركز اشعاع للفكر والثقافة في الكويت

 الآنسة فردوس المأمون  

نشر المقال في حزيران / يونيو 1962 ، العدد العشرون ، الرائد العربي  

إنها اول مدرسة حملت مشعل الثقافة في الكويت . وقد احتفل كل كويتي بيوبيلها الذهبي في الخامس عشر من ابريل / نيسان الماضي . وكان يوماً تاريخياً مشهوداً في حياة الكويتيين . 

كان يوماً حافلاً من فجره حتى منتهاه . 

منذ الصباح الباكر ، توافد الى المدرسة الام ، الخريجون والمدرسون القدامى ، وجلس الخريجون في الصفوف، تماماً كالطلاب ، وسمعوا دروساً من المربين القدامى ، واستعادوا الذكريات ، ثم تناولوا جميعاً طعام المدرسة وسط البهجة العارمة وتمنوا لمدرستهم القديمة دوام الازدهار . وبعد الظهر اقيم في المدرسة معرض رائع لاعمال طلاب المباركية وخريجيها . وفي المساء اقيم مهرجان الشعلة ، فحمل الطلاب من مختلف المدارس ، وسائر مراحل التعليم ، المشاعل واشتركوا في إيقاد شعلة المباركية وساروا في موكب جميل الى مبنى المدرسة بعد ان طافوا في الشوارع المزدانة بالانوار والاعلام الزاهية ، بينما تجمع ممثلو المدارس في ساحة الصفاة وساروا في نظام أخاذ الى المدرسة تتقدمهم فرقة موسقى الجيش . وفي المباركية ، كان في استقبالهم الشيخ عبد الله الجابر الصباح ، وزير التربية والتعليم ، والوزراء ورجال السلك الدبلوماسي واعضاء المجلس التأسيسي وضيوف الكويت في مؤتمر الاعلام العربي ، بالاضافة الى رجال الصحافة والاذاعات العربية والاجنبية . 

ايقاد شعلة المباركية  

أوقد وزير التربية والتعليم في تمام الساعة الثامنة مساء ، شعلة المدرسة المباركية ايذاناً ببدء حفلة المساء ، ثم افتتح الحفل بالسلام الاميري وبتلاوة من آية الذكر الحكيم . والقى ، بعد ذلك ، وزير التربية والتعليم ، كلمة رحب فيها بالحاضرين واعرب عن ابتهاجه بهذه المناسبة الطيبة ثم قال : " لقد عاشت المدرسة المباركية ، منذ خمسين عاماً ، مركز اشعاع للفكر والثقافة في المجتمع الكويتي ، وكانت المورد الصافي الذي نهلت من نميره اجيال كاملة من شباب الكويت . ولا تزال هذه المدرسة ، كما كانت من قبل ، تحمل مشعل العلم والمعرفة وتضيء السبيل للاجيال الحاضرة . وإذ تحتفل الكويت بحكومتها وشعبها بهذا العيد السعيد ، أي اليوبيل الذهبي، للمدرسة المباركية ، انما تحتفل بتاريخها العلمي الذي طلع فجره مع نشأة هذه المدرسة المباركية " . ثم قال : "للمباركية في نفوس ابناء الكويت ذكريات تتجدد مع الزمن لقديم عهدها في الثقافة وجديد عهدها في التربية . هي ركيزة العلم في هذا البلد المتجدد دائماً . واليوم ، في ظل الاستقلال ، تحتفل دولة الكويت باليوبيل الذهبي للمدرسة المباركية وتشترك الحكومة والشعب في هذا الاحتفال . ومن توفيق الله اننا نحتفل بعيد المدرسة المباركية في الوقت الذي يتم فيه التحضيروالاعداد لانشاء جامعة الكويت . ما أجلّ المناسبات " . 

وقف على الاثر السيد رجب الرفاعي والقى كلمة الخريجين ، وجاء فيها : " اننا ابناء المدرسة المباركية ، مهما اختلفت بنا الدروب ، ما نزال نذكر هذا المعهد الذي هو مفخرة هذا البلد العربي الكريم ، وان شجرة المباركية قد بلغت من عمرها الخمسين عاماً وأنجبث الكثير من الرجال .." . ثم تحدث الاستاذ احمد خميس ، قاضي المحكمة الشرعية واحد اساتذة المباركية القدامى ، فاشاد بأثر المباركية ودورها في تاريخ البلاد .  

تقدم بعد ذلك ناظر المباركية الاستاذ يوس عبد المعطى وارتجل كلمة رحب بها بالحضور وشكر كل من أسهم في اقامة اليوبيل الذهبي وأثنى على الايدي الطيبة التي أسست المدرسة . ثم اشترك الحاضرون جميعاً في انشاد نشيد المدرسة القديم ، كما انشد الطلاب الحاليون نشيد المباركية الجديد .  

قصة انشاء المباركية   

نتساءل اليوم ، بعد مرور خمسين عاماً على انشاء هذه المدرسة التي كانت اول مدرسة حملت مشعل العلم والنور امام الشعب في الكويت ، كيف كانت وكيف اصبحت مدرستنا هذه . من أنشأها وما هي المراحل التي مرت بها .  

يخبرنا المؤرخ عبد العزيز الرشيد عن نشأة المباركية في كتابه " تاريخ الكويت " ان الفضل في انشاء المدرسة يعود الى ثلاثة من الفضلاء في الكويت هم : الشيخ يوسف بن عيسى والمرحومين الشبخ ناصر المبارك والسيد ياسين الطباطبائي . هم اول من حث على تأسيسها واول من رغّب الجمهور في الانفاق في سبيلها . كما كان لآل خالد اياد بيضاء " لا تقل عن ايادي سواهم " . وقد أسست اولاً على انقاض بيت كبير من بيوتهم وكانوا يحرصون كل الحرص على تنمية ماليتها . ثم تحدث الاستاذ عبد العزيز الراشد عن مساهمة الكويتيين في تأسيس المباركية فقال : " لقد جمع ما ينيف على ثمانين الف روبية من المحسنين ، وبديء في بنائها سنة 1329 هجرية . وكان الشيخ يوسف بن عيسى اول من تولى ادارتها والتعليم فيها فيما بعد .  

أثر المباركية في النهضة العلمية  

اذا ما راجعنا تاريخ الكويت لوجدنا ان التعليم وجد سبيله الى المجتمع الكويتي منذ زمن بعيد بدافع من الحاجة وحافز من الرغبة الصادقة في التطور والتقدم لممارسة التجارة كمورد رزق . ثم تطورت التجارة وازدهرت واحتاج رجال الاعمال الى كتبة ومحاسبين ،كما رغب الناس في تحصيل العلوم الدينية وغيرها ، مما ساعد وشجع على التفكير في ايجاد تعليم اكثر تنظيماً وأقدر على سد حاجة الناس . من هنا تأسست المدرسة المباركية سنة 1912 وسميت بالمباركية تيمناً باسم حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح ، وكان لهذه المدرسة أعظم الاُثر في خلق اتجاهات جديدة لدى الاجيال الناشئة ، يحفزهم على الاستزادة من العلم وتفرعاته وتنظيم الوسائل لتحصيله . 

ظلت الحال على هذا المنوال والشكل حتى سنة 1936 حين بدأت الحياة الاقتصادية في الكويت تدخل في مراحل جديدة . فقد ازداد اتصال الكويت بالهند وشرقي افريقيا والاقطار المجاورة ، فاتجهت الافكار لتنظيم العلم الذي كان يتركز يومذاك في المباركية وفرضت الحكومة ضريبة للانفاق على التعليم بأكثرمراحله ، وتم تأليف اول مجلس للمعارف الذي اتخذ من المباركية مركزاً له . عندها بدأت وفود المدرسين من البلاد العربية تتوافد على الكويت . فجاءت اول بعثة عربية للتعليم من فلسطين ، وأخذ اعضاؤها يضعون النظم والوسائل للتوسع في التعليم وفي نشر اسس المعرفة . ولم يكن لهم ميدان غير المباركية لتنبثق عنه توجيهاتهم . 

ازداد اهتمام الحكومة بالتعليم فأوفدت بعض الطلاب للدراسة في الخارج . وكان طلاب المباركية الرواد الاوائل الذين أوفدوا في بعثة الى الخارج . ثم جاءت الى الكويت اول بعثة تعليمية من مصرسنة 1943 . وكان لهذه البعثة أثرها البارز في دفع عجلة النهضة التعليمية ووضعت خطة عملية لنشر العلم والتوسيع في اكثر فروعه . ولم تقف المدرسة المباركية عند هذا الحد ، بل كانت في تطور مستمر، فاضيفت الى فصولها فصول للتعليم الثانوي . وظلت الخطة تتقدم في المباركية بثبات حتى أنشئت ثانوية الشويخ فانتقلت البعثة اليها في عام 1953 – 1954 ونظّمت الدراسة فيها وفقاً لنظام الدراسة في المرحلة المتوسطة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا . وفي سنة 1949 – 1950 أنشيء في الثانوية قسم خاص للتعليم التجاري استجابة للتطور الاقتصادي الذي شمل مختلف اوجه الحياة الكويتية آنذاك ، كما أنشيء فيها دار للمعلمين لتهيئة طائفة من ابناء الكويت يتولون التعليم في مدارسها .  

تشعبت المدارس العلمية عن المدرسة المباركية بعد هذا التاريخ ، وبلغت في سنة 1962 نحو 142 مدرسة تضم 1630 فصلاً دراسياً ، يتلقن فيها العلم 50780 طالباً وطالبة ويتولى التدريس يها 2555 مدرساً ومدرسة . 

تطور المباركية 

تطورت المباركية وتقدمت مع تقدم البلد . فبعد ان كانت " كتاباً " صغيراً أصبحت صرحاً كبيراً تضم في بنائها الضخم الحديث قاعة فسيحة فيها مسرح كبير حيث يتلاقى في رحابها أهل الرأي والفكر من المواطنين . وفي هذه القاعة الفسيحة يمارس الجيل الطالع نشاطه الثقافي حيث يعقدون مع الاساتذة الندوات الثقافية والفكرية والتوجيهية . كما تضم المدرسة في مبناها الجديد مختبراً للعلوم ملحقاً به مدرج كبيرأعد على طراز حديث وزود بكل المعدات والآلات اللازمة . هذا الى جانب المكتبة الكبيرة التي تضم مجموعة ممتازة من الكتب والموسوعات العلمية والادبية والفنية والحقت بها قاعة فسيحة للمطالعة . 

تتابع المدرسة المباركة رحلتها التعليمية ورسالتها التربوية مستهدفة الخير والازدهار لابناء الكويت وخلق جيل واع وصالح يستطيع بالعلم والمعرفة ان يحقق للكويت كل خير وازدهار .