كيف يتغلب العرب على الدعاية الصهيونية في المجالات الدولية

مقابلة مع سعادات حسن ، رئيس قسم العلاقات العامة والصحافة

 في مكتب الجامعة العربية في الولايات المتحدة الاميركية .

نشرت وقائع المقابلة في حزيران / يونيو 1962 ، العدد العشرون ، الرائد العربي  

كان لموضوع الاعلام قدر كبير من العناية والاهتمام في البلاد العربية خلال الآونة الاخيرة ، لما انطوى عليه من خطورة بالنسبة لقضايانا في مختلف انحاء العالم . فالاعلام هو القوة الجارفة المساندة لكل عمل ايجابي بناء يجري في داخل الوطن العربي الكبير ، ومن شأنه دفع عجلة التطور المجتمعي عندنا الى الامام ، ومسايرة الركب العالمي في تقدمه ووعيه وتحقيقه سائر منجزات العصر الحديث . وقد جاء انعقاد اللجنة الدائمة للاعلام العربي في دورتها العادية الخامسة في الكويت مؤخراً ، خير دليل على وعي العرب لخطورة هذا الموضوع وضرورة السير به قدماً لبلوغ الهدف الاسمى . 

السؤال الاول : ما هي العقبات التي تعترض العمل الدعائي العربي الموحد خارج الوطن العربي وكيف يمكن ان تذلل هذه العقبات في رأيكم ؟ . 

العقبات التي تعترض العمل الدعائي العربي كثيرة ، أهمها :  

اولاً : تعدد المشاكل التي يتخبط بها العالم العربي حالياً والتي لها انعكاساتها السلبية في الحقل الدعائي خارج الوطن العربي . فمشكلة فلسطين ، مثلاً ، التي تعتبر المشكلة الرئيسة للعمل الدعائي خارج الوطن العربي تكاد تصبح ثانوية بالنسبة لقضية الجزائر وما تقترفه القوات المسلحة الفرنسية هناك من فظائع رغم توقيع اتفاقية ايفيان . ومثل آخر : عندما جرى تأميم قناة السويس سنة 1956 ، كرّس مكتب الاعلام العربي كل جهوده وامكاناته في العمل الدعائي لتبرير التأميم والتحذير من اي اعتداء على الوطن قد يقع كردة فعل . وهذا ما حدث فعلاً في خريف 1956  عندما كرّس مكتب الاعلام العربي كل جهده للتأثير على الصحافة الخارجية ومكوني الرأي العام وتجنديهم للوقوف ضد الاعتداء الثلاثي .  

ثانياً : كثرة المؤسسات المعادية وقوة العناصر المعاكسة التي تعمل ضد مصلحة الوطن العربي في الولايات المتحة الاميركية . 

ثالثاً  : المفهوم الخاطئ في الاوساط الشعبية الاميركية عن العرب والبلدان العربية والصورة المشوهة للانسان العربي . وهذا المفهوم ناتج عن مصادر بعضها له وجود في الوطن العربي ، والبعض الآخر مبني على الخيال وكتاب الف ليلة وليلة وتضليلات الدعاية الصهيونية التي طالما حاولت ان تخلق صورة باطلة ومشوهة عن الواقع العربي . فتأثير هوليوود وامثالها ، مثلاً ، خلق صورة عن العربي أشبه بحياة العربي ايام الجاهلية . 

رابعاً : الاختلافات بين الحكومات العربية والتنازع المستمر بين حكومة واخرى مما يجعل العمل الدعائي لأي قضية عربية ، مهما اتفق العرب عليها ، ضئيل الفائدة . فلو فرضنا المتكلم العربي تطرق الى اتفاق العرب بالنسبة الى القضية الفلسطينية ، فان مستمعاً سيثير الخلاف او الخلافات بين دولة عربية واخرى للتدليل على عدم امكانية العرب معالجة القضية الفلسطينية المركزية  معالجة فعالة . وليس أصعب على الداعية العربي من ان يذكّر بصورة مستمرة بالنزاعات والخلافات بين دولة عربية واخرى .  

خامساً : سعة اميركا الجغرافية . أميركا ليست بلداً واحداً ، بل شبه قارة يزيد عدد سكانها عن 180 مليوناً . ولكي يستطيع العرب ان يقوموا بنشاط دعائي فعّال في مجتمع كهذا ، فانهم سيحتاجون الى عشرات ، بل مئات، الاشخاص الاكفاء للعمل في هذا الحقل ولايصال الصوت الى هذا الكوكتيل البشري الذي يعيش في الولايات المتحدة المترامية الاطراف والمتعددة الاجناس والمعتقدات ، ولا يمكن ان نكتفي بفتح مكتب واحد للعمل في شبه قارة . لذلك لم يكن تأسيس المكتب العربي في مدينة نيويورك الا خطوة انبثق عنها افتتاح مكاتب فرعية اخرى في مختلف المناطق الاميركية ليتسنى لنا الاتصال بمكوني الرأي العام في اميركا والتأثير عليه . غير ان ما يؤسف له ان القائمين على تمويل اجهزة الدعاية في الوطن العربي في حاجة الى مزيد من العناية والتدريب والوعي ، كما ان على الحكومات ان تزود هذه المراكزبما تحتاج اليه من الامكانات المادية والمالية ، بالاضافة الى حشد الكفاءات والمواهب ، كي تتمكن مراكزنا من اداء عملها المتزايد والمتسع باستمراربفعالية ونجاح .  

سادساً : ضعف التعاون والتنسيق بين مكتب الاعلام العربي والبعثات الدبلوماسية العربية وعدم توفر الامكانات المادية والبشرية لدى بعض هذه البعثات وعدم ايمان بعضها بأهمية العمل الدعائي العربي وجدواه . 

سابعاً : تقصير الحكومات العربية في امداد مكاتب الدعاية العربية بمواد الدعاية والاعلام بصورة منتظمة ومستمرة ليتسنى للمكاتب ان تقوم بنشرها والاستفادة منها في الوقت المناسب . 

ثامناً : عدم تطور اجهزة الدعاية في اقطار الوطن العربي لتتلاءم مع احدث اساليب الدعاية المتبعة في الولايات المتحدة . مثلاً ، تكاد تكون الافلام الناطقة احدث وانجع الوسائل الدعائية المتبعة في اميركا . وبالرغم من ذلك ، لا يوجد عندنا الا فيلم واحد عن التقدم الاجتماعي والاقتصادي في الوطن العربي ، قام الكتب باعداده سنة 1956 .    

تاسعاً : عدم توفر التشجيع المعنوي والمادي اللازم للمكاتب الداعائية بسبب عدم اطلاع الرأي العام العربي الشعبي على نشاط هذه المكاتب ، الأمر الذي لو توفر لضاعف من حماس العاملين وتجاوب الجمهور وتعاونه معنا على اوسع مدى ممكن .  

هذه بعض العقبات ، وهنالك عقبات اخرى عديدة لا بد من التطرق اليها في مناسبة اخرى حتى يتمكن الرأي العام العربي  من الاطلاع عليها والاسهام بدوره في تذليلها . 

اما كيف يمكننا التغلب على هذه العقبات ، فيمكن ايجازها بشكل عام بما يلي :  

 1 – ضرورة اعداد الدراسات العلمية المعمقة لمختلف القضايا العربية التي تثار على الصعيد العالمي والتي نتوقع إثارتها في المستقبل . 

2 – ضرورة قبول المبدأ القائل ان قضايا الامة العربية ، مهما تعددت واختلفت ، فانها تظل واحدة لا يمكن تجزئتها . فالعمل ضد الصهيونية لا يمكن الا ان يكون عملاً دعائياً موحداً ضد الاستعمار والصهيونية والرجعية. 

3 – على الحكومات العربية والمؤسسات العامة والخاصة ان تباشر الى مد مكاتب الدعاية العربية بالعون المادي والمالي الذي يمكنها من مضاعفة جهودها وتوسيع مجالات نشاطها والنهوض برسالتها الجليلة الهامة . 

4 – اقامة صلات مفيدة بين كبار الزوار ومراسلي الصحف ووكالات الانباء والاذاعة والتلفزيون الاجانب وبين دوائر الاعلام العربية والمفكرين والمثقفين العرب لما في تنظيم هذه الصلة من نتائج ايجابية مهمة . 

5 – على الحكومات العربية ان تباشر الى اقامة جهاز فني خاص يقوم بدراسة المشاكل والعقبات التي تعترض سبل العمل الدعائي العربي في الخارج وتقديم الحلول العملية والمنطقية على ضوء التجارب العلمية وعم التأخر في وضعها موضع التنفيذ . 

السؤال الثاني : ما هي الطرق التي تتبع عادة في العمل الدعائي ولم نتبعها حتى الآن ؟ . 

الطرق التي يتبعها المكتب العربي في الولايات المتحدة للدعاية العربية متعددة ، أهمها ما يلي :  

1 – تنظيم المحاضرات . فمثلاً ، بلغ عدد المحاضرات التي نظمها المكتب سنة 1961 الفاً وثمانين محاضرة في مختلف انحاء الولايات المتحدة ، أي بمعدل ثلاث محاضرات يومياً . وهذا العدد يعادل عشرة أضعاف المحاضرات التي قام بها المكتب سنة 1955 .  

2 – الظهور على التلفزيون والاذاعات . وهذه الوسيلة التي تعتبر من أهم وانجع الوسائل ما زالت بحاجة الى مزيد من العناية وتوفير جهاز يتفرغ لها داخل جهاز مكتب الاعلام العربي . وهذا الامر يحتاج لتنفيذه توفير المخصصات اللازمة من قبل الحكومات العربية .

3 – الرد على ما تنشره الصحافة من اخبار وتعليقات ومقالات سلبية تتعلق بالقضايا العربية .  

4 – اصدار نشرات دورية خاصة . ويقوم المكتب الاعلامي العربي حالياً باصدار ثلاث نشرات دورية باللغة الانكليزية . الاولى ، نشرة نصف شهرية تسمى بأخبار وآراء عربية ، وهي اخبارية وتوجيهية توزع على أكثر من 15 الف مؤسسة وقاريء . اما الثانية فهي نشرة شهرية تدعى " العالم العربي " The Arab World  ، تعالج فيها مواضيع ومقالات عن التقدم الثقافي والاقتصادي والعمراني والمشاكل السياسية في الوطن العربي وتوزع على 25مؤسسة وقاريء وتحتفظ في معظم مكتبات الجامعات الاميركية . وهي تعتبر مرجعاً مهماً لدراسة شؤون الشرق الاوسط . الثالثة ، نشرة تصدر كل شهرين وتعرف باسم الاراضي المقدسة The Holy Lands  ترسل مع كليشيهات الى اكثر من الف صحيفة صغيرة في المدن والقرى الاميركية . 

5 – نشرات اخبارية وبيانات صحفية تعالج فيها قضايا الساعة .  

6 – الاجابة على الاسئلة التي تردنا من افراد الشعب الاميركي حول قضايا العالم العربي . ففي سنة 1961 أجاب المكتب على حوالى خمسين الف سؤال واستفسار . 

السؤال الثالث : ما هي ، في رأيكم ، العلاقة التي يجب ان تقوم بين مراكز الدعاية والاعلام العربية في الخارج ، والحكومات العربية ؟ . 

من الصعب جداً ان نتوقع ان يكون أثر للعمل الدعائي في الخارج ما لم تقم صلة قوية بين مراكز الاعلام والحكومات العربية ، مبنية على التعاون المطلق ، سواء أكانت الصلة مباشرة ام عن طريق الجامعة العربية . اما الآن ، فتكاد تكون العلاقة بين مراكز الدعاية العربية والحكومات العربية منحصرة عن طريق الجامعة العربية ، وتشكو هذه العلاقة من الروتين الاداري الذي يؤخر الاستفادة من الاتصال المباشر . ومن جهة اخرى تمتنع بعض الدول العربية ، او تتباطأ ، في امداد مراكز الاعلام بما لديها من معلومات عن قضية او قضايا تنوي حكومة ما إثارتها على الصعيد العالمي ليتسنى لمراكز الدعاية الاعداد لها ، بحيث يكفل نجاح الدعوة لتلك القضية .  

السؤال الربع :  

ا – ما هي العنلصر الرئيسة التي تتكون منها محصلة الدعاية العربية في الولايات المتحدة الاميرطية ، وما هي نقائص وعيوب الجهاز الذي يقوم على تلك الدعاية ، وما هو العلاج في رأيكم ؟ .  

ب – ما هي القوى المعاكسة التي تعمل ، بطريقة مباشرة او غير مباشرة ، للاساءة الى سمعة الوطن العربي في الخارج ، والى أي درجة تقلل تلك القوى من فاعلية عملكم ؟ . 

العناصر التي تتكون منها الدعاية العربية في الولايات المتحدة الاميركية هي :  

1 – مركز الاعلام العربي في نيويورك وفروعه في كل من المدن الآتية :

شيكاغو ، وقد تأسس في اول كانون الثاني / يناير 1956 .

سان فرانسيسكو ، وقد تأسس في تموز / يوليو 1957 .

واشنطن ، وقد تأسس في تموز / يوليو 1958 .

اوتاوا ( كندا ) ، وقد تأسس سنة 1958 .

دالاس ، وقد تأسس سنة 1960 .

وهناك مراسل للمكتب يقوم بمختلف العمل الدعائي في فلوريدا والولايات الجاورة . 

2 – بعض رجال البعثات الدبلوماسية العربية .

3 – بعض الاساتذة ورجال الدين الاميركيين ، خاصة أولئك الذين عاشوا فترة من الزمن في الوطن العربي او قاموا بزيارة بعض انحائه . 

4 – بعض المغتربين العرب . ومما يؤسف له ان القسم الاكبر من المغتربين العرب هم ثروة ضائعة مبددة لا تحسن دولنا الاستادة منها .

5 – الطلبة العرب ويقارب عددهم الخمسة الآف طالب ، لهم أكثر من سبعين نادياً في مختلف الجامعات الاميركية . 

6 – المؤسسات والمنظمات الصديقة للعرب والمعادية للصهيونية . 

هناك عناصر اخرى مبعثرة ، يستحسن محاولة تنظيمها . وقد بدأ المكتب فعلاً في تنظيم بعضها . اما القوى المعاكسة التي تعمل بطريقة مباشرة او غير مباشرة للاساءة الى سمعة الوطن العربي في الخارج فهي : قوى الاستعمار ، الصهيونية ، جهل الشعب الاميركي بحقيقة واقع الامة العربية ، وعدم اهتمام بعض فئات هذا الشعب بما يجري خارج مجتمعه الضيق ، مما يشكل عملاً مضاداُ لجهودنا ويترك أثراً مضاداً لوجهة نظرنا .

 اما أهم القوى المعاكسة ، فهو في الحقيقة ما يحدث في داخل الوطن العربي من خلافات ونزاعات وتصرفات تصدر عن اولئك الذين من المفروض فيهم ان يعطوا انطباعات ويصنعوا اخباراً تصب في مصلحة الوطن العربي ، لا ضد تلك المصلحة  . 

السؤال الخامس : ما هي ، في رأيكم ، الوسيلة العملية الفعالة للدعوة لقضية فلسطين ، دعوة جدية فعالة ، في المحافل العالمية ؟ . 

إن خير وسيلة للدعاية لأي قضية هي ان يكون هناك عمل فعال وديناميكية منبثقة عن تلك القضية . اما بالنسبة للقضية الفلسطينية ، فمنذ سنة 1947 وقبول معاهدة وقف اطلاق النار مع اسرائيل ، يكاد ينحصر العمل في قضية فلسطين في الطلب الى الامم المتحدة بتجديد مهمة وكالة الغوث الدولية واعادة تكرار المادة 194 فقرة 3 المتعلقة باعادة اللاجئين او التعويض على من لا يرغب بالعودة . وما لم يطرأ تفكير جدي للعمل على الصعيد القومي داخل فلسطين ، فانه سيبقى من الصعب ان نثير اهتمام الرأي العام العالمي ليقف الى جانبنا . ولنا في ما حدث في الجزائر خير عبرة .